الحماض اللاكتيكي (Lactic Acidosis) هو مشكلة صحية تتسم بارتفاع تركيز حمض اللاكتيك -أو حمض اللبن- (Lactic Acid) في الدم، وتنشأ هذه الحالة عن زيادة إنتاج الحمض، أو انخفاض معدل استقلابه في الجسم، أو لكِلا السببين معًا، وله نوعان رئيسيان هما النوع (A)، والنوع (B)، كما يوجد نوعٌ ثالث غير شائع من الحماض اللاكتيكي ينجم عن تراكم حمض اللاكتيك (D-lactic acid)، والذي يُعرف باسم (D-lactic acidosis)، ويُعالج الحماض اللاكتيكي تِبعًا لمُسبّبه.[1]
ما هو حمض اللاكتيك؟
حمض اللاكتيك مادة تُنتجها العضلات وخلايا الدم الحمراء طبيعيًا في جسم الإنسان،[2] وهو مُنتَج ثانوي لعملية تحلل الجلوكوز (Glycolysis) بالطريقة اللاهوائية لإنتاج الطاقة اللازمة للجسم.[3]
عادةً يكون مستوى حمض اللاكتيك منخفضًا في الدم،[2] نتيجةً لعمليات استقلابه في الكبد والكلى،[3] ولكن قد يرتفع تركيز حمض اللاكتيك خصوصًا عندما تقل نسبة الأُكسجين في الأنسجة، ويحدث ذلك نتيجة ممارسة تمارين رياضية شاقّة، أو للإصابة ببعض الأمراض كفشل عضلة القلب، أو التعرُّض لعدوى شديدة، أو دخول الجسم في حالة تُدعى الصدمة (Shock)، وهي عدم قدرة الدم على الوصول إلى أعضاء الجسم وأنسجته، ويؤدي الارتفاع الشديد لحمض اللاكتيك إلى الإصابة بالحماض اللاكتيكي.[2]
الحماض اللاكتيكي
يُعرّف الحماض اللاكتيكي أو كما يُعرف أيضًا باسم الحماض اللبني على أنّه ارتفاعٌ مستمرٌ في مستوى حمض اللاكتيك في الدم (أكثر من 5 مليمول/ليتر) مع ارتباطه بحالةٍ صحية تُدعى بالحماض الأيضي (Metabolic Acidosis)، وهي انخفاضٌ في درجة حموضة الدم، نتيجة ارتفاع تركيز أيون الهيدروجين (H+) أو انخفاض تركيز البيكربونات (HCO3-) في الدم،[4] وعادةً ما يحدث الحماض اللاكتيكي بسبب نقص التروية الدموية في الأنسجة، أو اضطرابات في عملية استقلاب الكربوهيدرات، أو لدى استخدام بعض الأدوية.[5]
أنواع الحماض اللاكتيكي وأسبابه
يُعدّ النوع (A) والنوع (B) من الحماض اللاكتيكي النوعين الرئيسيين منه، أمّا النوع الثالث (D-lactic acidosis) فهو غير شائع من الحماض اللاكتيكي.[1]
النوع A من الحماض اللاكتيكي
يُوصَف على أنّه النوع الأكثر خطورة، ويحدث عندما تقل التروية الدموية في أنسجة الجسم المختلفة بسبب نقص تأكسج الأنسجة (Hypoxia)، وبالتالي ترتفع تراكيز حمض اللاكتيك في الدم نتيجةً للعمليات الخلوية اللاهوائية لإنتاج الطاقة في الجسم، بالإضافة لذلك، يفقد الكبد قدرته على التخلص من حمض اللاكتيك؛ نظرًا لعدم قدرته على العمل بكفاءة نتيجة انخفاض التروية الدموية التي تصل إليه،[1][4] أما أسبابه فتُقسم إلى نوعين:
