تُصنّف مشكلة الخصية الهاجرة كواحدةٍ من تشوّهات الخصية والصفن الأكثر شيوعًا في المجتمعات المختلفة،[1] وتظهر هذه المشكلة لدى حوالي 3-5% من الأطفال حديثي الولادة بعد إتمام مدّة الحمل كاملةً، بينما لُوحظ ظهورها بين 30% تقريبًا من الأطفال المولودين قبل أوانهم سنويًّا من جميع أنحاء العالم،[2] ويُشار إلى أنّ الكشف عن هذه المشكلة قد يحدث في الفترة الأولى من حياة الطفل أو متأخرًا بعد تجاوزه سنّ البلوغ، ويحدِّد الطبيب العلاج الملائم تبعًا لطبيعة المشكلة التي يعانيها المصاب.[3]
ما هي الخصية الهاجرة؟
الخصية الهاجرة أو الخصية المعلّقة أو الخصية غير النازلة (Cryptorchidism)، هي عيبٌ تكويني يؤثر في الأعضاء التناسلية الذكريّة، ويظهر عند غياب إحدى الخصيتين أو كلاهما من كيس الصفن،[2] والذي قد يسبّب زيادة احتمالية ظهور عددٍ من المضاعفات، كالإصابة بورمٍ سرطاني في الخصية غير النازلة، وضعف الخصوبة، وظهور المشكلات النفسية، والإصابة بالفتق المغبني (Inguinal hernia)، والتواء الخصية (Testicular torsion).[4]
تجدر الإشارة إلى أنّ الخصية الهاجرة قد تكون مفقودة ويصعُب الكشف عن مكانها لدى المصاب، أو قد تتواجد في أجزاءٍ أُخرى في الجسم -خارج كيس الصفن-،[4] فمن الممكن العثور عليها في:[4][5]
- في الحيز خلف الصفاق (Retroperitoneal)، بالقرب من الحلقة الأربية (The inguinal ring).
- التجويف البطني.
- النفق الأُرْبِي (Inguinal canal).
عوامل خطر الإصابة بالخصية الهاجرة
تؤثر العديد من العوامل في خطورة تطوّر مشكلة الخصية الهاجرة لدى الطفل المُصاب:[4][6]
- انخفاض وزن الطفل عند ولادته، وعمر الحمل-مدّة استمرار الحمل-، وحجم الطفل عند ولادته نسبةً إلى عمر الحمل.
- التاريخ العائلي الطبي لوجود مشكلة الخصية الهاجرة.
- حدوث طفرات جينيّة معيّنة.
- تدخين المرأة خلال فترة الحمل، أو وجود شخص مدخّن في المكان ذاته الذي تتواجد فيه الأم الحامل (التدخين السلبي).
- طبيعة النظام الغذائيّ الذي تتبعه المرأة خلال الحمل.
- استخدام تقنيات "التلقيح بالمساعدة" مثل أطفال الأنابيب (In-Vitro Fertilisation).
- وضعيّة الجنين في الرحم.
- معاناة المرأة من السمنة أو مرض السكري خلال فترة الحمل.
- إصابة المرأة بمشكلة ما قبل تسمم الحمل أو مقدمات الارتعاج (Preeclampsia)، وتزداد خطورة الإصابة بالخصية الهاجرة أكثر كلما زادت خطورة ما قبل تسمّم الحمل.
- التعرّض لمستويات مرتفعة من هرمونات الجسم، كالإستروجين (Estrogen).
- عمر الأم عند حدوث الحمل وولادة طفل الذكر.
- تناول المشروبات الكحولية خلال فترة الحمل.
- استخدام المرأة الحامل لأنواعٍ معيّنة من الأدوية، كمسكّن آيبوبروفين (Ibuprofen).
- تعاطي المخدرات خلال فترة الحمل.
- تعرّض الأم لمواد كيميائية في بيئة العمل تؤثر سلبًا في الغدد الصماء، أو التعرّض لهذه المواد بسبب قرب مكان السكن من المناطق التي يكثر فيها استخدام مواد كيميائية تتداخل مع عمل أنظمة الغدد الصماء في الجسم.
- تناول أطعمة أو مشروبات تحتوي على مادّة الكافيين.
- استخدام مستحضرات التجميل.
- الانحدار من مجموعات عِرقيّة معيّنة، إذ إنّ ذوي البشرة البيضاء أكثر عُرضة للإصابة بالخصية الهاجرة من ذوي البشرة السوداء.
