ساعد التقدم والتطور المتسارع في مجال تقنيات المساعدة على الإنجاب (Assisted reproductive technology) على إنارة شعلة الأمل لدى الأشخاص الذين يواجهون صعوبة في الإنجاب، إذ أشارت الإحصائيات إلى أنّ تقنيات التلقيح بالمساعدة (أو ما تُعرَف بأطفال الأنابيب) أسهمت في إنجاب حوالي 8 مليون طفل تقريبًا حتى عام 2020 ميلادي، وقد بدأت رحلة التطور في هذا المجال عندما سُجّلت أول ولادة باستخدام تقنية أطفال الأنابيب عام 1978 ميلادي.[1]
ما هي عملية أطفال الأنابيب؟
تقنية طفل الأنابيب أو التلقيح الصناعي (In vitro fertilization) واحدةً من أكثر تقنيات المساعدة في الإنجاب شيوعًا، وتنطوي هذه التقنية على استخدام إجراءات طبية معينة لتسهيل تخصيب البويضة بالحيوان المنوي مخبريًا باستخدام طبق بتر (Petri dish) ومساعدة المرأة على الحمل، وغالبًا ما تكون تقنية أطفال الأنابيب خيارًا مطروحًا في الحالات التي تواجه صعوبات في الحمل، وقد سبق أن فشلت معها تقنيات الإخصاب الأُخرى في تحقيق حلم الحمل والإنجاب.[2][3]
سبب اللجوء لتقنية أطفال الأنابيب
تُستخدم تقنية أطفال الأنابيب لعلاج العقم مجهول السبب،[2] لكنها تُستخدم أيضًا في حالاتٍ أُخرى:[2][3]
- العقم المرتبط بمشكلات عند الرجل، كالذي يحدث بسبب انخفاض عدد الحيوانات المنوية، أو وجود تشوهات في الحيوانات المنوية.
- العقم الناجم عن إصابة المرأة ببعض المشكلات الصحية والاضطرابات، مثل الانتباذ البطاني الرحمي (Endometriosis) –بطانة الرحم المهاجرة-، وتضرر أو انسداد قنوات فالوب.
- تقدم المرأة في العمر، إذ تنخفض لديها الخصوبة والقدرة على الإنجاب مع التقدم في السن.
- إصابة المرأة بالسرطان أو مرض معين يؤثر في البويضات لديها، فتلجأ في هذه الحالة لتجميد البويضات إلى حين رغبتها بالحمل، لتكون تقنية أطفال الأنابيب هي الأنسب في مثل هذه الحالات.
العمر المناسب لإجراء أطفال الأنابيب
وفق الدراسة التي نُشرت في مجلة (Singapore Medical Journal) في عام 2014 ميلادي، يُمكن لتقنية أطفال الأنابيب تحقيق أفضل النتائج عند إجراءها دون سنّ الـ 30، ويتوجّب على الطبيب دائمًا تقديم المشورة الطبيّة اللّازمة فيما يتعلّق بمعدل نجاح العملية وعلاقتها بالعمر قبل إجراء عمليّة أطفال الأنابيب، مع مراعاة بعض العوامل والمحددات الأخرى التي تختلف من حالة،[4] إذ تتراجع معدلات الخصوبة بدءًا من سن الـ 30 فتنخفض فرصة حدوث الحمل وتواصل انخفاضها مع الوقت.[5]
خطوات أطفال الأنابيب
غالبًا تتضمّن عملية أطفال الأنابيب سلسلة من الخطوات والإجراءات:[2][6]
(1) تحفيز المبيض (Controlled ovarian stimulation):
تُستخدم في مرحلة تحفيز المبيض أنواعًا مختلفة من الأدوية والهرمونات حسب الحالة بعد معاينة الطبيب لها:
- أدوية تحفيز الإباضة، مثل دواء كلوميفين (Clomiphene)، وأدوية موجهات الغدد التناسلية (Gonadotropins)، إذ تساعد أدوية الخصوبة على تحفيز إنتاج عدة بويضات من المبايض في الشهر الواحد.
