متلازمة الحليب القلوي (Milk-alkali syndrome) هي مشكلة صحيّة تنجم عن فرط مستوى الكالسيوم في الدم (Hypercalcemia)، وهو ما يُسبب اختلال توازن الأحماض والقواعد في الجسم مُرجحًا كفة القواعد لينجُم عنها مُشكلاتٍ صحية أُخرى، كالقلاء الأيضي (Metabolic alkalosis) واضطراب وظائف الكلى.[1]
نُبذة عن متلازمة الحليب القلوي
في مطلع القرن العشرين طَوّر الطبيب الأمريكي برترام سيبي (Bertram Sippy) خُطة علاجية جديدة لمرضى قُرحة المعدة، بهدف حماية القرحة من التآكل المستمر الناجم عن تعرّضها لحمض المعدة، مما يُسرّع التئامها وشفائها، وتضمنت الخطة العلاجية نظامًا غذائيًا صارمًا يُطبّق لمدة 4 أسابيع، إذ يُعطى خلاله المريض مطلع كل ساعة يوميًا 90 مليليتر من الحليب والقشدة، بالإضافة إلى مجموعة من المواد القلوية القابلة للامتصاص، مثل أكسيد المغنيسيوم (Magnesium oxide)، وبيكربونات الصوديوم (Sodium bicarbonate)، وكربونات البزموث (Bismuth subcarbonate).[2][3]
نال العلاج بالحليب القلوي رواجًا واسعًا بسبب نتائجه الإيجابية،[3] ولكن سُرعان ما ظهرت آثارٌ جانبية خطيرة لخطة سيبي العلاجية، والتي عُرفت بمتلازمة الحليب والقلوي (Milk and alkali syndrome)، إذ كان من أبرز سماتها؛[2] فرط الكالسيوم في الدم، والإصابة بالقلاء الأيضي، كما سُجلت حالات فشلٌ كلويٌ حاد، مما أدى إلى توقف استخدام هذا العلاج وخاصةً مع ظهور عقاقير حديثة لعلاج قرحة المعدة، مثل أدوية حاصرات مستقبلات الهيستامين من النوع 2 (Histamine H2-receptor blockers).[3]
ما هي متلازمة الحليب القلوي؟
تُعرّف مُتلازمة الحليب القلوي على أنّها تزامن الإصابة بثلاثة اضطرابات رئيسية؛ فرط الكالسيوم في الدم، والقلاء الأيضي، والتضرر الكلوي الحاد، وتنتج عن تناول كمياتٍ كبيرة من الكالسيوم والمواد القلوية القابلة للامتصاص.[3]
على الرُغم من تراجع معدلات الإصابة بمتلازمة الحليب القلوي نتيجة توقف استخدام خطة سيبي العلاجية، إلا أنّ المتلازمة بدأت بالظهور مُجددًا مطلع تسعينيات القرن الماضي، وخاصةً بين النساء في مرحلة انقطاع الطمث، وذلك نتيجة تناولهن لمُكملات الكالسيوم وفيتامين د لعلاج هشاشة العظام (Osteoporosis) والوقاية منه، لذلك، يُفضل الأطباء الآن استخدام التسمية الجديدة لهذه المتلازمة، والتي تُعرف باسم متلازمة الكالسيوم القلوي (Calcium-alkali Syndrome)، والتي تعكس مسببات المتلازمة في العصر الحديث.[4]
أسباب متلازمة الحليب القلوي
لم يَعُد تناول الحليب أو الحليب والبيكربونات سببًا لمتلازمة الحليب القلوي في الوقت الحاضر،[3] وإنما يُعَدّ تناول كميات كبيرة من مكملات الكالسيوم، تحديدًا كربونات الكالسيوم (Calcium Carbonate) هو السبب الأكثر شيوعًا لظهور هذه المتلازمة، وتوجد هذه المكملات الغذائية في العديد من الأدوية التي تُصرف دون وصفة طبية، كما تُعد من المكملات الغذائية التي يشيع استخدامها لدى مرضى هشاشة العظام، بالإضافة إلى استخدامها كمُضادات للحموضة، لذا فقد يحصل المريض على جرعاتٍ عالية من الكالسيوم نتيجة تناوله من مصادر عديدة، إذ إن الجرعة اليومية من عنصر الكالسيوم على هيئة أملاح الكربونات التي تُسبب متلازمة الحليب القلوي تبلغ 2500-3000 مليغرام، ومن الجديد بالذكر أن الجرعة الاعتيادية التي تُصرف للنساء خلال مرحلة انقطاع الطمث تتراوح بين 1200-1500 مليغرام.[1][5]
بالإضافة إلى ذلك، قد يسهم تناول بعض الأدوية في الإصابة بمُتلازمة الحليب القلوي، من أبرزها مدرات البول الثيازيدية (Thiazide diuretics)، والأدوية الخافضة لضغط الدم من نوع مثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين (Angiotensin-converting enzyme inhibitors)، والأدوية الستيرويدية المُضادة للالتهاب (Nonsteroidal anti-inflammatory drug).[5]
يُذكر بأنّ النساء الحوامل عُرضة للإصابة بمُتلازمة الحليب القلوي نتيجة زيادة قدرة الأمعاء على امتصاص الكالسيوم من الأغذية التي يتناولنها، والذي يتزامن مع توصيات الأطباء بتناول مكملات الكالسيوم خلال فترة الحمل، بالإضافة لتناولهن الأدوية التي تُستخدم دون وصفة طبية لتقليل اضطرابات الجهاز الهضمي خلال فترة الحمل، والتي تحتوي على كربونات الكالسيوم.[6]
أعراض متلازمة الحليب القلوي
تتطور متلازمة الحليب القلوي على ثلاث مراحل،[3] إذ تتسم كل مرحلة بمجموعة من الأعراض:[3][5]
- مرحلة التسمم الحادة (Acute Toxemic Phase): وتبدأ هذه المرحلة خلال 2-30 يومًا من بدء تناول الكالسيوم، وتظهر على المرضى في هذه المرحلة مجموعة أعراض كالتهيُّج، والشعور بالدوار، واللامُبالاة (Apathy)، والصداع، والتعب، وآلام في العضلات، والتقيؤ.
