نقص الكالسيوم (Hypocalcemia) هو اضطراب شائع تتراوح شدته بين الطفيفة، غير المصحوبة بأعراض، إلى الشديدة المُهددة لحياة المريض، ويحافظ الجسم على مستوياتٍ محددة من الكالسيوم في الدم تتراوح بين 2.1-2.6 مليمول/لتر من خلال ثلاثة هرموناتٍ رئيسية، وهي الهرمون الجار درقي (Parathyroid hormone)، وفيتامين د، وهرمون الكالسيتونين (Calcitonin)، وذلك عبر تأثيراتها الخاصة في الأمعاء، والكلى، والهيكل العظمي.[1]
الكالسيوم ودوره في جسم الإنسان
يُعد الكالسيوم من أكثر المعادن وفرةً في جسم الإنسان، ويتركز معظمه في الأسنان والعظام، ويتوزع المُتبقّي منه في الخلايا العصبية، وأنسجة الجسم المُختلفة، والدم،[2] ويرتبط نصف إجمالي الكالسيوم في الدم بالبروتين، أما النصف الآخر، فيوجَد متأينًا وحُرًا، وهو الشكل النشط فسيولوجيًا.[1]
يساعد الكالسيوم الجسم على أداء وظائف عديدة:[2][3]
- بناء العظام والأسنان.
- المساعدة في تخثر الدم.
- إرسال واستقبال الإشارات العصبية.
- الإسهام في انقباض العضلات، واسترخائها.
- المشاركة في إطلاق الهرمونات وبعض المواد الكيميائية في الجسم.
- الحِفاظ على نبض القلب ضمن معدلاته الطبيعية.
- الحِفاظ على الوظائف الطبيعية للإنزيمات.
يُنظّم الهرمون الجار درقي، وهرمون الكالسيتونين مستوى الكالسيوم في الدم، بالإضافة إلى فيتامين د الذي يلعب دورًا فعالًا في امتصاص الكالسيوم من النظام الغذائي، وتتفاعل الغدة الجار درقية مع انخفاض الكالسيوم في الدم بإطلاق الهرمون الجار درقي،[3] مُسببًا زيادة الكالسيوم في الدم من خلال عدة آليات:[3][4]
- تنشيط إنزيم هيدروكسيلاز ألفا 1 (1α-hydroxylase) في الكليتين، لتحويل فيتامين د لشكله النشط الكالسيتريول (Calcitriol)، ممّا يؤدي إلى زيادة امتصاص الكالسيوم في الأمعاء.
- تحفيز العظام على إطلاق الكالسيوم في مجرى الدم.
- تثبيط طرح الكليتين للكالسيوم في البول.
من ناحيةٍ أُخرى، تفرز خلايا "سي" في الغدة الدرقية هرمون الكالسيتونين في حالات ارتفاع مستوى الكالسيوم في الدم، والذي يمنع ارتشاف الكالسيوم من العظام، مما يحافظ على مستويات الكالسيوم في الدم ضمن النطاق الطبيعي.[4]
ما هو نقص الكالسيوم في الدم؟
يُعرّف نقص الكالسيوم في الدم على أنّه انخفاض إجمالي تركيز الكالسيوم في الدم لأقل من 2.20 مليمول/لتر (أو أقل من 8.8 مليغرام/ديسيلتر) مع وجود تراكيز طبيعية للبروتينات في الدم، أو أن يكون تركيز الكالسيوم المُتأين في الدم دون 1.17 مليمول/لتر (أو أقل من 4.7 مليغرام/ ديسيلتر).[5]
ونظرًا إلى أنّ غالبية الكالسيوم ترتبط بالألبومين (Albumin) -وهو أحد البروتينات في الدم- لا بُدَّ من حساب تركيز الكالسيوم الإجمالي بناءً على مستوى الألبومين في الدم قبل تأكيد الإصابة بنقص الكالسيوم في الدم، إذ يُسبب انخفاض 1 مليغرام/ديسيلتر من الألبومين نقصًا في تركيز الكالسيوم يُقدّر بـ 0.8 مليغرام/ديسيلتر.[6]
أسباب نقص الكالسيوم في الدم
تتعدد مُسببات نقص الكالسيوم في الدم، فمنها ما ينجُم عن نقص فيتامين دال في الجسم، أو قصور الغدد جارات الدرقية (Hypoparathyroidism)، أو عدم استجابة الجسم لهما.[1]
نقص الكالسيوم الناجم عن قصور الغدد جارات الدرقية
ينجُم نقص الهرمون الجار درقي (PTH) عن قصور الغدد جارات الدرقية، والذي يُسبّب انخفاض مستوى الكالسيوم في الدم، وفرط فوسفات الدم (Hyperphosphatemia)، وتحدث هذه المشكلة الصحية نتيجة اضطرابات المناعة الذاتية، أو كأحد مضاعفات جراحة استئصال الغدة الدرقية، أو الإصابة ببعض الأمراض الوراثية كقصور الغدد جارات الدرقية مجهول السبب (Idiopathic hypoparathyroidism).[7]
