أُجريت أول عملية زراعة كلى ناجحة في التاريخ عام 1954 ميلادي على يد الطبيب جوزيف موراي (Joseph Murray) وزملائه في جامعة بوسطن، وعلى الرغم من معرفته بإمكانية حدوث رفض للكلية المزروعة، وعدم توافر الأدوية المُثبطة للمناعة، فإنه اختار توأمًا متماثلًا لإجراء هذه العملية التي نجحت في النهاية، وفي عام 1990 ميلادي حصل موراي على جائزة نوبل في الطب مُناصفةً مع الدكتور دونال توماس (Donnall Thomas) الذي أجرى أول عملية زراعة نخاع عظام ناجحة في التاريخ على توأم متماثل أيضًا.[1]
بعد مرور أكثر من 50 عامًا منذ أول عملية زراعة كلى ناجحة، توافرت العديد من العوامل التي أسهمت في تطور عملية زراعة الكلى، وزادت من نسبة نجاحها، وتحسين نتائجها لكل من المتبرع والمُستقبل، مثل تحاليل مطابقة الأنسجة (Cross-matching)، ومستضدات كريات الدم البيضاء (Human leukocyte antigen typing)، واستخدام الأدوية المُثبطة للمناعة، بالإضافة إلى تطور تقنيات الحفاظ على الأعضاء قبل زراعتها.[1]
الجدير بالذكر أنّ عمليات زراعة الكلى اقتصرت على التوائم المتماثلة فقط قبل اكتشاف الأدوية المُثبطة للمناعة، إذ تُجرى على غالبية الحالات التي تحتاجها من مرضى الفشل الكلوي في مراحله الأخيرة، لكن استخدام دواء آزوثيوبرين والستيرويد معًا (Azathioprine-steroid)، الذي أصبح أساسيًا لتثبيط المناعة، حسّن من نتائج عملية الزراعة، ومع ذلك ظهرت مشكلات تمثّلت برفض الجسم للكلية المزروعة، والإصابة بمضاعفات تناول الستيرويدات.[2]
لاحقًا، في العام 1983 أدى استخدام دواء سيكلوسبورين (Cyclosporine) إلى تحسين نتائج العملية من خلال تخفيض نسبة رفض الجسم للعضو المزروع، كما أسهم استخدام الأجسام المُضادة للخلايا التائية (Anti–T cell antibodies) في تحسين نتائج العملية كثيرًا.[2]
ما هي عملية زراعة الكلى؟
زراعة الكلى هي عملية جراحية تُجرى عن طريق استبدال الكلية التالفة لدى المريض الذي يسمى المُستقبِل، بكلية سليمة من شخص آخر، ويسمى المتبرع.[3]
تُعد عملية زراعة الكلى أكثر عمليات زراعة الأعضاء المصمتة (Solid organs) شيوعًا،[4] وهي العلاج المثالي لأقلية من المرضى الذين يعانون من الفشل الكلوي في مراحله الأخيرة، إذ لا يُرشح غالبية المرضى لإجراء عملية زراعة الكلى، ويموت ما يقارب 70% منهم خلال 5 سنوات من الغسيل الكلوي.[2]
دواعي وأسباب إجراء عملية زراعة الكلى
السبب الرئيسي لإجراء عملية زراعة الكلى هو الإصابة بالفشل الكلوي في مراحله الأخيرة،[4] وتزداد نسبة الإصابة بالفشل الكلوي بتسارع ملحوظ في الفترة الحالية، إذ يُعد مرض السكري ومرض ارتفاع ضغط الدم من أشهر أسباب الإصابة بالفشل الكلوي،[5] بالإضافة إلى عدة أسباب أُخرى لإجراء زراعة الكلى:[5]
- نقص التروية الكلوية، سواءً الحادة أو المزمنة.
- التهاب كبيبات الكلى (Glomerulonephritis).
- تصلب كبيبات الكلى البؤري القطاعي (Focal-segmental glomerulosclerosis).
- اعتلال الكلية الجزري أو الارتجاعي (Reflux nephropathy).
- انسداد مجرى البول.
