اكتشف العلماء وجود فيروس التهاب الكبد D لدى المصابين بعدوى فيروس التهاب الكبد B المزمن في عام 1977 ميلادي، ليُصنّف كنوعٍ آخر من المُمرضات التي تصيب الكبد،[1] وعلى الرغم من توسّع عمليات المسح للكشف عن مستوى انتشار وباء فيروس التهاب الكبد الوبائي D، فإنّ معدّل الانتشار الحقيقي العالميّ لهذا الفيروس لا يزال غير واضحٍ تمامًا، ويُعزى ذلك إلى وجود العديد من المحدّدات والمعيقات التي تقف في طريق المهتمّين بالاستقصاء وجمع البيانات الدقيقة.[2][3]
ما هو التهاب الكبد D ؟
يُعدّ التهاب الكبد من النوع (D) (Hepatitis D) نوعًا من أنواع العدوى الفيروسيّة النادرة التي تصيب الكبد جرّاء الإصابة بفيروس التهاب الكبد دلتا D [4][5]،(Hepatitis delta virus) ويُصنّف حاليًا كأصغر الفيروسات المُسببة للعدوى التي قد تصيب الإنسان،[3] وهو فيروس يحمل الحمض النووي الريبوزي RNA أُحادي السلسلة سالب الاتجاه (Negative-sense single-stranded RNA virus)، الذي يتمكّن من إكمال دورة حياته في الجسم بالاعتماد على وجود فيروس التهاب الكبد B، إذ تتزامن الإصابة بعدوى فيروس التهاب الكبد D مع عدوى التهاب الكبد B في الوقت ذاته، وتحدث عدوى فيروس التهاب الكبد D في هذه الحالة كعدوى مرافقة (Coinfection)، وفي بعض الأحيان تحدث عدوى فيروس التهاب الكبد D لدى المصابين بالتهاب الكبد B المزمن كنوع من العدوى الإضافيّة (Superinfection).[4][6]
لوحظ أنّ اجتماع عدوى التهاب الكبد الوبائي D مع عدوى التهاب الكبد الوبائي B في الوقت ذاته يُسهم في تسريع تضرّر الكبد، وظهور مضاعفاتٍ شديدة، مثل تشمّع الكبد وسرطان خلايا الكبد، لذلك يُشكّل الالتهاب الناجم عن الإصابة بفيروس التهاب الكبد D وB واحدًا من أكثر أنواع التهاب الكبد الفيروسي خطورة.[3]
انتقال عدوى التهاب الكبد D
غالبًا ما تنتقل عدوى التهاب الكبد D من شخصٍ لآخر عن طريق الحقن، أو بتلامس الغشاء المخاطيّ مع دماء أو سوائل الجسم الملوّثة بالعدوى، وقد تكون هذه العدوى سببًا في حدوث التهابٍ حادّ أو التهابٍ مزمن في الكبد،[6][7] وفي الحقيقة، تزداد خطورة الإصابة بعدوى فيروس التهاب الكبد الوبائي D في حالاتٍ معيّنة:[6][7]
- تعاطي المخدرات.
- التعرّض لعمليات نقل الدم المتعدّد.
- الاتصال الجنسي، غير أنّ احتماليّة انتقال عدوى التهاب الكبد D بهذه الطريقة تكون منخفضة مقارنةً مع قدرتها على نقل عدوى التهاب الكبد B من شخصٍ لآخر.
أعراض التهاب الكبد D
لا يصاحب معظم حالات عدوى التهاب الكبد D ظهور أيّة أعراض على المصاب، ومع ذلك، ثمّة أعراض أو علامات قد تظهر على عددٍ من المصابين بالعدوى، والتي تختلف من شخصٍ لآخر اعتمادًا على شِدة الإصابة، كالشعور بألم البطن، والإصابة بالحمّى، والتقيؤ مع الغثيان، والحكّة، واختلاف لون البول (يميل إلى أن يُصبح داكنًا كلون الشاي)، كذلك تغيُّر لون الجلد وبياض العينين للأصفر، والذي يُعرف باليرقان (Jaundice)، وفي حالاتٍ نادرة قد يشعر المصاب بالارتباك، أو يعاني من الكدمات أو النزيف، أو غير ذلك من الأعراض الأُخرى المحتملة، وتجدر الإشارة إلى أنّ فترة حضانة العدوى تتراوح غالبًا ما بين 21-45 يومًا، وقد تكون أقصر في حالاتٍ معيّنة.[1][8]
مضاعفات التهاب الكبد D
تُسفر عدوى التهاب الكبد D لدى شخصٍ مصاب بالأساس عن حدوث عدوى التهاب الكبد B المزمن، كعدوى إضافيّة تتطوّر إلى عدوى أكثر شِدة وخطورة مقارنةً بالحالات التي تحدث فيها عدوى التهاب الكبد D المتزامنة مع عدوى التهاب الكبد B، كعدوى مرافقة، وتظهر لدى نسبةٍ كبيرة من المصابين في هذه الحالة أعراض التهاب الكبد D المزمن بسبب استمرار تضاعف الفيروس مع وجود عدوى التهاب الكبد B، وتكون عدوى التهاب الكبد D المزمن سببًا في ظهور مضاعفاتٍ أكثر شِدّة مقارنةً بعدوى التهاب الكبد B المزمن،[1] وعمومًا، من أهم مضاعفات التهاب الكبد الوبائي D المُعدي:[1][7]
- تليُّف في الكبد يحدث تدريجيًّا.
