تُعدّ البروتينات ثالث العناصر الغذائية الكبرى التي تمُدّ الجسم بالطاقة إلى جانب الكربوهيدرات والدهون، كما تُشكّل جزءًا أساسيًا من الحمية الغذائية، وتؤدي العديد من الوظائف الحيوية في الجسم، فالإنزيمات مثلًا -وهي أحد أهم البروتينات في الجسم- تساعد في إنتاج الطاقة من خلال تحفيزها لحدوث التفاعلات الكيميائية في الجسم، إذ إنّ 90% من تلك التفاعلات قد لا تحدث بالسرعة المطلوبة بدون الإنزيمات التي تعمل كمحفّزٍ لها.[1]
ما هي البروتينات؟
تُمثّل البروتينات مبلمرات حيوية (Biopolymeric structures) مُكوّنة من عددٍ من الأحماض الأمينية التي ترتبط مع بعضها بروابط ببتيدية،[1] وتوجد البروتينات بعدّة أشكال؛ مركبات أحاديّة، أو ثنائيّة، أو ثلاثيّة، أو رباعيّة، إلا أنّ الشكل الأحادي -الذي يتكوّن من سلسلة خطيّة من الأحماض الأمينية- هو الشكل الأهم من الناحية التغذوية،[2] وللبروتينات عددٌ من الوظائف الحيوية في الجسم فهي مسؤولة عن بناء الأنسجة، بالإضافة إلى دورها في تنظيم عمليات الأيض وتنشيط الجهاز المناعي، كما أنّ لها دورٌ في الكيفية التي تتوزع فيها مكونات الجسم.[3]
يدخل في تركيب البروتينات 20 حمضٍ أميني، تسعة منها ليس بمقدور جسم الإنسان البالغ تصنيعها، وتسمّى بالأحماض الأمينية الأساسية (Essential amino acids (EAAs))؛ تشمل ليوسين (Leucine)، وفالين (Valine)، وآيزوليوسين (Isoleucine)، وهستدين (Histidine)، ولايسين (Lysine)، ومثيونين (Methionine)، وثريونين (Threonine)، وتريبتوفان (Tryptophan)، وفينل ألانين (Phenylalanine)، كما يحتاج الجسم إلى حمض المثيونين حتى يتمكن من تصنيع حمض السيستين (Cysteine)، ويحتاج إلى حمض الفينل الانين حتى يتمكن من تصنيع حمض التيروسين (Tyrosine).[2]
في المقابل، يوجد خمسة أحماض أمينية يستطيع جسم الإنسان تصنيعها داخله إلى جانب قدرته الحصول عليها من الغذاء، وتدعى بالأحماض الأمينية غير الأساسية (Non-Essential)؛ تشمل آلانين (Alanine)، وأسباراجين (Asparagine)، وحمض الأسبارتيك (Aspartic acid)، وحمض الجلوتاميك (Glutamic acid)، وسيرين (Serine).[1]
أهمية البروتينات للجسم
للبروتينات دورٌ كبير في الوظائف الكيميائية الحيوية في جسم الإنسان، ولا بُدّ من الحفاظ على توازنها دون زيادةٍ أو نقصان لتجنب الأضرار التي قد تترتب على ذلك،[1] وتتمثّل أهمية البروتينات في عدة أمور:[1][4]
- أداء وظائف بنائية في الجسم (Structural functions): إذ تمثل البروتينات الوحدات البنائية للخلايا والأنسجة، ففي العضلات مثلًا، يشكل بروتين الأكتين (Actin) هيكلًا يستند عليه بروتين الميوسين (Mayocin) بطريقة تسهل إنقباض العضلة.
- وظائف حركية في الجسم (Kinetic Functions): تُسهم البروتينات الحركية (Motor proteins) في نقل الجزيئات داخل الخلية وتسهيل حركة بعض أجزاء الخلية، إضافة إلى دورها في حركة المواد السائلة وشبه السائلة في الجسم، كدوران الدم وتنقل الطعام خلال الجهاز الهضمي.
