تُسبب الأمراض العصبية التنكسية تراجعًا في القدرات الذهنية، بالإضافة إلى اضطرابات حركية، وتغيرات سلوكية وشخصية، ومن أبرز هذه الأمراض مرض باركنسون -الشلل الرعاش – (Parkinson's disease) الذي يصيب 10 مليون شخص حول العالم ومرض ألزهايمر (Alzheimer's disease) الذي يعاني منه 50 مليون شخص عالميًا، وعلى الرغم من اختلافهما، فإنهما يتشابهان في الأساس المرضي، بالإضافة إلى بعض الأعراض.[1][2]
العلاقة بين الباركنسون والزهايمر
مرض الزهايمر
يؤثر مرض الزهايمر في الوظائف الإدراكية للمصاب، مما يؤدي إلى إصابته بالخرَف، والارتباك، وتراجع قدراته العقلية.[2]
يُعد موت الخلايا العصبية التدريجي والمستمر سبب الزهايمر، إذ يحدث نتيجة تراكم بروتين يدعى بيتا أميلويد (Amyloid beta)، والذي يُعتقد بأنه يقلل من مستويات الناقل العصبي أسيتل كولين (Acetylcholine) في الدماغ وبالتالي يُسهم في ظهور مرض الزهايمر، كما أنه المسؤول عن خلل يصيب بروتين تاو (Tau) المهم لتحقيق اتزان الأنابيب الدقيقة المحورية في الخلية العصبية، مما يؤدي إلى تراكمه على هيئة تشابكات ليفية عصبية (Neurofibrillary tangles)، وبالتالي فقدان الخلايا العصبية لوظائفها وحدوث تراجع إدراكي ملحوظ.[3][4]
مرض باركنسون
يسبب مرض باركنسون/الرعاش أعراضًا حركية إلى جانب أعراض أُخرى، إذ تظهر الرعشة في بداية المرض ثم تظهر أعراض كبطء الحركة والتصلب،[5] ويحدث الباركنسون نتيجة الموت البطيء لخلايا الدماغ المسؤولة عن إنتاج الدوبامين (Dopamine) والتي تقع في منطقة الدماغ المتوسط تحديدًا المادة السوداء (Substantia nigra)، إذ تموت هذه الخلايا بسبب التراكم الزائد لبروتين ألفا ساينوسلين (Alpha-synuclein) داخلها وتكوين ما يعرف بأجسام ليوي (Lewy bodies)، وتكمن أهمية الدوبامين بكونه ناقل عصبي يُمكّن الخلايا المسؤولة عن الحركة من التحكم بالعضلات، لذا يؤدي انخفاضه إلى صعوبة السيطرة عليها.[5][6]
علاقة مرض باركنسون بالزهايمر
يشترك مرض الباركنسون ومرض الزهايمر بأنّ كليهما يحدثان بسبب التراكم غير الطبيعي لبروتين معين في الدماغ،[2] وعلى الرغم من أنّ مرض الزهايمر هو السبب الأشهر للإصابة بالخرَف (Dementia)، فإنّ مرض الباركنسون أيضًا يؤدي إلى تغيرات شخصية وسلوكية وضعف الإدراك مُسببًا الخرف لدى مرضى باركنسون في مراحله المتقدمة.[1]
تشخيص مرض الزهايمر والباركنسون
يختلف توقيت وسرعة تراجع مستوى الإدراك لدى مرضى باركنسون، إذ يبدأ بضعف الإدراك الطفيف (PD-MCI) (Parkinson’s Disease Cognitive impairment) الذي يُعد مرحلة مبكرة للخرف المرافق للباركنسون (PDD) (Parkinson’s Disease with dementia)، ويرتكز تشخيص الخرف المرافق للباركنسون على عدة أسس،[7] أهمها:[7][8]
- ملاحظة بدء تراجع الإدراك ببطء بعد تشخيص المصاب بالباركنسون.
- تراجع مجالين على الأقل من أصل أربعة مجالات إدراكية، وهي ضعف الانتباه المتذبذب، تعطل القدرة على أداء الوظائف التي تعتمد على الإدراك، ومواجهة العقل لمشكلة في إدراك ما يراه والتصرف بناءً عليه، ومواجهة مشكلات في القدرة على استرجاع المعلومات وتذكرها.
- ظهور أعراض سلوكية، تشمل الهلوسة، والتوهم، والخمول، والاكتئاب، والقلق، وتغيرات في الشخصية، والنوم لفترات طويلة خلال النهار.