- تشمع الكبد.
- فشل الكبد.
- سرطان الخلايا الكبدية (Hepatocellular carcinoma).
- ظهور علامات المناعة الذاتية، كملاحظة وجود الأجسام المضادة للعضلات الملساء (Smooth muscle antibodies)، وعوامل مضادة للنواة (Antinuclear antibody) أثناء التحاليل.
الوقاية من التهاب الكبد D
لا تتوفّر أدوية أو حلول طبيّة معيّنة تُسهم في تعزيز الوقاية المناعيّة ضدّ عدوى التهاب الكبد الوبائي D، ولكن يمكن الوقاية منها باستخدام لقاح يقي من الإصابة بالعدوى الفيروسيّة المُسبّبة لالتهاب الكبد B، وذلك بسبب اعتماد فيروس الكبد D على وجود فيروس الكبد B في الجسم، ولهذا يُوصَى بتلقّي لقاح ضدّ فيروس التهاب الكبد B في حالة ارتفاع خطورة الإصابة بالعدوى، كما في حالات تعاطي المخدرات بواسطة الحقن، والتواجد في مناطق انتشار الوباء.[1][6]
علاج التهاب الكبد D
يواجه الأطباء صعوبةً في تحديد الخيار العلاجيّ الأمثل لحالات الإصابة بالتهاب الكبد D، خاصةً مع محدوديّة الخيارات العلاجيّة المطروحة، وهو ما يؤكد على ضرورة اتباع نهجٍ مدروس أثناء تشخيص الإصابة، والحرص على تواجد طبيبٍ مختص بأمراض الكبد خلال هذه المرحلة الحرِجة.[1]
يهدف العلاج في حالات الإصابة بفيروس التهاب الكبد D إلى تثبيط تضاعف الفيروس في الجسم، وعليه، تُستخدم بعض الأدوية في حالات التهاب الكبد D المزمن رغم عدم الحصول على تصريحٍ مؤكّد من مؤسسة الغذاء والدواء (FDA) لاستخدامها في هذه الحالة،[1][4] ومن هذه الأدوية:[1][4]
- بيغ-إنتيرفيرون ألفا (Pegylated interferon alpha or pegIFNα)، إذ اُستخدم لعلاج المصابين بفيروس التهاب الكبد D في معظم التجارب السريريّة رغم وجود عددٍ من السلبيّات المرتبطة باستخدامه، كظهور الآثار الجانبية، وارتفاع معدلات حدوث الانتكاسة وعودة الإصابة مرّةً أُخرى، وانخفاض معدلات الاستجابة لدى المصابين.
- "بوليفيرتايد" (Bulevirtide)، وهو أوّل دواء مُخصّص لعلاج حالات الإصابة بعدوى التهاب الكبد D، وقد حصل على ترخيصٍ مشروط لتسويقه في أوروبا.
- "لونافارنيب" (Lonafarnib)، مازال في مرحلة التجارب السريريّة لحالات التهاب الكبد D.
لا يتوفر علاج معيّن يُستخدم في حالات التهاب الكبد الفيروسي D الحادّ، ولكن يعتمد الأطباء في كثيرٍ من الأحيان على تقديم العلاج الداعم للمُصاب في مثل هذه الحالات بهدف السيطرة على حالته الصحيّة قدر المُستطاع، والتوصية بضرورة تجنب تناول المشروبات الكحوليّة كليًّا لمنع تفاقم الضّرر في الكبد، إذ وتكون زراعة الكبد خيارًا أمثل في حالات تفاقم المرض، وظهور مشكلة تشمّع الكبد.[1][6]
نصائح عامّة لدى الإصابة بالتهاب الكبد D
يُوصَى بالاطلاع على النصائح والتوصيات المُقدّمة للمصابين بالتهاب الكبد D والأشخاص المَعنيين برعاية المُصابين ومحاولة التقيُّد بها قدر المستطاع:[5][7]
- تثقيف المصابين بفيروس التهاب الكبد D وعائلاتهم بشأن العدوى، وتشخيصها، ووسائل العلاج المتاحة للسيطرة عليها، وتقع هذه المسؤوليّة على عاتق مُقدمي الرعاية الصحيّة ومنظمات الصحة العامّة.
- توعية المصاب حول ضرورة تعديل سلوكياته التي تزيد من مخاطر انتقال عدوى فيروس التهاب الكبد D، كاستخدام الأدوية بواسطة الحقن، وغيرها.
- تشجيع استخدام الاحتياطات الشاملة في مجال الرعاية الصحيّة، وزيادة الوعي بين العاملين في هذا المجال بشأن التعامل مع إصابات عدوى التهاب الكبد D.
- توعية المصاب بفيروس التهاب الكبد D المزمن وفيروس التهاب الكبد B حول ضرورة عدم التبرع بالدم، أو مشاركة فرشاة الأسنان أو الشفرة الشخصيّة مع الآخرين، إلى جانب ضرورة الامتناع عن تناول المشروبات الكحولية.