يُعد مرض غريفز أو كما يُسمى بالدُرّاق الجُحُوظي (Graves’ disease) السبب الأكثر شيوعًا لفرط نشاط الغدة الدرقية، وعلى الرُغم من أنّ داء غريفز قد يصيب أي شخص، إلا أنّ خطر الإصابة به لدى النساء أعلى منه لدى الرجال، إذ يبلغ 3 بالمئة بين النساء، بينما قد يصل إلى 0.5 بالمئة بين الرجال، كما أنّه أكثر شيوعًا في الفئة العُمرية ما بين 30-50 عامًا.[1]
نُبذة عن الغدة الدرقية
الغدة الدرقية من الأعضاء الحيوية في جسم الإنسان، لها دورٌ كبير في تنظيم التمثيل الغذائي (Metabolism)، ونمو وتطور الجسم، وذلك من خلال الهرمونات التي تفرزها باستمرار في مجرى الدم، وتُشبه الغدة الدرقية الفراشة في شكلها، وتتكون من فصين يلتفان حول القصبة الهوائية، أما موقعها فهو المنطقة الأمامية من الرقبة أسفل الحنجرة، وتنتج الغدة الدرقية ثلاثة هرمونات؛ الثيروكسين (T4)، وثلاثي يودوثيرونين (T3)، والكالسيتونين (Calcitonin)، وقد تُصاب الغدة الدرقية باضطرابات عدّة، كفرط نشاطها أو خمولها.[2]
ما هو داء غريفز؟
يُعرّف مرض غريفز على أنه اضطرابٌ مناعيٌ ذاتي (Autoimmune disease) يؤدي إلى زيادة إفراز هرمونات الغدة الدرقية، ويُقصد بالاضطراب المناعي الذاتي مهاجمة الجهاز المناعي لِأنسجة الجسم السليمة،[3] ففي هذه الحالة يُفرز الجهاز المناعي أجسامًا مُضادة تُسمى بالأجسام المُضادة للهرمون المنبه للغدة الدرقية (Thyroid-stimulating immunoglobulins)، تُحفز هذه الأجسام المُضادة نمو الغدة الدرقية، وتزيد من إفراز هرموناتها، مُسببةً العرض الشائع لمرض غريفز وهو فرط الغدة الدرقية (Hyperthyroidism).[4]
في بعض الحالات، قد يرتبط داء غريفز بأمراضٍ مناعية أُخرى، كالسكري من النوع الأول، أو فقر الدم الوبيل، أو البُهاق (Vitiligo)، أو القصور الكظري الأولي (Autoimmune adrenal insufficiency)، أو تصلب الجلد المجموعي (Systemic scleroderma)، أو الوهن العضلي الوبيل (Myasthenia gravis)، أو متلازمة شوغرِن (Sjögren syndrome)، أو التهاب المفاصل الروماتويدي، أو الذئبةُ الحمامية المجموعيَّة (Systemic lupus erythematosus).[4]
أعراض داء غريفز
تظهر أعراض فرط نشاط الغدة الدرقية لدى مرضى داء غريفز، ولكن قد يشمل مرض غريفز ظهور أعراض في أعضاءٍ أُخرى كالقلب، والعضلات، والجلد، والعينين، والعظام، والكبد.[5]
أعراض فرط نشاط الغدة الدرقية
تتضمّن الأعراض الشائعة التي ترتبط بفرط نشاط الغدة الدرقية لدى مرضى غريفز:[3][6]
- القلق والعصبية.
- اضطرابات النوم.
- تضخم الثدي لدى الرجال.
- صعوبة في التركيز.
- الشعور بالتعب.
- التبرز المُتكرر، وكثرة التبول.
- تساقط الشعر.
- الحساسية للحرارة، وزيادة التعرُّق، فيميل المريض لتفضيل درجات الحرارة المنخفضة.
- فقدان الوزن، على الرغم من زيادة الشهية.
- اضطرابات الدورة الشهرية لدى النساء، كانخفاض معدل تدفق الطمث، أو انقطاعه.
- ضعف عضلات الورك والكتفين.
- تغيرات في المزاج والشعور بالغضب.
- خفقان القلب وعدم انتظام ضربات القلب.
- ضيق التنفس أثناء ممارسة النشاطات البدنية.
- رعشة في اليدين.
- تضخم الغدة الدرقية (Goiter).
- ظهور وذمة (تورم) في الكاحل.
- انخفاض الخصوبة.
أعراض مُرتبطة بالعيون
تُعدّ اعتلالات العين سمةً مميزة لمرض غريفز، ويُعاني منها ما يُقارب 25-30 بالمئة ممن شُخّصت إصابتهم بهذا الداء، وتتراوح نسبة تحوُّل الأعراض من طفيفة إلى متوسطة أو شديدة ما يقارب 3 بالمئة من الحالات،[4] ومن أبرز أعراض اعتلالات العينين:[3][7]
- جحوظ العينين (Proptosis).
