داء هاشيموتو هو أحد اضطرابات المناعة الذاتية التي تُصيب الغدة الدرقية،[1] سُمّي بهذا الاسم نسبةً إلى الطبيب الياباني هاكارو هاشيموتو (Hakaru Hashimoto) والذي سجل أُولى حالات الإصابة به في عام 1912 ميلادي،[2] وقد ارتفعت معدلات الإصابة بهذا الداء خلال العقود الثلاثة المُنصرمة، كما يُصنّف في الوقت الحاضر من أكثر أمراض الغدة الدرقية شيوعًا، وتبلغ نسبة الإصابة به 0.3-1.5 حالة لكل 1000 نسمة، وتُصاب به النساء بنسبة أكبر من الرجال، إذ يشكل الرجال عُشر الإصابات بداء هاشيموتو فقط.[1]
ما هو داء هاشيموتو؟
مرض هاشيموتو أو كما يدعى علميًا بالتهاب الغدة الدرقية هاشيموتو (Hashimoto thyroiditis)، يُعرّف على أنّه مرض مناعي ذاتي ينجم عن مهاجمة الأجسام المضادة (وهي جزء من الجهاز المناعي) لخلايا الغدة الدرقية مُسببةً تلفها، وهو من الأسباب الشائعة للإصابة بخمول الغدة الدرقية (Hypothyroidism) في الدول المتقدمة.[3]
يعاني بعض المرضى المصابون بداء هاشيموتو من أمراضٍ أُخرى متعلقة بالغدد الصماء، كالسكري، أو خمول الغدة الكظرية، أو خمول الغدد جارات الدرقية (Underactive Parathyroid glands)، أو فقر الدم الخبيث أو الوبيل، أو متلازمة شوغرن (Sjögren syndrome)، أو التهاب المفاصل الروماتويدي، أو مرض الذئبة الحمامية المجموعية (Systemic lupus erythematosus).[4]
أسباب الإصابة بداء هاشيموتو
يُشَار إلى أنّ السبب الرئيسي للإصابة بداء هاشيموتو هو مهاجمة جهاز المناعة للغدة الدرقية،[5] إذ يؤدي ارتباط الأجسام المضادة بمستقبلات الهرمون المنشط للغدة الدرقية (Thyroid Stimulating Hormone(TSH)) إلى اختلال وظيفة الغدة الدرقية، وتقليل معدل إنتاج هرمونات الغدة الدرقية الثيروكسين (Thyroxine(T4)) وثلاثي يود الثيرونين ((T3)Triiodothyronine).[6]
وفي حالاتٍ نادرة قد يرجع مرض هاشيموتو وخاصةً عند الأطفال لنوعٍ معين من أمراض المناعة يسمى متلازمة العوز الغدّي المتعدد من النوع الأول (Polyglandular autoimmune syndrome).[5]
عوامل خطر الإصابة بداء هاشيموتو
يُعد مرض هاشيموتو أكثر شيوعًا لدى النساء بـ 4-10 أضعاف مقارنةً بالرجال، بالإضافة لذلك فإنّ العامل الوراثي يؤدي دورًا أساسيًا للإصابة به، فمن المحتمل إصابة أخوة المريض بذات الداء بنسبة 20-30 بالمئة،[7] أما أبرز عوامل الخطر التي تزيد من احتمالية الإصابة بداء هاشيموتو:[7][8]
- فرط تناول اليود.
- التوتر.
- التعرُّض للإشعاع.
- الحمل والتغيرات الهرمونية لدى النساء.
- انخفاض تركيز السيلينيوم في الجسم.
- نقص فيتامين د.
- العدوى الفيروسية، كالتهاب الكبد الوبائي من نوع (C) (Hepatitis C)، أو التعرض لعدوى فيروس الحصبة الألمانية (Rubella virus) في مرحلة الطفولة.
- الأدوية، كالأدوية التي تؤثر في جهاز المناعة ومن أمثلتها دواء اليمتوزوماب (Alemtuzumab)، والليثيوم.
أعراض داء هاشيموتو
قد يعاني المرضى في بداية المرض من أعراض فرط نشاط الغدة الدرقية (Hyperthyroidism)، لأنّ تدمير خلايا الغدة الدرقية قد يؤدي إلى زيادة إفراز هرمون الغدة الدرقية نتيجةً لطرح محتوياتها في مجرى الدم، وفي نهاية المطاف، عندما يحدث ضرر كافٍ لخلاياها بفعل الأجسام المضادة، تظهر على المرضى أعراض قصور الغدة الدرقية، وتكون هذه الأعراض غير واضحة ومتغيرة كما قد تؤثر في أي عضو من الجسم تقريبًا،[3] وتتضمن الأعراض المصاحبة لداء هاشيموتو:[5][6]
- تضخم الغدة الدرقية (Goiter)، وهي من أُولى أعراض الإصابة بداء هاشيموتو.
- زيادة الوزن، ولا تزيد عادةً عن 10 بالمئة من وزن المريض الأساسي، وتُعزى في الغالب إلى تراكم السوائل في الأنسجة الخلالية.
- الإمساك.
- صعوبة في التركيز أو التفكير.
- جفاف الجلد.
- الشعور بالتعب، وتباطؤ في حركة المريض، وفقدان الطاقة.
- تساقط الشعر.
- اضطرابات في الدورة الشهرية، كزيادة غزارتها أو عدم انتظامها.
- عدم القدرة على تحمل البرد.
- خشونة الصوت.
- قلة التعرُّق.
- فقدان السمع الحسي العصبي الطفيف (Mild nerve deafness).
- اعتلال الأعصاب المحيطية (Peripheral neuropathy).