تجدر الإشارة إلى ضرورة طرح خيار إجراء عملية زراعة الكلى كإحدى طرق العلاج لدى تردّي الحالة الصحية للمريض ووصولها للمرحلة الرابعة من الفشل الكلوي المزمن، يصاحب هذه المرحلة نقصٌ في كفاءة الكلية في ترشيح الدم إلى أقل من 30 مليلتر/الدقيقة/1.73م،[5] وتُشير الدراسات إلى أنّ زراعة الكلى تُحسّن مستوى حياة المرضى مقارنةً بمرضى الغسيل الكلوي، ويُرشح فقط 25% من المرضى البالغين لإجراء عملية زراعة الكلى، في حين يُرشح أكثر من 95% من الأطفال للخضوع لهذه العملية.[2]
مخاطر عملية زراعة الكلى
كأي عملية جراحية، فإن عملية زراعة الكلى تشتمل على عدة مخاطر:
- النزيف، سواءً أثناء إجراء العملية أو بعد العملية بفترة وجيزة، لكن لا يظهر أي علامات متعارف عليها للنزيف على المريض، فلا يزداد معدل نبضات القلب بسبب تناول المريض لحاصرات مُستقبلات بيتا (Beta Blockers)، كما لن يُصاب المريض بانخفاض ضغط الدم بسبب ضغط العضو المزروع على الأوعية الدموية، إذ تقتصر شكوى المريض على الشعور بألم حاد في الخاصرة، وظهور كتلة واضحة قرب موضع الجراحة.[5]
- العدوى، هي من أشهر مخاطر عملية زراعة الكلى، وتحدث بسبب تناول الأدوية المُثبطة للمناعة بعد العملية مباشرة خاصةً في الأشهر 3-6 الأولى بعد العملية، ومن أشهر المشاكل التي تحدث في الشهر الأول بعد العملية هي التهاب مجرى البول، والتهاب الجزء الذي أُجريت فيه الجراحة.[5]
- انسداد الحالب، هو ثاني أشهر مخاطر عملية زراعة الكلى شيوعًا بعد العدوى، قد يحدث مبكرًا بعد العملية بسبب الإصابة بتخثر الدم، أو التورم، أو الأخطاء التقنية أثناء عملية فغر الحالب (Ureteroneocystostomy)، وفي حال فشل قسطرة فولي (Foley catheter) في علاج هذه المشكلة يلجأ الجرّاح إلى إعادة إجراء فغر كيس الحالب، أما الإصابة المتأخرة بانسداد الحالب بعد فترة من إجراء العملية فتنتج عن القيلة الليمفاوية أو الحمل، ويمكن علاجها عن طريق تركيب دعامة الحالب.[2]
- تضيق الشرايين الكلوية: يحدث لدى 2-10% من الحالات،[2] ويُعد من المخاطر التي تظهر لاحقًا ولا تسبب ظهور أي أعراض على المريض، كما تشخص بالموجات فوق الصوتية، إذ تقل كفاءة الكلية المزروعة.[5]
- القيلة الليمفاوية (Lymphocele): تحدث بسبب اضطراب الأوعية الليمفاوية أثناء الجراحة، لذلك ينبغي ربط هذه الأوعية جيدًا خلالها، وقد يشعر المريض بألم وانتفاخ فوق الكلية المزروعة مما يضعف من أداءها لوظيفتها، بالإضافة إلى إصابة الكلية بالعدوى.[5]
- ورم بولي (Urinoma): عادةً يحدث في الأسبوع الأول بعد العملية ويشبه القيلة الليمفاوية، إذ يشعر المريض بألم وانتفاخ موضع الجراحة، وضعف وظيفة الكلية المزروعة بسبب الضغط عليها، إذ يؤكد ارتفاع مستوى الكرياتينين الإصابة بها.[5]
