تُشكل متلازمة زولينجر إليسون (Zollinger-Ellison syndrome) مجموعة من الأعراض التي تشمل قرحة المعدة الشديدة، وداء الارتِجاع المَعدي المريئي (Gastroesophageal reflux disease)، والإسهال المزمن، وتنجم هذه المتلازمة عن تكوُّن ورم يُفرز هرمون الغاسترين في منطقة البنكرياس أو الاثني عشر من الأمعاء الدقيقة، مما يؤدي إلى تحفيز زيادة إفراز أحماض المعدة، وإذا لم تُشخّص هذه المتلازمة وتُعالج بطريقةٍ صحيحة، فإنها قد تؤثر سلبًا في جودة حياة المريض، وتزيد معدل الوفيات.[1]
ما هي متلازمة زولينجر إليسون؟
رُصدت أُولى حالات الإصابة بُمتلازمة زولينجر إليسون في العام 1955 ميلاديًا من الجراحين الأمريكيين روبرت زولينجر (Robert Zollinger)، وزميله إدوين إليسون (Edwin Ellison) عندما لاحظا وجود قُرحةٍ معدية مُزمنة مُستعصية لمريضين، وبعد تقييم حالتهما ربطا العلاقة بين فرط إفرازات أحماض المعدة لديهم بوجود الأورام العصبية الصماوية في البنكرياس (Pancreatic neuroendocrine neoplasm).[2]
قد يُشار إلى متلازمة زولينجر إليسون بالورم الغاستريني (Gastrinomas) ويمكن تعريف هذه المتلازمة على أنّها أورام تحدث عادةً في البنكرياس أو الإثني عشر (Duodenum) -وهو الجزء الأول من الأمعاء الدقيقة- تُنتج مستويات مرتفعة من هرمون الغاسترين (Gastrin hormone)، الذي يُحرِّض المعدة على إفراز أحماضها وإنزيماتها الهاضمة، ممَّا يُسبب القرحات المَعديَّة.[3]
لفهم علاقة الأورام البنكرياسية بإفرازات أحماض المعدة، لا بُدّ من إلقاء الضوء على وظيفة هرمون الغاسترين؛ يُفرَز ويُصنّع هرمون الغاسترين من خلايا عصبية صماء (Neuroendocrine cells) خاصة تُسمى بالخلايا جي (G-cells)، وتوجد أغلبها في منطقة غار البواب (Pyloric antrum) في المعدة، ولكنها قد توجد أيضًا في البنكرياس والإثني عشر في الأمعاء، تُفرز خلايا جي هرمون الغاسترين، ويلعب هذا الهرمون دورًا هامًا في تحفيز خلايا المعدة لإفراز أحماضها، وبالتالي فإن وجود الأورام الغاسترينية في البنكرياس يُفسر أسباب ارتفاع الغاسترين، وما يُرافقه من زيادة إفراز أحماض المعدة والمضاعفات التي تنجم عنها.[4]
أسباب متلازمة زولينجر إليسون
يُعد الورم الغاستريني السبب المباشر للإصابة بمتلازمة زولينجر إليسون، وقد تتكوّن هذه الأورام من ورمٍ واحدٍ، أو عدة أورام،[5] نصف هذه الأورام قد تكون خبيثة،[3] وقد تنتشر لتصل إلى الكبد والغدد اللمفاوية القريبة.[5]
بالإضافة إلى ذلك، قد يكون الورم الغاستريني جُزءًا من الورم الصماوي المتعدد من النوع 1 (Multiple endocrine neoplasia type 1)، ويعاني المرضى من وجود أورامٍ عديدة في الغدد الصماء، كأورام الغدة النخامية في الدماغ، وأورام الغدد جارات الدرقية في الرقبة، فضلًا عن الأورام في البنكرياس.[5]
أعراض متلازمة زولينجر إليسون
تتمثّل أعراض ارتفاع هرمون الغاسترين في زيادة إفراز المعدة لأحماضها بكمياتٍ كبيرة،[3] مما ينجم عنه حالة من فرط الكلوروهيدرية (Hyperchlorhydria)، وهذا ما يُسبب الإسهال وأعراضًا هضمية شديدة، عادةً ما تختفي الأعراض عند التحكم في إفراز حمض المعدة دوائيًا باستخدام مثبطات مضخة البروتون (Proton Pump Inhibitors)، وتجدر الإشارة إلى أنّ التخلص من الإسهال بعد العلاج بمثبطات مضخة البروتون سمة بارزة لهذه المتلازمة،[6] وتتضمن أعراض متلازمة زولينجر إليسون:[6][7]
- ألم في البطن.
- إسهال.
- حرقة المعدة.
- خسارة الوزن.
- الغثيان والتقيؤ.
- شحوب البشرة نتيجة النزيف في الجهاز الهضمي.
- اليرقان (Jaundice) نتيجةً لضغط الورم على القناة الصفراوية في الكبد.
- ألم في رأس المعدة (Epigastric tenderness).
- تآكل الأسنان نتيجة ارتجاع أحماض المعدة.
- تضخم الكبد (Hepatomegaly) جرّاء انتقال الورم إليه.
