يُعد فشل القلب الاحتقاني من أمراض القلب المزمنة والشائعة، إذ يُقدَّر عدد المصابين به عالميًا بنحو 26 مليون شخص، وذلك وفقًا لما نشرته إحدى الدراسات عام 2017 ميلادي.[1]
كيف تعمل عضلة القلب؟
تتكوّن عضلة القلب طبيعيًا من أربع حجرات، حجرتين علويتين تُعرفان بالأذينين (Atria) الأيمن والأيسر، وحجرتين سفليتين تُعرفان بالبطينين (Ventricles) الأيمن والأيسر.[2]
تعمل الحجرات الأربعة بتناغم للحفاظ على تدفق الدم بين عضلة القلب والرئتين وسائر أنسجة الجسم، إذ يستقبل الأُذين الأيمن الدم غير المُحَمّل بالأكسجين من أنسجة الجسم المختلفة، ويتدفق الدم بعدها عن طريق الصمام ثلاثي الشرفات إلى البطين الأيمن، الذي يضخه بدوره عن طريق الشريان الرئوي إلى الرئتين، حيث يُحمَّل الدم بالأُكسجين.[2]
يعود الدم المُحمَّل بالأُكسجين من الرئتين خلال الأوردة الرئوية إلى الأُذين الأيسر، ومنه إلى البطين الأيسر الذي يضخ الدم المُحَمّل بالأكسجين إلى سائر أنسجة الجسم من خلال الشريان الأبهر (الأورطي).[2]
تجدر الإشارة إلى أنّه لدى انقباض عضلة القلب (Systole) يُضَخ الدم خارجها باتجاه أنسجة الجسم والرئتين، ولدى انبساطها (Diastole)، فإنّها تستقبل الدم من أنسجة الجسم والرئتين.[3]
ما هو فشل القلب الاحتقاني؟
فشل القلب الاحتقاني (Congestive Heart Failure) هو مشكلة صحيّة تتمثّل في تراجع قدرة عضلة القلب على الامتلاء بالدم أو ضعف قدرته على ضخ الدم إلى أنسجة الجسم المختلفة،[1] ممّا يُسفر عن نقص كمية الدم الواصلة إلى الأنسجة، وما قد ينجم عنه من الشعور بالتعب سريعًا، وضعف وعجز بعض أعضاء الجسم عن أداء وظائفها، مثل الكُلى التي قد تتراجع عن أداء وظيفتها في تخليص الجسم من الفضلات والسوائل الزائدة، الأمر الذي يُسفر عن زيادة حجم السوائل في الدم، مُسبّبًا ضغطًا إضافيًا على عضلة القلب، ممّا يؤدي إلى تدهور المرض، كما قد يتسبّب فشل عضلة القلب الاحتقاني في تراكم السوائل في الرئتين والأوردة الدموية مُسببًا الاحتقان (Congestion).[3]
غالبًا ما ترجع الإصابة بفشل القلب الاحتقاني إلى بعض المشكلات الصحية أو العيوب التراكيبية في عضلة القلب التي تؤثر سلبًا في كفاءة عضلة القلب، مثل ارتفاع ضغط الدم، ومرض إقفار (نقص تروية) عضلة القلب (Myocardial Ischemia)، والأمراض المُتَعلقة بصمامات القلب.[4]
أنواع فشل القلب الاحتقاني
عادةً ما يصيب فشل القلب الاحتقاني جانبي القلب الأيمن والأيسر، إلا أنّه قد يتأثر أحد جانبي القلب بالمرض بدرجة أكثر شدةً مقارنةً بالجانب الآخر،[3] وعليه ينقسم فشل القلب تبعًا للجانب المُصَاب إلى نوعين:
فشل القلب في جانبه الأيسر
ينقسم فشل القلب في جانبه الأيسر تبعًا لقدرة البطين الأيسر على ضخ الدم، والتي يصفها مقياس الكسر القذفي (Ejection Fraction)، الذي يُعرّف على أنّه نسبة الدم التي يضخها البطين الأيسر مع كل نبضة، ويترواح بين 55% إلى 60% لدى القلب السليم،[3] اعتمادًا على ذلك يُقسَم إلى:[1][3]
- فشل القلب مع انخفاض الكسر القذفي (Heart failure with Reduced Ejection Fraction (HFrEF)) أو كما يُعرف بفشل القلب الانقباضي (Systolic Heart Failure):
يتّسم بضعف عضلة القلب وتراجع قدرتها على ضخ الدم نتيجة بعض الأمراض المزمنة أو العيوب الخلقية، ومن ثم يقل الكسر القذفي عن 40%، فتبقى كمية أكبر من الدم داخل القلب، ليتراكم الدم بعد ذلك في الرئتين والأوردة.
- فشل القلب مع الحفاظ على الكسر القذفي طبيعيًا (Heart Failure with Preserved Ejection Fraction (HFpEF))، أو كما يُعرف ب فشل القلب الانبساطي (Diastolic Heart Failure):
تحتفظ عضلة القلب بقدرتها على ضخ نفس النسبة من الدم الوارد إليها (أكثر من 50%)، ولكن تتراجع قدرتها على الانبساط والامتلاء بالدم بعد كل انقباضة نتيجة تيبّسها الناجم عن بعض المشكلات الصحية، فتمتلئ عضلة القلب بكمية أقل من الدم لدى انبساطها، ومن ثم تقل كمية الدم التي تضخها العضلة أثناء الانقباض.
- فشل القلب مع انخفاضٍ طفيف في الكسر القذفي (Heart Failure with Mildly Reduced Ejection Fraction (HFmrEF)):
هو فشل القلب الذي يتراوح فيه الكسر القذفي بين 40% إلى 50%.
