ألم الشقيقة يفتِك بمليار شخص حول العالم ويُعرقِل قدرتهم على التركيز والعمل

يعيق الصداع النصفي قدرة العديد من الأشخاص على أدائهم أعمالهم اليومية حال فتكهم بهم خلال نوبات الإصابة بالألم، قد تلعب العديد من العوامل الوراثية والبيئية في رفع خطر إصابة البعض دون غيرهم بالصداع النصفي، يمكن السيطرة على ألم الرأس الشديد الذي يرافق الصداع النصفي بتناول المسكّنات وغيرها من الحلول العلاجية المتوافرة لدى اختصاصيي الدماغ والأعصاب.

يعاني من الصداع النصفي أو الشقيقة (Migraine) ما يُقارب 1 مليار شخص حول العالم، وعلى الرغم من أنّ الأشخاص من جميع الفئات العُمريّة بما فيهم الأطفال مُعرّضين لِأن يُعانوا من الشقيقة، إلّا أنّ نِسَب الإصابة تبلُغ أشُدُها في الفترة العُمريّة بين 35 إلى 39 عامًا خصوصًا بين النساء، وذلك مُقارنةً بما هي عليه في كُل من الطفولة، والمراهقة، والشيخوخة التي يُسجِّل كل منها معدلاتٍ منخفضة بالإصابة بالشقيقة.

ما هي الشقيقة؟

تُصنَّف الشقيقة على أنّها اختلالٌ أو اضطرابٌ عصبيّ ذو ارتباطات جينيّة قويّة، يُعاني غالبًا الأشخاص المُصابين بالشقيقة من خدَرٍ وتنميل، وصعوبة في الكلام، وحساسيّة شديدة للضوء والصوت، وأعراضٍ أُخرى قد تتضمّن الاستفراغ والغثيان، وعلى الرغم من أنّ الصداع النصفي يشمل جانبًا واحدًا من الرأس، إلّا أنّ 40% من مرضى الشقيقة سجَّلوا آلامهم في كِلا جانبي الرأس.

الشقيقة تزيد العبء الصحي والاقتصادي على الدول

تزيد الشقيقة من الأعباء الاقتصاديّة، والصحيّة، والاجتماعيّة المُلقاةِ على كاهل الدول، إذ إنّ حجم الإنفاق على العلاجات التي تستهدف نوبات الصداع العَرَضيّة والمُزمنة يُعدّ هائلًا، ففي أوروبا لوحدها وصل حجم الإنفاق للسيطرة على حالات الصداع النصفي ما يُقدَّر بــِ 111 مليار جنيه إسترليني عام 2011، بينما أنفقت الولايات المتحدة الأمريكية 11 مليار دولار تقريبًا، وفي حِين تستطيع الدول الصناعيّة المُتقدّمة أن تتكفَّل بهذه النفقات الباهظة لعلاج مواطنيها ممّن يُعانون من الشقيقة، إلّا أنّ دول العالم الثالث ذات الدخل المتوسّط إلى المُنخفض التي تواجه العديد من الصعوبات الصحيّة لا تستطيع تحمُّل مثل هذه المبالغ الضخمة، على الرغم من أنّ معدلات الإصابة بالصداع النصفي لديها تُعدّ أعلى ممّا عليه في الدول المُتقدّمة!

الصداع النصفي أحد مُعوِّقات الإنتاج والعمل

يتسبّب الصداع النصفي بإعاقة أداء الأعمال اليوميّة وعدم القدرة على الإنجاز المُتوقَع طبيعيًا من الشخص، بما يُؤهّله ليحتلّ المرتبة الثانية كأكثر مُعوّقات العمل على مستوى العالم، يسبقه في هذا ألم أسفل الظهر، وإذا ما كانت الشقيقة تُصيب الأشخاص بين 35 إلى 39 عامًا فإنّها تضرِب المُجتمعات في مقتل، لتأثيرها السلبي على هذه الفئة في ربيع إنتاجها وقمّة عطائها، ما ينعكس سلبًا على المُجتمعات.