- ظهور متلازمات التشوّه التكويني لدى الطفل، مثل متلازمة نوونان (Noonan syndrome)، ومتلازمة داون (Down syndrome)، و متلازمة برادر- ويلي (Prader-Willi syndrome).
هل تؤثر الخصية الهاجرة في الإنجاب؟
قد تؤثر الخصية الهاجرة على الإنجاب وفق الدراسة التي نُشرت في مجلة (The World Journal of Men's Health) عام 2015 ميلادي، إذ تتراجع الخصوبة لدى الرجل في كثيرٍ من الأحيان بسبب اختلال وظيفة الغدد الصماء وعمليّة تكوين الحيوانات المنوية (Spermatogenesis) المصاحبة لمشكلة الخصية الهاجرة التي تبقى دون علاج بعد البلوغ،[7] وتظهر هذه المشكلة جليًّا في حالات الخصية الهاجرة التي تظهر فيها المشكلة في كلا الخصيتين، بالأخص عندما تُترك دون علاج،[4] وقد يحدث العقم في حالات الخصية الهاجرة بتأثير عوامل عِدة:[4]
- ارتفاع درجة الحرارة داخل كيس الصفن، الأمر الذي قد يعيق تكوّن الحيوانات المنويّة في الخصية.
- تعرّض الخصية أو البربخ أو الأسهر (Vas deferens) لإصابة غير مقصودة أثناء جراحة تثبيت الخصية.
- حدوث اختلالات تشريحيّة مختلفة مصاحبة لحالة الخصية الهاجرة، مثل انفصال الخصية عن البربخ (Testis-epididymal disjunction).
- ظهور أجسام مضادة للحيوانات المنوية (Sperm antibodies)، فقد لوحظ ظهور هذه الأجسام المضادة للحيوانات المنوية لدى الشخص المصاب بالعقم ولديه تاريخ طبّي سابق للإصابة بالخصية الهاجرة.
عملية الخصية الهاجرة
تتلاشى مشكلة الخصية الهاجرة لدى حوالي 80% من مجمل حالات الإصابة بهذه المشكلة بمجرّد بلوغ الطفل الرضيع 3 شهور من عمره ونزول الخصية إلى كيس الصفن من تلقاء نفسها دون تدخلٍ طبّي، ومع ذلك، قد تستمر مشكلة الخصية الهاجرة حتى حلول الشهر السادس من عمر الرضيع، وقد يكون التدخّل العلاجي في هذه المرحلة ضروريًّا.[4]
في الحقيقة يساعد الكشف المبكّر عن وجود الخصية الهاجرة على زيادة فرصة تلقّي العلاج الملائم، وبالتالي تسهيل الإجراء الجراحي المتّبع لحلّ المشكلة، وتقليل خطورة حدوث المضاعفات، وهذا يعني ضرورة الاهتمام بتعليم الأبناء الذكور بعد البلوغ كيفيّة إجراء الفحص الذاتيّ للخصية بهدف تشخيص الإصابة بالسرطان في مراحله الأُولى.[4][5]
تُعدّ عملية تثبيت الخصية (Orchiopexy) الخيار العلاجي الأوّل لحالات الخصية الهاجرة التي يتمكن الطبيب من الشعور بها خلال الفحص السريري للطفل في حالة عدم نزول الخصية لمكانها الطبيعي تلقائيًّا، إذ تُحدّد عملية الخصية الهاجرة عند حلول الشهر السادس من عمر الطفل الذي وُلد بعد اكتمال فترة الحمل، بينما يُوصَى بالجراحة عند إتمام الطفل الذي وُلد قبل أوانه السنة من عمره.[5]
تنطوي عملية الخصية الهاجرة على إجراء شقّ جراحي في مكان وجود الخصية غير النازلة أو المعلقة وتثبيتها في كيس الصفن تحت تأثير التخدير، ويُفضَّل أحيانًا استخدام جراحة تنظير البطن لعلاج حالات الخصية الهاجرة التي لا يمكن فيها الإحساس بوجود الخصية خلال الفحص السريريّ، وقد يتمكّن الطبيب خلال التنظير من تحريك الخصية إلى كيس الصفن،[5][8] ومن أهم مخاطر جراحة تثبيت الخصية:[8]
- حدوث صعوبة أثناء التنفس، واستثارة رد فعل تحسّسي في الجسم لمادّة التخدير.
- العدوى أو النزيف، وهي من المخاطر التي قد تترتّب على أي عمليّة جراحيّة.
