نُشرَت في الأيام القلائل المُنصرِمة عبر موقع Science دراسة تابعة لجامعة Northwestern تنبىء باقتراب الباحثين من حل لغز الشلل وعلاجه، الدراسة التي كان صداها مدويًّا أُجريَت على الفئران وكانت النتائج إيجابيّة فيما بدَت، وأعرب الباحثون عن سعيهم في الخطوة القادمة للحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية FDA بغية المضيّ قُدُمًا للبدء بالتجارب السريريّة البشريّة على المرضى ممّن انعدمت لديهم الوسائل العلاجيّة، لعلّ الدواء الجديد يقدّم حلولًا شافية تحُدّ من حالات الشلل الناجمة عن الأمراض والحوادث والإصابات المباشرة التي قد يتعرّض لها البعض.
اعتمد الباحثون على إعطاء مجموعة من الفئران المشلولة جرعات أُحاديّة من الدواء الجديد في المنطقة حول الحبل الشوكي، لتتمكّن هذه الفئران -بعد 4 أسابيع- من استعادة قدرتها على الحركة والمشي في سابقة لفتت الأنظار وأحيَت الأمل في نفس كل عليلٍ يتوق للحركة وقد أقعده الشلل لسببٍ ما.
يرتكز مبدأ العلاج التجريبي الجديد للشلل على إصلاح العطَب في الحبل الشوكي عبر إرسال إشارات حيويّة نشِطة لتحفيز خلاياه لأن تبدأ بإصلاح نفسها وتتجدّد، وذلك من خلال قدرته على إجراء التغييرات التالية:
- تجديد المحاور العصبيّة Axons المبتورة أو ما تُعرّف على أنّها الامتدادات العصبيّة في العصبونات.
- إزالة الأنسجة النَدَبيّة التي تشكِّل حاجزًا يمنع إمكانيّة تجديد وإصلاح الخلايا المُتضرّرة في الحبل الشوكي.
- إعادة تكوين المَيَلين Myelin حول الخلايا، ويُعرّف الميلين على أنّه الطبقة العازلة التي تحيط بالمحاور العصبيّة وتتلخّص أهميّتها من خلال دورها في نقل الشارات الكهربيّة بفاعليّة.
- تكوين الأوعية الدمويّة لإيصال العناصر الغذائيّة الضروريّة للخلايا في موقع الإصابة.
- إنعاش عدد أكبر من الخلايا العصبيّة الحرَكيّة.
يُشَار إلى أنّ مصير جزيئات الدواء المُستعمَل لا تتسبّب بأيّ آثارٍ جانبيّة ملحوظة، بل إنّها تتحلّل وتتحوّل إلى عناصر غذائيّة تُفيد الخلايا خلال 12 أُسبوعًا، لتختفي بعد ذلك تمامًا من الجسم.
آليّة عمل دواء الشلل الجديد
ترتكز آليّة عمل الدواء الجديد على حقن مادّة تحتوي على جزيئات تتحرّك بخفّة وسرعة لتُتاح لها فرصة الارتباط مع المُستقبلات الخلويّة بمعدلات أعلى؛ إذ يشير الباحثون إلى أنّ التركيبة الدوائيّة السائلة للعلاج الجديد سُرعان ما تتحوّل إلى مادّة هلاميّة على هيئة شبكة معقّدة من الألياف النانويّة التي تحاكي المصفوفة الخلويّة الخارجيّة للحبل الشوكي، بحيث تتمكّن شبكة الألياف النانويّة هذه من ضبط الحركة الجماعيّة لِما يزيد عن 100 ألف جزيء لتغدو أكثر قدرة على الارتباط بفاعليّة مع المُستقبِلات في العصبونات.
وقد أعرَب الفريق البحثيّ المُشرف على الدراسة بأنّ التركيبة الدوائيّة للعلاج المُبتكَر تمكّنت من إبداء فاعليّة أعلى بزيادة النشاط الحيوي للجزيئات والإشارات الخلويّة فيما بين الخلايا، وذلك لدى اختبارها على الفئران المشلولة أو حتى عند تجربتها على الخلايا البشريّة مخبريًا In vitro.