- تأخر الكلية المزروعة في أداء وظيفتها: تختلف نسبة حدوثها بناءً على ظروف العملية، والطرف المستقبِل، والطرف المتبرع، وتُعرّف بأنها الحاجة إلى الغسيل الكلوي في الأسبوع الأول بعد العملية.[2]
- تخثر الشريان الكلوي: يحدث لدى 1% من الحالات ويصيب الشرايين الصغيرة عادةً، وقد يُجرى استئصال للكلية المزروعة في حالة فشل التخلص من الخثرة.[2]
- تسرب البول: يحدث في أي جزءٍ من مجرى الجهاز البولي، ويلاحظه المريض من خلال خروج بول من موضع إجراء الجراحة، أو الشعور بألم في البطن، أو انتفاخ منطقة العجان (Perineal Swelling)، كما يحدث غالبًا في الشهر الأول بعد العملية.[2]
- الإصابة بنوبة قلبية أو سكتة دماغية.[3]
- تلف الكلية المزروعة.[3]
الفحوصات والتحضيرات قبل إجراء عملية زراعة الكلى
يعاني المريض في المرحلة النهائية للفشل الكلوي من العديد من المشكلات الصحية الخطيرة،[5] لذلك فإنه يخضع للعديد من الفحوصات والتحاليل الشاملة للاطمئنان على صحته قبل العملية:[3][5]
- فحوصات القلب، مثل اختبار إجهاد القلب باستخدام دواء دوبيوتامين (Dobutamine)، وتخطيط كهربية القلب.
- فحوصات الدماغ، مثل التصوير بالرنين المغناطيسي.
- فحوصات الجهاز الهضمي خاصةً لكبار السن، مثل تنظير القولون وتحاليل فيروسات الكبد الوبائية.
- تحاليل الدم للكشف عن أي عدوى فيروسية.
- فحوصات السرطان، إذ يُشترط تعافيه من السرطان لمدة لا تقل عن 2-5 سنوات قبل إجراء العملية.
- فحوصات وظائف الرئة.
- تحاليل المُطابقة، مثل فحوصات فصيلة الدم ونوع الأنسجة.
طريقة إجراء عملية زراعة الكلى
تستغرق عملية زراعة الكلى 3 ساعات تقريبًا،[3] وتنقسم إلى عمليتين جراحيتين، إذ تُجرى إحداهما على المتبرع والأُخرى على المُستقبل،[5] وذلك تبعًا لمجموعة من الخطوات:
- تحت تأثير التخدير الكلي،[3] يستأصل الجراح الكلية من جسم المتبرع، ويمدّها بالسوائل التي تحتوي مواد ضعيفة النفاذية إلى الخلايا، مثل المانيتول (Mannitol) بالإضافة إلى الكهارل.[4]
- تُوضع الكلية في محلول ثلجي للحفاظ على حيويتها حتى موعد زراعتها.[4]
- يُجري الجراح شقًا جراحيًا في أسفل بطن المريض المستقبل.[3]
- يضع الكلية الجديدة في مكانها ويربطها بالأوعية الدموية في الحوض.[3]
- لا تُستأصل الكلية التالفة إلا إذا كانت مُصابةً بالتهاب، أو وجود احتمالية لتسببها بمشكلات صحية.[3][4]
مضاعفات عملية زراعة الكلى
توجد العديد من المضاعفات التي قد تحدث بعد عملية زراعة الكلى:[4]
- رفض الجسم للكلية الجديدة، إذ وعلى الرغم من تناول الأدوية المُثبطة للمناعة فإنّ الجسم يرفض العضو المزروع لدى ما يقارب 20% من الحالات.
- اعتلال الكلية المزمن، قد تفشل الكلية المزروعة بعد مرور 3 أشهر من إجراء العملية.
- السرطان، تزداد احتمالية الإصابة بأنواع محددة من السرطان بمعدل 10-15 مرة.
