يُعد الجهاز الهضمي أكثر أجهزة جسم الإنسان إصابةً بالتشوهات في الأوعية الدموية سواءً الأوردة، أو الشرايين، أو الشعيرات الدموية، وقد تكون هذه التشوهات حميدةً أو خبيثة، كما قد تكون موروثةً أو مُكتسبة،[1] ويُعدّ خلل التنسج الوعائي (Angiodysplasia) أشهر أنواع التشوهات التي تُصيب الأوعية الدموية في الجهاز الهضمي.[2]
ما هو خلل التنسّج الوعائي؟
خلل التنسج الوعائي هو تشوه يُصيب الأوعية الدموية، إذ تكون جُدر الأوعية الدموية ضعيفةً وهشة، ممّا يتسبب في حدوث النزيف والإصابة بمرض فقر الدم (Anemia)،[3] ويُعدّ خلل التنسج الوعائي أحد أشهرِ أسباب الإصابة بنزيف الجهاز الهضمي،[2] كما تتوسّع جُدر الأوعية الدموية وتُصبح متعرجةً، أيضًا تتضائل وتضعُف العضلات الملساء الموجودة في هذه الجُدر، وفي بعض الحالات تختفي العضلات تمامًا فيها.[1]
يُشَار للقولون على أنّه أشهر موضع في الجهاز الهضمي للإصابة بخلل التنسج الوعائي،[1] تحديدًا القولون الصاعد والقولون الأعور،[3] اللذان يشكلان 77% من حالات خلل التنسج الوعائي للقولون، بينما تشكّل الحالات التي تصيب الصائم (Jejunum) واللفائفي (Ileum) -الجزء الثاني والثالث من الأمعاء الدقيقة- ما نسبته 15%، أمّا النسبة الباقية فتُصيب الأجزاء الأُخرى من الجهاز الهضمي.[4]
كيفيّة الإصابة بخلل التنسج الوعائي للقولون
يُشَار إلى أنّ كيفيّة الإصابة الفعلية بخلل التنسج الوعائي للقولون غير معروفةٍ حتى الآن، لكن يوجد العديد من النظريات التي تحاول تفسير آليّة الإصابة،[4] فتشير إحدى النظريات أنّ التقدم في السّن مرتبطٌ بضعف جُدر الأوعية الدموية،[3] إذ لُوحظ ازدياد نسبة الإصابة لدى الأشخاص فوق سن الـ 60 عامًا، وهو ممّا يدعم هذه النظرية.[1]
بينما تُشير نظرية أُخرى إلى أن ظهور خلل التنسج الوعائي للقولون قد يكون نتيجة إصابة الشخص بنوباتٍ متكررة من انتفاخ وتمدد القولون الذي يصاحبه زيادة الضغط داخله، مما يؤدي إلى ارتفاع الضغط داخل جدران الأوردة الدموية التي تُغذي القولون، وبمرور الوقت يُصاب الشخص بانسدادٍ وريديٍ مزمن (Chronic venous obstruction).[4]
بعد الإصابة بالانسداد الوريدي المزمن تبدأ الأوردة بالتمدد، الذي بدوره يؤثر في الشعيرات الدموية والشرايين المُتصلة بالأوردة، فتُصاب كذلك بالتمدد، نتيجةً لذلك يُكوّن الجسم ممراتٍ جديدة بين الشرايين والأوردة (ArterioVenous Shunting) تختلف عن الأوعية الدموية الطبيعية.[4]
توضح نظريةٌ أخرى أن زيادة عامل نمو بطانة الأوعية الدموية (Angiogenic vascular endothelial growth factor) يلعب دورًا في الإصابة بخلل التنسج الوعائي للقولون، لأنه يُسبب انخفاض مستويات الأكسجين الذي يصل للغشاء المخاطي للقولون،[2] وهذا يحفز الجسم على تكوين أوعيةٍ دموية جديدة لزيادة الإمداد الدموي لهذه المنطقة.[1]
كما تذكر فرضيةٌ أُخرى أن سبب المشكلة قد يكون الإصابة بمتلازمة هايد (Heyde Syndrome)، وهي متلازمة يُصاب فيها المريض بتضيق صمام الشريان الأبهر (Aortic Valve Stenosis)، وتتسبب بخلل التنسج الوعائي للقولون جرّاء إصابة الشخص بمرض يُسمى فون ويلبراند (Von Willebrand Disease) الناتج عن ضيق الصمام.[3]
عوامل خطر الإصابة بخلل التنسج الوعائي للقولون
لم يتوصل العلماء حتى الآن إلى السبب الحقيقي للإصابة بخلل التنسج الوعائي للقولون، لكن قد يزيد وجود بعض عوامل الخطر أو الإصابة ببعض المشكلات المَرَضية من فرصة الإصابة بخلل التنسج الوعائي،[3] يُذكر منها:
- مرض الكلى في المرحلة النهائية (End-stage renal disease) أو الفشل الكلوي المزمن (Chronic renal failure)
تعدّ نسبة الإصابة بخلل التنسج الوعائي مرتفعة لدى هؤلاء المرضى، ويُعتقد أن لها علاقة بمدة وشدة الإصابة بأمراض الكلى،[5] وطبقًا للإحصائيات فإنّ خلل التنسج الوعائي مسؤولٌ عن 20%-30% من حالات نزيف الجهاز الهضمي العلوي أو السفلي لدى هؤلاء المرضى، كما أنه مسؤولٌ عن تكرار الإصابة بنزيف الجهاز الهضمي العلوي لدى 50% من الحالات.[6]
