يُعدّ الهيكل العظمي أحد أهم الأعضاء في جسم الإنسان، فهو يسهّل حركة الجسم ويوفر الدعم والحماية له، كما أنّه يُخزن المعادن الأساسية المهمة، أبرزها الكالسيوم والفسفور.[1]
تتشكّل عظام جسم الإنسان باستمرار حتى بعد اكتمال نضج العظام ونموها، إذ تتكون أساسيًا من الخلايا البانية للعظم (Osteoblast) التي تتحول إلى خلايا عظمية ناضجة (Osteocyte) وصلبة بفضل عملية التمعدن التي يرأسها الكالسيوم والفسفور، لكن الإصابة بأمراض العظام المختلفة يخلخل تركيبها ويجعلها أكثر عرضةً للكسر بسهولة،[2][3] فما هي أشهر تشوهات العظام؟ وكيف يمكن علاجها؟
ما هي تشوهات العظام؟
يمكن تعريف تشوهات العظام على أنها مجموعة من المشكلات التي تتسبب باضطراب وظائف العظام الرئيسية، وتجعلها أكثر ضعفًا نتيجة التغيرات التي تحدث في تركيبها،[3] وقد تكون تشوهات العظام وراثية بسبب غياب أو تعطل أحد الإنزيمات المهمة، أو قد تكون مكتسبة نتيجة غياب أو قلة المواد الأساسية التي تُشكل العظام، كالبروتينات، والكالسيوم، وفيتامين د، خصوصًا خلال الفترات الأولى من حياة الإنسان التي يتطور خلالها الهيكل العظمي.[4]
ما هي أبرز أسباب تشوهات العظام؟
يُعد العامل الجيني والبيئي من أبرز المؤثرات في صحة العظام، فمثلًا قد يتسبب تعطّل بعض الجينات بالإصابة بتشوهات تكوينية (منذ الولادة)، مما قد يؤدي إلى ترقق العظام وضعفها، أو قد يرفع من كثافتها للغاية، كما تؤثر بعض العوامل البيئية الخارجية في صحة العظام على المدى الطويل، كالنظام الغذائي أو النشاط البدني، إذ إنّ إهمالهما يُضعف بنية العظام، إلى جانب ذلك، فإنّ لبعض العادات السيئة كالتدخين تأثيرًا سلبيًا في كثافة العظام وصلابتها،[1] ومن الأسباب الأُخرى التي قد تؤدي إلى تشوهات في العظام:
- إصابة العظام بأمراض كالسرطانات، أو الالتهابات.[5]
- الاعتلالات الهرمونية، مثل اضطراب هرمونات الغدة الدرقية، وانخفاض مستوى هرمون النمو، واضطراب الهرمونات الجنسية كالتيستيستيرون والإستروجين، بالإضافة إلى ارتفاع مستوى هرمون الكورتيزول.[1]
- التعرّض لإصابات مباشرة في العظام، كالكسور الناجمة عن الإجهاد (Stress fractures).[3]
أنواع تشوهات العظام
تتسبب تشوهات العظام بمختلف أنواعها -التكوينية والمكتسبة- بزيادة احتمالية تعرّض العظام للكسور بسهولة لدى تعرّضها لإصابات طفيفة، بالإضافة إلى زيادة هشاشتها، وذلك بسبب التأثير المباشر للتشوهات في تكوين بنية العظام الدقيقة والحفاظ عليها.[6]
من أبرز أنواع تشوهات العظام:
• مرض باجيت في العظام (Paget’s disease)
يُعرف أيضًا باسم التهاب العظم المُشوه (Osteitis Deformans)، وهو مرض يعيق المريض عن ممارسة حياته طبيعيًا ويزداد سوءًا مع مرور الوقت، كما قد يصيب العمود الفقري، أو الحوض، أو الساقين، أو الجمجمة، ويتمثّل في تضخم ملحوظ للعظام مع ازدياد سماكتها من الخارج وضعفها وهشاشتها من الداخل، إذ يكون ارتفاع عدد الخلايا المُحطمة للعظام (Osteoclasts) هو المسؤول عن الإصابة بمرض باجيت نتيجة تحفيزها لتكرار عملية ارتشاف العظام وإعادة تكوينها بسرعة غير اعتيادية، وتجدر الإشارة إلى أنّ ظهور الأعراض من عدمه على المريض يعتمد على الموضع المُتضرّر من الجسم، إذ من الممكن أن لا تظهر أي أعراض على بعض المرضى، بينما يصاب آخرون بآلام أو كسور في العظام، بالإضافة إلى التهاب المفاصل المجاورة للعظام المصابة،[3][7] وتجدر الإشارة إلى أنه من المرجح أن يكون مرض باجيت ناجمًا عن مزيج من العوامل الجينية والمكتسبة في آنٍ معًا.[6]