- ضبط الوزن (weight management): أظهرت البحوث أن تناول البروتينات قد يزيد من الإحساس بالشبع وما ينتج عنه من ضبطٍ للشهية، وبالتالي التقليل من كمية السعرات الحرارية المُتناولة.
- الحدّ من ضمور كتلة العضلات الهيكلية (Sarcopenia)، فمع التقدم في العمر تفقد العضلات جزءًا من كتلتها باستمرار وبالتدريج، لذا يقترح بعض الباحثين التركيز على تناول كميات متوسطة من البروتينات عالية الجودة (بين 25- 35 غرام) يوميًا ضمن وجبات الفطور، والغداء، والعشاء للتقليل من حدوث الضمور العضلي.
أعراض نقص البروتينات
يُصاب الجسم بنقص مستوى البروتين عند عدم تلبية احتياجاته من البروتين كمًا ونوعًا، وقد يرافق نقص البروتين انخفاض معدل قدرة الجسم على سد احتياجاته من الطاقة الكلية التي تلزمه،[2] ومن أعراض نقص البروتين:[2]
- مرض مرازمس (Marasmus) أو ما يُعرف بالسغل: وينتج عن نقص في كل من البروتينات والطاقة في الجسم، ويتّسم بإصابة الجسم بالهزال العام.
- مرض كواشيوركور (Kwashiorkor): وينتج عن نقص في كمية ونوعية البروتينات المتناولة، ويتسم بحدوث وذمة (Edema) في الجسم.
كما قد يسبب حدوث خلل في عمل أحد البروتينات في الجسم طيفًا من الأمراض، كالسمنة لدى الأطفال، وتلف في الشبكية ما قد يؤدي إلى فقدان البصر، والإصابة بالصمم، والنوع الثاني من مرض السكري، ويؤدي الخلل في عمل الأهداب البروتينية (Protein cilia) الموجودة في أسواط الحيوانات المنوية إلى شللٍ في حركتها، بينما يؤدي حدوث خلل في الأهداب البروتينية الموجودة في القناة التنفسية إلى تكرار الإصابة بالتهاباتٍ الرئوية.[1]
أنواع البروتينات
تُعرّف جودة البروتينات على أنها قدرة تلك البروتينات على سدّ احتياجات الجسم من النيتروجين ومن الأحماض الأمينية الأساسية (EAAs)،[3] ويتحكم في جودة البروتين الموجود في المصادر الغذائية المختلفة عدّة عوامل، مثل كمية البروتين، ومحتوى البروتين من الأحماض الأمينية الأساسية، ومدى قابلية البروتين الموجود فيها للهضم [5].
تتفاوت البروتينات التي يتناولها الإنسان في حميته الغذائية في خواصها الكيميائية، والحيوية، والوظيفية، والتغذوية تبعًا لمصدرها إن كان نباتيًا أو حيوانيًا:[5]
- البروتينات الحيوانية
تمتاز البروتينات الحيوانية بأنها ذات جودة أعلى من البروتينات النباتية، كما أنّ المصادر الحيوانية ذات محتوى أعلى من البروتين مقارنةً بالمصادر النباتية عمومًا،[2] وتُعزى الجودة العالية للبروتينات الحيوانية إلى مكوناتها من الأحماض الأمينية، وسهولة هضمها، وقدرتها على نقل بعض العناصر الغذائية الهامة في الجسم، مثل الكالسيوم والحديد، كما تتفوق البروتينات الحيوانية على البروتينات النباتية في مميزاتها التصنيعية -التي تمنح الغذاء خواصه المحسوسة وقوامه المميز- كقدرتها على الاستحلاب (Emulsification) وتشكيل مركبات هلامية.[5]
- البروتينات النباتية
يعتمد البعض على تناول البروتينات النباتية لأسبابٍ صحيّة، أو أخلاقية، أو للحفاظ على البيئة، وتتسم البروتينات النباتية عمومًا بأنها أقل جودة من البروتينات الحيوانية،[5] ويُعزى ذلك إلى احتوائها على عددٍ أقل من الأحماض الأمينية الأساسية، ويمكن تعويض ذلك النقص بالتنويع في الأصناف النباتية المتناولة.[3]
