تُعاني العديد من الإناث من اضطرابات الحيض، كعدم انتظام الدورة الشهرية، وعُسر الطمث، ومُتلازمة ما قبل الحيض، وغزارة الطمث (Menorrhagia)، وبحسب الدراسات تبلغ نسبة الإناث اللاتي خضعن لاستئصال الرحم نتيجة غزارة الطمث في غضون خمس سنوات من تشخيصهن به 60 بالمئة، ولا تُسبب اضطرابات الحيض عبئًا اقتصاديًا فحسب، بل إنّها من أكثر الأسباب شيوعًا لدى الإناث للتغيب عن المدارس أو الجامعات، وسببًا لسوء التحصيل الأكاديمي أيضًا.[1]
فسيولوجية الدورة الشهرية
قبل الحديث عن غزارة الطمث وتعريفة وأسبابه لا بُد من فهم ماهيّة الدورة الشهرية،[2] تُقسّم الدورة الشهرية إلى ثلاث مراحل:
- المرحلة الجُريبيَّة (Follicular):
يُعد نزول دم الحيض على أنّه اليوم الأول من الدورة الشهرية، وهو أيضًا اليوم الأول من المرحلة الجُريبية، ويُسبّب انخفاض مستوى هرموني الإستروجين والبروجيستيرون في بداية هذه المرحلة تشقُقًا لبطانة الرحم وانسلاخها وبالتالي نزول الدم، ويبدأ مستوى الهرمون المُنبّه للجريب (Follicle-Stimulating Hormone) بالارتفاع بعض الشيء، مُحفزًا نمو عددٍ من الجُريبات في المبيض، وهي التي تحتوي على البويضة.[3]
- مرحلة الإباضة (Ovulatory):
يرتفع مستوى كُل من الهرمون المُنشط للجسم الأصفر (Luteinizing hormone)، والهرمون المُنبّه للجُريب (FSH) في مرحلة الإباضة، مُسببًا إطلاق البويضة.[4]
- المرحلة الأصفريَّة أو اللوتينيَّة (Luteal):
تنخفض مستويات هرموني الهرمون المُنشط للجسم الأصفر (LH)، والهرمون المُنبه للجُريب (FSH)، ويتكوَّن الجسم الأصفر (Corpus luteum) الذي يُنتج كمياتٍ كبيرة من هرمون البروجيستيرون، ونظرًا لارتفاع الهرمونات الأنثوية؛ الإستروجين، والبروجستيرون، تزداد سُمك بطانة الرحم، وذلك تمهيدًا لحدوث إخصابٍ للبويضة، ولكن في حال عدم إخصابها، يضمُر الجسم الأصفر، وتقل مستويات الهرمونات الأنثوية، ثم تبدأ بطانة الرحم بالانسلاخ، وتنتهي الدورة الشهرية بنزول دم الحيض، إيذانًا ببدء الدورة التالية.[3]
ما هي غزارة الطمث؟
تستغرق الدورة الشهرية الطبيعية 21-35 يومًا، وتستمر أيام الحيض التي يحدث فيها نزول الدم لما مُعدله 7 أيام، ويتراوح مُعدل فقدان الدم الطبيعي 25-80 مليليترًا،[2] وتُعرّف غزارة الطمث على أنّها النزيف الدموي بكميات كبيرة من أثناء فترة الحيض،[5] أو زيادة أيام الحيض عن 7 أيام،[2] والتي تحدث على مدار عدة دورات حيضية مُتتالية، ويمكن تعريف النزيف الحيضي الغزير بطريقة أدق على أنّه فقدان ما ينوف على 80 مليليتر من دم الحيض في الدورة الواحدة، والذي يرتبط بحالةٍ من فقر الدم، أي أن مُستوى الهيموغلوبين في الدم أقل من 10 غرامات/ ديسيلتر، وتُسبب غزارة الطمث تدني مستوى جودة حياة النساء، وقلة الإنتاجية في العمل.[5]
أسباب غزارة الطمث
يُصنّف الأطباء أسباب غزارة الدورة الشهرية إلى أسباب تشريحية أو تركيبيّة، وأُخرى غير تشريحية،[6] وتتضمن الأسباب التشريحية:[6][7]
- سلائل الرحم (Polyps).
