تظهر البقع الزرقاء أو كما تُعرف بالكدمات (الرضوض) (Bruises/Contusions) لدى كثيرٍ من الناس، ما قد يُثير التساؤلات والشكوك لدى البعض حول خطورة تلك الكدمات، خاصةً لدى ظهور بقع زرقاء على الجلد دون التعرض لصدمة أو إصابة مباشرة.[1]
كيف تظهر الكدمات على الجلد؟
تظهر الكدمات على الجلد بفعل تمزق الشعيرات الدموية الموجودة تحت سطح الجلد، فيتسرّب الدم منها مُسببًا ظهور الكدمات،[1] ويختلف لون الكدمات بمرور الوقت، إذ تظهر الكدمات بدايةً بلونٍ أحمر لاحتواء الدم المتسرّب حديثًا على الهيموجلوبين (Haemoglobin) (المركب المسؤول عن لون الدم الأحمر)، وبمرور يومٍ أو يومين يفقد الدم المتسرب غاز الأكسجين فيتحول لون الكدمات للأزرق، أو الأرجواني، أو الأسود، وبعد خمسة إلى عشرة أيام يحطّم الجسم مركب الهيموجلوبين مُنتجًا مركبات البيليروبين (Bilirubin) والبيليفيردين (Biliverdin) المسؤولة عن تحوُّل لون الكدمات للأصفر أو الأخضر، بعد قرابة أسبوعين يتحوُّل لون الكدمات للبني المُصفر أو الأخضر الفاتح، لتختفي بعدها الكدمات تمامًا.[2]
ومن الجدير بالذكر أنّ لون الكدمات قد يتأثّر بلون البشرة، إذ تظهر الكدمات بلونِ قاتمٍ أكثر لدى أصحاب البشرة الداكنة.[2]
أسباب ظهور البقع الزرقاء على الجلد
غالبًا ما تظهر البقع الزرقاء بفعل التعرُّض للإصابات الجسدية المباشرة،[1] ولكن هناك عدة عوامل قد تزيد من احتمالية ظهور البقع الزرقاء على الجلد:
- التقدُّم في العمر: تزداد احتمالية ظهور البقع الزرقاء مع التقدُّم في العمر نتيجة ترقق الجلد وفقدانه جزء من الطبقة الدهنية المسؤولة عن حماية الأوعية الدموية من أي إصابة مباشرة.[3]
- الجنس: إذ إن النساء أكثر عُرضة لظهور البقع الزرقاء عن الرجال، وبالأخص في أعلى الذراعين والفخذين.[4]
- العوامل الوراثية.[4]
- بعض العلاجات: قد يقلل استخدام بعض العلاجات من قدرة الدم على التخثُّر، ومن ثم سهولة التعرُّض للكدمات، مثل: بعض الأدوية المسكنة للألم، كالأسبرين (Aspirin) والإيبوبروفين (Ibuprofen)، والنابروكسين (Naproxen)، وبعض مضادات التجلط، مثل: الوارفارين (Warfarin)، والدابيغاتران (Dabigatran)، والريفاروكسبان (Rivaroxaban)، والأبكسيبان (Apixaban)، والهيبارين (Heparin)، بالإضافة إلى بعض الأدوية المضادة للصفائح الدموية، مثل: الكلوبيدوجريل (Clopidogrel)، والبراسوغريل (Prasugrel)، فضلًا عن الكورتيكوستيرويدات الفموية أو الموضعية، إذ قد يسبب استخدامها ترقق الجلد؛ الأمر الذي يجعله أكثر عرضة لظهور الكدمات.[3]
- التعرُّض للشمس، فقد تضعُف جدران الأوعية الدموية نتيجة تكرار تعرض الجلد لأشعة الشمس، مما يجعلها عُرضة للتلف، ومن ثم ظهور الكدمات على الجلد.[4]
- بعض المكملات الغذائية: قد تظهر الكدمات الزرقاء على الجلد كأثر جانبي لتناول بعض المكملات الغذائية التي قد تعرقل تجلط الدم الطبيعي لدى التعرض لإصابةٍ ما، مثل: زيت السمك، والجنكة (Ginkgo)، والثوم، والجنسنغ (Ginseng).[4][5]