يُفترَض أن تتمكّن المادّة العلاجيّة -حال حقنها- من أداء مجموعة من الوظائف، منها تحفيز إعادة بناء المَيلين المُحيط بالخلايا العصبيّة وتقليل التندُبات الدبقيّة Glial scars التي تحدّ من قدرة الحبل الشوكي على الشفاء.
أمّا الوظيفة الرئيسيّة للعلاج الجديد فهمي تكمُن بقدرة تركيبته على ضبط حركة الجزيئات وتمكينها من إيجاد المُستقبلات الخلويّة التي تتحرّك باستمرار والتعامل معها بفاعليّة حال ارتباطهما، لتتحفّز نتيجةً لذلك إشارتين مُتتاليتَين تنطلق كُل منهما لتبدأ إصلاحات مهمّة في الحبل الشوكي المُتضرّر، تتوزّع مهام هذه الإشارات المُنبثقة عن ارتباط الجزيئات المتحرّكة مع المُستقبلات بكل من التالية:
- الإشارة الأُولى: تحفيز تجديد المحاور العصبيّة في الحبل الشوكي لتتمكّن من إرسال الإشارات العصبيّة للدماغ، ما يرفع من كفاءة التواصل بين أجزاء الجسم والدماغ بالتالي تعزيز القدرة على تحريك الأعضاء المشلولة.
- الإشارة الثانية: مساعدة الخلايا العصبيّة على النجاة بعد تعرّضها للإصابة؛ وذلك عبر تحفيز تكوين الوسط اللازم لإعادة بناء الأنسجة التالفة، مثل تحفيز إعادة تكوين الأوعية الدمويّة اللّازمة لتغذية العصبونات لتستعيد قدرتها على أداء وظائفها، إضافة إلى تحفيز انتشار أنواع أُخرى من الخلايا الضروريّة لإعادة الحياة للخلايا العصبيّة المُتضرّرة.
العالم ينتظر العلاج، فهل يكون قريبًا؟
يُشَار إلى أنّ ما يقرُب من 500 ألف شخص حول العالم يعانون من إصابة ما في الحبل الشوكي سبق وأن تسبّبت بإعاقتهم عن الحركة الطبيعيّة، وتُعزَى معظم هذه الحالات من إصابات الحبل الشوكي إلى الحوادث المروريّة، الإصابات المباشرة نتجية العنف أو السقوط من مكان مرتفع وغير ذلك.
يسعى العلماء والباحثين منذ عقودٍ مضَت إلى محاولة التوصُّل لِما يمكن أن يُحسّن من حياة المرضى غير القادرين على الحركة جرّاء إصابة الحبل الشوكي لديهم؛ إذ إنّه وإلى جانب ما تجرُّه هذه الإصابات من مشاكل صحيّة متعدّدة تطَال الحالة النفسيّة للمرضى، فإنّ العبء الصحيّ والمبالغ الماليّة المترتبّة لتغطية ما يحتاجه مرضى الشلل خلال حياتهم قد يصِل حتى ملايين الدولارات للمريض الواحد! ما يعني بأنّ إيجاد العلاج يُعدّ أمرًا ضروريًّا، فهو إلى جانب إيجابيّته في تعزيز فرص المرضى للحصول على حياة طبيعيّة وتخليصهم من الشلل، يساهم في تخفيض المخصّصات الماليّة المُعدّة للتخفيف عن هؤلاء المرضى ورعايتهم لتذهب لمرضى آخرين ربمّا كانت أمراضهم أشدّ فتكًا، خصوصًا في الدول ذات الدخل المتدنّي أو حتى المتوسّط.
المراجع
- “Dancing molecules” successfully repair sever spinal cord injuries. (2021). Retrieved from Northwestern Now: https://news.northwestern.edu/stories/2021/11/dancing-molecules-successfully-repair-severe-spinal-cord-injuries/&fj=1
- Spinal cord injury. 2013. Retrieved from World Health Organization: https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/spinal-cord-injury
- Alvarez Z, et al. (2021). Bioactive scaffolds with enhanced supramolecular motion promote recovery from spinal cord injury. Science, 347(6569): 848-856. Retrieved from DOI: 10.1126/science.abh3602