في بعض الحالات قد يكون نقص الكالسيوم في الدم جرّاء زيادة الهرمون الجار درقي كما في حال الإصابة بقصور جارات الدرقي الكاذب (Pseudohypoparathyroidism)، وهو مرضٌ وراثي يتميز بعدم استجابة الجسم لهذا الهرمون على الرغم من ارتفاع تركيزه في الدم، وبالتالي تنخفض مستويات الكالسيوم في الدم.[6]
نقص الكالسيوم وفيتامين د
يحافظ فيتامين د على الكالسيوم ضمن نطاقاته الطبيعية من خلال زيادة امتصاصه من الأمعاء، وتعزيز عملية ارتشاف العِظام -أي نقل الكالسيوم من العظام إلى مجرى الدم-[6] وبالتالي فإن نقص الكالسيوم قد ينجم عن نقص فيتامين د، أو اضطراب وظيفته نتيجةً لعدم تناول كمياتٍ كافية منه عبر النظام الغذائي، أو لقلة تعرُّض الجسم لأشعة الشمس، أو سوء امتصاص فيتامين د في الجسم، أو كنتيجةٍ للإصابة بأمراض الكبد أو الكلى المُزمنة، أو الأمراض الوراثية كالكُساح المقاوم لفيتامين د (Vitamin d-resistant rickets) بنوعيه الأول والثاني.[8]
نقص الكالسيوم الناجم عن نقص ألبومين الدم
من أكثر الأسباب شيوعًا لنقص كالسيوم الدم هو انخفاض مستوى الألبومين (Hypoalbuminemia)، وبالأخص لدى مرضى تليُّف الكبد (Cirrhosis)، أو مرضى داء الكُلاء (Nephrosis)، أو تسمم الدم (Sepsis)، أو حالات الحروق، أو سوء التغذية، وعادةً لا تظهر أي أعراض سريرية لهؤلاء المرضى نتيجة عدم تأثُّر مستويات الكالسيوم المُتأين-الذي يُعد الشكل النشط منه- في الدم.[5]
نقص الكالسيوم الناجم عن استخدام بعض الأدوية
توجد أدوية عديدة يرتبط استخدامها بنقص الكالسيوم في الدم،[8] أبرزها:
- بيسفوسفونات (Bisphosphonate).[8]
- كالسيتونين (Calcitonin).[8]
- دينوسوماب (Denosumab).[8]
- تناول كميات كبيرة من الفلور نتيجة وجوده بنسب زائدة في مياه الشرب، أو تناول مواد التنظيف –كمعجون الأسنان- المُحتوية على الفلور.[8]
- سيناكالسيت (Cinacalcet).[5]
- العلاج الكيميائي (Chemotherapy) كالسيسبلاتين (Cisplatin)، والفلورويوراسيل-5 (-Fluorouracil5)، ودواء ليوكوفورين (Leucovorin).[5]
- مضادات الاختلاج (Anticonvulsant).[1]
- الأمينوغليكوزيدات (Aminoglycoside).[1]
- مدرات البول (Diuretic).[1]
- مثبطات مضخات البروتون (Proton-pump inhibitor).[1]
مُسببات أخرى لنقص الكالسيوم
تتضمن المُسببات الأُخرى لنقص الكالسيوم في الدم:
- الإصابة بمُتلازمة العٍظام الجائعة (Hungry bone syndrome).[5]
- التهاب البنكرياس الحاد.[5]
- فرط فوسفات الدَّم (Hyperphosphatemia).[5]
- نقص المغنيسيوم في الدم (Hypomagnesemia).[5]
- النقيلة العظمية (Sclerotic metastases).[1]
- الحماض الأيضي (Metabolic acidosis)، أو القلاء الأيضي (Metabolic alkalosis).[6]
- نقل كميات كبيرة من الدم للمريض.[6]
- ورم العظام المنتشر (Osteoblastic metastasis).[6]
- الحمل.[6]
أعراض نقص الكالسيوم في الدم
يؤدي الانخفاض الحاد لمستوى الكالسيوم في الدم إلى ظهور أعراض خطيرة قد تحتاج إلى إدخال المريض إلى المُستشفى لعلاجها،[1] وتتضمن هذه الأعراض؛ الإغماء، وقصور عضلة القلب، والذبحة الصدرية،[5] بينما قد لا يُرافق نقص الكالسيوم في الدم لدى المرضى الذين يُصابون به تدريجيًا أي أعراض،[1] وتتضمن أعراض نقص الكالسيوم لدى النساء والرجال:
- الأعراض العصبية العضلية (Neuromuscular symptoms)،[5] وتشمل:[5][9]
- الشعور بالوخز أو التنميل في منطقة ما حول الفم، وأصابع اليدين، والقدمين.
