يُعدّ التوازن الحمضي القاعدي (Acid-base homeostasis) ضروريًا للحفاظ على وظائف الجسم الطبيعية، إذ يُمثل (7.4) الرقم الهيدروجيني الطبيعي للجسم، ويُشار إلى انخفاض الرقم الهيدروجيني عن الحدّ الطبيعي بِحموضة الدم (Acidemia)، ويرتبط ارتفاع الرقم الهيدروجيني عن الحدّ الطبيعي بِقلاء الدم (Alkalemia)، إلا أنّ بعض الاضطرابات تؤدي إلى اختلال هذا التوازن، ممّا يُهدّد حياة المريض،[1] التي قد تحدث إمّا نتيجة تناول بعض المواد الكيميائية ذات الحمضية العالية، أو نقص التهوية، أو انخفاض إفراز الأحماض في الكلى (الفشل الكلوي)، وغيرها من الأسباب.[2]
يلعب التقييم السريع والدقيق لحالة المريض الحمضية القاعدية دورًا مهمًا في تقليل حدوث المضاعفات الخطيرة، لذا يُجري الطبيب بعض فحوصات الدم، مثل فحص غازات الدم الشرياني (Arterial blood gas)، وفحص حمض اللاكتات في الدم (Serum Lactate)، وفحص كهارل الدم (Serum electrolytes)، وفحص الفجوة الأنيونية في الدم (Anion Gap)،[1] فما هو فحص الفجوة الأنيونية في الدم؟
ما هو فحص الفجوة الأنيونية في الدم؟
يُعرّف تحليل الفجوة الأنيونية في الدم أو فجوة الصواعد على أنّه قيمةٌ محسوبةٌ - تُحسب من خلال معادلة رياضية - تُمثِّل الفرق بين الأيونات الموجبة في الدم (Cations) والأيونات السالبة (Anions)، والتي غالبًا ما تُقاس للمريض ضمن فحوصات الدم الروتينية في المختبر للتحقق من التوازن الحمضي القاعدي،[1][3] كالصوديوم (Sodium) والبوتاسيوم (Potassium) اللّذان يُعدان من الأيونات الموجبة، بالإضافة إلى الأيونات السالبة كالكلورايد (Chloride) والبيكربونات (Bicarbonate)، -إلا أنّ مستويات البوتاسيوم تُستثنى في الاضطرابات الحمضية القاعدية وذلك لتأثر تركيزها في الدم-، إذ إنّ عدد الأيونات الموجبة تزيد على الأيونات السالبة لأن بعض الأيونات السالبة غير قابلة للقياس في الدم، مثل الكبريتات (Sulfates)، والفسفور (Phosphates)، والأحماض العضوية، واللاكتات (Lactate)، والبروتينات، لذا يلجأ الأطباء إلى احتساب الفجوة الأنيونية (AG) لِتقدير نسبتها،[3][4] من خلال معادلة حسابية:[1]
AG = Na - (Cl + HCO3)
يسعى الجسم إلى الحفاظ على التوازن الحمضي القاعدي ضمن آلياتٍ مُحدّدة بأن يكون عدد الأيونات الموجبة مساويًا لعدد الأيونات السالبة،[5] وغالبًا ما ترتبط زيادة قيمة الفجوة الأنيونية (AG) بانخفاض مستوى البيكربونات (HCO3)، ويعود ذلك إلى الإصابة بأحد اضطرابات الحماض الأيضي -باستثناء بعض أنواع الحماض الأنبوبي الكلوي-، كما أن لتركيز البروتينات دورٌ في ارتفاع قيمة هذه الفجوة (AG)، لذا فإنّ ارتفاع مستويات الألبومين يؤدي إلى زيادة الفجوة الأيونية.[3]
كما يحدث انخفاض في قيمة الفجوة الأنيونية - وهو نادر الحدوث- عند ارتفاع مستويات الأيونات الموجبة غير المُقاسة في الدم مثل المغنيسيوم، والكالسيوم، والبوتاسيوم، والليثيوم، أو انخفاض مستويات البروتينات التي تحمل شحنة سالبة مثل الألبومين، أو الإصابة بالمتلازمة الكلوية (Nephrotic syndrome) التي قد ينتج عنها فقدان البروتينات ذات الشحنة السالبة.[3][4]
ما هي دواعي إجراء فحص الفجوة الأنيونية في الدم؟
يكشف اختبار الفجوة الأنيونية في الدم عن توازن الكهارل، وعن درجة حموضة الدم،[6] وغالبًا ما يُجرى لتحديد السبب الأساسي المؤدي للإصابة بالحماض الأيضي،[7] بالإضافة إلى أنّه يُعد وسيلة فعّالة للكشف عن الاضطرابات الحمضية القاعدية، وبعض الاضطرابات مثل الورم النقوي المتعدد (Multiple myeloma)، وحالات التسمّم كالتسمم بالبروم، والتسمم بالليثيوم،[8] بالإضافة لعدة أسباب:
- تقييم مرضى الكلى في حال اشتباه إصابتهم بأحد الاضطرابات الحمضية القاعدية.[9]
- التأكد من عدم حدوث خطأ أثناء قياس كهارل الدم في المختبر وضبط الجودة في المختبر.[4]
- تحديد نوع حماض الدم الذي يُعاني منه المريض.[4]
- التحكم في اتزان السوائل والأملاح لدى مرضى الحالات الحرجة الذين يخضعون إلى العلاج بالبدائل الكلوية (Renal replacement therapy)، وهو علاجٌ داعم للوظائف الكلوية لدى هؤلاء المرضى.[10]
- تقييم المرضى الذين يُعانون من تغيرات في مستوى الوعي والحالة العقلية، ومرضى الفشل الكلوي الحاد.[11]
- ظهور أحد الأعراض المرتبطة باضطراب درجة حموضة الدم،[6] وتتضمن:[6]
- صعوبة وضيق التنفس.