عوامل الخطر للإصابة بالشقيقة

يشير الباحثون إلى بعض العوامل التي قد تلعب دورًا في رفع معدل الإصابة بالشقيقة بين فئةٍ دون غيرها، فمثلًا سُجِّلَت أعلى الإصابات بالصداع النصفي في نيبال بينما كانت الصين الأقل تسجيلًا لإصابات الشقيقة، ويعزو العُلماء ذلك إلى أنّ العوامل البيئيّة في نيبال المُتمثلة في الارتفاعات العالية حيث يعيش السكان قد تكون سببًا لذلك، أيضًا كان لون البشرة عاملًا في التفريق بين أعداد الإصابات بالشقيقة، إذ يُعد ذوي البشرة الداكنة أقل عُرضة للإصابة بالشقيقة من ذوي البشرة البيضاء، بحسب الدراسات.

ممّا تجدُر الإشارة إليه إلى أنّ مجموعة العوامل البيولوجيّة والجغرافيّة وتلك المُرتبطة بنمط الحياة والبيئة المحيطة، قد تلعب سويًّا دورًا في رفع معدلات الإصابة بالشقيقة من عدمها، وليس هيّنًا الاعتماد على عاملٍ دون آخر في تفسير سبب الإصابة وارتفاعها في بُقعة ما.

المشاكل الصحيّة والأمراض المُرتبطة بالشقيقة

يترافق الصداع النصفي المُزمن مع عددٍ من الحالات والأمراض الأُخرى، وتكمُن أهميّة التوصُّل لربط هذه الاختلالات مع الشقيقة في تسهيل إمكانيّة اتبّاع الإجراءات الوقائيّة التي تحُد من الإصابة بها، خصوصًا إذا ما كان من الممكن السيطرة على هذه الحالات والتخلُّص منها كالسُمنة والاكتئاب، من الحالات والأمراض المُرافقة للصداع النصفي:

  • الاكتئاب والتوتر.
  • الآلام المُزمنة مثل ألم أسفل الظهر أو ألم الرقبة.
  • السُمنة.
  • الصرع.

ماذا عن علاج الشقيقة؟ هل هو متاح!

تحت وطأةِ ما يعانيه الشخص جرّاء إصابته بالشقيقة يُصبح اعتماده على الأدوية والمسكنات أمرًا اعتياديًا يُعايشهُ كل يوم، حتى الآن تتوافر في الصيدليات حفنة كبيرة من أنواع الأدوية المختلفة التي يبتاعها رُفقاء الصداع النصفي، تضُم أدوية وقائيّة، وأدوية ومُسكّنات لعلاج الآلام الحادّة، إضافة إلى العلاجات غير الدوائيّة التي تستهدف تخفيف حدّة الصداع، من أكثر المُسكّنات استخدامًا: باراسيتامول (Paracetamol)، مُضادات الالتهابات غير الستيرويديّة (NSAIDs) -مثل ايبوبروفين وديكلوفيناك- وأدوية التريبتان (Triptans) التي تستهدف آلام الشقيقة المتوسطة إلى الحادّة.

وسط بحر أدوية ومُسكّنات الصداع الذي يُغرِق المراكز الدوائيّة والصيدليّات، فإنّ الجمعيّة الدوليّة للصداع (International Headache Society) سبق وأن وضّحت معايير نجاح دواء ما بمواجهة الشقيقة بأي من الآتية،

  • قدرته على تحرير المريض من ألم الصداع النصفي خلال ساعتين من تناوله.

أو

  • تخليص المريض من الأعراض الجانبيّة المُزعجة المُرافقة للشقيقة، مثل الاستفراغ، والغثيان، الحساسيّة للضوء والصوت خلال ساعتين أيضًا من تناول الدواء.

هل من الممكن الوقاية من الشقيقة؟

قد يبدو السؤال غريبًا بعض الشيء لدى الكثيرين، إلّا أنّ ما يبعث في النفس شيئًا من الطُمأنينة بأن بات من الممكن الوقاية والسيطرة على نوبات الصداع النصفي لدى مَن يُعانون منه، على أن لا يقِل معدل تعرُّض الأشخاص لنوبات الصُداع النصفي عن مرتين على الأقل، مُتزامنةً مع تعطيل نمط حياة الشخص وعرقلته عن أداء مهامه وواجباته كما المُعتاد، وذلك بحسب توصيات الاتحاد الأوروبي للصداع (European Headache Federation).

