يُصنّف التقيؤ والغثيان ضمن مجموعة الأعراض الشائعة خلال فترة الحمل، إذ إنّ هذه الأعراض تؤثر في حوالي 90% من النّساء الحوامل، وفي حالاتٍ قليلة تعاني بعض النساء من أعراض تقيؤ وغثيان شديدة خلال فترة الحمل ترتبط بما يُعرف باسم التقيؤ الحملي المفرط، والتي أشارت الإحصائيّات إلى احتماليّة حدوثها لدى حوالي 0.5-2% من مُجمل حالات الحمل عالميًّا.[1][2]
ما هو التقيؤ الحملي المفرط؟
التقيؤ الحملي المفرط أو القيء المفرط الحملي (Hyperemesis gravidarum)، هو أحد مضاعفات الحمل التي تظهر كاستفراغ وغثيان شديدين مستمرين خلال فترة الحمل، وقد تؤثر هذه المشكلة في جوانب عِدة من صحة المرأة، كالتوازن الداخليّ للجسم (Homeostasis)، وتوازن السوائل والكهارل (Electrolytes)، ووظائف الكلى، كذلك فهي قد تنعكس سلبًا على سلامة الجنين خلال الحمل، وعادةً ما يصل التقيؤ الحملي المفرط ذروة أعراضه في الأسبوع التاسع من الحمل، ويبدأ بالتراجع في الأسبوع 20 من الحمل تقريبًا.[3][4]
أعراض التقيؤ الحملي المفرط
تظهر أعراض التقيؤ الحملي المفرط شديدةً مقارنةً بأعراض غثيان الصباح الاعتيادي الذي تعانيه معظم النساء الحوامل،[4] ومن أعراضه:[4][5]
- الإصابة بتقيؤ وغثيان شديدين ومتواصلين خلال فترة الحمل.
- فرط إفراز اللعاب (Ptyalism).
- نزول الوزن.
- خلل في التذوق (Dysgeusia).
- ظهور أعراض الإصابة بالجفاف، كالبول الداكن، وجفاف الجلد، وحدوث الإغماء أو الشعور بالدوار، والإصابة بضعفٍ جسديّ.
- اضطرابات في النوم.
- تراجع القدرة على التركيز.
- زيادة الحساسيّة للروائح.
- الإصابة بالاكتئاب، أو القلق، أو الهياج، أو تغيّرات المزاج.
- الإصابة بالإمساك.
- اضطراب توازن السوائل والكهارل في الجسم.
- عدم القدرة على تزويد الجسم بكميّاتٍ كافية من السوائل أو العناصر الغذائيّة.
متى يبدأ الاستفراغ في الحمل؟
تظهر أعراض استفراغ وغثيان الحمل في معظم الحالات خلال الثلث الأول من الحمل، إذ لوحظ بأنّ معظم النّساء يعانين من الاستفراغ والغثيان بحلول الأسبوع الخامس من الحمل، وتتفاقم الأعراض لديهنّ حتى تصل أسوأ حالاتها في الأسبوع التاسع من الحمل تقريبًا، وعلى الرغم من تسمية الغثيان والتقيؤ الذي يحدث خلال الفترة الأولى من الحمل بغثيان الصباح (Morning sickness)، إلّا أنّه قد يظهر لدى الحامل في أيّ وقتٍ خلال اليوم، وعادةً لا يُصاحبه خسارة وزن الجسم أو حدوث مشكلات صحيّة أخرى تُثير القلق، باستثناء حالات الإصابة بالتقيؤ الحملي المفرط، والتقيؤ المرتبط بوجود مشكلاتٍ أُخرى في الجسم.[2][6]
أسباب الاستفراغ في الشهر الرابع
لم يحدّد العلماء الأسباب الفعليّة لحدوث الاستفراغ الذي ينحصر ظهوره في الثلث الأول من الحمل – الشهور الثلاث الأولى من الحمل -، والذي قليلًا ما قد يستمر خلال الجزء الثاني من الحمل - في الشهر الرابع تقريبًا -، ولكن عادةً ما تُعزى هذه المشكلة إلى حدوث ارتفاعٍ متسارع في مستوى هرمون موجهة الغدد التناسليّة المشيمائيّة البشريّة (HCG) (Human chorionic gonadotrophin)،[6][7] كذلك قد تعاني الحامل من التقيؤ والغثيان بسبب عوامل أُخرى:[6]
- ارتفاع مستوى هرمون الإستروجين.
- ارتفاع مستوى هرمون البروجستيرون، وهو الهرمون الذي يُفرَز باستمرار خلال الحمل، وقد يسبب تباطؤ في تفريغ المعدة لمحتوياتها، وإثارة الشعور بالغثيان والتقيؤ.