يُشَار إلى أنّ السبب وراء هذه العلاقة غير معروف حتى الآن، لكن يُعتقد بأن سبب ارتفاع فرصة الإصابة بالنزيف لدى مرضى الفشل الكلوي المزمن، هو استخدامهم لمضادات التخثر أو إصابتهم بمتلازمة انحلال الدم اليوريمية (Uraemic platelet dysfunction)، مما يحتّم خضوعهم للعديد من الفحوصات بالمنظار وبالتالي زيادة فرصة اكتشاف الإصابة بخلل التنسج الوعائي.[5]
- مرض فون ويلبراند (von Willebrand disease)
يوجد علاقة بين مرض خلل التنسج الوعائي والإصابة بمرض فون ويلبراند، سواءً الوراثي أو المُكتسب، هذه العلاقة تجعل أعراض مرض خلل التنسج الوعائي السريرية أكثر وضوحًا،[6] ويزداد تأثير مرض فون ويلبراند لدى الأشخاص الذين يعانون من ضيق الصمام الأبهر.[3]
طبقًا للدراسات فإنّه لم يثبُت وجود علاقة مستمرة بين الإصابة بضيق الصمام الأبهر وخلل التنسج الوعائي للقولون، لكن هذه الدراسات أوضحت أنّ نسبة نزيف الجزء السفلي من الجهاز الهضمي تقل عند تلقي المرضى المُصابين بضيق الصمام الأبهر للعلاج،[3] كما وُجدت علاقة بين وجود الأجهزة المساعدة التي تُثبَّت في للبطين الأيسر (Left ventricular assist devices) والإصابة بخلل التنسج الوعائي، بسبب حصول مشاكل تخثرية نتيجة تركيب مثل هذه الأجهزة، مما يؤدي إلى الإصابة بمرض فون ويلبراند المُكتسب.[6]
- التقدم في السّن
تزداد فرصة الإصابة بخلل التنسج الوعائي مع التقدم في السن، بسبب تآكل الأوعية الدموية الصغيرة، بالإضافة إلى إصابة الشخص بأمراض القلب والرئة، مما يُسبب نقص إمداد الأكسجين للأنسجة في القولون، وبالتالي زيادة فرصة تكوين أوعية دموية جديدة، والإصابة بخلل التنسج الوعائي للقولون.[1]
أعراض الإصابة بخلل التنسج الوعائي للقولون
لا تظهر أي أعراض لدى غالبية المرضى الذين يعانون من خلل التنسج الوعائي، بل تُكتشف إصابتهم بالصدفة، مثلًا عند خضوعهم لفحص تنظير القولون لأيّ سببٍ آخر،[4] لكن قد تظهر بعض الأعراض لدى مجموعة من الحالات:[3][4]
- نزيف الجهاز الهضمي: هو أشهر أعراض خلل التنسج الوعائي للقولون، وله بعض الخصائص التي تُميزه، إذ لا يُصاحبه شعور المريض بالألم، وقد يكون النزيف جديدًا وذو لونٍ أحمر فاتح في حالة النزيف من الجزء السفلي للجهاز الهضمي، وقد يكون ذو لونٍ أحمر داكن في حالة نزيف الجزء العلوي من الجهاز الهضمي، وتتراوح شدته بين الطفيف والمتوسط، لكن في بعض الحالات قد يكون شديدًا.
- أعراض الإصابة بمرض فقر الدم: قد يُصاب الشخص بمرض فقر الدم بسبب النزيف المزمن، والذي يظهر على هيئة صعوبة في التنفس، والإجهاد، والضعف، وشحوب لون الوجه.
- زيادة معدل نبضات القلب، وانخفاض ضغط الدم: تظهر هذه الأعراض عند التعرض للنزيف بوتيرة عالية وبكمياتٍ كبيرة، لكنها غير شائعة الحدوث.
علاج خلل التنسج الوعائي للقولون
يعتمد علاج خلل التنسج الوعائي على حالة المريض، فلا يُقدَّم العلاج للمرضى الذين اُكتشفت إصابتهم بخلل التنسج بالصدفة مع غياب وجود تاريخٍ مرضي لنزيف الجهاز الهضمي لديهم، لكن تعالج الحالات التي تملك تاريخًا مرَضيًا مُسبقًا لنزيف الجهاز الهضمي وغياب تعرضهم للنزيف المصاحب لخلل التنسج الوعائي للقولون، بالإضافة إلى وجوب علاج الحالات التي تُعاني من النزيف النشِط الناجم عن خلل التنسج الوعائي. [1]
كما يعتمد العلاج على حالة المريض وعلى علاماته الحيوية، فيبدأ الطبيب العلاج فورًا لدى الحالات المستقرة، أمّا الحالات غير المستقرة فتزوّد بالسوائل عن طريق الوريد حتى تستقر ويمكن حينها البدء بالعلاج،[1] تتوافر عدّة خيارات للعلاج، يختار الطبيب منها الأنسب لحالة المريض:[6][5]
- العلاج بالمنظار باختلاف طُرقه.
- العلاج بالجراحة.
- العلاج الدوائي، مثل العلاج الهرموني.