- عدم القدرة على إنزال الخصية إلى كيس الصفن، واللجوء إلى إزالتها بالكامل.
- انكماش الخصية أو عدم نموّها للحجم الطبيعيّ.
العلاج الهرموني للخصية الهاجرة
يُوصَى في حالاتٍ معيّنة من الإصابة بالخصية الهاجرة باستخدام هرمونات موجهة الغدد التناسلية المشيمائية (Human chorionic gonadotropin or hCG)، أو هرمون مطلق لموجهة الغدد التناسلية (Gonadotropin-releasing hormone or GnRH) بهدف تحفيز خلايا لايديغ البينية (Leydig-cells) في الخصيتين لإنتاج هرمون التستوستيرون (Testosterone)، وتحريض نزول الخصية إلى كيس الصفن،[2] كما في حالات الخصية الهاجرة المصاحبة لمتلازمة برادر- ويلي (Prader-Willi syndrome)، إذ يُحبّذ استخدام العلاج الهرمونيّ في هذه الحالة لتجنيب الطفل الذي يعاني ضعف في العضلات وتدهور التنفس للتخدير العام خلال الجراحة.[4]
عمومًا، يُعدّ استخدام العلاج الهرمونيّ في علاج الخصية الهاجرة أقل كفاءةً من العلاج الجراحي، كما أنّه قد يتسبّب في ظهور آثارٍ جانبيّة خطِرة على المصاب، الأمر الذي يفسّر سبب إعطاء الأولوية لاستخدام الإجراء الجراحيّ في علاج الخصية الهاجرة في حالة عدم وجود أي سببٍ يمنع ذلك.[2]
الخصية الهاجرة عند الرجال
تُشخَّص العديد من حالات الإصابة بمشكلة الخصية الهاجرة في بلدان الدول النامية بعد بلوغ سنّ الرشد، وفي هذه الحالة، قد تزداد خطورة تعرّض الرجل لعددٍ من المشكلات، كتطوّر الورم السرطاني الخبيث، وفقدان وظيفة الخصية الهاجرة، وتراجع تكوّن الحيوانات المنوية، واختلال وظيفة الغدد الصمّاء،[3] ويحدّد الأطباء العلاج الملائم لمشكلة الخصية الهاجرة عند الرجال تِبعًا لطبيعة الحالة:[7]
- إعطاء الأولوية لجراحة استئصال الخصية (Orchiectomy) لتقليل خطورة ظهور الورم الخبيث في حال كانت مشكلة الخصية الهاجرة تؤثر في إحدى الخصيتين لدى مريض لم يتجاوز الخمسين من عمره، ويمكن الإحساس بوجود الخصية لديه خلال الفحص السريري، باستثناء حالاتٍ معيّنة يجب فيها تجنّب إجراء هذه الجراحة، كحالات ارتفاع خطورة حدوث الوفاة بسبب الجراحة، ووجود مشكلات تتعلّق بنوعيّة حياة المصاب.
- إعطاء الأولويّة لاستخدام جراحة تثبيت الخصية في علاج مشكلة الخصية الهاجرة التي تؤثر في كِلا الخصيتين لدى شخص لم يتجاوز الخمسين من عمره، ويمكن الإحساس بوجود الخصية لديه خلال الفحص السريري، واللجوء لعمليّة استئصال الخصية في حال كانت جراحة تثبيت الخصية مستحيلة وفقًا لظروف المصاب، وفي جميع الأحوال، يتوجب على المريض بعد جراحة تثبيت الخصية الحرص على مواصلة الفحص المنتظم للخصيتين طوال حياته.
- استخدام عملية تنظير البطن (Laparoscopy) لحالات الخصية الهاجرة لدى الأشخاص البالغين، ولا يمكن تحسُس الخصية لديهم خلال الفحص السريري، ويحدّد الطبيب بعد ذلك الإجراء الملائم للسيطرة على المشكلة، سواءً كان باستئصال الخصية، أو تثبيت الخصية بالمنظار، أو بطريقةٍ أُخرى ملائمة.
- إمكانيّة اللجوء لجراحة استئصال الخصية لحالات الخصية الهاجرة المؤثرة في الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 50 سنة، ويمكن الإحساس بوجود الخصية لديهم خلال الفحص السريري، وفي بعض الحالات يقرّر الطبيب الاكتفاء بمتابعة المصاب من كثب خوفًا من خطورة حدوث الوفاة المرتبطة بالجراحة.