• مرض الكساح بنقص فوسفات الدم (Hypophosphatemic Ricketts)
يُعد مرض الكساح بنقص فوسفات الدم أحد أنواع مرض الكساح التكوينية الذي ينجم عن اختلال عملية تمعدن العظام لانخفاض نسبة الفوسفات في العظام نتيجة فقدانه عبر الكلى، أما أعراضه فتتلخص بضعف العضلات، والشعور بألم في الأطراف، وزيادة احتمالية التعرض للكسور بسهولة، كما يتميز الكساح عند الأطفال بتقوس الساقين لديهم عند المشي.[6][8]
• تكون العظم الناقص (Osteogenesis imperfecta)
هو أحد أشهر التشوهات العظمية التكوينية التي تتسبب بانخفاض كثافة العظام وهشاشتها، ويُعرف أيضًا باسم العظم الزجاجي، ويُعزى سبب الإصابة به لحدوث طفرات في الجين المسؤول عن تشفير النوع الأول من الكولاجين، كما يصنفه الأطباء إلى عدّة درجات تتراوح بين الطفيفة، والمتوسطة، والشديدة، ويمكن أن يُصاب حديثي الولادة بالحالات الشديدة منه، ومن أعراض مرض العظم الزجاجي التي تظهر على حديثي الولادة ضخامة الرأس (Macrocephaly)، والوجه المسطح، والأطراف القصيرة.[3][9]
• خلل التنسج الليفي للعظام (Fibrous Dysplasia)
يمكن تعريف خلل التنسج الليفي للعظام على أنه اضطراب تكويني غير وراثي، ويتمثل في تحول نخاع العظم الطبيعي إلى نسيج عظمي ليفي غير طبيعي، ويتسبب بآلام، وتورم، وتشوه واضح في مظهر العظام المصابة.[10]
• قلة العظم (Osteopenia)
يُعد اضطراب قلة العظم مرحلة مرَضية تسبق الإصابة بهشاشة العظام، إذ تنخفض خلالها كثافة المعادن في العظام عن النسب الطبيعية المتعارف عليها، إلا أنّ هذا الانخفاض لا يكفي لتلبية المعايير المتفق عليها لغايات تشخيص المريض بهشاشة العظام.[11]
• تقوس الساقين -مرض بلاونت- (Blount’s disease)
يُعرف أيضًا باسم (Genu varus)، وهو مشكلة مرَضية مكتسبة تُصيب الأطفال في مرحلة الطفولة ومرحلة المراهقة المبكرة، وتتسبب بتقوس الساقين واعوجاج الركبة للخارج عند الوقوف وضم القدمين والكاحلين، إذ تنجم هذه الحالة عن اختلال النمو الطبيعي للغضروف في الجزء العلوي من قصبة الساق (Tibia)، وتشوّه في تكوين العظام الغضروفية بسبب الضغط المستمر والشديد على هذه المنطقة.[12][13]
• الركبة الروحاء (knock-knee)
تسمى أيضًا (Genu valgum)، وتتمثل بانحراف الركبة للداخل، إذ تُصيب الأطفال عادةً عند بلوغهم السنتين، وتصبح الحالة أكثر وضوحًا عند سن الثالثة والرابعة، وعادةً ما تتلاشى عند بلوغ سن 9 سنوات، إلا أنّ استمرارها حتى بعد بلوغ سن العاشرة يُحتّم اللجوء لعلاجها جراحيًا بتثبيت العظام الإنسية للفخذ.[14][15]
• اختلاف طول الساقين (Leg Length Discrepancy)
قد يكون تباين الطول بين الساقين تشوهًا مكتسبًا أو تكوينيًا، إذ عادةً ما تكون أحد الساقين أقصر كنتيجة لانخفاض كثافة العظام أو تعرضها لإصابة مباشرة أو عدوى أثناء مرحلة النمو، وذلك في الحالات المكتسبة، أما في حالة المشكلات التكوينية فيكون نتيجة تأخر نمو أحد الساقين مقارنةً بالأُخرى.[16]
تشخيص تشوهات العظام
عادةً ما يوصي الأطباء بإجراء عدّة فحوصات مخبرية وإشعاعية لتشخيص أمراض العظام المختلفة:
- فحوصات مخبرية، مثل فحص الفوسفاتاز القلوي في الدم (Alkaline Phosphatase (ALP))، وفحص مستوى فيتامين د في الدم، فحص مستوى الكالسيوم في الدم، فحوصات هرمونات الغدد جارات الدرقية (Parathyroid hormones (PTH)).[6][8]
