أمراض القلب والحمل: ما مدى تأثيرها في الحامل؟ وهل يمكن علاجها دون الإضرار بالجنين؟

التغيرات الفسيولوجية التي تحدث أثناء فترة الحمل تجعل الحامل أكثر عُرضة للإصابة بأمراض القلب التي تؤثر في الحامل والجنين بعدة طرق، ولكن توجد العديد من الطرق المناسبة لعلاج هذه الأمراض مع مراعاة تأثير هذه العلاجات على الجنين والحِفاظ على سلامة الأم وجنينها على حدٍ سواء.

تحدث العديد من التغيرات الفسيولوجية أثناء فترة الحمل، وغالبًا ما تبدأ هذه التغيرات في الأسبوع الخامس من الحمل، لكن هذه التغيرات قد تزيد من خطر الإصابة ببعض أمراض القلب خلال فترة الحمل، ويُعتقد أنّ التغيرات تحدث نتيجة انغراس المشيمة في جدار الرحم، وتحفيز إنتاج العديد من الهرمونات.[1]

تُشير الإحصائيات إلى أنّ أمراض القلب تؤدي إلى تعقيد 1-2% من حالات الحمل، وأنّ أمراض القلب عامل مهم في زيادة معدل الأمراض والوفيات خلال فترة الحمل والنفاس، إذ تُشير التقديرات أنها مسؤولة عن 15% من حالات وفيات الأمهات.[2]

التغيرات الفسيولوجية خلال فترة الحمل

ثبُت أنّ للحمل تأثير كبير في الجهاز الدوري (القلب والأوعية الدموية)، وتبدأ التغيرات في الثلث الأول من الحمل لتصل إلى ذروتها في الثلث الثاني من الحمل، ثم تثبت في الثلث الثالث من الحمل،[3] فكمية الدم التي يضخها القلب في الأوعية الدموية في كل دقيقة أو ما يُعرف باسم النتاج القلبي (Cardiac output) تزداد بنسبة 20-50%، والسبب في ذلك هو زيادة كمية الدم التي يضخها البطين الأيسر مع كل انقباض -أو الدم المقذوف (Stroke Volume)- بنسبة 25% في الثلث الأول من الحمل.[1][4]

بعد ذلك يزداد النتاج القلبي بسبب زيادة معدل ضربات القلب، إذ يقل حجم الدم المقذوف من البطين الأيسر في الثلث الثالث من الحمل بسبب ضغط الوريد الأجوف، ويكون النتاج القلبي في حالة الحمل بتوأم أعلى بنسبة 15% من الحمل بجنين واحد،[2] كما يتأثر النتاج القلبي في الثلث الثالث من الحمل بوضعية جسم الحامل، فإذا نامت على ظهرها يؤدي إلى ضغط الرحم على الوريد الأجوف، مما يُسبب نقص كمية الدم العائد إلى القلب، فينخفض ضغط دمها.[3]

أمّا ضربات القلب فتزداد بمعدل 10-15 في الدقيقة، كما يقل ضغط الدم بمعدل 10-15 ميليمتر زئبق بسبب انخفاض مقاومة الأوعية الدموية،[3] بالإضافة إلى زيادة حجم الدم بنسبة 30-50%، وزيادة كتلة خلايا الدم الحمراء بنسبة 50-60% في نهاية الثلث الثاني للحمل.[5]

تأثير أمراض القلب على الحامل

تُوصَف النساء المُصابات بأمراض القلب على أنّهُنّ أكثر عرضة للإصابة بالمضاعفات خلال فترة الحمل، وقد يكون السبب في ذلك هو التغيرات الفسيولوجية التي تحدث للجسم خلال فترة الحمل، والتي قد تؤدي إلى تدهور الحالة الصحية أو إلى الوفاة.[5]

أمراض صمامات القلب والحمل

يُعد تضيق الصمام الميترالي (Mitral Stenosis) أشهر أمراض صمامات القلب في فترة الحمل،[6] وترتبط الإصابة بتضيق الصمام الميترالي أثناء فترة الحمل بزيادة خطر الإصابة بقصور القلب، وعدم انتظام ضربات القلب الأذيني (Atrial arrhythmias)، بالإضافة إلى زيادة معدل دقات القلب المرتبطة بانخفاض النتاج القلبي، والوذمة الرئوية.[5][6]