- الشعور بالألم في الحالات الشديدة من المرض.
- تهيُّج العين واحمرارها، والشعور بالحكة وكثرة إفراز الدموع .
- الرؤية المُزدوجة.
- جفاف العين.
- الحساسية من الضوء.
- الإحساس بضغط خلف العين.
- انكماش جفن العين العلوي للأعلى (Upper eyelid retraction).
- ظهور الوذمة (Edema) في العين.
- ضعف النظر وتلف في قرنية العين في الحالات الشديدة.
أعراض مُرتبطة بالجلد
تظهر الاعتلالات الجلدية في مراحل متطورة من المرض، وتُسمى أيضًا بالوذمة المخاطية أمام الظنبوب -قصبة الساق- (Pretibial myxedema)، وهي آفات تظهر على الساقين، وأحيانًا على الأقدام، أو أصابع القدم، وتشبه بملمسها قشر البرتقال، وتكون مائلة إلى اللون الأحمر، ويمتاز الجلد بسماكته في هذه المناطق، أو كما يُعرف علميًا بحالة فرط التقرُّن (Hyperkeratosis)، وغالبًا ما تكون غير مؤلمة، ولكن مظهرها غير مرغوبٍ به.[8]
عوامل خطر الإصابة بداء غريفز
يُشكل العامل الوراثي العامل الرئيسي للإصابة بمرض الدراق الجحوظي، أي أنّ وجود تاريخ عائلي للإصابة بمرض غريفز يرفع من احتمالية الإصابة به،[9] وتتضمّن عوامل الخطر الأُخرى:[4][9]
- الجنس، ترتفع نسبة الإصابة بداء غريفز لدى النساء، إذ إنّ هرمون الإستروجين يتدخل في فسيولوجية مرض غريفز، وهذا ما يُفسر تقلبات المرض خلال فترة الحمل، أو أثناء الدورة الشهرية، أو في مرحلة انقطاع الطمث.
- الإصابة بالعدوى البكتيرية أو الفيروسية، قد يرتبط مرض غريفز بالإصابة ببكتيريا يرسينيا القولون (Yersinia enterocolitica)، أو بكتيريا بوريليا برغدورفيرية (Borrelia burgdorferi) المُسببة لمرض اللايم، أو بعض أنواع الفيروسات، مثل الفيروس القهقري (Retrovirus)، وفيروس كورونا (COVID-19)، والفيروس المُسبّب لالتهاب الكبد الوبائي C.
- التوتر، يُسبب تثبيط الجهاز المناعي الناجم عن حالات التوتر الحادة تولُّد فرطٍ في نشاطه، الأمر الذي يرفع من خطر الإصابة بأمراض الغدة الدرقية المناعية.
- التدخين، يرفع التدخين من خطر الإصابة بأمراض الغدة الدرقية المناعية وبالأخص مرض غريفز، كما يزيد من خطر الإصابة باعتلالات العين المرتبطة بداء غريفز.
- تعرُّض الغدة الدرقية للإصابة، كالجراحة، أو حقن بعض المواد الكيميائية كالإيثانول.
- نقص بعض المعادن والفيتامينات، مثل نقص عنصر السيلينيوم ونقص فيتامين د.
تشخيص داء غريفز
يُشخص الطبيب داء غريفز من خلال السيرة المرضية، والفحص السريري الشامل للمريض، والتاريخ العائلي،[5] ويمكن تشخيص غريفز بإجراء عدّة فحوصات:[5][6]
- فحوصات الدم: تتضمّن فحص هرمونات الغدة الدرقية الثيروكسين الحر (FT4)، والهرمون المُنشط للغدة الدرقية (TSH)، وثلاثي يودوثيرونين الحر (FT3).
- فحص امتصاص اليود المشع (Radioactive Iodine Uptake Test): تُستخدم نظائر اليود المُشع (I123 وI131)، يقيس هذا الفحص كمية اليود الذي تمتصه الغدة الدرقية، إذ يكون معدل امتصاصه في حالة الإصابة بداء غريفز مرتفعًا ومنتشرًا في كافة أنحاء الغدة.
- تصوير الغدة الدرقية بالأمواج فوق الصوتية: يكشف التصوير بالموجات فوق الصوتية وبالأخص نوع دوبلر (Doppler ultrasonography) كثافة الأوعية الدموية المغذية للغدة الدرقية التي تُرافق الإصابة بداء غريفز.
- تحليل الأجسام المُضادة للغدة الدرقية (Antithyroid Antibodies): يوفر هذا التحليل تأكيدًا لوجود داء غريفز لدى المرضى.
- التصوير المقطعي (CT scan) والرنين المغناطيس (MRI) لمحجر العيون: ويُستخدمان للكشف عن اعتلالات العين المرتبطة بمرض غريفز.