تجدر الإشارة إلى ضرورة التفريق بين الخرف المرافق لمرض باركنسون، وبين مرض عصبي آخر مشابه يُدعى خرف أجسام ليوي (Dementia with Lewy Bodies)، إذ إنّ كليهما يؤثران في الحركة، والإدراك، والسلوك، ويسببان الرعاش -باركنسون-، ويتشابهان في مسببهما الرئيسي وهو تراكم بروتين ألفا ساينوسلين وتكوين أجسام ليوي، لكن يكمن الاختلاف في توقيت ظهور الأعراض الحركية، ففي مرض الخرف المرافق لباركنسون، تظهر الأعراض الحركية ثم يظهر الخرف بعد مرور 10 أو 15 سنة، أما في خرف أجسام ليوي، تظهر الأعراض الحركية مع الخرف أو بعده، خلال سنة واحدة منه.[8][9]
هل تتشابه أعراض الباركنسون والزهايمر؟
يُعد الرعاش أول أعراض مرض باركنسون، وعادةً ما يكون في جهة واحدة من الجسم ويستمر حتى عند عدم الحركة، وعلى الرغم من أنّ الرعاش أحد أبرز الأعراض فإنّ وجوده ليس أساسيًا عند تشخيص المريض بالباركنسون،[5] ومن أعراض مرض باركنسون الأخرى:[5][6]
- بطء الحركة، مثل المشي ببطء، أو غياب القدرة على الاستجابة السريعة لما يجري حول المريض، بالإضافة إلى عجز المرضى عن نقر إصبع الإبهام بالسبابة سريعًا، أو حتى المشي باعتدال.
- التيبس، إذ يصعب على المرضى النهوض دون مساعدة بعد جلوسهم.
- اختلال التناسق الحركي خلال المشي، مثلًا انحناء مريض الباركنسون للأمام خلال المشي.
- غياب تعابير الوجه.
- الخرف مع تراجع القدرات الذهنية، تظهر عادةً مع تقدم المرض.
- آلام عضلية.
- انخفاض ضغط الدم عند الوقوف.
- سيلان اللعاب.
- الإصابة بالإمساك.
أمّا مرض الزهايمر، فتتنوع أعراضه تبعًا لمرحلة تقدم المرض، كما أنها لا تظهر في المرحلة الأولية/المبكرة،[10] ومن أعراض مرض الزهايمر:[10][11]
- الأعراض الطفيفة، كفقدان الذاكرة ويمكن أن تتمثل بنسيان الأسماء والمحادثات، واستغراق وقت أطول لإنجاز المهام، وتغييرات في المزاج، ومواجهة صعوبة في إنجاز أكثر من مهمة في وقتٍ واحد، أو صعوبة في حل المشكلات واتخاذ القرارات الصائبة.
- الأعراض الأكثر شدة، مثل غياب القدرة على التواصل، والحاجة للحصول على مساعدة الآخرين في أداء الأعمال الشخصية حتى، ومواجهة صعوبة في التعرف على أفراد الأسرة، وملاحظة تغييرات في نمط النوم والاستيقاظ المتكرر في الليل، بالإضافة إلى الهلوسة والاكتئاب، ومواجهة صعوبة في القراءة والكتابة، وازدياد درجة فقدان الذاكرة والارتباك.
هل يؤثر مرض باركنسون في الذاكرة؟
قد يؤثر مرض باركنسون في الذاكرة والقدرات الذهنية، إذ إنّ التنكس العصبي الذي يسبب مرض باركنسون يبدأ قبل أن تظهر الأعراض الحركية على المصاب بفترة طويلة، كما يُصاحب التنكس العصبي في مراحله الأولى حدوث تغيرات ذهنية، وهذا ما يفسر ذكر بعض الدراسات ارتفاع احتمالية إصابة مرضى الاضطرابات الذهنية بالباركنسون.[7]
تجدر الإشارة إلى أنّ مرض باركنسون يؤثر في الذاكرة السمعية -كاستعادة الكلمات التي سبق تعلمها أو سماعها مثلًا- أكثر من الذاكرة البصرية، كما لوحظ مواجهة المريض مشكلة في استحضار المعلومات، والقدرة على التعرف على الأشياء من حوله ولكن بدرجة أقل خصوصًا في حالات الخرف المرافق للباركنسون متوسطة الشدة إلى الشديدة، أما ذاكرة المريض اللاواعية أو الضمنية (Implicit memory) – هي ذاكرة تستخدم التجارب السابقة لتذكر المعلومات تلقائيًا دون التفكير فيها- فلا تتأثر لدى مرضى باركنسون، كما يمكن أن يتحسن أداؤها عند مساعدة المريض على تذكر الأشياء بالتلميح لها.[12][13]
هل يسبب مرض باركنسون الزهايمر؟
يُصاب 30% من مرضى الباركنسون بالخرف الذي يُعد مرض الزهايمر أشهر مسبباته، إذ توجد مجموعة من عوامل الخطر التي تزيد من احتمالية إصابة مريض الباركنسون بالخرف، لعلّ أبرزها التقدم في السن، والجنس إذ يزداد لدى الذكور، ومعاناة المريض من أعراض حركية أكثر شدة، بالإضافة إلى طول فترة المرض، فكلما طالت ارتفع احتمال الإصابة بالخرف.[1][12][14]