- أدوية تمنع التبويض المبكر (Premature ovulation)، مثل ناهضات (مستنهضات) الهرمون المُطلق لموجهة الغدد التناسلية (Gonadotropin-releasing hormone agonist)، ومضادات هرمون مطلق لموجهة الغدد التناسلية (Gonadotropin-releasing hormone antagonist).
- هرمون موجهة الغدد التناسلية المشيمائية (Human chorionic gonadotropin (hCG))، والذي يُعطى لتحفيز النضج النهائي للحوصلة أو الجريب وحدوث الإباضة، وقد يتطلب الأمر فحص المبايض بانتظام خلال مرحلة تحفيز المبايض باستخدام الألتراساوند المهبلي (Transvaginal ultrasounds)، ومن الممكن أن تستدعي الحالة إجراء تحاليل الدم للكشف عن مستويات الهرمونات في جسم المرأة.
(2) سحب البويضات (Oocyte retrieval):
يمكن سحب البويضات باستخدام ما يُعرف بـالشفط الحويصلي (Follicular aspiration)، وينطوي هذا الإجراء الطبي على إدخال إبرة رفيعة عبر المهبل وصولًا إلى المبيض والجريبات التي تحتوي على البويضات، يستعين الطبيب بالموجات فوق الصوتية (الألتراساوند) لتوجيه الإبرة والتحكّم بها أثناء الإجراء، ويساعد جهاز الشفط المتصل بطرف الإبرة في سحب البويضات من كل جريب، غالبًا لا تعاني المرأة من أي ألم خلال سحب البويضات بسبب استخدام أنواع معينة من الأدوية التي تسهم في تسكين الألم، قد تشكو من المغص قليلًا بعد انتهاء الإجراء، لكنه سرعان ما يتلاشى خلال مدة لا تتجاوز اليوم الواحد تقريبًا.
(3) الإخصاب (Fertilization):
يحدث الإخصاب في المختبر خلال عملية أطفال الأنابيب، إذ تُوضع البويضات مع الحيوانات المنوية سويًا ضمن ظروفٍ مناسبة، بعض الحالات قد تستدعي استخدام طريقة حقن الحيوانات المنوية بالبويضة (Intracytoplasmic sperm injection (ICSI))، كأن يكون احتمال نجاح الإخصاب منخفضًا للغاية لأسباب مختلفة، مثل صعوبة الحصول على الحيوانات المنوية من الزوج نتيجة مشاكل في إنتاجها لديه.
(4) الانقسام وتحضين الأجنة (Embryo culture):
تُوضَع البويضة المخصبة في حضّانات خاصة لضمان توفير الظروف المناسبة لانقسامها لمدة تتراوح بين 2 – 5 أيام، إذ تتكوّن الأجنة بعد مرور البويضة المخصبة بسلسلة انقسامات، وفي هذه المرحلة يُوصى بضرورة فحص الأجنة ومراقبتها باستمرار للتأكد من سلامة نموّها.
(5) نقل الأجنة (Embryo transfer):
يستخدم الطبيب قسطرة (أنبوب رفيع) لنقل جنين واحد أو بضعة أجنة فقط إلى داخل تجويف الرحم، وعادةً ما يعتمد تحديد عدد الأجنة التي تُنقل إلى الرحم على عمر المرأة ومدى استجابة جسدها لعملية أطفال الأنابيب، وفي بعض الحالات يعمد الطبيب إلى تجميد بعض الأجنة بالنيتروجين السائل لاستخدامها في الدورة اللاحقة لعملية أطفال الأنابيب في حالة فشلها وعدم حدوث الحمل.