- تشنُّج العضلات وبالأخص منطقة الظهر والأطراف السُفلية.
- التشنج الرسغي (Carpopedal spasm).
- الكُزاز بنوعية السريري والكامن.
- الصفير (Wheezing).
- عُسر البلع (Dysphagia).
- تغيُّر الصوت نتيجةً لحدوث تشنجات في الحُنجرة.
- نوبات تشنُّجية (Seizures).
- عدم انتظام ضربات القلب.
- الورم الدماغي الكاذب (Pseudotumor cerebri).
- وذمة حُليمة العصب البصري (Papilledema).
- الأعراض العصبية (Neurologic symptoms)،[5] وتتضمن:[5][8]
- التهيُّج.
- فُقدان القدرة على التفكير بوضوح.
- الشعور بالاكتئاب.
- تغيُّرات في الشخصية.
- الشعور بالتعب.
- تغيُّرات في التخطيط الكهربائي للدماغ (EEG).
- ارتفاع الضغط داخل الجمجمة.
- الرُعاش أو الشلل الرعاشي (Parkinsonism).
- الكَنَع الرَقَصي (Choreoathetosis).
- أعراض أُخرى:[7][8]
- جفاف الجلد وتقشّره.
- هشاشة الأظافر.
- خشونة الشعر.
- الإصابة بعدوى المبيضَّات الفطرية (Candida infections).
- إعتام عدسة العين (Cataracts).
- الصلع.
- نقص تنسج مينا الأسنان (Enamel hypoplasia).
- تأخر ظهور الأسنان.
- زيادة الإصابة بتسوس الأسنان.
- الصدفية (Psoriasis).
- الإكزيما.
علاج نقص الكالسيوم في الدم
يعتمد علاج نقص الكالسيوم على ظهور الأعراض وشدتها، وكمية نقصان كالسيوم الدم، وسبب وجود هذا النقص في الدم،[6] وبناءً على ذلك يُقسم علاج نقص الكالسيوم إلى:
- علاج نقص كالسيوم الدم الطفيف: إذ تُعالج الحالات الطفيفة لنقص كالسيوم الدم بتعويض هذا النقص باستخدام مكملات الكالسيوم فمويًا، أو وريديًا بإدخال المريض إلى المستشفى، وبجرعة تبلغ 1-3 غرامات يوميًا للبالغين من عنصر الكالسيوم، والتي توجد في العديد من الأدوية، مثل كلوريد الكالسيوم (Calcium chloride)، أو غلوكونات الكالسيوم (Calcium gluconate)، أو كربونات الكالسيوم (Calcium carbonate)، أو سترات الكالسيوم (Calcium citrate).[5]
- علاج نقص كالسيوم الدم الحاد: يُعد نقص الكالسيوم الحاد حالة طبية طارئة تتطلب تدخلًا طبيًا عاجلًا، ويمكن علاجها داخل المستشفى بإعطاء غلوكونات الكالسيوم بجرعة 90 مليغرام/10 مليليتر وريديًا وببطء على شكل دفعات، مع مراقبة تخطيط القلب ومستوى الكالسيوم في الدم كل 1-2 ساعة، بالإضافة إلى إعطاء مكملات المغنيسيوم في حال نقصانه، بعدها يُعطى المريض الكالسيوم وفيتامين د في حال كان قادرًا على تناوله فمويًا.[9]
- علاج نقص الكالسيوم المُزمن: تتطلب أغلب حالات نقص الكالسيوم المُزمن العلاج بمكملات الكالسيوم وفيتامين د، بالإضافة إلى المغنيسيوم في حال نُقصانه، ويُعد كل من كربونات الكالسيوم، وسترات الكالسيوم المكملين الغذائيين من الكالسيوم اللذين يحتويان على أعلى نسبة من عنصر الكالسيوم، فضلًا عن سهولة امتصاصهما، مما يجعلهما الخيار العلاجي الأمثل،[1] بالإضافة لذلك، قد يحتاج بعض المرضى لاستخدام الهرمون الجار درقي مُعاد التركيب (Recombinant parathyroid hormone) كعلاج تعويضي لنقصه كما في حالات قصور الغدد جارات الدرقية.[7]