أمّا السبب الرئيسي وراء إصابة مرضى الباركنسون بالخرف، فقد أشارت بعض الدراسات إلى أنه ناجم عن التنكس العصبي الذي تسببه أجسام ليوي، فكلما زاد تركيزها وتراكمها ازدادت سرعة تراجع القدرات الذهنية لدى المريض، كما لوحظ أنّ بروتيني الأميلويد وتاو المرتبطين بمرض ألزهايمر يلعبان دورًا في إصابة مريض الباركنسون بالخرف.[7][15]
هل يمكن علاج الزهايمر والباركنسون معًا؟
يُعد العلاج الداعم لمرض الخرف المصاحب للباركنسون الخيار الذي يلجأ إليه الأطباء لتخفيف حالة مرضاهم، وذلك من خلال تحسين الظروف المحيطة بالمريض لتكون إيجابية ومألوفة قدر المُستطاع، أمّا الأعراض السلوكية الأخرى المرافقة كالهلوسة، والانفعال، والعدوانية، فيمكن علاجها عن بالأدوية عند فشل الطرق الأخرى فقط.[9]
يُذكر بأنّ بعض الدراسات أشارت لاستخدام مثبطات الكولين إستيراز (Cholinesterase inhibitors) لدى مرضى الباركنسون المصابين بالخرف، مثل دواء ريفاستيجمين (Rivastigmine) الذي أسهم في تحسين الوظائف الإدراكية والسلوكية، وحقق المشاركون بعد استخدامه نتائج مبهرة في اختبارات تشتت الانتباه والاختبارات الذهنية، لذا حصل دواء ريفاستيجمين على الموافقة لعلاج الخرف المرافق للباركنسون في الحالات الطفيفة إلى المتوسطة، كما ذكرت دراسات أخرى فوائد استخدام دواء دونيبيزيل (Donepezil) في تحسين الوظائف الإدراكية.[15]
كيفية التعايش مع الزهايمر والباركنسون
يصب تركيز أطباء الدماغ والأعصاب في السيطرة على الأعراض التي ترافق مرض باركنسون والخرف في ظل عدم توافر علاج نهائي لهذه المشكلة، فتهدف العلاجات المتاحة إلى تعزيز قدرة المرضى على التعايش مع حالتهم الصحية من خلال علاج الاضطرابات المزاجية، والسلوكية، واضطرابات النوم، بالإضافة إلى إجراء تغييرات لنمط حياة المصابين تُسهم في تحسين جودتها، مثل التمارين الرياضية، واتباع حمية غذائية صحية، وتمكينهم من التواصل الاجتماعي بمعدل أفضل.[16]
الوقاية من الإصابة بالزهايمر والباركنسون
أشارت العديد من الدراسات إلى ارتباط بعض الأمراض المزمنة كارتفاع ضغط الدم، والسكري، وارتفاع الكوليستيرول، والسمنة المرضية مع تدني مستوى الإدراك لدى مرضى باكنسون، وهي من العوامل التي يمكن تجنبها، كما أثبتت الأبحاث أنّ ممارسة التمارين الرياضية واتباع نظام غذائي صحي كحمية البحر الأبيض المتوسط يقلل من تراجع مستوى الإدراك لدى مرضى باركنسون.[7]
الجدير بالذكر لجوء بعض الاختصاصيين إلى استخدام أساليب من شأنها تحفيز النشاط الذهني لدى مرضى باركنسون بهدف الحفاظ على الوظائف الإدراكية لديهم أو تحسينها، وتُعد التمارين الذهنية من الأمثلة عليها، إذ تشمل تكرار مهام معينة تستهدف وظيفة ذهنية محددة كالتذكر والانتباه، وذلك انطلاقًا من مبدأ مفاده أنّ الممارسات المتكررة والروتينية تُحسن الإدراك أو تحافظ عليه، ولكن ما زالت هذه التقنية بحاجة لمزيد من الدراسات لإثبات مدى نجاحها لمرضى الزهايمر والباركنسون.[17]
أسئلة شائعة
- هل يمكن للباركنسون أن يتسبب في النسيان؟
نعم، قد تبدأ أعراض النسيان وفقدان الذاكرة بالظهور لدى مرضى باركنسون بسبب الاضطرابات العصبية التنكسية التي تحدث في الدماغ، وتتمثل عادةً في تأثر القدرة على استرجاع المعلومات واستحضار الكلمات.[7][12]
- هل له علاقة مرض باركنسون مع مرض الزهايمر؟
يحدث كلا المرضين نتيجة تراكم غير طبيعي لبروتين محدد في الدماغ، كما أنّ كليهما قد يسببان الخرف.[1][2]
- هل مرض الزهايمر والباركنسون مشكلات وراثية؟
نعم، إذ أشارت عدّة دراسات إلى ثبوت ارتباط جينات محددة بمرض ألزهايمر، كما يُعد وجود بعض الجينات أحد عوامل الخطر التي تزيد من احتمالية الإصابة بفقدان الذاكرة أو الخرف لدى مرضى باركنسون.[7][10]
- ما هو المرض الأصعب/الأسوأ: الزهايمر أم الباركنسون؟
يُعد مرض الزهايمر أسوأ الأمراض العصبية، يليه مرض باركنسون.[18]
- هل يصاب كل مريض باركنسون بالخرف/الزهايمر؟
لا، ولكن احتمالية الإصابة به مرتفعة، إذ تصل إلى 30%.[13]