فشل القلب في جانبه الأيمن
فشل القلب في جانبه الأيمن (Right-Sided Heart Failure) هو تراجع قدرة البُطين الأيمن على ضخ الدم غير المُحمَّل بالأكسجين إلى الرئتين، ومن الجدير بالذكر أنّ فشل القلب في جانبه الأيسر من أهم مُسبِّبات فشل القلب في جانبه الأيمن.[5]
علامات فشل القلب
يتوقّف ظهور أعراض فشل القلب من عدمها على مدى تطوُّر المرض، وتختلف أعراض فشل القلب باختلاف جانب القلب المُصاب.[1]
أعراض فشل القلب في جانبه الأيسر
يتسبّب فشل القلب في جانبه الأيسر في الاستسقاء الرئوي (Lung Edema) أو ما يُعرَف بتراكم السوائل في الرئتين، فيُعاني المريض من ضيق التنفُّس، وبالأخص لدى بذل المجهود البدني، ولكن مع تطوُّر المرض قد يعاني المريض من ضيق التنفُّس حتى في أوقات الراحة، خصوصًا لدى الاستلقاء فيما يُعرف بضيق التنفُّس الاضطجاعي (Orthopnea)، وذلك نتيجةً لتسبُّب الجاذبية بانتقال المزيد من السوائل إلى الرئتين، كما قد يعاني من ضيق التنفُّس لدى النوم فيما يُعرف بضيق التنفُّس الليلي الانتيابي (Paroxysmal Nocturnal Dyspnea)، الأمر الذي قد يدفع المريض للاستيقاظ من نومه ومحاولة استنشاق الهواء،[3] كما قد يعاني مريض فشل القلب في الجانب الأيسر منه، من عدّة أعراض أُخرى، أبرزها:
- الشعور بالضعف والإعياء لدى ممارسة الأنشطة البدنية، نتيجة تراجع كمية الدم الواصلة للعضلات.[3]
- التورُّم.[6]
- زيادة الوزن.[6]
- زيادة محيط البطن نتيجة تراكم السوائل.[6]
- الشعور بألم أعلى يمين البطن نتيجة تجمُّع السوائل في الكبد.[6]
- الدنف (Cardiac Cachexia): فقدان المريض لِما لا يقل عن ٥% من وزن الجسم -دون السوائل- خلال 12 شهرًا.[4][6]
يلاحظ الطبيب لدى الفحص السريري عدة علامات لفشل القلب في الجانب الأيسر:
- سماع أصوات غير طبيعية للرئتين لدى فحصها بالسماعة الطبية، والتي تشير إلى تراكم السوائل في الرئتين، فضلًا عن تراجع صوت عملية التنفس.[6]
- سماع خَبب الصوت الثالث أو ما يُسمّى بالصوت القلبي الثالث (S3 gallop)، لدى فحص القلب بالسماعة الطبية.[6]
- زيادة حجم القلب.[6]
- زيادة ضغط الوريد الوداجي (Jugular Venous Pressure)، وهو الوريد المسؤول عن نقل الدم من الدماغ، والأجزاء السطحية من الوجه، والرقبة إلى الأُذين الأيمن من القلب.[7][6]
- الاستسقاء البطني (Ascites): تراكم السوائل في البُطن.[6][8]
- تضخم كيس الصفن.[6]
- انخفاض ضغط الدم.[6]
- تسارع ضربات القلب.[6]
أعراض فشل القلب في جانبه الأيمن
يتسبَّب فشل القلب في جانبه الأيمن تراكم السوائل في عدّة أماكن في الجسم، علمًا بأنّه قد يختلف موضع الاستسقاء (تراكم السوائل) في الجسم باختلاف وضعيّة المريض وكمية السوائل المُتراكمة، فلدى الوقوف قد تتراكم السوائل في الساقين والقدمين، أو قد تتراكم السوائل أسفل الظهر، والبطن -بالأخص في حال كانت كمية السوائل كبيرة- لدى استلقاء المريض على ظهره،[3] وغالبًا ما يعاني المريض من عدة أعراض أُخرى:[5]
- خفقان القلب.
- صعوبة التنفس.
- الشعور بألم في الصدر.
- تورُّم الجسم.
كما قد يعاني مريض فشل القلب من الجانب الأيمن من أعراض فشل القلب من الجانب الأيسر أيضًا،[5] كما تجدر الإشارة إلى أنه في حال تفاقم حالة المريض قد يعاني من عدة أعراض أخرى:[5]
- انخفاض ضغط الدم.
- تسارع ضربات القلب.
- برودة الأطراف.
- قلة البول (Oliguria).
قد يلاحظ الطبيب عدّة علامات للفشل القلبي لدى الفحص السريري للمريض، من أهمها:
- الوذمة المحيطية (Peripheral Edema) (احتباس السوائل في الساقين والذراعين).[9][5]
- سماع خبَب الصوت الثالث.[5]
- زيادة ضغط الوريد الوداجي.[5]
- الاستسقاء البطني.[5]
- تضخُّم الكبد والطحال.[5]
- الاستسقاء العام (Anasarca) حالة صحية خطيرة تتسم بتراكم السوائل في الفراغات بين خلايا الجسم.[5][10]
- النفخات القلبية (Murmur): صوت أشبه بالصفير يصدره القلب نتيجة اضطراب تدفق الدم خلال صمامات عضلة القلب.[5][11]
- النبض المتناقض (Pulsus paradoxus): انخفاض شديد في ضغط الدم الانقباضي (لأكثر من ١٠ ميلليمتر زئبقى) أثناء عملية الشهيق.[5][12]
من الجدير بالذكر أن كبار السن من مرضى فشل القلب الاحتقاني قد يعانون من عدّة أعراض أخرى لفشل القلب، مثل الأرق، والارتباك، والتوهان.[3]