- المرحلة تحت الحادة (Subacute Phase) أو متلازمة كوب (Cope Syndrome): تتراوح الأعراض في هذه المرحلة ما بين مرحلة التسمم الحادة والمزمنة، ومن أهم سماتها التهاب ملتحمة العين (Conjunctivitis).
- المرحلة المزمنة أو متلازمة برنيت (Brunett syndrome): تحدث متلازمة برنيت بعد مرور سنوات من فرط الكالسيوم في الدم، مما يُسبّب ترسب الكالسيوم في الأنسجة اللينة لتظهر على المرضى مجموعة أعراض أبرزها:
- فرط التبول (Polyuria).
- العطش المفرط (Polydipsia).
- الحكة.
- الرُعاش.
- الذُهان.
- التهاب ملتحمة العين.
- اعتلال القرنية الشريطي (Band keratopathy).
- الكُلاس الكُلوي (Nephrocalcinosis).
- ترسب الكالسيوم في الجهاز العضلي الهيكلي.
- التكلس النقيلي (Metastatic calcification)، وهي حالة مُتقدمة من المرض إذ يترسب فيها الكالسيوم في بعض أعضاء الجسم كالكبد، والجهاز العصبي المركزي، والأنسجة المُحيطة بالمفاصل، وتحت الجلد، والغدة الكظرية، والعظام، والرئتين.
كما تجدر الإشارة إلى أنّ فرط الكالسيوم في الدم قد يسبب اضطرابات قلبية، مما ينجُم عنه ظهور أعراضٍ مختلفة، كالتغيرات في تخطيط كهربية القلب (Electrocardiographic)، أو عدم انتظام ضربات القلب (Arrhythmias).[5]
تشخيص متلازمة الحليب القلوي
يعتمد تشخيص مُتلازمة الحليب القلوي على عدّة عوامل، أهمها الحصول على سيرة مرضية دقيقة تكشف تناول المريض المفرط للكالسيوم، ومعرفة الأدوية التي يتناولها المريض وبالأخص تلك التي تُصرف دون وصفة طبية والتي تحتوي أيضًا على عنصر الكالسيوم، أما الفحوصات المخبرية التي تؤكد وجود متلازمة الحليب القلوي فتتضمن ارتفاع مستوى الكالسيوم في الدم، يصاحبه ارتفاع مستوى الفوسفات في الدم أو بقائه ضمن النطاقات الطبيعية، بالإضافة إلى القلاء الأيضي.[7]
كما قد يوصي الطبيب بإجراء بعض الصور الإشعاعية باستخدام الأشعة السينية (X-Rays)، أو التصوير الطبقي المحوري (CT-Scan)، أو الفحص بالموجات فوق الصوتية (Ultrasound) للكشف عن رواسب الكالسيوم داخل أنسجة الكلى.[1]
علاج متلازمة الحليب القلوي
تُعالَج الحالات الطفيفة من فرط الكالسيوم في الدم بالتوقف عن استخدام مكملات كربونات الكالسيوم،[3] أو بتقليل جرعة الكالسيوم اليومية إلى 1200-1500 مليغرام، أو قد يُوصَى باستخدام شكلٍ آخر من أملاح الكالسيوم،[5] غالبًا يلاحظ المرضى تراجع أعراضهم في غضون يوم أو يومين من التوقف عن تناول الكالسيوم.[2]
أما الحالات المزمنة من متلازمة الحليب القلوي، فيلجأ الأطباء معها لإجراءٍ يُدعى بإدرار البول الملحي (Saline diuresis)، إذ تُضَخ كمياتٍ كبيرة من محلول كلوريد الصوديوم متساوِ التوتر (Isotonic sodium chloride solution) وريديًا،[5] وقد يُضاف في بعض الحالات مُدر البول فيورسيميد (Furosemide) لتعزيز طرح الكالسيوم مع البول.[2]
أما حالات الإصابة بنوبة فرط الكالسيوم في الدم، فيُعطى المريض عندها عقار فيورسيميد وريديًا، بالإضافة لدواء باميدرونت (Pamidronate)، وهيدروكورتيزون (Hydrocortisone)،(7) أما الحالات المُستعصية والتي لا تستجيب للعلاج فقد يلجأ الطبيب إلى غسيل الكلى (Hemodialysis).[2]