اعتاد البشر، منذ زمنٍ بعيد، على تشكيل عائلات ممتدة كبيرة، إذ يعود ذلك إلى معتقدات ثقافية وتاريخية عدّة، بالإضافة إلى عدم توفر أدوات تنظيم النسل في حينها، ولكن مقتضيات العصر في الوقت الحالي أدّت إلى مَيل كثير من الأزواج إلى الحد من عدد أفراد العائلة، وزامن ذلك تفضيلهم لإنجاب جنس معين -الذكور بالتحديد- لأسبابٍ اجتماعية.[1]
توجد العديد من الطرق التي تسمح بتحديد جنس الجنين، فمنها ما يعتمد على طرق طبيعية، مثل الجدول الصيني للحمل الذي يمكن من خلاله تحديد جنس الجنين بالاعتماد على شهر حدوث الحمل وعمر الأم عند الولادة، والتي تتراوح دقتها بين 93% -99% كما ذكرت عدة دراسات، أو طريقة شيتلس (Shettles method) التي تعتمد على الجماع في يوم الإباضة لإنجاب مولود ذكر، أو حتى اتباع حمية غذائية معينة بهدف التأثير في حمضية الجهاز التناسلي، إذ إنّ الوسط القلوي مناسب للحمل بذكر، والوسط الحمضي مناسب للحمل بأنثى.[1][2]
أمّا الطرق الأخرى غير الطبيعية فتشمل ثلاثة أنواعٍ أساسية، أولها تحديد الجنس خلال الحمل عن طريق الموجات فوق الصوتية -السونار- (Ultrasound)، أو فحص وجود الحمض النووي للجنين في دم الأم، أو فحص السائل الأمنيوسي، أما الطريقة الثانية فتكون من خلال فصل السائل المنوي الذي يحمل الكروموسوم الذكري (Y) عن السائل المنوي الذي يحمل الكروموسوم الأنثوي (X)، ومن ثم تلقيحه داخل الرحم،[3][4] وتُعدّ الطريقة الثالثة التي تنضوي على زراعة جنس محدد من الأجنة بعد إجراء اختبار وراثي لها خلال عملية الإخصاب الاصطناعي -أطفال الأنابيب- (IVF) (In vitro fertilization) أحد أكثر الوسائل نجاحًا ودقة لتحديد جنس المولود،[1][4] فما هي عملية تحديد جنس المولود خلال الإخصاب الصناعي؟ وكيف تُجرى؟
سبب تحديد جنس الجنين
تتنوع الأسباب التي تدفع الكثيرين حول العالم إلى تحديد جنس المولود، فمنها ما يكون لأهداف طبية كمنع الحمل بجنين مصاب بأمراض وراثية مرتبطة بالجنس أو ولادة طفل يعاني من أي منها، مثل الاعتلالات الجينية المرتبطة بالكرموسوم (X) والتي تتسم بأنها تظهر فقط لدى الذكور في حين تحملها الإناث دون أن تظهر عليهن أعراض المرض، ومن أشهرها الهيموفيليا -الناعور- (Haemophilia)، أو الضمور العضلي الدوشيني (Duchenne muscular dystrophy)، أو متلازمة كرموسوم إكس الهش (Fragile X syndrome)، أو التليّف الكيسي (Cystic fibrosis).[5][6]
أمّا الأسباب غير الطبية، فقد تعود لرغبة العائلة وتفضليهم لجنس محدد على آخر، أو قد يكون لأسباب اجتماعية وثقافية، أو بهدف تحقيق توازن بين أفراد العائلة إذا كان لديهم عدة أطفال ذكور أو عدة أطفال إناث ويرغبون بإنجاب طفل من الجنس الآخر.[7]
طريقة تحديد جنس الجنين
شهدت التقنيات المستخدمة للإنجاب خلال العقود القليلة الماضية تطورات كبيرة، إذ أصبح بالإمكان اختيار جنس الطفل عن طريق إجراء فحص جيني للجنين أثناء عملية الإخصاب الإصطناعي في مرحلة نموها المبكرة بهدف فحصها، ويطلق على هذه التقنية اسم التشخيص الوراثي قبل إرجاع/زراعة الأجنة (PGD) (Pre-implantation Genetic Diagnosis)،[6] إذ تشمل العملية جمع خزعة من أجنة مكونة من ثمانية خلايا تكونت عن طريق الإخصاب الاصطناعي في اليوم الثالث من نموها، يتبع ذلك إخضاع العينة لاختبار التهجين الموضعي المتألق (FISH) (Fluorescence in situ hybridization) لتحديد جنس الجنين، ومن ثم زراعة الجنين ذو الجنس المطلوب في رحم الأم.[1][8]
تجدر الإشارة إلى أنّ تقنية التشخيص الوراثي قبل إرجاع الأجنة (PGD) تُستخدم في المقام الأول لفحص جينات الأجنة بهدف التحقق من خلوها من أية أمراض واختلالات جينية أو وراثية تسري في عائلة الوالدين، أو وجود اختلالات في الصيغة الصبغية المتمثلة بتغير عدد الكروموسومات الطبيعي والتي تؤثر سلبًا في نمو وتطور الجنين، كما أنها تلعب دورًا في التسبب بالعقم، والإجهاض، وفشل الإخصاب المخبري، ومن أشهرها متلازمة داون (Down syndrome)،ومتلازمة تيرنر (Turner syndrome)، ومتلازمة كلينفلتر (Klinefelter syndrome).[6][9]