بعد إجراء عملية زراعة الكلى
يحتاج المريض إلى البقاء في المستشفى مدة 3-7 أيام، لمراقبة حالته عن قرب، وإجراء الفحوصات ما بعد العملية، كما تُجرى فحوصات دم دورية لمدة 1-2 شهر بعدها.[3]
يبدأ المريض بتناول الأدوية المثبطة للمناعة قبل العملية أو خلالها ويجب الاستمرار في تناولها بعدها لتقليل احتمالية رفض الجسم للكلية المزروعة، ومن أشهر هذه الأدوية مثبطات الكالسينيورين (Calcineurin inhibitors) التي تعطى بعد العملية بجرعات محددة لتفادي سميتها، وفي يوم العملية يتناول المريض الستيرويدات القشرية (Corticosteroids) عن طريق الوريد أو الفم، ثم تتناقص الجرعة تدريجيًا تبعًا للبروتوكول الذي يتبعه الطبيب، وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الأدوية قد تزيد من احتمالية الإصابة بالعدوى خصوصًا خلال الشهر الأول بعد العملية.[2][4][5]
كما تتسبب الأدوية المثبطة للمناعة بالكثير من الآثار الجانبية التي تختلف باختلاف نوع الدواء المستخدم، لكنها تشمل غالبًا الحساسية، والتهاب كبيبات الكلى، وتثبيط نخاع العظام، والعدوى، وغيرها.[6]
فترة التعافي بعد عملية زراعة الكلى
تستغرق فترة التعافي 6 شهور تقريبًا،[3] إذ يحتاج المريض إلى زيارة الطبيب مرتين في الأسبوع بعد العملية لمدة 12 شهرًا متتالية، ثم تقل عدد مرات الزيارة لتصل إلى مرة واحدة، وبعد ذلك في حالة استقرار حالة المريض فعليه زيارة الطبيب كل 4-6 شهور، والهدف من هذه الزيارات الاطمئنان على صحة الكلية المزروعة، ومتابعة مضاعفات الأدوية المُثبطة للمناعة، والتأكد من تناول المريض لأدويته بانتظام، وتوجيه بعض النصائح للمريض لتقليل المشاكل التي قد تحدث بعد الزراعة، مثل الحفاظ على وزن الجسم ضمن الحد الطبيعي، وتقليل كمية الملح في الطعام، بالإضافة إلى إجراء بعض الفحوصات الدورية، كتحليل الدم الكامل، وفحص وظائف الكلى، وقياس مستوى الأدوية في الدم، ومستوى البروتين في البول.[7]
بعد العملية، على المريض اتباع نظام غذائي صحي، فعليه تقليل معدل تناول الأطعمة الغنية بالسكر، والأملاح، والدهون المشبعة، بالإضافة إلى الامتناع عن تناول الأطعمة التي تزيد من احتمالية الإصابة بالالتهاب، مثل المأكولات البحرية النيئة ومنتجات الألبان غير المبسترة، بالإضافة إلى ضرورة تجنب تناول عصير الجريب فروت لأنه يتداخل مع أيض الأدوية المثبطة للمناعة.[8]
من جانبٍ آخر، يوصى المريض بتناول الأطعمة الغنية بالكالسيوم والمغنيسيوم، بالإضافة إلى الحفاظ على مستويات طبيعية من الفوسفات في الدم، وتجدر الإشارة إلى ضرورة اتباع المريض لنظام غذائي يناسب حالته الصحية للحفاظ على مؤشر كتلة الجسم أقل من 25.[8]
يُشار إلى أنّ قدرة المريض على العودة للعمل بعد العملية الجراحية تعتمد على العديد من العوامل، مثل عمره وحالته الصحية قبل الجراحة، وطبقًا للإحصائيات فإنّ متوسط النسبة المرجحة للعودة للعمل خلال عام واحد بعد العملية تصل إلى 39.4% بين المرضى الذين خضعوا لزراعة الكلى، وذلك وفقًا لمراجعة منهجية (Systematic review) نُشرت عام 2019 ميلادي.[9]
نسبة نجاح عملية زراعة الكلى
تختلف نسبة نجاح عملية زراعة الكلى في أول سنة باختلاف حالة المتبرع:[4]
- من متبرع حي: يصل معدل النجاة للمريض المستقبِل إلى 98%، وللكلية المزروعة إلى 94%.
- من متبرع مُتوفّى: يصل معدل النجاة للمريض المستقبل إلى 95%، وللكلية المزروعة إلى 88%.