أمّا تأثير ذلك على الجنين فتزداد فرصة ولادته مبكرًا، وتقييد النمو داخل الرحم، والوفاة داخل الرحم،[3][7] ويشمل علاج هذه الحالة في أسابيع الحمل، الحرص على أخذ قِسط من الراحة وتناول مضادات مستقبلات بيتا (Beta blockers) ومُدرات البول، وفي حالة استمرار الأعراض على الرغم من تناول أعلى جرعة مسموحة من الأدوية ومراعاة حصول الجسم على الراحة، فإن العلاج يكون بالتداخلات الجراحية أثناء فترة الحمل.[3][6]

أما في حال الإصابة بتضيق الصمام الأبهري (الأورطي)، فإنه يمكن السيطرة على الحالات البسيطة والمتوسطة، لكن في الحالات الشديدة فإن خطر الإصابة بقصور القلب، وعدم انتظام ضربات القلب الأُذيني يزداد،[6] بالإضافة إلى انخفاض معدل النتاج القلبي، ونقص كمية الدم العائد إلى القلب،[5] كما يزداد خطر الإصابة بتسمم الحمل.[3]

أمّا الجنين فيكون أكثر عُرضةً للولادة المبكرة، وتقييد النمو داخل الرحم، وانخفاض الوزن عند الولادة،[7] ويشمل علاج هذه الحالة تناول مدرات البول ومراعاة الحصول على الراحة، وفي حالة استمرار الأعراض قد يلجأ الطبيب إلى إجراء عملية جراحية للحامل.[6]

بينما في حالة الإصابة الشديدة بارتجاع الصمام الميترالي (Mitral regurgitation)، فتزداد شدّة الإصابة بقصور القلب، وعدم انتظام دقات القلب، والوذمة الرئوية،[5][7] ولا يزيد هذا من خطر الإصابة بأي مضاعفات ذات صِلة بالجنين،[7] ويشمل علاج هذه الحالة كل من مُدرات البول، وديجوكسين (Digoxin)، وهيدرالازين (Hydralazine)، والنيترات (Nitrates)، ولا يجب التدخل الجراحي إلا في حال فشل العلاج الدوائي.[3]

يُشَار إلى أنّ ما ينطبق على ارتجاع الصمام الأورطي، ينطبق أيضًا على ارتجاع الصمام الميترالي.[7]

اعتلال عضلة القلب والحمل

تؤثر الإصابة باعتلال عضلة القلب على الحامل، إذ تزيد إصابتها بعدم انتظام دقات القلب، وقصور القلب الاحتقاني، والوذمة الرئوية، بالإضافة إلى الإغماء،[3][5] وبسبب تشابه هذه الأعراض مع أعراض الحمل الطبيعية، فبمجرد ظهور هذه الأعراض يجب الخضوع للعديد من الفحوصات، كفحص كهربية القلب، وتخطيط صدى القلب، والأشعة السينية للصدر، والأشعة المقطعية، أو أشعة الرنين المغناطيسي.[8]

وعند علاج هذه الحالة يجب تجنب الأدوية التي لها تأثيرات سامة على الجنين، وأبرزها مثبطات الإنزيم المحوّل للأنجيوتينسين (ACE inhibitors)، ومضادات مستقبلات الأنجيوتنسين 2 (Angiotensin II receptor blockers)، كما توصي الجهات المَعنيّة بعدم اللجوء لتركيب جهاز مساعدة القلب مبكرًا، وإتاحة الفرصة للتحسن عن طريق الأدوية.[8]

مرض القلب التاجي والحمل

تُعد الإصابة بأمراض القلب التاجية كاحتشاء عضلة القلب (Myocardial infarction)، والمتلازمة التاجية الحادة أحد الأسباب الرئيسية لوفاة الأمهات في البلاد المتقدمة، إذ إنها المسؤولة عن وفاة ما يقرُب من 20% من الحالات المرتبطة بأمراض القلب والأوعية الدموية، كما توجد عدة عوامل تزيد خطر الإصابة بأمراض القلب التاجية في أسابيع الحمل كالتدخين، والتاريخ العائلي للإصابة بالمرض، وزيادة عمر الحامل عن 35 عامًا، ومرض السكري، وارتفاع ضغط الدم المزمن، والسمنة، وتسمم الحمل.[3][8]

