وصف الطبيب الشهير ويليام أوسلر (William Osler) في عام 1892 ميلادي داء الزحار العصوي على أنه أحد الأمراض الوبائية الكبرى في العالم، وقال إن هذا المرض في البلاد المدارية يُعد أخطر من الكوليرا، ومن الرصاص بالنسبة للجنود، وبعد ذلك بخمس سنوات وتحديدًا في عام 1897 ميلادي في اليابان، استطاع عالم الميكروبات الياباني كيوشي شيغا (Kiyoshi Shiga) من تحديد سبب الزحار العصوي، وذلك من خلال وباءٍ انتشر في اليابان رافقه ارتفاعُ في مُعدل الوفيات، وأطلق شيغا اسم عصية شيغا (Shiga bacillus) على سبب داء الزحار خلال الوباء، الاسم الذي عُدل بعد ذلك حتى أصبح شيغيلا (shigella)، والذي يُسبب مرض يُسمى داء الشيغيلات (Shigellosis).[1]
يُعد معرفة نسبة الإصابة بداء الشيغيلات على مستوى العالم سنويًا أمر في غاية الصعوبة،[2] لكن طبقًا لإحدى الإحصائيات فقد وصل عدد المُصابين بداء الشيغيلات عام 2010 ميلادي إلى 188 مليون مُصابًا على مستوى العالم،[3] وتُعد الشغيلات ضمن أشهر 4 أسباب للإصابة بالعدوى المعوية، كما أنّ أشهر فئة عمرية تُصاب بها هي الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سنة و4 سنوات.[2]
يُعد داء الشيغيلات ثاني أشهر سبب للوفاة بسبب الإسهال على مستوى العالم بعد فيروس روتا (Rotavirus)، إذ يتسبب في وفاة 55 ألف طفل تحت سنّ الخمس سنوات، وتزداد حالات الوفاة لتصل إلى 110 ألف حالة لدى الأطفال الأكبر سنًا والبالغين.[2]
ما هو داء الشيغيلات (الزحار العصوي)؟
داء الشيغيلات أو الزحار العصوي هو عدوى معوية بكتيرية تصيب بطانة الجهاز الهضمي خاصةً الجزء الأخير من اللفائفي (Ileum)، والقولون، والمستقيم، وينتشر داء الشيغيلات بمعدل أعلى في الدول ذات الدخل المتوسط والمنخفض مقارنةً بغيرها من بقية الدول حول العالم، إذ يُعزَى ذلك لقلة الاهتمام بالنظافة، كما أنّه إضافةً لذلك مُعدٍ للغاية ما يُعزّز انتشاره،[1] يتسبب داء الشيغيلات بإسهالٍ حادّ، وهو ناجم عن الإصابة ببكتيريا الشيغيلا -سالبة الجرام-،[4] التي تُعدّ بكتيريا هوائية غير متحركة.[3]
هل الزحار العصوي مُعدي؟
يُعد الزحار العصوي من الأمراض المعدية، إذ تنتقل البكتيريا مع براز الشخص المُصاب، ثم تُصيب أشخاصًا آخرين من خلال عدّة طرق،[5] يُذكر منها:[1]
- مباشرةً من الشخص المريض إلى شخصٍ آخر، وذلك عن طريق الانتقال الشرجي الفموي (Faecal–oral) نتيجة عدم الاهتمام بغسل الأيدي بعد التبرز.
- تناول الطعام أو الشراب الذي يحتوي على البكتيريا المُسبّبة للمرض.
- الذباب أو الحشرات التي تنقل البكتيريا إلى الشخص غير المُصاب من براز الشخص المريض.
كما تجدر الإشارة إلى أنّ وصول نسبة قليلة من بكتيريا الشيغيلا إلى فم الشخص السليم يكفي للتسبب بالعدوى المعوية.[5]
أسباب الزحار العصوي
تُعد بكتيريا الشيغيلا هي السبب الرئيسي للإصابة بمرض الزحار العصوي،[3] وتنتشر البكتيريا التي تتبع لجنس الشيغيلا (Shigella) بكثرة على مستوى العالم، وتُسبب الإصابة بداء الزحار العصوي - أو ما يُطلق عليه الزحار البكتيري -، كما أنها المسؤولة عن ما يقرب من 5% إلى 10% من حالات الإصابة بالإسهال في كثير من المناطق،[6] وتنقسم الشيغيلا إلى 4 أنواع:[1]
- الشيغيلا الفلكسنرية (Shigella flexneri)؛ هي السبب الرئيسي للإصابة بالإسهال في الدول النامية والمتوسطة.
- الشيغيلا السونية (Shigella sonnei)؛ السبب الرئيسي للإصابة بالإسهال في الدول المتقدمة.
- الشيغيلا الزحارية من النوع الأول (Shigella dysenteriae: serotype 1)؛ تُسبب الأوبئة العالمية التي تأتي بعد الكوارث الطبيعية، كما أنها ترتبط بالإصابة بالأمراض الشديدة في جميع الفئات العمرية.