- التقيؤ.
- عدم انتظام ضربات القلب.
مخاطر إجراء فحص الفجوة الأنيونية في الدم
حقيقةً لا يتضمن إجراء فحص الفجوة الأنيونية أيّ خطورة على المريض، إلا أنّه قد يشعر بألم طفيف لحظة إدخال الإبرة في الوريد، كما قد تظهر كدمة خفيفة سرعان ما تختفي موضع السحب،[6] بالإضافة إلى احتمالية ظهور بعض المضاعفات:[12]
- العدوى الموضعية.
- إصابة الشرايين، أو الأوردة، أو الأعصاب بالتلف.
- تكوّن الورم الدموي، أو النزيف.
- الإغماء الوعائي المبهم (Vasovagal syncope).
تحضيرات ما قبل إجراء فحص الفجوة الأنيونية في الدم
لاحتساب الفجوة الأيونية في الدم يجب قياس مستويات كل من الكلوريد، والصوديوم، والبوتاسيوم، من خلال سحب عينة دم من الوريد، وغالبًا قد لا يحتاج المريض إلى الصيام قبل إجراء الفحص،[4] أمّا مستويات البيكربونات فتُقاس من خلال سحب عينة الدم من الشريان،[13] إلا أنّه ينبغي الالتزام ببعض التعليمات:[3]
- تجنب سحب عينة الدم من الذراع التي يتلقّى المريض من خلالها سوائل وريدية.
- استمرار المريض بتناول الأدوية الخاصة به ما لم يُمانع الطبيب، إذ إن بعض الأدوية تزيد من الفجوة الأيونية في الدم، مثل مثبطات الأنهيدراز الكربونية (Carbonic anhydrase inhibitors) التي تتضمّن أسيتازولاميد (Acetazolamide)، وإيثانول (Ethanol)، وميثانول (Methanol)، أو الأدوية التي تقلل من الفجوة الأيونية في الدم، مثل سبيرونولاكتون (Spironolactone)، والليثيوم (Lithium).
