اُجريت أول عملية زراعة رئة (Lung Transplantation) بواسطة الدكتور جيمس هاردي (James Hardy) في عام 1963، بمساعدة زملائه في جامعة مسيسيبي، وكان المريض المُتلقّي يُعاني من انسداد رئوي مزمن (Chronic obstructive pulmonary disease)، ولكنه كان مُرشحًا غير مثالي لأنه كان مُصابًا بسرطان الرئة في مراحله الأخيرة، بالإضافة إلى إصابته بقصور في وظائف الكلى.[1]
كان المريض مسجونًا، ووافق على الخضوع للعملية التجريبية مُقابل تخفيف عقوبته، ومع ذلك فقد استطاع المريض النجاة لمدة 18 يومًا بعد العملية، ثم مات بسبب مضاعفات تتعلق بالفشل الكلوي، وعند تشريح جثته لم يجد الأطباء أي دليل على رفض الجسم للرئة المزروعة، وهذا ما أثار الأمل في أنّ موانع الزراعة بسبب رفض الجسم قابلة للتجاوز.[1]
مع تحسُّن تقنيات الجراحة على مر العقدين التاليين لهذه العملية، أصبحت المشكلة الرئيسية هي تثبيط الجهاز المناعي للتقليل من رفض الجسم للرئة المزروعة، ومع ظهور واستخدام الأدوية المُثبطة للمناعة، فإن نسب نجاح العملية ارتفعت، وبدأ عصرٌ جديد في مجال زراعة الرئة.[2]
هل يمكن زراعة الرئة؟
نعم، فقد شهد عام 1983 إجراء أول عملية زراعة رئة نجا بعدها المريض لأكثر من عام كامل في مستشفى تورنتو، وبعد هذه العملية زاد عدد عمليات زراعة الرئة مع زيادة عدد المرضى والمراكز الطبية لإجراء هذه العملية، وكل هذا أدى إلى تحسن نتائج المرضى بعد العملية.[2]
ما هي عملية زراعة الرئة؟
زراعة الرئة هي عملية جراحية تُجرى عن طريق استبدال إحدى الرئتين المصابتين، أو كليهما في شخص مريض، برئة سليمة من شخصٍ آخر سليم يُسمى المُتبرع.[3]
كما يوجد نوع من عمليات زراعة الرئة يُسمى زراعة الرئة والقلب معًا، وتُجرى هذه العملية عندما لم يعد لكل من الرئة والقلب القدرة على أداء وظيفتيهما لدى المريض، فتُجرى العملية لاستبدالهما بقلب ورئة من شخص مُتوفَي حديثًا لكنهما ما زالا يعملان.[4]
ما هي دواعي إجراء عملية زراعة الرئة؟
تُعد عملية زراعة الرئة أحد خيارات العلاج لأي بالغ يُعاني من مرض الرئة في مراحله المتقدمة،[5] بشرط توافر مجموعة من الشروط:[5][6]
- ارتفاع خطر الوفاة بسبب مرض الرئة في غضون عامين لأكثر من 50% في حالة عدم إجراء العملية.
- ارتفاع احتمالية النجاة لأكثر من 90 يومًا على الأقل بعد العملية لأكثر من 80%.
- ارتفاع نسبة النجاة لأكثر من 5 سنوات بما يفوق نسبة 80%، بشرط الحفاظ على وظيفة الرئة المزروعة.
بالإضافة إلى ذلك، توجد عدة أمراض تستدعي إجراء عملية زراعة الرئة:[6][7]
1. الانسداد الرئوي المزمن.
يُوضع مريض الانسداد الرئوي المزمن في قائمة عمليات زراعة الرئة في حال توافر أحد الشروط أدناه،
- مؤشر بود ((BODE) -يعني تقدير تشخيص مرض الانسداد الرئوي المزمن-[8]) أكبر من أو يساوي 7.