- العُضال الغُدّيّ (Adenomyosis).
- الأورام الليفية الرحمية (Leiomyomas).
- فرط تنسُّج خلايا بطانة الرحم (Hyperplasia).
- سرطان بطانة الرحم.
أما المُسببات غير التشريحية فتتضمن:
- اضطرابات تخثُر الدم، مثل مرض داء فون ويلبراند (Von Willebrand disease)، أو نقص في عوامل التخثُر، أو مرض فُرفُريَّة قِلَّة الصُّفَيحات مجهولة السبب (ITP)، أو قلة الصفيحات (Thrombocytopenia).[2]
- اضطراب الإباضة (Ovulatory dysfunction).[7]
- عوامل تتعلق بمشاكل بطانة الرحم، كالتهاب بطانة الرحم.[6]
- مُسببات أُخرى، وتتضمن هذه المُسببات استخدام اللولب كوسيلة لمنع الحمل، أو استخدام عقار التاموكسفين (Tamoxifen)، أو تناول أدوية مضادات التخثر (Anticoagulant)، أو مضاد اكتئاب ثلاثي الحلقات (Tricyclic antidepressant)، أو بعض أنواع مُضادات الذُهان (Antipsychotic).[7]
هل غزارة الدورة الشهرية تدل على قوة التبويض؟
الإجابة المُباشرة على هذا السؤال هي، لا، إذ إنّ غزارة الطمث قد تكون دليلًا على الحالة الصحية المُسماة بتوقف الإباضة (Anovulation)، والتي قد ينجم عنها مجموعة من الأعراض كعدم انتظام الدورة الشهرية، وزيادة مُدتها عن الحد الطبيعي، فضلًا عن غزارتها،[8] ومن المُسببات الشائعة لتوقف الإباضة:[6][8]
- فرط الأندروجين (Hyperandrogenism) الناجم عن مُتلازمة المبيض المُتعدِّد الكيسات، أو فرط التنسج الكظري الخلقي (CAH)، أو بعض أنواع السرطان.
- ارتفاع هرمون البرولاكتين (Hyperprolactinemia).
- فُقدان الشهية العصبي (Anorexia).
- مُمارسة التمارين الرياضية بإفراط.
- التوتر.
- قصور الغدة الدرقية.
- قصور الغُدة النخامية الأولي.
- فشل المبايض المُبكّر.
- بعض الأدوية، كمُضادات الاختلاج، ومُضادات الذُهان.
- مرحلة ما قبل البلوغ، أو مرحلة ما قبل انقطاع الطمث.
تشخيص غزارة الطمث
لتشخيص غزارة الطمث يحرص مقدمو الرعاية الصحية على الحصول على تاريخٍ مرضيّ مُفصل من المرأة التي تشتكي من غزارة الدورة الشهرية، وتتضمن السيرة المرضية عوامل عديدة منها ما يتعلق بالحيض لدى المريضة؛ كوقت البلوغ، وطول الدورة الشهرية، ومدى انتظامها، وطول فترة الحيض، وحجم تدفق الدم،[9] ويمكن تحديد فيما إذا كان تدفُق الدم غزيرًا بمُلاحظة مجموعة من العوامل:[9][10]
- مُعدل تغيير الفوط الصحية في ذروة أيام تدفق الدم أثناء فترة الحيض.
- الحاجة لتبديل الفوطة الصحية أثناء الليل.
- ملاحظة نزول خثرات دموية، مع القدرة على تحديد حجمها.
- الشعور بتدفق الدم بغزارة كما وأنّه يغمُر الفوطة أو الملابس الداخلية.
- نقص الحديد.