طريقة إجراء فحص الفجوة الأنيونية في الدم
يُجرى فحص كهارل الدم الذي من خلاله تُحسب الفجوة الأنيونية بجمع عينة دم من الوريد في الذراع بواسطة إبرة صغيرة، وغالبًا ما تستغرق عملية سحب الدم خمس دقائق،[6] ضمن عِدة خطوات:
- وضع العاصبة على ذراع المريض لتحديد الوريد المناسب للسحب، ثم تعقيم الجلد موضع السحب، مع الحرص على عدم إبقاء العاصبة لأكثر من دقيقة واحدة.[12]
- إدخال الإبرة في وريد الذراع، والبدء في سحب عينة الدم المطلوبة، ثم إزالة العاصبة وتوجيه المريض إلى عدم فتح وإغلاق قبضة اليد أثناء السحب، إذ إنّه قد يُؤثر في نتيجة الفحص خصوصًا البوتاسيوم، واللاكتات، والفوسفات.[12]
- وضع قطعة مُعقمة من الشاش موضع السحب فوق الإبرة والضغط بلطف عليها أثناء سحب الإبرة، ثم تفريغ عينات الدم بحذر داخل الأنابيب المُخصصة للفحص، وتجنب تحريكها بشدة،[12] إذ إنّ تكسّر عينة الدم يؤثر في دِقّة النتائج.[4]
يجدر الذكر أن فرط الدهنيات في عينة الدم يؤثر في نتيجة فحص مستوى الصوديوم، ممّا يخفّض نسبة الفجوة الأيونية في الدم.[3]
إجراءات الفحص في المختبر
بدايةً تُفصل عينة الدم الوريدية للحصول على المصل باستخدام أجهزة الطرد المركزي (Centrifuges)، ضمن سرعة تزيد عن 3000 لمدة 5 دقائق، أو لمدة 3 دقائق على سرعة 4000،[14] ثم باستخدام عينة المصل يمكن قياس مستويات كل من الصوديوم، والبوتاسيوم، والكلوريد باستخدام جهاز الأقطاب الكهربائية الانتقائية للأيونات ((ISE) Ion-selective electrodes).[15] أمّا عينة الدم الشرياني (تُستخدم عينة الدم كاملة دون فصلها) فيجب تحليلها في أقرب وقت ممكن من خلال جهاز تحليل غازات الدم الشرياني الآلي لقياس مستوى البيكربونات (Automated blood gas analyzer).[13]
نتائج فحص الفجوة الأنيونية في الدم
تصدر النتائج في غضون 30 دقيقة، ويتراوح المعدل الطبيعي لفحص الفجوة الأنيونية في الدم في حال احتساب البوتاسيوم من (12 - 20) مللي مكافئ/لتر، وفي حال عدم احتساب البوتاسيوم فتكون النتائج من (8 - 16) مللي مكافئ/لتر،[11] ويمكن توضيح المستويات المرجعية لكهارل الدم الشائعة كما في الجدول:[4]
الأيون | النطاقات المرجعية | |
---|---|---|
الصوديوم (+Na) | (136 - 145) مللي مكافئ/لتر | |
البوتاسيوم (+K) | (3.5 - 5.1) مللي مكافئ/لتر | |
الكلوريد (-Cl) | (98 - 107) مللي مكافئ/لتر | |
البيكربونات (-HCO3) | البالغين | (21 – 30) مللي مكافئ/لتر |
الحوامل | (19 – 20) مللي مكافئ/لتر | |
الرُضع | (20 – 26) مللي مكافئ/لتر |
تفسير نتائج فحص الفجوة الأنيونية في الدم
يرتبط ظهور نتائج فحص الفجوة الأنيونية في الدم بالعديد من المشاكل المَرَضية، لذا يُشخّص الطبيب حالة المريض الصحية بالرجوع أيضًا إلى الأعراض السريرية الظاهرة، والتاريخ المرَضي، بالإضافة إلى إجراء المزيد من فحوصات الدم المخبرية، كما قد يُعاد إجراء الفحص في حال تعارضت نتائجه مع الأعراض الظاهرة على المريض، وذلك للوصول إلى التشخيص الصحيح، فقد يؤدي تأخير فحص -فصل- عينة الدم المسحوبة إلى استمرار أيض خلايا الدم البيضاء ممّا يؤدي إلى ارتفاع مستويات البيكربونات.[6][11]
أسباب ارتفاع نتائج فحص الفجوة الأنيونية في الدم
غالبًا ما يرتبط ارتفاع نتائج فحص الفجوة الأنيونية في الدم بالحماض الأيضي، الذي قد يحدث نتيجة الحماض اللبني (Lactic acidosis)، أو الحماض الكيتوني السكري (Diabetic ketoacidosis)، أو الحماض الكيتوني الكحولي (Alcoholic ketoacidosis)، أو الحماض الأنبوبي الكلوي (Renal tubular acidosis)، أو الفشل الكلوي،[2][3] وقد يرتبط أيضًا بأسبابٍ أُخرى:[2][3]
- نقص الألدوستيرونية (Hypoaldosteronism).
- التبولُن (اليوريمية)، ارتفاع اليوريا في الدم (Uremia).
- فقدان البيكربونات الناتج عن الإصابة بالإسهال أو النواسير.
أسباب انخفاض نتائج فحص الفجوة الأنيونية في الدم
تشير نتائج الفجوة الأنيونية المنخفضة إلى قلوية الدم، وهي من الاضطرابات غير الشائعة،[6] وغالبًا ما ترتبط بعدّة مشاكل:[3][11]
- نقص بروتين الألبومين في الدم.
- اضطرابات الخلايا البلازمية.
- الإصابة بالورم النقوي المتعدد.
- حالات التسمم؛ الناتجة عن عنصر البروميد (بسبب تناول أدوية السعال التي تحتوي عليه)، أو تسمم الليثيوم.
- غسيل المعدة، أو التقيؤ المزمن.
- فرط الألدوستيرونية (Hyperaldosterone).