غالبًا يوصي الطبيب (وفقًا للحالة) بالخضوع للعلاج بهرمون البروجستيرون لمدة تتراوح بين 8-10 أسابيع بعد نقل الأجنة إلى الرحم، إذ يساعد البروجستيرون على تهيئة بطانة الرحم لتسهيل انغراس الجنين أو الأجنة بعد نقلهم للرحم، والمساعدة على تحفيز نموهم بعد نجاح انغراسهم في بطانة الرحم، وبعد استكمال عملية أطفال الأنابيب يمكن للمرأة العودة لممارسة أنشطتها الطبيعية في اليوم التالي بعد نقل الأجنة إلى الرحم، لكن يتوجب عليها الالتزام بتوصيات الطبيب وتعليماته بدقّة تجنبًا لفشل الإجراء ورفع فرص نجاح الحمل.[2]
متى يثبت حمل أطفال الأنابيب؟
غالبًا ما يثبت حمل أطفال الأنابيب عند انغراس الجنين (Embryo)-المضغة- في بطانة الرحم خلال فترة تتراوح بين 1-4 يومًا بعد نقل الجنين إلى الرحم، وذلك في حال كان الرحم مُهيأً لاستقبال الأجنة، إذ قد تُتاح الفرصة للجنين الذي يُنقل إلى الرحم في مرحلة الحويصلة الجنينية (Blastocyst-stage) الانغراس في بطانة الرحم بعد مرور 1-2 يوم تقريبًا على نقله للرحم، ومن جانبٍ آخر، يمكن أن ينغرس الجنين الذي يُنقل إلى الرحم في مرحلة الانقسام (Cleavage-stage) بعد مرور 3-4 أيام تقريبًا على نقله للرحم.[7]
عمومًا، يمكن التأكد من حدوث الحمل بدقّة بإجراء تحليل الدم الذي يكشف عن مستوى هرمون (hCG) بعد مضي 10-12 يومًا على نقل الأجنة إلى الرحم خلال عملية أطفال الأنابيب.[8]
تقترح دراسة نُشرت في مجلة (Reproductive BioMedicine Online) في عام 2022 ميلادي بأنّ الكشف عن مستوى هرمون (hCG) يمكنه المساعدة على توقع الحمل بعد مضي 4 أيام على نقل الأجنة في مرحلة الحويصلة الجنينية إلى الرحم، إذ يساعد الكشف المبكر عن حدوث الحمل على تخفيف الآثار العاطفية والنفسية التي يعانيها الأزواج أثناء انتظارهم تأكيد نجاح عملية أطفال الأنابيب وحدوث الحمل.[9]
نصائح لنجاح عملية أطفال الأنابيب
يصعب التحكم بكافة العوامل المؤثرة في نجاح أطفال الأنابيب، فمثلًا يؤثر عمر المرأة في نتائج عملية أطفال الأنابيب، وهو من العوامل غير الخاضعة للسيطرة، في المقابل ثمة مجموعة من العوامل التي قد تؤثر في نجاح عملية أطفال الأنابيب والتي يمكن التحكم فيها والسيطرة عليها،[10] لِذا يُنصح باتباع مجموعة من النصائح المتنوعة لرفع معدل نجاح تقنية أطفال الأنابيب وحدوث الحمل لدى المرأة:
- الإقلاع عن التدخين، أو على الأقل الحدّ من استهلاك السجائر عند التخطيط لإجراء إحدى تقنيات التلقيح بالمساعدة (ART) وقبل البدء بأُولى مراحل عملية أطفال الأنابيب، إذ ينعكس أثر التدخين سلبًا على أي من هذه الإجراءات، كما أنّه يزيد من خطورة عدم ثبات الحمل وفشل عملية أطفال الأنابيب.[10][11]
- تخفيف الوزن والتخلص من السمنة، إذ لوحظ بأنّ مؤشر كتلة الجسم (BMI) قد يؤثر في فرصة نجاح علاجات العقم، بالإضافة إلى أنّ السمنة تزيد من احتمالية عدم متابعة إجراءات عملية أطفال الأنابيب، وانخفاض معدلات حدوث الحمل،[10] ويمكن تخفيف الوزن الزائد باتباع مجموعة من النصائح:[12]
- تناول الغذاء الصحي والمتوازن، والحد من تناول الدهون والسكريات.