تشمل أعراض الإصابة بمرض القلب التاجي في فترة الحمل ألم في الصدر بالإضافة إلى الشعور بألم في الرقبة والمعدة والذراع، أو قد تظهر على هيئة ضيق وصعوبة في التنفس عند بذل المجهود، وكل هذه الأعراض هي أعراض غير تقليدية لمرض القلب التاجي، ولكن يجب الاهتمام بهذه الأعراض عندما تظهر على الحامل، وإجراء فحص كهربية القلب، وفحص مستوى التروبونين للتحقق من الإصابة أو عدمها.[8]

عند علاج مرض القلب التاجي أثناء الحمل يجب أخذ تأثيرات الأدوية السامة على الجنين بعين الاعتبار، فيمكن العلاج باستخدام جرعة قليلة من الأسبرين، وعلى الرغم من ذلك فإن تناول 100 ميليجرام من الأسبرين لفترة طويلة يزيد من خطر إصابة الحامل بالنزيف، وانخفاض وزن الطفل عند الولادة، وتُعد مضادت مستقبلات بيتا هي الخيار المناسب بسبب أمانه خلال فترة الحمل، كما يجب استخدام النترات وحاصرات قنوات الكالسيوم (Calcium channel blockers) بحذر لتجنب الإصابة بانخفاض ضغط الدم أثناء الحمل.[3]

ارتفاع ضغط الدم المزمن والحمل

تُنصح النساء المُصابات بارتفاع ضغط الدم المزمن بتجنب الحمل إلا في حال السيطرة الجيدة على المرض باستخدام الأدوية التي لا تؤثر سلبًا على الجنين، ويمكنهن الاستمرار عليها طوال فترة الحمل بإشراف الطبيب،[5] أما النساء المُصابات بارتفاع ضغط الدم المزمن أثناء فترة الحمل فهُنّ أكثر عرضة للإصابة بتسمم الحمل، ومرض سكري الحمل، بالإضافة إلى ارتفاع احتمالية اللجوء للولادة القيصرية.[9]

بالإضافة إلى ذلك فإن الحوامل المُصابات بارتفاع ضغط الدم المزمن معرضات لخطر الوفاة بمعدل 5 أضعاف أو أكثر، إلى جانب زيادة خطر الإصابة باعتلال عضلة القلب، والوذمة الرئوية أو الفشل الكلوي، أمّا الجنين فهو عرضة لعدة مضاعفات كانخفاض الوزن عند الولادة، والولادة المبكرة، وحاجته للمكوث في العناية المركزة، والوفاة، بالإضافة إلى التشوهات التكوينية.[9]

كتابة: دكتور محمد نصار - الإثنين ، 04 كانون الأول 2023
تدقيق طبي: فريق المحتوى الطبي - طـبـكـان|Tebcan
آخر تعديل - الإثنين ، 04 كانون الأول 2023

المراجع

1.
Iftikhar SF, Biswas M. (2023). Cardiac Disease in Pregnancy. [Updated 2023 Jul 10]. In: StatPearls [Internet]. Treasure Island (FL): StatPearls Publishing; 2023 Jan-. Retrieved from https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK537261/
2.
Morton, A. (2021). Physiological Changes and Cardiovascular Investigations in Pregnancy. Heart, Lung & Circulation, 30(1), e6–e15. Retrieved from https://doi.org/10.1016/j.hlc.2020.10.001
3.
Tamam N Mohamad. (2022). Cardiovascular Disease and Pregnancy. Retrieved from https://emedicine.medscape.com/article/162004-overview#a2

الأكثر قراءة

مواضيع متعلقة

آخر المواضيع المتعلقة

أسئلة و أجوبة

آخر الأخبار

فحوصات

أمراض

علاجات

أدوية

تكلم مع استشاري نسائية وتوليد أونلاين عبر طبكان
احجز