- زيادة إنتاج حمض اللاكتيك: يرتفع تركيز حمض اللاكتيك في الدم نتيجةً لاعتلالات في الدروة الدموية، كصدمة نقص حجم الدم (Hypovolemic shock)، أو مشاكل في الرئتين، أو الإصابة باعتلال الهيموغلوبين (Hemoglobinopathy)، أو الصدمة القلبية (Cardiogenic shock)، أو الصدمة الإنتانية (Septic shock)،[1][4] أو نقص التروية في بعض مناطق الجسم كالأطراف أو منطقة البطن، أو في حالات نوبات الصرع والتشنجات.[5]
- عدم قدرة الجسم على التخلص من حمض اللاكتيك: وذلك نتيجةً لأمراض الكبد، أو تثبيط بناء الجلوكوز (Gluconeogenesis).[4]
النوع B من الحماض اللاكتيكي
لا يرتبط النوع B من الحماض اللاكتيكي بنقص التروية أو نقص تأكسج الأنسجة، وهو أقل شيوعًا مُقارنةً بالنوع A، كما يحصل نتيجة الإصابة ببعض الاضطرابات، مثل أمراض الكبد كالتليف الكبدي (Cirrhosis)، والسرطانات، ومرض الإيدز (AIDS)، والتغذية الوريدية الكاملة (Total parenteral nutrition)، واعتلال الميتوكوندريا العضلي (Mitochondrial myopathy)، والحماض اللاكتيكي الوراثي، والحماض الكيتوني السكري (Diabetic ketoacidosis)، ونقص الثيامين فيتامين (B1) (Thiamine deficiency)، والتسمم بالإيثانول،[5][6] بالإضافة إلى بعض الأدوية، أبرزها:[5][6]
- ميتفورمين (Metformin).
- إبينفرين (Epinephrine).
- لينيزوليد (Linezolid).
- بروبوفول (Propofol).
- بعض الأدوية التي تُعالج مرض الإيدز.
- ناهضات المستقبلات الأدرينية-بيتا (Beta adrenergic agonist)، مثل ألبوتيرول (Albuterol)، وسالميترول (Salmeterol).
الحماض اللاكتيكي الناجم عن تراكم حمض اللاكتيك من النوع (D-lactic acid)
يحدث هذا النوع غير الشائع من الحماض اللاكتيكي لدى المرضى الذين أجروا جراحات السُمنة، التي تُسمى مجازة الصائمية اللفائفية (Jejunoileal bypass)، أو من يُعانون مُتلازمة الأمعاء القصيرة (Short bowel syndrome)، أو نتيجةً لسوء امتصاص الكربوهيدرات من القولون، فتهضم البكتيريا الموجودة هناك وخاصة من نوع العصيات اللبنية (Lactobacillus) الكربوهيدرات مُنتجةً كميات كبيرة من حمض اللاكتيك (D-lactic acid)، إذ ترتفع تراكيزه في الدم لأن جسم الإنسان لا يستقلب هذا النوع من حمض اللاكتيك بسرعة.[7]
أعراض الحماض اللاكتيكي
تُعد حالة الحماض اللاكتيكي نذير شؤمٍ على وجود مرض شديد، وقد تظهر أعراضه في غضون دقائق معدودة أو ساعات قليلة، أو قد تظهر تدريجيًا خلال عِدة أيام، وتختلف أعراض المرض تِبعًا لمسببه، إذ لا توجد أعراض مُحددة للحماض اللاكتيكي،[4] ومن أعراض الحماض اللاكتيكي التي قد تظهر على المرضى:
- الغثيان والتقيؤ.[6]
- الشعور بضعف في العضلات.[6]
- التعرُّق.[6]
- ضيق في التنفس.[2]
- ألم في البطن.[2]
- انخفاض ضغط الدم.[7]
- تسارع نبضات القلب (Tachycardia).[7]
- فرط التنفس (Hyperventilation).[7]
- تغيُّر في الحالة العقلية.[7]
أما أعراض الحماض اللاكتيكي الناجم عن تراكم حمض اللاكتيك من النوع (D-lactic acid) فتتضمن تغيرات في الحالة العقلية للمرضى، إذ تتراوح ما بين الشعور بالنُعاس والكسل إلى الغيبوبة، كما تظهر أعراضٌ أُخرى، مثل عُسر التلفّظ (Dysarthria)، والاختلاج الحركي -الرنح- (Ataxia)، وضعف التآزر الحركي (Impaired motor coordination).[7]