- نقص بعض العناصر الغذائية والفيتامينات في الجسم: قد ينجم عن عوز الجسم لبعض العناصر الغذائية ظهور كدمات زرقاء دون سببٍ واضحٍ، ولعل أبرزها نقص فيتامين ج (Vitamin C)، وهو أحد الفيتامينات التي يعجز الجسم عن تصنيعها، ويعتمد في الحصول عليها بتناول الأغذية الغنية بها، إذ يسهم فيتامين ج في إنتاج بروتين الكولاجين (Collagen) المسؤول عن تدعيم الأوعية الدموية، ومن الجدير بالذكر أنه من غير الشائع أن يعاني البعض من نقص فيتامين ج، إلا في حالات التدخين، كما قد تنجم الكدمات عن نقص فيتامين ك (Vitamin K)، الذي يلعب دورًا هامًا في عملية تخثُّر الدم، فضلًا عن عنصر الحديد، الذي يسهم في إمداد خلايا الجسم بالأكسحين، علمًا بأن تراجع كمية الأكسجين في الجسم يجعله أكثر عُرضه لظهور الكدمات على الجلد.[1][4]
- الإصابات الرياضية: قد تظهر الكدمات نتيجة التعرُّض للصدمات أو الإصابات أثناء ممارسة رياضةٍ ما، مثل: كسور العظام، والإجهاد العضلي، والالتواءات (كالتواء الكاحل)، وتمزُّق الأوتار، وارتطام الرأس، وتورُّم العضلات.[5]
- مرض السكري: يؤدي عدم التحكُّم في ارتفاع مستوى جلوكوز الدم لدى مريض السكري بمرور الوقت إلى تلف الأوعية الدموية، مما يجعله عرضة لظهور البقع الزرقاء على الجلد،[4] وغالبًا ما يدوم ظهور تلك البقع لفتراتٍ أطول عن المعتاد، لتأثير مرض السكري على عملية التئام الجروح الطبيعية.[1]
- قلة الصفيحات الدموية (Thrombocytopenia): قد يتسبب تراجع عدد الصفيحات الدموية عن تعدادها الطبيعي في ظهور الكدمات بسهولة، فضلًا عن بعض الأعراض الأُخرى، مثل: الطفح الجلدي على شكل نقاط صغيرة حمراء أو أرجوانية اللون، ونزيف اللثة أو الأنف، وخروج الدم مع البراز أو البول أو التقيؤ، وتُعرّف الصفائح على أنّها أحد أنواع خلايا الدم المسؤولة عن إصلاح الأوعية الدموية لدى تعرُّضها للتلف، من الممكن أيضًا أن تنجم قلة الصفيحات الدموية عن بعض المشكلات الصحية، مثل سرطان الدم، أو سرطان الطحال أو تضخمه، أو نتيجة العلاج الكيميائي، أو العلاج البيولوجي، وغيرها من الأسباب.[1][5]
- متلازمة كوشينج (Cushing's Syndrome): أحد الاضطرابات الصحية التي تتضمن ارتفاع مستوى هرمون الكورتيزول (Cortisol)، الذي قد يؤدي بدوره إلى ترقق الجلد، ومن ثم سهولة ظهور البقع الزرقاء على الجلد. [1]
- متلازمات إهلرس-دانلوس (Ehlers-Danlos Syndrome): مجموعة من الاضطرابات الصحية الوراثية، التي تستهدف الأنسجة الضامة في الجسم، مثل الجلد، والمفاصل، وجدران الأوعية الدموية، فتؤثر في تركيبها ووظائفها.[1]
- السرطان: نادرًا ما قد تكون البقع الزرقاء مؤشرًا للإصابة ببعض أنواع السرطان، مثل ابيضاض الدم (اللوكيميا) الذي يتضمن إنتاج الجسم لأعدادٍ هائلة من خلايا الدم البيضاء، مما يعيق خلايا الدم الأُخرى عن أداء وظيفتها، ومن ثم ظهور الكدمات،[4] أو اللمفومة اللاهودجكينية (Non-Hodgkin’s Lymphoma) وهي أحد أنواع السرطان التي تصيب الخلايا اللمفاوية المسؤولة عن حماية الجسم من العدوى، وغالبًا ما تظهر البقع الزرقاء في حال أصابت اللمفومة اللاهودجكينية نخاع العظام، مُسببةً تراجع إنتاجه لخلايا الدم المختلفة بما فيها الصفائح الدموية، مما يسبب النزيف والكدمات.[1]