حاجة الجسم من البروتينات
يُشَار إلى احتياجات الجسم من البروتينات على أنها كمية البروتينات الواجب تناولها ضمن الحمية الغذائية الصحية والمتوازنة للحفاظ على سلامة الجسم لدى البالغين وكبار السن، وضمان النمو السليم لحديثي الولادة، والأطفال، والحوامل،[4] وتبلغ احتياجات الإنسان البالغ من البروتينات في الحالة الطبيعية 0.8 غرام/كيلو غرام من الوزن يوميًا، ويتباين هذا المقدار وفقا للحالة الفسيولوجية للجسم، فمثلًا تزداد احتياجات الرياضيين من البروتينات لتصبح 1.2-1.6 غرام/كيلو غرام من وزنهم يوميًا.[3]
تزداد احتياجات الحامل والمرضع بمقدار 10 غرام و15 غرام -على التوالي- عن الاحتياجات الطبيعية لكل منهما،[2] كما يمكن حساب احتياجات الجسم من البروتينات بالرجوع إلى مقياس مساهمة العناصر الغذائية الكبرى المقبولة في الطاقة (Acceptable Macronutrient Distribution Range (AMDR)) والذي يشير إلى أنّ النسبة المثالية لمساهمة البروتينات من إجمالي الطاقة الكلية يتراوح بين 10-35%.[3]
المصادر الغذائية للبروتينات
من الأغذية النباتية الغنية بالبروتينات؛ الحبوب الكاملة، المكسرات، البذور، والأغذية التي تحتوي على الصويا، التي -وخلافًا لغيرها من البروتينات النباتية- تحتوي على جميع الأحماض الأمينية الأساسية وبكمياتٍ كافية،[1] بينما تفتقر معظم البقوليات كالعدس، والبازيلاء، والفاصولياء إلى حمض المثيونين، بالمقابل تحتوي الحبوب على كمياتٍ كافية من حمض المثيونين، إلا أنها تفتقر إلى كلٍ من اللايسين والتريبتوفان.[2]
أما الأغذية الحيوانية الغنية بالبروتينات فتشمل منتجات الألبان، واللحوم، والمأكولات البحرية، والبيض، وهي تحتوي على جميع الأحماض الأمينية الأساسية وبكمياتٍ مناسبة.[1]
الآثار الجانبية لتناول البروتينات بكمياتٍ عالية
لا يوجد معلومات كافية حول وجود سمية للبروتينات في حال الإفراط في تناولها بالمجمل أو عند تناول حمض أميني معين، ويُعتقد أن تناول البروتينات بنسبة تُقارب 35% من إجمالي الطاقة اليومية آمن عمومًا، مع وجود بعض الحالات الاستثنائية، كما ليس هناك حدٌ أقصى محدد لكمية البروتينات المسموحة يوميًا.[2]
وعلى الرغم من أنّ بعض الدراسات الحديثة ربطت بين استهلاك كمياتٍ كبيرة من البروتينات -لا سيما الحيوانية- وزيادة خطر الإصابة ببعض الأمراض كالسرطان والسكري، إلّا أنّ ذلك لا يعني أن تناول البروتينات يضر بالصحة، وإنما يشير إلى ضرورة تناولها باعتدالٍ وتوازن،[4] إذ يُسمح للأطفال الأصحاء (بين 1 إلى 3 سنوات) تناول كمية يومية من البروتينات تصل إلى 5 غرامات مضروبًا في أوزانهم بالكيلوغرامات ضمن معادلة رياضية، بينما يُسمح للبالغين الأصحّاء بتناول كمية يومية من البروتينات تصل إلى 2 غرام مضروبًا بأوزانهم بالكيلو غرام.[2]
قد تحمل بعض الأحماض الأمينية مقدارًا من السميّة التي قد ينتج عنها عدد من الاعتلالات الأيضية الوراثية، بينما يمكن تناول البعض الآخر بأمان، فمثلًا يمكن تناول كمية من الجلوتامين تُعادل 40-50 غرام يوميًا دون ضرر، وعمومًا ينبغي توخي الحذر عند تناول أي حمض أميني بكميات أكثر من تلك الموجودة طبيعيًا في الطعام.[2]