- تقليل كمية الطعام في الوجبة الواحدة.
- ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، إذ يُوصى عمومًا بممارسة الأنشطة الهوائية مدة تتراوح بين 150-180 دقيقة في الأسبوع الواحد، مثل ركوب الدراجة، والمشي السريع.
- الاستعانة باختصاصي يمكنه المساعدة في تغيير النمط الغذائي أو النشاط الجسدي المُتبع.
- تخفيف التوتر، فهو قد يؤثر في فرص حدوث الحمل باستخدام تقنية أطفال الأنابيب،[10] وقد يفيد في تخفيف التوتر مجموعة من النصائح:[13]
- تجنب المواقف التي تثير التوتر والشعور بالضغط النفسي.
- محاولة تقبّل الأشياء التي يصعب تغييرها.
- ممارسة التمارين الرياضية الملائمة.
- أداء مهام ممتعة تجلب البهجة للنفس.
- التواصل مع الأحبة والأصدقاء.
- تعلّم الطرق التي تساعد على الاسترخاء، كالتنفس العميق، والتأمل، واليوغا.
- تناول الغذاء الصحي، والابتعاد عن تناول السكريات، والإكثار من تناول الخضراوات، والفواكه، والحبوب الكاملة، ومصادر البروتين الخالية من الدهون.
- الحصول على القدر الكافي من النوم ليلًا.
- تجنّب إجهاد النفس في الأعمال المنزلية أو غيرها.
- الحرص على التواصل الدوري مع الفريق الطبي المسؤول عن تقديم الرعاية، وذلك بهدف التغلب على أي مضاعفات قد تظهر أثناء العلاج، بالإضافة إلى محاولة تخفيف الضغط النفسي، مما يحسن فرصة نجاح إجراء أطفال الأنابيب.[3]
كم يوم تستغرق عملية أطفال الأنابيب؟
قد تستغرق عملية أطفال الأنابيب عدة أشهر اعتمادًا على عوامل مختلفة،[14] عمومًا، تُحدَد المدة التي تستغرقها عملية أطفال الأنابيب وفق الوقت المستغرق في كل خطوة من خطوات الإجراء، والتي تختلف من حالة لأُخرى،[15][16]
- تحفيز المبايض، غالبًا تستغرق فترة تحفيز المبايض بين 9 إلى 12 يومًا، وقد أشارت دراسة نُشرت في مجلة (Minerva Obstetrics and Gynecology) عام 2019 ميلادي إلى أنّ تحقيق الاستجابة المُثلى للمبايض ورفع نسب حدوث الحمل يرتبط بتحفيز المبايض مدة لا تقل عن 9 أيام قبل متابعة خطوات عملية أطفال الأنابيب.[15]
- سحب البويضات، سحب البويضات، غالبًا ما تبدأ خطوة سحب البويضات بعد مضي حوالي 34 ساعة على تلقّي العلاج بهرمون (hCG) خلال مرحلة تحفيز المبايض،[6] وعادةً لا تتجاوز مدة سحب البويضات 35 دقيقة.[17]
- الإخصاب أو التلقيح، تستغرق إمّا 4-6 ساعات أو 12-18 ساعة، وخلالها توضع البويضة مع ما يُقارب 50-100 ألف حيوان منوي في حاضنات خاصة.[3][16]
- انقسام البويضة المخصبة وتحضينها، تستغرق انقسامات البويضة المخصبة لتكوين الجنين 5 أيام تقريبًا.[2]
- نقل الأجنة، تحدث هذه المرحلة بعد 3-5 أيام من إخصاب البويضات وانقسامها.[2]