أمّا فيما يتعلَّق بالجُرعات المُوصَى بتناولها للوقاية من الشقيقة فهي تختلف من دولةٍ لأُخرى، وينبغي الالتزام بالمعايير الصحيّة المحليّة المُعتمَدَة من الاختصاصيين أو الجهات ذات العلاقة في الدولة.

مؤخرًا، أضحى العديد من المرضى يلجؤون لاستخدام العلاجات غير الدوائيّة لحلّ مشكلة الصداع النصفي وتخفيف اعتمادهم على الأدوية التي قد يكون لها من الآثار الجانبيّة ما هُم بالغِنى عنه، إذ حظِي العلاج السلوكي المعرفي (Cognitive behavioural therapy) وتعلُّم تمارين الاسترخاء وغيرها بإقبالٍ جيّد لدى البعض ليكون ملاذًا لهم، لعلّ أحَدها يُسهِم بتخفيف معاناتهم المُرتقبة حين يُحكِم الألم قبضته على أحد جانبيّ الرأس -غالبًا- ويجرُّ صاحبه لسراديب مظلمة تعزله في فضاءٍ أسود يُرديه خائر القِوى.

تقنيات عصبيّة جديدة لتخفيف ألم الشقيقة والوقاية منه

تتواصل الدراسات على العديد من التقنيات والحلول المُبتكرَة في سبيل علاج الشقيقة والحدّ من آلامها قدر الإمكان، من بين ما اُبتُكِر كان استخدام أجهزة تُعدِّل الحركة العصبيّة (Neuromodulatory devices) وتُخفّف بالتالي من حدّة الألم، منها ما يعتمد على التحفيز المغناطيسي بنبضة واحدة عبر الجمجمة وأُخرى تُحفِّز العصب الثلاثيّ التوائم من مصدرٍ خارجي، وعلى الرغم من أنّ مثل هذه التقنيات تُعدّ واعدة إلّا أنّ منافعها بعلاج النوبات الحادّة من الصداع النصفي والوقاية منه ما زالت قيد البحث والدراسة، كما أنّ الآثار الجانبيّة بعيدة المدى لا زالت غير واضحة لدى أوساط الخبراء.

على الرغم من التقدُّم الملحوظ الذي شهِده الجانب العلاجيّ والوقائيّ للصداع النصفي خلال الخمسة أعوام المُنصرمة، إلّا أنّ المزيد لا يزال مُتاحًا قيد البحث والدراسة لتخطّي العقبات التي تواجه اختصاصيي الدماغ والأعصاب والمرضى في اختيار العلاجات الأفضل للشقيقة، ولعلّ الوصول إلى الحدّ الذي يُمكّن كل اختصاصي من وَصف العلاج الأمثل والأدّق للصداع النصفي لكل مريضٍ على حدة قد يكون الحل الأنجع لتخفيف حدّة ألم الشقيقة، والوقاية منه أيضًا.

المراجع

  1. Ashina M, et al. 2021-a. Migraine: epidemiology and systems of care. The Lancet, 397(10283): 1485-1495. Retrieved from https://www.thelancet.com/journals/lancet/article/PIIS0140-6736(20)32160-7/fulltext
  2. Ashina M, et al. 2021-b. Migraine: disease characterization, biomarkers, and precision medicine. The Lancet, 397(10283): 1496-1504. Retrieved from https://www.thelancet.com/journals/lancet/article/PIIS0140-6736(20)32162-0/fulltext
  3. Ashina M. et al. 2021-c. Migraine: integrated approaches to clinical management and emerging treatments. The Lancet, 397(10283): 1505-1518. Retrieved from https://www.thelancet.com/journals/lancet/article/PIIS0140-6736(20)32342-4/fulltext
  4. Nall R. 2017. Everything you want to know about migraine. Retrieved from https://www.healthline.com/health/migraine

كتابة: . ليلى الجندي - الإثنين ، 25 نيسان 2022

الأكثر قراءة

مواضيع متعلقة

آخر المواضيع المتعلقة

أسئلة و أجوبة

آخر الأخبار

فحوصات

أمراض

علاجات

أدوية

تكلم مع استشاري دماغ وأعصاب أونلاين عبر طبكان
احجز