يسمح تمتع الفرد بصحة نفسية جيدة بأن يستغل قدراته إلى أقصى حد، بالإضافة إلى تجاوز مصاعب الحياة وعقباتها، كما تسلحه بالقدرة على العمل بفعالية أعلى، مما ينعكس إيجابًا على المجتمع من حوله، لذا يمكن تصنيف الصحة النفسية السوية على أنها أساس الصحة الجسدية والإنتاجية بفاعلية، ومن هنا ظهرت أهمية التوعية بها في يوم عالمي تنفرد به، خصوصًا وأنها تسهم بدرجة كبيرة إلى نزع الوصمة المرتبطة بالاضطرابات النفسية.[1][2]
مع انتشار شعبية منصات التواصل الاجتماعي المختلفة في الآونة الأخيرة، وميل الكثيرين إلى قضاء فترات زمنية طويلة في تصفحها، كان لا بدّ من التركيز على الآثار النفسية المترتبة على ذلك، إذ ظهرت مؤخرًا الكثير من الدراسات والأبحاث التي تشير إلى التأثير الكارثي لاستعمالها على الصحة النفسية للأفراد، خصوصًا لدى التركيز على تصفح المحتوى غير الهادف.[3]
ما هي وسائل التواصل الاجتماعي؟
وسائل التواصل الاجتماعي أو السوشال ميديا هي منصات تسمح للأفراد بمناقشة مختلف قضاياهم ومشاركة أفكارهم وتبادلها، إذ أضحت جزءًا مفصليًا في مختلف مناحي حياة الأفراد وتؤثر في نمط حياتهم، كما أنّ لها العديد من الفوائد والمنافع سواءً، أكان ذلك في تعزيز عملية التعلم، أو تسهيل إدارة المشاريع والأعمال وتسويقها، بالإضافة إلى تسهيل التواصل وإزالة الحواجز بين البشر، وقُدّر عدد البشر الذين يستعملون مختلف منصات التواصل الاجتماعي في عام 2024 ميلادي بنحو 5.17 مليار مستخدم حول العالم أي ما يزيد عن 60% من سكان كوكب الأرض![4][5]
ما تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في الصحة النفسية؟
لا يخفى على الجميع أهمية التواصل بين البشر، فهو يعكس طبيعتهم الفطرية بكونهم كائنات اجتماعية، كما ثبت دوره في تعزيز الصحة النفسية من خلال المساعدة في التخلص من التوتر، والقلق، والحزن، لذا يميل البشر منذ فجر التاريخ إلى العيش في مجتمعات بهدف التقدم والتطور في الحياة.[6]
على الرغم من أنّ منصات التواصل الاجتماعي مصممة لغايات تسهيل التواصل بين الناس، فإنها تقف وراء الإصابة بالعديد من الاضطرابات النفسية أو تأجيج شدتها لدى الكثيرين، وفي حين فسرت نظرية في علم النفس تُدعى سلوك الإزاحة (Displaced Behavior Theory) العلاقة بين السوشال ميديا والصحة النفسية، بأنّ قضاء فترة أطول في تصفح مواقع التواصل الاجتماعي بدلًا من التواصل المباشر وجهًا لوجه وما يرافقها من سلوك خامل يقي من الاضطرابات النفسية! لكن أشارت نظريات نفسية أخرى إلى أنّ منصات التواصل الاجتماعي تؤثر في الصحة النفسية تبعًا لانعكاساتها في الشخص ونظرته لذاته وطريقة تواصله مع الآخرين، وأكدت دراسات أُخرى العواقب السلبية النفسية وراء الاستخدام المُطوّل لمنصات التواصل الاجتماعي،[6] ومن أبرز التحديات التي قد يواجهها الأشخاص لدى إدمان استخدام مواقع التواصل الاجتماعي:[6][7]
- الانعزال، إذ يُشار إلى أن التعرض للرفض على منصات التواصل الاجتماعي قد يؤدي إلى العزلة على أرض الواقع.
- ظهور علامات القلق والاكتئاب، والميل للانتحار، وذلك لدى إدمان تصفح مواقع التواصل الاجتماعي.
- تعزيز الشعور بالوحدة بسب قلة التواصل على أرض الواقع، وقد يؤدي ذلك إلى تفاقم الاضطرابات النفسية التي يعاني منها الأفراد.
- التعرض للتنمر الرقمي (Cyberbullying)، إذ يرتبط بارتفاع احتمالية الإصابة بالاكتئاب والقلق.
- التعرض للتحرش الإلكتروني.
- اختراق الخصوصية، وقد يكون لذلك آثار كارثية على الفرد في الحياة الواقعية قد تؤثر في اتزانه النفسي.
كيفية تجنب التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي؟
ينصح الاختصاصيون بتقليل معدل استخدام منصات التواصل الاجتماعي بدلًا من الانقطاع الكامل عنها خصوصًا لدى فئة الشباب والمراهقين، على أن لا تتجاوز فترة الاستخدام ساعة أو ساعتين يوميًا، كما ثبت أن امتلاك قدر من الثقافة والوعي قبل استخدام العالم الرقمي يمكّن من استيعاب اختلاف رواده، ما يقلل من التأثير النفسي السلبي له، تحديدًا ما يتعلق بالثقة في النفس والرضا عن الذات لدى فئة الشابات، بالإضافة إلى ما سبق، يُنصح بتجنب استخدام الهواتف الذكية وتصفح مواقع التواصل الاجتماعي قبل ما لا يقل عن ساعة إلى ساعتين من موعد الخلود إلى النوم، إذ ينعكس ذلك إيجابًا على جودة النوم التي ترتبط بالضرورة بصحة الفرد النفسية.[8]