علاج داء غريفز
تتوفر ثلاث طرق رئيسية لعلاج مرض غريفز؛ الأدوية المضادة لفرط نشاط الغدة الدرقية (Anti-thyroid drugs)، واليود المشع (Radioactive iodine)، واستئصال الغدة الدرقية الجراحي (Surgical thyroidectomy).[10]
يبدأ الطبيب العلاج بأدوية تُسمى حاصرات بيتا (Beta blocker) للسيطرة على الأعراض التي تظهر على المريض، أهمها ارتفاع معدل نبض القلب (أكثر من 90 نبضة/دقيقة)، من أمثلتها دواء الأتينولول (Atenolol) والبروبرانولول (Propranolol)، ومن ثم يبدأ العلاج بهدف تقليل إنتاج هرمونات الغدة الدرقية.[5]
الأدوية المُضادة لفرط نشاط الغدة الدرقية
تُعد الأدوية المُضادة لفرط نشاط الغدة الدرقية فعّالةً في السيطرة على فرط نشاطها وخاصةً إذا استُخدمت بجرعةٍ ملائمة مع التزام المريض بالخطة العلاجية، من أشهر هذه العقاقير دواء الميثيمازول (Methimazole) الذي يُستخدم في أغلب الحالات، إلا خلال الثلث الأول من الحمل لدى النساء الحوامل، أو عند ظهور المشكلة المعروفة باسم العاصفة الدُرقية (Thyroid Storm)، أو المرضى الذين ظهرت عليهم أعراضٌ جانبية غير مرغوب بها نتيجة تناوله،[11] كما يُستخدم عقار بروبيل ثيوراسيل (Propylthiouracil) أيضًا للسيطرة على أعراض مرض غريفز،[5] وخاصةً للنساء الحوامل.[11]
اليود المُشع
يُعدّ اليود المشع (Radioiodine) خيارًا آمنًا وفعالًا لعلاج فرط نشاط الغدة الدرقية، ويُعطى فمويًا بجُرعة مُحددة، بعدها يُمتص من الغدة الدرقية، يتسبّب اليود المُشع بتلف الحمض النووي لخلايا الغدة الدرقية وبالتالي موتها، ويستغرق اليود المُشع فترة تتراوح ما بين 6 أسابيع إلى 6 لظهور نتائجه،[11] لكن يُمنع اللجوء لليود المُشع في بعض الحالات:[5][11]
- الحمل أو التخطيط للإنجاب.
- النساء المُرضعات.
- مُعاناة المريض من سرطان الغدة الدرقية.
- المرضى الذين يُعانون من اعتلال العيون الناجم عن مرض غريفز من الدرجة المتوسطة إلى الشديدة.
- الأفراد الذين لا يستطيعون اتباع إرشادات السلامة خلال العلاج باليود المُشع.
استئصال الغدة الدرقية الجراحي
يلجأ الطبيب للخيار الجراحي (Thyroidectomy) في بعض الحالات، كعدم مواظبة المريض على العلاج بالأدوية المُضادة لفرط نشاط الغدة الدرقية، أو وجود اعتلال العين متوسط الشدة إلى الشديد، كما يُلجأ إليه في حال تضخم الغدة الدرقية (Goiter)، أو في الحالات التي لا يُستخدم فيها العلاج باليود، وتُعد الجراحة ذات فعالية أعلى من اليود المُشع كما أنها تتفوق عليه في تقليل معدل الإصابة بالمرض مرةً أُخرى.[4]
علاج اعتلال العيون المرتبط بداء غريفز
قد يزيد العلاج باليود من سوء أعراض اعتلال العيون المرتبطة بغريفز، كما لا تحسن الأدوية المضادة لنشاط الغدة من هذه الاعتلالات،[4] وأحيانًا يُوصف أحد أنواع الكورتيزون كالبريدنيزون (Prednisone) لتقليل تهيُج العين وانتفاخها، كما يُنصح بعصب العينين أثناء النوم للتقليل من جفافها، وارتداء النظارات الشمسية أثناء التعرض للشمس، واستخدام قطرات العيون، ونادرًا ما يُلجأ للجراحة أو العلاج الإشعاعي لتقليل الضرر على العين ومنع فقدان النظر.[3]
هل مرض غريفز خطير؟
قد يكون مرض غريفز خطيرًا إذا تُرك دون علاج، إذ قد يُسبّب فرط نشاط الغدة الدرقية أعراضًا خطيرة، أبرزها مشاكل في عضلة القلب، كعدم انتظام ضربات القلب، أو حدوث الجلطات ،أو السكتات الدماغية، أو هشاشة العظام، وفي حالاتٍ نادرة قد يُسبّب اعتلال العين الناجم عن داء غريفز فقدان البصر.[12]