- فحوصات إشعاعية، مثل تصوير العظام بالأشعة السينية (X-rays)، والتصوير المقطعي المحوسب (CT-scan) للمناطق المصابة من العظام.[6]
- فحص كثافة العظام (Dual-energy x-ray absorptiometry (DXA)).[11]
- خزعة من أنسجة العظم.[6]
- فحوصات جينية لتوكيد نتائج التشخيص.[6]
تجدر الإشارة إلى إمكانية إجراء فحوصات أُخرى لتأكيد الإصابة بأمراض محددة، فمثلًا يُجرى تحليل مخبري لمؤشرات ارتشاف العظام وإعادة تكوينها لتأكيد الإصابة بمرض باجيت، بالإضافة إلى التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) في حال الاشتباه بمرافقته للساركوما، كما يمكن تأكيد الإصابة بخلل التنسج الليفي للعظام عن طريق خزعة العظام.[17]
علاج تشوهات العظام
تطورت في الآونة الأخيرة الطرق العلاجية والجراحية المستخدمة لعلاج تشوهات ومشاكل العظام، وعلى رأسها تكون العظام الناقص (العظم الزجاجي)، وخلل التنسج الليفي للعظام، ومرض الكساح بنقص فوسفات الدم.[18]
فمثلًا في حالة الإصابة بمرض تكون العظم الناقص لدى الأطفال يمكن العلاج باتباع خطة علاجية ثلاثية تتكون من تناول أدوية البيوفوسفانيت (Bisphosphonates)، والالتزام ببرامج التأهيل البدني، وجراحة العظام المتمثلة بتصحيح وتثبيت العظام الضعيفة، التي أثبتت تحسنًا كبيرًا في حالات المصابين.[18]
أما حالات تشوهات الساق لدى الأطفال كمرض بلاونت، فيمكن استخدام جهاز تقويم (knee-ankle-foot orthoses) يمتد من أعلى الفخذ مرورًا بمفصل الركبة والكاحل حتى القدم لمدة لا تقل عن سنة كاملة، وذلك للأطفال الذين لم يبلغوا سن الرابعة بعد، ولكن في حال عدم ملاحظة تحسن في الحالة، فيجب اللجوء لجراحة إعادة تقويم العظام بالاستئصال (Realignment osteotomy) قبل سن الرابعة.[12]
لكن إذا تجاوز الأطفال سن الرابعة فيُنصَح عندها بإجراء عملية تثبيت المُشاشة (طرف أو رأس العظم) الجزئية (Hemiepiphysiodesis)، أو ما يُعرف بإعادة توجيه نمو العظام باستخدام صفائح معدنية أو مسامير خاصة لتصحيح تشوهات بلاونت وعلاج الركبة الروحاء، إذ يُصحح خلالها الجراحون اعوجاج الركبة سواءً للداخل أو للخارج.[12][15]
تجدر الإشارة إلى أنّ علاج مرض الكساح بنقص الفوسفات يقتصر على تناول مكملات الفوسفات الفموية بالتزامن مع فيتامين د بأحد اشكاله الفعالة، مثل الكالسيتيرول (Calcitriol)، والألفا كالسيدول (Alfacalcidol).[8]
هل يمكن الوقاية من تشوهات العظام؟
يكمُن سر الوقاية من بعض أنواع تشوهات العظام في الحفاظ على صحة العظام خلال فترة الشباب لمنع فقدانها لكثافتها مع التقدم في السن، وذلك من خلال الالتزام ببعض الممارسات، كالتحقق من حصول الجسم على يكفيه من فيتامين د ومعدن الكالسيوم، بالإضافة إلى ممارسة التمارين الرياضية والابتعاد عن التدخين.[5]
لكن، قد تؤثر الجينات في صحة العظام، إذ يتحدد من خلالها حجم وشكل الهيكل العظمي، وقد تتسبب الاختلالات الجينية بالإصابة بتشوهات تكوينية في العظام، لذا فإنّ العوامل الجينية، بالإضافة للعوامل البيئية السابق ذكرها والهرمونية كذلك، تلعب معًا دورًا محوريًا ومتكاملًا في تحديد كثافة العظام القصوى التي يصل إليها جسم الإنسان في نهاية مرحلة المراهقة، فكلما كانت العظام أكثر قوة في تلك المرحلة، كلما استطاعت التصدي لانخفاض مستوى الكالسيوم والفسفور مع التقدم في السن.[1]