الفحوصات والتحضيرات لإجراء تحديد جنس الجنين
يستطيع الاختصاصيون تحديد جنس المولود خلال عملية الإخصاب المخبري،[1] ويسبق الخضوع للإخصاب المخبري إجراء الأم لفحص مخزون البويضات عن طريق قياس مستوى بعض الهرمونات، مثل الهرمون المحفز للجريبات ((FSH) Follicle-stimulating hormone)، والهرمون المضاد لمولر ((AMH) Anti-Mullerian hormone)، بالإضافة إلى مستوى الإستراديول ((E2) Estradiol)، وتعداد الجريبات الغارية (Antral follicle count)، أما الفحوصات السريرية فتشمل التحقق من وجود مشكلات تشريحية داخل الرحم، مثل وجود الالتصاقات، أو الأورام الليفية، أو السلائل الرحمية.[10]
كما يُجري الأب تحليلًا للسائل المنوي يُقاس فيه عدد الحيوانات المنوية، ويُعاين شكلها وحركتها، إذ يعتمد الاختصاصيون على النتائج التي يحصلون عليها في تحديد الحاجة إلى الحقن المجهري المباشر للحيوانات المنوية داخل البويضة (Intracytoplasmic Sperm Injection) خلال عملية الإخصاب المخبري، وذلك لزيادة فرصة تلقيح البويضة داخل المختبر والحصول على الأجنة.[10]
نسبة نجاح تحديد جنس الجنين في تحقيق المطلوب
يُعدّ إجراء تحديد جنس المولود عن طريق التشخيص الوراثي لأجنة الإخصاب المخبري (IVF) من الطرق الفعالة والمضمونة، إذ تصل نسبة نجاحها إلى نحو 99.9%،[1] بالإضافة إلى أنّ وزن الرضيع وفترة الحمل يكونان ضمن النطاق الطبيعي وذلك تبعًا لأحد الدراسات السريرية التي شارك فيها ما يزيد على 200 من الأزواج أجروا تحديدًا لجنس الجنين.[8]
المخاطر المحتملة لإجراء تحديد جنس الجنين
يرافق تقنية تحديد جنس الجنين عن طريق التشخيص الوراثي قبل الزراعة عدة مخاطر، لعلّ أبرزها التأثير في نمو الجنين وتطوره الناجم عن أخذ عينة منه لإجراء التحليل الجيني، بالإضافة إلى احتمالية زراعة أجنة ذات جنس غير مرغوب به نتيجة فشل التحليل الجيني أو ظهور نتيجة غير دقيقة.[11]
تجدر الإشارة إلى احتمالية تعرض الأم لخطر الإصابة بمتلازمة فرط تنشيط المبيض (OHSS) (Ovarian hyperstimulation syndrome) بسبب اختيارها لإجراء الإخصاب المخبري بهدف تحديد جنس الجنين (PGD)، عدا عن احتمالية عدم استجابة الرحم للإجراء وفشل التلقيح.[12]
النصائح والتوصيات قبل إجراء تحديد جنس الجنين وبعده
يُنصح الأزواج الذين يخططون لإجراء التشخيص الوراثي قبل إرجاع/زراعة الأجنة استشارة اختصاصين في علم الجينات بهدف تقييم احتمالية نقل أي اعتلالات جينية للأجنة، وذلك من خلال إجراء فحوصات معينة تكشف إصابة أحد الوالدين باختلالات جينية.[8]
أسئلة شائعة حول تحديد جنس الجنين
- من المسؤول عن تحديد جنس المولود؟
تحدد كروموسومات الأب جنس المولود، إذ يمتلك كروموسوم (Y) الذكري وكروموسوم (X) الأنثوي، بعكس الأم التي تمتلك كروموسوم أنثوي فقط.[13]
- في أي شهر يتم تحديد جنس الجنين؟
يمكن معرفة جنس الجنين عن طريق استخدام فحص الأشعة فوق الصوتية -السونار- خلال الشهور الثلاثة الأولى من الحمل، خصوصًا بعد الأسبوع الثاني عشر.[14]
- هل يظهر نوع الجنين في أول الشهر الرابع؟
نعم، يمكن معرفة نوع الجنين في بداية الشهر الرابع، أي بعد مرور الأسبوع الثاني عشر من الحمل.[14]
- متى تكتمل الأعضاء التناسلية عند الجنين؟
يكتمل نمو الأعضاء الذكرية أو الأنثوية للأجنة خلال الأسبوع 17 -18 من الحمل.[15]
- هل يمكن أن يظهر نوع الجنين في الشهر الثالث؟
نعم، يمكن تحديد نوع الجنين في الشهر الثالث من الحمل.[14]
- هل يخطىء السونار في تحديد نوع الجنين؟
تشير الدراسات إلى أنّ دقة السونار في تحديد جنس الجنين ترتفع لتصل إلى 100% بعد مرور 14 أسبوعًا من الحمل، وتكون أقل دقة خلال الشهور الثلاثة الأولى من الحمل.[16]