- إصابات الرأس، مثل: ارتجاج الدماغ، وكسور الجمجمة، وجروح فروة الرأس.[5]
- أوردة الدوالي (Varicose Veins): هي تضخم واتساع الأوردة الدموية نتيجة تراجع قدرتها الوظيفية، وهي أكثر شيوعًا في الساقين.[5]
- التخثر الوريدي العميق (Deep Vein Thrombosis): مشكلة صحية طارئة تتضمن تكوُّن الجلطات الدموية في أحد الأوردة الدموية العميقة في الجسم، وتتمثّل خطورة التخثر الوريدي العميق في إمكانية انتقال الجلطات مع الدورة الدموية إلى الرئتين، وتبدو المنطقة من الجلد فوق الوريد متكدمة بلون مُزرَق أو مُحمَر.[5]
كما تجدر الإشارة إلى أن ظهور البقع الزرقاء على الجلد قد يكون عرَضًا لأحد الأمراض النزفية (Bleeding Disorders) التي يعجز فيها الدم عن التخثُّر كما ينبغي،[1] ولعل أبرز الأمراض النزفية:[1][5]
- الناعور (انحلال الدم) (Hemophilia): أحد أمراض النزف الوراثية التي تتضمن خلل في الجينات المسؤولة عن إنتاج بعض أنواع عوامل التجلط، وهي أنواع معينة من البروتينات التي يسبب نقصها صعوبة تخثُّر الدم، ومن ثم سهولة النزيف وظهور الكدمات على الجلد.
- داء فون ويلبراند (Von Willebrand Disease): أحد أمراض النزف الوراثية التي يعاني فيها المريض من صعوبة تخثُّر الدم نتيجةً لنقص عامل فون ويلبراند، ما يتسبّب بسهولة التكدُّم على الجلد والنزف الشديد من الأنف.
- نقص بعض عوامل التجلُّط نتيجة عوامل وراثية أو الإصابة بمشكلات صحية، أو استخدام بعض أنواع العلاجات، ومن أبرز عوامل التجلط، العامل السابع (VII)، والعامل العاشر (X) أو كما يُعرف بعامل ستيوارت براوار (Stuart-Prower)، والعامل الخامس (V) أو كما يُعرف بطليعة الأكسيليرين (Proaccelerin)، والعامل الثاني (II) أو كما يُعرف ب البروثرومبين (Prothrombin).
علاج البقع الزرقاء على الجلد
غالبًا ما تُشفى البقع الزرقاء من تلقاء نفسها خلال أسبوعين دون الحاجة لعلاج،[1] ولكن يمكن استخدام بعض الطرق العلاجية في حال الشعور بالألم:[1][5]
- الكمّادات الباردة، للتقليل من تدفق الدم للمنطقة المصابة وتخفيف التورم.
- رفع المنطقة المصابة -إذا أمكن- لتكون أعلى من مستوى القلب، ما يحُد من تدفق الدم باتجاه المنطقة المُصابة فيُقلّل التكدُّم
- استخدام مسكنات الألم الممكن الحصول عليها بدون وصفة طبية، مثل مادة الأسيتامينوفين (Acetaminophen)، مع تجنُّب الأصناف التي قد تزيد من النزيف، مثل الأسبرين والإيبوبروفين.
أما في حال كانت البقع الزرقاء ناجمةً عن مشكلة صحية، عندئذ يعتمد علاجها على التخلص من المرض المُسبِب لها،[1] ويجب استشارة الطبيب المختص في حال:[1][5]
- استمرارية ظهور الكدمات بمرور الوقت.
- تكرار ظهور الكدمات، دون وجود سبب واضح.
- عدم الشعور بأي ألم في المنطقة المصابة، أو الشعور بألم شديد.
- تكرار ظهور الكدمات في نفس المنطقة من الجسم، دون التعرض لإصابة مباشرة عليها.
- ظهور بقع سوداء اللون على الساقين، والتي قد تكون مؤشرًا على التخثُّر الوريدي العميق.