- ثرُّ أو إدرار اللبن (Galactorrhea)، نتيجةً لزيادة هرمون البرولاكتين في الجسم.
- فقدان الذاكرة.
- ألم في المفاصل وتشنج العضلات.
- انقطاع النفس النومي (Sleep apnea) والشعور بالنعاس أثناء النهار.
في حالاتٍ نادرة قد يصاب مرضى هاشيموتو بحالة سريرية تهدد حياتهم، تُسمى بغيبوبة الوذمة المخاطية (Myxedema coma)، وتتمثل بقصورٍ حاد في الغدة الدرقية مع عدم قدرة الجسم على تعويض هذا النقص فسيولوجيًا، تحدث هذه الحالة لدى المرضى الذين يعانون من قصور الغدة الدرقية لمدة طويلة دون تشخيص، وغالبًا ما تظهر الأعراض بسبب إصابتهم بالعدوى، أو أمراض الأوعية الدموية الدماغية، أو قصور في عضلة القلب، أو التعرّض لإصابة ما (Trauma)، أو تناول بعض العلاجات الدوائية،[9] ويعاني فيها المرضى من تعبٍ شديد، وانخفاض ملحوظ في درجة حرارة أجسادهم، وتدهور في الحالة العقلية، وتبلغ معدلات الوفاة لهؤلاء المرضى 25-60 بالمئة.[10]
تشخيص داء هاشيموتو
يُشخص داء هاشيموتو بالاعتماد على الأعراض السريرية للمريض، والفحوصات المخبرية كفحص الأجسام المضادة للغدة الدرقية، ومعاينة خصائص أنسجة الغدة الدرقية،[1] وتشمل الفحوصات المخبرية:[5][7]
- هرمون الثيروكسين (T4) الحر.
- هرمون ثلاثي يود الثيرونين (T3) (Triiodothyronine) الكُلي.
- الهرمون المنشط للغدة الدرقية (TSH).
- الأجسام المضادة للغدة الدرقية، وبالأخص المضاد لإنزيم بيروكسيداز الغدة الدرقية (Anti-TPO) والمضاد للثايروغلوبيولين (Anti-Tg).
علاج داء هاشيموتو
لا يوجد علاج نهائيٌ لمرض هاشيموتو، ويهدف علاجه إلى السيطرة على قصور الغدة الدرقية (Hypothyroidism) فقط، وذلك بتعويض هرمونها باستخدام دواء الليفوثايروكسين (LevoThyroxine 4 (L-T4))، وهو هرمون مصنّع كبديل لهرمون الثيروكسين الطبيعي الذي تنتجه الغدة الدرقية، ويُستخدم مدى الحياة، كما تحدد جرعته تِبعًا لوزن المريض بمقدار 1.6-1.8 ميكروغرام من الدواء لكل كيلوغرام من وزن المريض.[1]
يُوصف الليفوثايروكسين بجرعته الكاملة للمرضى الذين تقل أعمارهم عن الخمسين عامًا ولا يعانون من أمراض في القلب، أما المصابون باعتلالاتٍ قلبية والمرضى الذين تزيد أعمارهم عن الخمسين عامًا، فيبدأ العلاج بجرعة مقدارها 25 ميكروغرام يوميًا، ثم يعاد تقيم المريض وتُجرى الفحوصات اللازمة له بعد 6-8 أسابيع من بدء العلاج، وبناءً على ذلك يبدأ الطبيب بزيادة الجرعة تدريجيًا.[6]
بالإضافة إلى ذلك، قد لا يعاني كل شخص مصاب بداء هاشيموتو من انخفاضٍ في مستويات هرمون الغدة الدرقية، في مثل هذه الحالات يحتاج المريض إلى متابعة دورية من مقدم الرعاية الصحية.[5]
أما استخدام مكملات السيلينيوم في علاج داء هاشيموتو فتتباين الدراسات الحديثة حول فعاليته ولا بُدّ من إجراء دراسات سريرية لاكتشاف فائدته ومدى فعاليته.[1]
كما أُشير سابقًا إلى ارتباط نقص فيتامين د بمرض هاشيموتو، لذا يوصى بتعويض النقص بتناول مكملات فيتامين دال، مع مراقبة مستوى الكالسيوم في الدم دوريًا.[1]
مرض هاشيموتو وعلاقته بسرطان الغدة الدرقية
أمّا عن علاقة مرض هاشيموتو والسرطان، تناولت دراسة حديثة نُشرت في عام 2020 ميلادي تحمل عنوان (التهاب الغدة الدرقية هاشيموتو كأحد عوامل خطر الإصابة بسرطان الغدة الدرقية) تلخيصًا للتطورات الأخيرة في اعتبار مرض هاشيموتو عامل خطر للإصابة بسرطان الغدة الدرقية، كان مفادها أنّ الإصابة بداء هاشيموتو يُعرقل تشخيص المرضى بسرطانات الغدة الدرقية سواءً بجمع خزعة من الغدة الدرقية، أو بإجراء الفحوصات المخبرية لهؤلاء المرضى، وذلك لأنّ وجود الأجسام المضادة للغلوبيولين الدرقي (Thyroglobulin) تعطي نتائج سلبية لتشخيص السرطان، إذ إنّ وجود البروتين بتراكيز معينة يشير إلى عودة السرطان أو انتشاره إلى أعضاء الجسم، بالإضافة لذلك تُظهر الدلائل الحديثة إلى أنّ الأمراض المناعية الذاتية والالتهابات -كمرض هاشيموتو- تُشكل عامل خطر للإصابة بسرطان الغدة الدرقية الحليمي (Papillary thyroid cancer).[11]