تشخيص الحماض اللاكتيكي
يُعد وجود بعض المشكلات الصحية، كالأمراض القلبية-الرئوية، أو متلازمة الاستجابة الالتهابية الجهازية (Systemic inflammatory response syndrome) كما في حالات العدوى، أو الإنتان (Sepsis)، أو الإصابات الشديدة، أو نقص حجم الدم؛ دليلًا تشخيصيًا على وجود حالةٍ من الحماض اللاكتيكي،[8] كما يمكن إجراء بعض الفحوصات المخبرية، أبرزها اختبار حمض اللاكتيك وتراكيز الكهارِل (Electrolyte) في الدم،[6] واختبار غازات الدم الشرياني (Arterial blood gas test)، وفحص الفجوة الأنيونية (Anion gap test).[4]
علاج الحماض اللاكتيكي
يُعد تحديد سبب الحماض اللبني خطوة أساسية في علاجه،[5] وتاليًا بعض أسباب الحماض اللبني وكيفية علاجه:
- الحماض اللاكتيكي الناجم عن الصدمة الإنتانية؛ يُعالج بإعطاء المريض المضادات الحيوية وريديًا، بالإضافة إلى السوائل الوريدية، وفي بعض الحالات يُعطى دواء نورإبينفرين (Norepinephrine) لزيادة الضغط في الأوعية الدموية.[5]
- الحماض اللاكتيكي الناجم عن النوبات الصرعية؛ تُصرف الأدوية المُضادة للصرع لهؤلاء المرضى، بالإضافة إلى توفير الرعاية والدعم (Supportive care) لهم.[5]
- الحماض اللاكتيكي الناجم عن تراكم حمض اللاكتيك (D-lactic acid)؛ تُعالج هذه الحالة بالسوائل الوريدية، والحد من تناول الكربوهيدرات، وأحيانًا المضادات الحيوية عن طريق الفم، كدواء ميترونيدازول (Metronidazole)، والبيكربونات (Bicarbonate) في الحالات الشديدة.[1]
- الحماض اللاكتيكي الناجم عن السرطان؛ تُوصف الأدوية الكيميائية المُضادة للسرطان للمرضى.[4]
- الحماض اللاكتيكي الناجم عن نقص حجم الدم (Hypovolemic shock)؛ قد تُسبب هذه الحالة انخفاضًا شديدًا في ضغط الدم، لذا تُعالج بالمحاليل الوريدية؛ كالمحاليل الوريدية الكرستالية (Crystalloid)، والمحاليل الغروانية (Colloidal solution)، والأدوية القابضة للأوعية الدموية (Vasopressors).[4]
- الحماض اللاكتيكي الشديد المُرتبط بقصور الكلى؛ قد يُساعد الغسيل الكلوي في علاج مثل هذه الحالات، وبالأخص غسيل الكلى الذي يعتمد على البيكربونات، إذ أظهر نتائج واعدة كما ذكرت عدّة دراسات.[7]
كما تجدر الإشارة إلى أن العلاج القلوي (Alkali therapy) لا يزال محط جدلٍ بين الطواقم الطبية، إذ لم تؤكد الدراسات على فعاليته بعد،[5] ومن أشهر المواد القلوية التي قد تُستخدم في علاج الحماض اللاكتيكي:[7]
- بيكربونات الصوديوم (Sodium bicarbonate).
- ثلاثي (هيدروكسي ميثيل) أمينوميثان (Tris(hydroxymethyl)aminomethane)
- كاربيكارب (Carbicarb).
- ترايبونات (Tribonat).
- ثنائي كلوريد حمض الخليك (Dichloroacetic Acid).