عوامل الخطورة لحدوث التقيؤ الحملي المفرط
تعاني بعض النساء الحوامل من التقيؤ الحملي المفرط دون وجود سببٍ واضح يفسّر ظهور أعراضه،[2] ولكنّه غالبًا ما يتكرّر في حالاتٍ معيّنة:[2][8]
- الحمل بتوائم.
- الرَّحى العُداريَّة الشكل (Hydatidiform mole)، أو كما تُعرف أيضًا باسم الحمل العنقودي (Molar pregnancy)، وهي أحد أنواع ورم الأرومة الغاذية الحملي (GTD) التي ينشأ فيها الورم من المشيمة، وعلى الرغم من كون الرحى العداريَّة الشكل تُصنّف ضمن الأورام الحميدة، إلّا أنّها تمتلك قابلية التحوّل إلى ورمٍ خبيث واجتياح أجزاءٍ أُخرى في الجسم.
- التعرض للتقيؤ الحملي المفرط في حملٍ سابق.
- وجود تشوّهات خلقيّة وجينية لدى الجنين.
- وجود تاريخ عائلي للإصابة بالتقيؤ الحملي المفرط.
- معاناة الأم الحامل من السمنة، أو انخفاض وزن جسمها عن الحدّ الطبيعيّ.
- الحمل بجنينٍ أنثى.
- الانتظام على تناول كمياتٍ كبيرة من الدهون قبل الحمل -بالأخص الدهون المشبعة-، إذ لُوحظ بأنّ هذا النمط الغذائي قد يزيد من احتمالية دخول المستشفى بسبب بالتقيؤ الحملي المفرط.
- الإصابة بعدوى بكتيريا الملوية البوابية (Helicobacter pylori) - الجرثومة الحلزونيّة -.
سبب الاستفراغ في الشهر السادس
على الرغم من أنّ معظم حالات الاستفراغ والتقيؤ تظهر في الثلث الأول من الحمل، فإنّ فئة من النساء الحوامل تستمرّ لديهنّ الأعراض طوال فترة الحمل،[9] ومن المحتمل أن يرتبط استمرار أعراض التقيؤ والغثيان الشديد لفترةٍ أطول خلال الحمل بحدوث التقيؤ الحملي المفرط.[7]
تعاني الحامل في بعض الحالات من التقيؤ في الشهر السادس أو في أي وقتٍ خلال الحمل لأسبابٍ أُخرى لا علاقة لها بالحمل،[2] أبرزها:
- قرحة المعدة.[2]
- انسداد الأمعاء الدقيقة.[2]
- التهاب المرارة (Cholecystitis).[2]
- التهاب البنكرياس.[2]
- حصيات المرارة (Cholelithiasis).[2]
- التهاب المعدة والأمعاء (Gastroenteritis).[2]
- تحصي الكلية (Nephrolithiasis).[2]
- التهاب الحويضة والكلية (Pyelonephritis).[2]
- التهاب الكبد (Hepatitis).[2]
- اختلالات الدهليز (Vestibular abnormalities).[2]
- الشقيقة.[2]
- أورام الجهاز العصبي المركزي.[2]
- الورم الدماغي الكاذب (Pseudotumor cerebri).[2]
- مضاعفات مرض السكري.[2]
- مرض أديسون.[2]
- فرط نشاط الغدة الدرقية (Hyperthyroidism).[2]
- التواء المبيض (Ovarian torsion).[2]
- التهاب الزائدة الدودية.[10]
- ارتفاع الضغط داخل القحف (Intracranial pressure) -ارتفاع الضغط في الدماغ-.[10]
- التسمم بالأدوية، أو عدم تحمُّل الدواء.[11]
- الإصابة باضطرابات الصحة النفسيّة.[11]
- تعذر الارتخاء المريئي (Achalasia).[11]
- ورم انحلاليّ عضلي أملس في الرحم (Degenerating uterine leiomyoma).[11]
غالبًا ما يكون التقيؤ والغثيان اللذان يظهران خلال الحمل لوجود أسبابٍ لا علاقة لها بالحمل نفسه مصحوبًا بظهور أعراضٍ أُخرى، كألم البطن، والتقيؤ الصفراوي (Bilious emesis)، وتغير عادات التبرز، والصداع.[2]
عدم الاستفراغ في الحمل
أشارت إحدى الدراسات التي نُشرت في مجلة (Human Reproduction) في عام 2010 ميلادي إلى أنّ عدم الاستفراغ في الحمل أو عدم الشعور بالغثيان في هذه الفترة قد يُصاحبه ارتفاع خطورة حدوث الإجهاض المبكّر، كذلك فإنّ احتماليّة حدوث الإجهاض المبكّر تزداد كلّما كانت مدّة ظهور أعراض الغثيان والاستفراغ خلال فترة الحمل أقصر، بالأخص بين النساء اللواتي يحدث لديهُنّ الحمل في سنٍّ متأخر.[12]