- الشغيلا البويدية (Shigella boydii)؛ غير مشهورة نسبيًا على مستوى العالم.
تجدر الإشارة إلى أنّ أشهر فئة معرضة للإصابة بداء الشيغيلات هم الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات، وعلى الرغم من ذلك فإن نحو 40% من الحالات المُصابة هي من البالغين،[3] إذ يرتبط تفشي داء الشيغيلات بتناول الأغذية والمشروبات المُلوثة، ومحدودية شبكات الصرف الصحّي وسوء حالتها، والعيش في الأماكن المزدحمة.[5]
أعراض الزحار العصوي
تمتد فترة حضانة داء الشيغيلات من يوم واحد إلى 4 أيام، باستثناء الشيغيلا الزحارية من النوع الأول (Shigella dysenteriae type 1) التي تبلغ فترة حضانتها 8 أيام،[1] ويُعدّ الإسهال المائي أشهر أعراض الزحار العصوي،[6] لكن هذا العرَض لا يميز المرض عن أي سبب من أسباب الإسهال الأُخرى خاصةً البكتيرية منها، مثل السالمونيلا.[1]
تجدر الإشارة إلى أن الإصابة بعدوى الشيغيلا قد لا يصاحبها ظهور أيّ أعراض خصوصًا لدى المصابين بها سابقًا، وتشمل هذه الأعراض الحمى، والصداع، والإرهاق، وفقدان الشهية، والتقيؤ،[1] وآلام البطن، والزحير (Tenesmus)، وزوال الألم مؤقتًا بعد التبرز، ثم تختفي الأعراض تدريجيًا في بعض الحالات، ففي الحالات الطفيفة تختفي الأعراض في غضون 4 إلى 8 أيام، وفي الحالات الشديدة تستغرق الأعراض فترة أطول، لتختفي في غضون 3 إلى 6 أسابيع.[6]
أما الأطفال فإن الأعراض تبدأ فجأة لديهم، وتشمل الحمى، والتهيج، أو النعاس، وفقدان الشهية، والشعور بالغثيان، والتقيؤ، والإسهال، وآلام البطن، والزحير (الحاجة الملحة للتبرز)، كما يظهر المخاط، والدم، والقيح في البراز خلال 3 أيام من الإصابة، وقد تزداد عدد مرات التبرز لتتجاوز الـ 20 مرة في اليوم الواحد، وهذا قد يؤدي إلى الكثير من المضاعفات مثل الجفاف الذي بدوره قد يُسبب وفاة الطفل خلال 12 يومًا، لكن إذا تخطى هذه المرحلة فإن الأعراض سوف تختفي تدريجيًا في غضون أسبوعين.[6]
مضاعفات الزحار العصوي
في بعض الحالات قد تنتشر عدوى الشيغيلا إلى أجزاءٍ أُخرى من الجسم، مُسبّبةً بعض المضاعفات مثل التهاب الأغشية السحائية، والتهاب العظام والمفاصل، وتعفن الدم البكتيري، إذ تُعدّ هذه المضاعفات نادرة الحدوث لدى الأشخاص الأصحاء، لكنها قد تحدث في بعض الحالات الأُخرى، مثل حالات سوء التغذية التي يعاني منها بعض الأطفال، أو لدى الأشخاص المُصابين بفيروس نقص المناعة البشري (HIV).[1]
تُقسم مضاعفات داء الشيغيلات إلى قسمين رئيسيين:[1]
- مضاعفات معوية
تشمل المضاعفات المعوية كلًا من انثقاب الأمعاء، وانسداد الأمعاء، وتضخم القولون السام، والتهاب المستقيم، والبروز الشرجي (Rectal prolapse)، والتهاب الزائدة، والتهاب القولون التقرحي.[1][2]
- مضاعفات خارج الأمعاء
تشمل تعفن الدم البكتيري، ومتلازمة انحلال الدم اليوريمي (Haemolytic uraemic syndrome)، ونقص مستوى صوديوم الدم، وبعض الأعراض العصبية، مثل نوبات الصرع، والتهاب المهبل، والتهاب ملتحمة العين، والقولون العصبي.[1][2]
علاج الزحار العصوي
الهدف الأساسي من علاج الزحار العصوي (داء الشيغيلات) هو وقاية المريض من الجفاف والإخلال بمستويات المعادن والأملاح لديه، وذلك عن طريق توجيهه لشرب السوائل، أو بتقديم المحاليل الوريدية في حالة عدم قدرته على تناول السوائل، بالإضافة إلى التوصية بالمضادات الحيوية، مثل فلوروكينولون (Fluoroquinolone) أو أزيثروميسين (Azithromycin) التي تساعد في القضاء على البكتيريا، وتقصير مدة المرض.[5][6]
كما تجدر الإشارة إلى ضرورة الابتعاد عن تناول الأدوية المضادة للإسهال، لأنّ ذلك قد يُطيل فترة الإصابة بالمرض.[5]