- حجم الزفير القسري (FEV) أقل من المُتوقَع بما يُقارب 15% أو 20%.
- إصابة المريض بثلاثة مضاعفات أو أكثر من المرض خلال العام السابق.
- تفاقم -منفرد- شديد للمرض مع فشل الجهاز التنفسي المفرط (زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون) لدى المريض.
2. التليف الكيسي (Cystic Fibrosis)
يُوضع مريض التليف الكيسي في قائمة عمليات زراعة الرئة في حال إصابة المريض بـمجموعة من المشكلات :
- فشل رئوي مزمن.
- نقص الأكسجة فقط (Hypoxia).
- زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون (Hypercapnia).
- ارتفاع ضغط الدم الشرياني الرئوي.
- التليف الكيسي من الدرجة الرابعة طبقًا لمقياس منظمة الصحة العالمية.
كما يُوضع المريض في القائمة في مجموعة من الحلات:
- معالجة المريض لفترة طويلة باستخدام علاج التهوية غير الغازية.
- دخول المستشفى المتكرر.
- تدهور وظيفة الرئة بسرعة.
3. مرض الرئة الخلالي (Interstitial Lung Disease)
يُوضع مريض الرئة الخلالي في قائمة العمليات عند توافر مجموعة من الشروط:
- انخفاض نسبة اختبار نشر الرئة لأكثر من 15% خلال 6 أشهر من متابعة المريض.
- انخفاض التشبع لأقل من 88%، أو انخفاض مسافة المشي لأقل من 250 مترًا في اختبار المشي لمدة 6 دقائق، أو انخفاض 50 مترًا في مسافة مشي 6 دقائق على مدار 6 أشهر.
- ارتفاع ضغط الدم الرئوي لدى إجراء قسطرة القلب أو تخطيط صدى القلب ثنائي الأبعاد.
- الإقامة في المستشفى بسبب تدهور الجهاز التنفسي أو الاسترواح الصدري.
- نقص Alpha-1-antitrypsin .
4. مرض الأوعية الدموية الرئوية (Pulmonary Vascular disease)
يُوضع المريض المُصاب بمشكلة في الأوعية الدموية في قائمة عمليات زراعة الرئة لدى توافر مجموعة من الشروط في هذه الحالة:
- وجود المريض ضمن الدرجة الثالثة أو الرابعة على مقياس (NYHA) على الرغم من تجربة ما لا يقل من 3 أشهر من العلاج المركب.
- انخفاض مؤشر وظيفة القلب لأقل من 2 لتر/دقيقة/متر مربع.
- انخفاض نتائج اختبار المشي لمدة 6 دقائق لأقل من 350 مترًا.
- تطور نفث الدم، وانصباب التامور، أو علامات قصور النصف الأيمن من القلب.
5. توسع القصبات والساركويد (Bronchiectasis, and Sarcoidosis).
6. التهاب القصيبات (Bronchiolitis).
7. مرض الأنسجة الضامة (Connective tissue diseases).
8. ارتفاع ضغط الدم الرئوي الثانوي.
9. مرض كوفيد-19.
كما قد يلجأ الأطباء لإجراء عملية زراعة الرئة والقلب لدى إصابة المريض بمتلازمة أيزنمنجر (Eisenmenger syndrome)، وأي اضطراب في الرئة مُصاحب لاختلال وظيفي شديد في البُطين.[9]
ما هي الفحوصات والتحضيرات قبل عملية زراعة الرئة؟
قبل إجراء العملية الجراحية لزراعة الرئة يخضع المريض للعديد من الفحوصات والتحاليل:[3][6]
- تحاليل الدم وفحوصات الجلد لتحديد الإصابة بأي عدوى.
- تحليل فصيلة الدم.
- فحوصات لتقييم حالة القلب، مثل تخطيط كهربية القلب.
- فحوصات وظائف الرئة.
- فحوصات وظائف الكلى.
- فحوصات وظائف الكبد.