بحسب دراسةٍ أُخرى نُشرت في مجلة (BMC Pregnancy and Childbirth volume) في عام 2018 ميلادي، ثمّة علاقة عكسيّة تربط ما بين حدوث الغثيان والاستفراغ في الحمل وحدوث الولادات المبكرة (Preterm births)، بالأخص في حال كانت الولادات مبكرة جدًّا –قبل الأسبوع 32 من الحمل –.[13][14]
في الحقيقة، لُوحظ بأنّ صحّة وسلامة الحمل لدى النساء اللواتي يعانين من التقيؤ والغثيان خلال الحمل أفضل مقارنةً بحالات الحمل التي لا يصاحبها التقيؤ والغثيان، إذ قد تُشير شِدة أعراض استفراغ وغثيان الحمل إلى نشاط المشيمة وإفرازها كمياتٍ أكبر من هرمون مُوجهة الغدد التناسلية المشيمائيّة البشريّة (hCG).[11]
علاج التقيؤ الحملي المفرط
يهدف العلاج المُستخدم في حالات التقيؤ الحملي المفرط إلى تخفيف شِدة الأعراض التي تعانيها الحامل، وتقليل المخاطر الصحيّة التي تتعرّض لها هي وجنينها، وعمومًا يُحدّد العلاج بالاعتماد على شِدة الأعراض التي تعانيها المرأة وبإشراف الطبيب المُختص.[9]
طرق علاج غير دوائيّة
يجب أن يبدأ علاج التقيؤ الحملي المفرط بطرقٍ لا علاقة لها بالأدوية، وبإشرافٍ مباشر من الطبيب:[15]
- تناول المكملات التي تحتوي على حمض الفوليك فقط.
- اللجوء إلى تناول مكملات الزنجبيل عند اللزوم.
- استخدام أساور الضغط الإبري (Acupressure wristbands) إذا لزم الأمر.
قد تعاني المرأة المُصابة بالتقيؤ الحملي المفرط من أعراض الجفاف، وفي هذه المرحلة لا يلجأ طبيب النسائية لطرق تعويض السوائل والأملاح بواسطة الفم، وإنّما غالبًا تستدعي هذه الحالة استخدام حقنة وريديّة، أو استخدام طريقة التسريب المستمر (Continuous infusions) لتزويد المريضة بالمحلول الملحي (Normal saline).[10][15]
طرق علاج دوائيّة
قد يستدعي استمرار أعراض التقيؤ الحملي المفرط الشديدة اللجوء لاستخدام الأدوية:[5][15]
- خط العلاج الأول؛ الذي يضمّ فيتامين ب 6 -بيريدوكسين (Pyridoxine)- إلى جانب دواء دوكسيلامين (Doxylamine)، وهي الأدوية الوحيدة التي وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكيّة (FDA) على استخدامها لعلاج الغثيان والتقيؤ فترة الحمل.
- خط العلاج الثاني؛ إذ يتضمّن الخيار الدوائي الثاني في حالات التقيؤ الحملي المفرط الشديدة استخدام مضادات الهيستامين (Antihistamine)، مثل ديمينهيدرينات (Dimenhydrinate)، وثنائي فين هيدرامين (Diphenhydramine)، وبروميثازين (Promethazine)، ومضادات الدوبامين (Dopamine antagonist)، مثل بروكلوربيرازين (Prochlorperazine)، وميتوكلوبراميد (Metoclopramide)، كذلك قد يُستخدم دواء أوندانسيترون (Ondansetron) لمنع الاستفراغ.
قد يُفيد استخدام حقن عضليّة أو وريديّة تحتوي على تركيبة كلوربرومازين (Chlorpromazine) أو ميثيل بريدنيزولون (Methylprednisolone) في علاج الحالات الشديدة والمتكررة من التقيؤ الحملي المفرط، التي لا تستجيب للعلاج، بتوصية من الطبيب.[15]
العلاج الجراحي
يمكن اللجوء إلى الخيار الجراحي للتخلص من الحمل في حالاتٍ عدّة من التقيؤ الحملي:[5]
- التقيؤ الحمليّ المفرط الشديد والمقاوِم للعلاج، الذي يهدّد حياة الأم.
- التقيؤ الحملي المفرط الذي يتسبّب في إثارة مشكلاتٍ جسديّة ونفسيّة شديدة.