بالإضافة لذلك، تتضمن السيرة المرضية التاريخ الإنجابي، والتاريخ العائلي لوجود أمراض تتعلق بتخثر الدم، أو السرطان، والأدوية التي تتناولها المريضة.[9]
كما يُجري الطبيب مجموعة من الفحوصات المخبرية، كتعداد الدم الكامل، وفحص الحمل، وفحص مستوى هرمون تحفيز الغدة الدُرقية (FSH)، وفحص الحديد، واختبارات وظائف الكبد، وفحص للأمراض المنقولة جنسيًا،[11] وكذلك قد يُساعد التصوير بالموجات فوق الصوتية عبر المهبل (Transvaginal ultrasonography) على الكشف عن سلائل الرحم، والعُضال الغُدّيّ، والأورام الليفية الرحمية، واضطرابات المبيض،[6] ويُوصي المختصين بإجراء خزعة بطانة الرحم لدى النساء المعرضات لخطر الإصابة بسرطان الرحم، أو فرط التنسج، أو الأورام الحميدة.[11]
علاج غزارة الطمث
يهدف العلاج الأولي إلى المُحافظة على استقرار الحالة الصحية للمريضة، وتُستخدم في هذه الحالات سدادات للرحم، أو بالون بكري (Bakri balloon)، إذ يُدخله الطبيب إلى الرحم لإيقاف النزيف مُباشرة، خلال ذلك تُجهَز المريضة لعملية تتضمّن نقل الدم إليها، وفي حال فشل الإجراءات السابقة بوقف النزيف يُلجأ إلى عملية توسيع وكحت الرحم (Dilation and Curettage)، ويُساعد هذا الإجراء على إيقاف النزيف مؤقتًا، ولكنه لا يُعالج السبب الكامن وراء نزيف الدورة الشهري الغزير.[11]
أما إذا كانت الحالة الصحية للمريضة مُستقرة فيهدف العلاج إلى التحكُم بالنزيف الحالي، والتقليل من غزارة الطمث مُستقبلًا،[11] وفي حال معرفة السبب المؤدي لغزارة الطمث فيُعالج السبب تِبعًا لذلك، فمثلًا تُعالج سلائل الرحم باستئصالها جراحيًا باستخدام المنظار،[5] أما حالات العُضال الغُدّي فتُعالج باستئصال الرحم، وقد يلجأ الطبيب إلى الجراحة في حالات السرطان وفرط تنسُّج خلايا بطانة الرحم، بالإضافة لجُرعات عالية من هرمون البروجستيرون، والعلاجات التلطيفية، كالعلاج الإشعاعي.[9]
من العلاجات الدوائية لغزارة الطمث:
العلاج غير الهرموني
تتضمّن العلاجات غير الهرمونية مضادات الالتهاب غير الستيرويدية (Nonsteroidal anti-inflammatory drugs)، إذ إنّ هذه المجموعة الدوائية تُعد الخيار العلاجي الأول لغزارة الطمث المُرتبط باضطرابات التبويض، وبحسب بعض الدراسات، فقد ساعدت مضادات الالتهاب غير الستيرويدية على تقليل غزارة الطمث بنسبة 20-46 بالمئة، ويُستخدم العلاج لمدة 5 أيام فقط نظرًا لأعراضه الجانبية المُزعجة، كاضطرابات المعدة.[2]
ومن الخيارات غير الهرمونية أيضًا عقار حمض الترانيكساميك (Tranexamic acid)، ويُثبط هذا العقار مُحفز البلازمينوجين (Plasminogen activator)، ممّا يقلل من فقدان دم الحيض بنسبة تتراوح ما بين 40-60 بالمئة.[6]
العلاج الهرموني
- حبوب منع الحمل، تُستخدم حبوب منع الحمل الفموية لعلاج غزارة الطمث،[2] وتُشير دراسة نُشرت في مجلة (Obstetrics and Gynecology) أنّ استخدام الأدوية الهرمونية؛ الإستراديول فاليرات (Estradiol valerate) والدينوجست (Dienogest) كانا ذا فعالية في علاج غزارة الدورة الشهرية.[12]
- البروجستين (Progestin)، إذ إنّه ذو فعالية في تقليل غزارة دم الحيض، ولكن تتضمن أعراضه الجانبية؛ الصداع، وزيادة الوزن، والوذمة، والاكتئاب.[2]
- اللولب الهرموني المُحتوي على ليفونورجيستريل (Levonorgestrel intrauterine system) يُخفّض غزارة الدورة الشهرية بمقدار 97 بالمئة.[2]
- حُقَن الميدروكسي بروجستيرون (Depot Medroxyprogesterone).[7]