- تحاليل غازات الدم.
- تحاليل سيولة الدم.
- تحاليل فيروسات الكبد الوبائية وفيروس نقص المناعة البشري (HIV) والفيروسات الأُخرى.
- فحوصات تشخيص السرطانات، مثل الماموجرام.
- فحوصات التوافق لمنع رفض الجسم للرئة المزروعة.
بالإضافة إلى ذلك تُؤخذ موافقة المريض، ويُنقل إلى وحدة العناية المركزة لتحضيره لجراحة زراعة الرئة، وقبل إجراء العملية يُعاد تقييم حالة رئة المتبرع قبل التبرع بواسطة تنظير القصبات (Bronchoscopy)، والفحص البدني بعد شق الصدر، وقياس مستوى غاز الدم الشرياني.[7]
ما هي طريقة إجراء عملية زراعة الرئة؟
تُجرى عملية زراعة الرئة تحت تأثير التخدير الكلي، وغالبًا يُستخدم جهاز الرئة القلبية أثناء العملية، وهو جهاز يعمل كعمل الرئة والقلب أثناء توقفهما خلال العملية الجراحية، وفي حالة زراعة رئة واحدة فإن العملية تستغرق 4-8 ساعات، ويستأصل الطبيب الرئة الأضعف من المريض، ويكون الشق الجراحي على جانبٍ واحد من صدر المُتلقي.[3]
أما في حالة زراعة الرئتين فإن العملية سوف تستغرق 6-12 ساعة، ويُجري الطبيب شقًا جراحيًا أسفل الثدي، ليمتد الشق الجراحي بين جانبي الصدر.[3]
تبدأ العملية الجراحية باستئصال الرئة من المتبرع، ثم حفظها في محلول للحفاظ على وظيفتها حتى تُزرع في جسم المتلقي، ثم يتحقق الطبيب من توافق فصيلة الدم، ويستخدم قسطرة شريانية لتقييم المؤشرات الحيوية للمريض، كما يُعطى المريض مُثبطات المناعة قبل وأثناء العملية الجراحية،[10] يتبع ذلك مجموعة من الخطوات:
- يستأصل الطبيب الرئة التالفة من صدر المريض، مع ترك قصبة كافية لتوصيلها مع الرئة المزروعة.[7]
- يضع الطبيب الرئة الجديدة في مكانها، ثم يوصلها بالقصبة الهوائية والأوعية الدموية.[3]
- في حالة إجراء المريض لزراعة الرئتين، فتُجرى عملية زراعة رئة واحدة أولًا، وبعد الانتهاء منها يبدأ الطبيب في زراعة الرئة الأُخرى متبعًا نفس الخطوات.[3]
- يَخيط الطبيب الرئة الجديدة، ثم يفصل جهاز الرئة القلبية لإتاحة الفرصة للرئة الجديدة بالبدء بالعمل.[3]
ما هي مخاطر ومضاعفات عملية زراعة الرئة؟
كأي عملية جراحية فإن عملية زراعة الرئة تشتمل على بعض المضاعفات والمخاطر:
- رفض الجسم للعضو المزروع سواءً بعد العملية مباشرة، أو بعد فترة من العملية.[7][6]
- اضطراب وظيفة الرئة المزروعة.[7][6]
- مضاعفات تشمل الغشاء المحيط بالرئة، مثل الاسترواح الصدري وتسرب الهواء.[7][6]
- مضاعفات مجرى الهواء، مثل ضيق الشعب الهوائية.[7][6]
- مضاعفات الأوعية الدموية، مثل تضيُّق الوريد الرئوي أو انسداده.[7][6]
- جلطات الدم الرئوية.[7][6]
- العدوى، سواءً البكتيرية أو الفيروسية أو الفطرية.[7][6]
- ارتفاع مستوى الأمونيا، وزيادة فرصة الإصابة بمرض السكري وأمراض القلب المختلفة.[7][6]
- تكرار الإصابة بمرض الرئة الأول.[7][6]