أما المرضى-وخاصةً الأطفال- الذين يُعانون من الورم الغاستريني كجزءٍ من الورم الصماوي المتعدد من النوع 1 فتظهر لديهم قرحات هضمية صعبة الشفاء، كما قد تُلاحظ أعراضٌ أُخرى كفرط الكالسيوم في الدم، وحصوات الكُلى، وفرط تنسُّج الغدد جارات الدرقية (Parathyroid hyperplasia).[1]
تشخيص متلازمة زولينجر إليسون
تُستخدم الفحوصات المخبرية لتشخيص متلازمة زولينجر إليسون، ويوصي الأطباء بالتوقف عن استخدام الأدوية المُثبطة لمضخات البروتون لمدة أسبوع قبل إجراء الفحص، وكذلك التوقف عن تناول أدوية حاصرات مستقبل الهستامين 2 (H2-receptor antagonists) قبل 48 ساعة على الأقل من إجراء أي فحصٍ مخبري،[1] من أهم الفحوصات المخبرية لتشخيص متلازمة زولينجر إليسون:[1][7]
- فحص مستوى هرمون الغاسترين في الدم أثناء الصيام (Fasting serum gastrin levels):
تبلغ دقة هذا الفحص في تشخيص متلازمة زولينجر إليسون 99 بالمئة، كما يُنصح بإجرائه مراتٍ عديدة خلال أيامٍ مُتفرقة، نظرًا إلى أنّ مستوى الغاسترين في الدم قد يتفاوت بين يومٍ وآخر.
- فحص كمية إفرازات حمض المعدة الأساسية (Basal acid output test):
تبلغ دقة هذا الفحص في تشخيص المتلازمة ما يُقارب 98 بالمئة، وتُعد قراءة 15 ملي مكافئ/ليتر أو 5 ملي مكافئ/ليتر في حال استئصال المعدة مؤشرًا على متلازمة زولينجر إليسون.
- فحص مستوى الكالسيوم في الدم (Serum calcium levels):
يُجرى هذا الفحص في حال اشتباه الطبيب بالورم الصماوي المتعدد من النوع الأول، كما يُنصح في مثل هذه الحالات بإجراء فحص مستوى الهرمون الجار درقي (Parathyroid hormone level)، وهرمون البرولاكتين (Prolactin)، وفحص مُتعدد ببتيد البنكرياس (Pancreatic polypeptide test).
كما قد تُجرى بعض الإجراءات التشخيصية للمرضى، كالتصوير الومضاني لمستقبلات السوماتوستاتين (Somatostatin receptor scintigraphy)، والتصوير الطبقي المحوري (CT-Scan)، والتصوير بالرنين المغناطيسي (MRI)، وحديثًا استُخدِم التصوير التنظيري بالموجات فوق الصوتية (Endoscopic ultrasonography) كأداة تشخيصية لهذه المتلازمة.[7]
علاج متلازمة زولينجر إليسون
تهدف الخطة العلاجية لمتلازمة زولينجر إليسون إلى علاج الأعراض التي يعاني منها المرضى باستخدام الأدوية المناسبة، والخضوع للجراحة في حال كان ذلك مُمكنًا للشفاء من هذه المتلازمة.[6]
العلاج الدوائي لمتلازمة زولينجر إليسون
يتضمن العلاج الدوائي الأدوية المُثبطة لإفرازات المعدة، ومن أشهرها مثبطات مضخات البروتون كالأوميبرازول (Omeprazole)، وإيزوميبرازول (Esomeprazole)، ولانزوبـرازول (Lansoprazole)، وبانتوبرازول (Pantoprazole)، ورابيبرازول (Rabeprazole)، وتُوصَف هذه الأدوية بجرعاتٍ يُحددها الطبيب بحسب شدّة المرض، فعلى سبيل المثال قد يحتاج المريض إلى جرعة أعلى من الدواء في حال معاناته من الارتجاع المعدي المريئي متوسط الشدة أو الشديد.[2]
تُعد نظائر السوماتوستاتين Somatostatin Analogs (SSAs) من الخيارات الدوائية التي قد يلجأ إليها الأطباء لعلاج الأعراض المرافقة لمتلازمة زولينجر إليسون، وخاصة الحالات التي انتشر فيها الورم لأعضاء الجسم الأُخرى كالكبد، ومن أمثلتها دواء أوكتريوتيد (Octreotide)، ودواء لانريوتيد (Lanreotide)، وتساعد هذه العقاقير على علاج ارتفاع هرمون الجاسترين، ولكن لا توجد دراسات كافية تؤكد دورها وفعاليتها في علاج هذه المتلازمة.[6]
بالإضافة إلى ذلك قد يُستخدم العلاج الكيميائي، أو العلاج بأدوية إنترفيرون (Interferon) لعلاج حالات انتشار الورم، ولكن تُشير الدراسات إلى انخفاض استجابة الجسم لهذه العلاجات.[7]
الجراحة لعلاج متلازمة زولينجر إليسون
يُنصَح بالجراحة لاستئصال الورم الغاستريني محدود الانتشار، بالإضافة إلى الأورام المُنتشرة كما في حالة الورم الصماوي المتعدد من النوع 1 إذا كان استئصالها مُمكنًا، كما أشارت عدد من الدراسات إلى ارتفاع احتمالية نجاة المرضى بعد الجراحة،[6] إذ تُشير الأبحاث العلمية المنشورة في المعهد الوطني للصحة (National Institution of Health) أنّ معدل شفاء المرضى بعد الاستئصال الجراحي للورم قد بلغ 50-60 بالمئة، كما بلغت نسبة شفاء المرضى على المدى البعيد 35-40 بالمئة.[8]
مضاعفات متلازمة زولينجر إليسون
تتضمن مضاعفات متلازمة زولينجر إليسون تلك الناجمة عن زيادة إفراز حمض المعدة؛ منها حدوث ثُقب في المعدة (Perforation)، والنزيف، والتضيُّق المريئي (Esophageal stricture)،[8] كما تتضمن مضاعفات هذه المتلازمة المعاناة من الإسهال الشديد، وفقدان الوزن، وانتشار الورم من موقعه إلى أعضاء الجسم الأُخرى.[5]