- زيادة فرصة الإصابة بأنواع محددة من السرطانات.[7][6]
- الإصابة بالاضطرابات الليمفاوية بعد العملية.[7][6]
- الجلطات الدموية.[3]
- ترقق العظام، وزيادة مستويات الكوليستيرول.[3]
- تلف الكبد أو الكلى بسبب الأدوية التي يتناولها المريض بعد العملية.[3]
ما بعد إجراء عملية زراعة الرئة؟
بعد إجراء العملية الجراحية يبقى المريض في المستشفى لمدة 7-21 يومًا، وغالبية الوقت يكون في وحدة العناية المركزة قبل نقله إلى غرفة عادية.[3]
بالنسبة للأدوية المُثبطة للمناعة فإن المريض يُعطى حقنة وريدية من الميثيل بريدنيزولون أثناء العملية قبل إعادة تروية الرئة المزروعة،[9] وبعد العملية يُستخدم نظام مُركب من 3 أدوية مُثبطة للمناعة:[9]
- مُثبطات الكالسينورين (Calcineurin inhibitor)، مثل سيكلوسبورين (Cyclosporine)، أو تاكروليموس (Tacrolimus).
- مُثبطات استقلاب البيورين (Purine metabolism inhibitor)، مثل أزويثوبرين (Azathioprine)، أو ميكوفينولات (Mycophenolate).
- ميثيل بريدنيزولون (Methylprednisolone)، أو دواء آخر من السترويدات القشرية.
فترة التعافي من عملية زراعة الرئة
تستغرق فترة التعافي بعد عملية زراعة الرئة 6 أشهر تقريبًا،[3] وتُقسم فترة التعافي بعد العملية إلى ثلاث فترات، الفترة الأُولى بعد العملية مباشرة إذ يُجري المريض تصويرًا بالأشعة السينية للصدر يوميًا، ويُراقب المريض بواسطة بعض التقنيات، مثل القسطرة الشريانية، كما قد يتناول بعض المضادات الحيوية للوقاية من العدوى والالتهابات.[6]
الفترة الثانية تشمل الثلاث أشهر الأُولى بعد العملية، في أول أسبوع يُجري المريض تصويرًا بالأشعة السينية للصدر يوميًا ولمدّة أسبوع، كما يخضع لفحوصات قياس وظيفة الرئة، وقد يخضع لتنظير القصبات الهوائية في حالة أظهرت الأشعة السينية أي تسرب، أما في الفترة الثالثة من التعافي فقد يُصاب المريض بمتلازمة التهاب الشعب الهوائية المُسد لذات الرئة (Bronchiolitis obliterans syndrome (BOS))، وتشخيص هذه المتلازمة يستند للمعايير الفسيولوجية والمرَضية، لذلك يجب الالتزام بالمتابعة الدورية مع الطبيب.[6]
على المريض اتباع نظام غذاء صحي بعد العملية لإنقاص الوزن في حال إصابة المريض بالسمنة، أما لدى إصابته بالنحافة فإنه يتبع نظامًا غذائيًا مُخصصًا لذلك، وقد يُضيف إليه الطبيب بعض المكملات الغذائية، وكل ذلك لغرض تحسين نتائج العملية.[1]
كم نسبة نجاح عملية زراعة الرئة؟
تختلف نسبة نجاح عملية زراعة الرئتين تبعًا لنوع المتبرع؛ حيًا كان أو متوفىً حديثًا-[9] وتصل نسبة نجاح العملية إلى:[9]
- بعد عام واحد: تصل نسبة النجاة إلى 84% في حالة المتبرع الحي، وتصل إلى 83% في حالة المتبرع المتوفى حديثًا.
- بعد 5 أعوام: تصل نسبة النجاة إلى 34% في حالة المتبرع الحي، وتصل إلى 46% في حالة المتبرع المتوفى حديثًا.