يُعد امتلاك هيكل عظمي وعضلي سليم يخلو من الاعتلالات أحد أهم المؤشرات على صحة الإنسان، كما ينعكس ذلك على الصحة النفسية للفرد إذ تؤثر مشاكل العظام والعضلات في المظهر الخارجي وجماليته والقدرة على المشي باتزان، عدا عن تسببها بأمراض القلب والرئة، وتآكل المفاصل، وتشنجات عضلية مؤلمة على المدى البعيد، ومن أشهر تلك الاعتلالات تشوهات العمود الفقري، مثل انحناء العمود الفقري للامام (HyperKyphosis) أو ما يُعرف بتحدّب الظهر، وانحناء العمود الفقري أسفل الظهر -القعس- (HyperLordosis)، بالإضافة إلى الجنف أو الانحناء الجانبي في العمود الفقري (Scoliosis).[1][2]
ما هو انحناء العمود الفقري؟
يمكن تعريف انحناء العمود الفقري -الجنف- على أنّه انحناء جانبي غير طبيعي للعمود الفقري لأكثر من 10 درجات، إذ يظهر شكل انحناء العمود الفقري أشبه بحرف (C) أو(S) باللغة الإنجليزية، كما ينتشر بين صغار السن ويظهر دون سببٍ واضح في معظم الحالات.[3][4]، ويُعدّ الجنف طفيفًا عندما تترواح درجة الانحناء بين 10 -20 درجة، بينما يكون متوسط الشدة عندما تتراوح بين 20 -40 درجة، أما إذا تجاوز 40 درجة فيُصنف الجنف على أنه شديد.[5]
تبلغ نسبة انتشار مرض الجنف بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 10 إلى 16 سنة ما يقارب 2% - 4%، كما تتباين هذه النسبة بين الإناث والذكور لدى وصول درجة اعوجاج العمود الفقري إلى 30 درجة فأكثر، بواقع إصابة ذكر واحد مقابل عشرة إناث.[6]
أمّا الجنف عند الكبار فيمكن تعريفه على أنه انحناء العمود الفقري في الهيكل العظمي للبالغين بما يزيد عن 10 درجات على المستوى التشريحي العمودي (Coronal plane)، ويتضمّن عدّة أنواع، كالجنف التنكسي الأولي الناجم عن إمّا التهاب المفاصل في أقراص العمود الفقري، أو في نقطة التقاء عنيقات الفقرات مع بعضها أو كليهما، أو الجنف مجهول السبب الذي يظهر في مرحلة المراهقة ويستمر إلى مرحلة البلوغ، بالإضافة إلى الجنف التنكسي الثانوي الذي يظهر بسبب إصابة المريض باضطرابات كهشاشة العظام إلى جانب كسور في العمود الفقري أو التهاب المفاصل، أو بسبب اعتلالات أُخرى، مثل اختلاف طول الساقين، وميل الحوض.[7]
أنواع انحناء العمود الفقري
يظهر العمود الفقري في الحالة الطبيعية مستقيمًا عند النظر إليه من الخلف، أمّا في حالة الإصابة بالجنف فيبدو العمود الفقري منحنيًا إلى الجانب بسبب اعتلالات في فقراته، وقد يصاحبه بروز للصدر أو أحد ألواح الكتفين، أو عدم تناسق الكتفين والحوض، ويمكن تصنيف انحناء العمود الفقري إلى نوع هيكلي/تركيبي (Structural scoliosis) سببه مشاكل في تراكيب العمود الفقري ذاته، أو لا هيكلي (Nonstructural scoliosis) ناجم عن الإصابة باعتلالات في الأطراف السفلية، مثل اختلاف طول الساقين، أو خلع الورك التنسجي، أو الانزلاق الغضروفي، لذا فإنّ هذا النوع من الجنف يختفي بعلاج هذه المشكلات.[8]
كما يمكن تصنيف انحناء العمود الفقري الهيكلي تبعًا لمُسببها،[9] إلى نوعين رئيسيين:
انحناء الظهر مجهول السبب (Idiopathic scoliosis)
يُشكل هذا النوع حوالي 80% من مجمل حالات الجنف،[10] ويظهر خلال ثلاثة مراحل عمرية رئيسية:[11]
- مرحلة الطفولة (Infantile scoliosis)، أي الثلاث سنوات الأولى من عمر الطفل، إذ يشيع فيها ميلان العمود الفقري نحو اليسار أكثر من اليمين.
- مرحلة اليافعين (Juvenile scoliosis)، تشمل الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 4 -10 سنوات، ويشيع فيها ميلان العمود الفقري نحو الجانب الأيمن.
- مرحلة المراهقة (Adolescent scoliosis)، تشمل الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 10 -18 عامًا، ويكون ميلان العمود الفقري نحو اليمين أكثر شيوعًا بين المصابين من ميلانه نحو اليسار.
انحناء الظهر الناجم عن أسباب ثانوية (Secondary scoliosis)
يمكن الكشف عن انحناء الظهر الناجم عن أسباب ثانوية بالفحص السريري وإجراء التصوير الإشعاعي،[6] ويشمل عدّة أنواع:
- الجنف التكويني (Congenital scoliosis)، يُعد أشهر أنواع تشوهات العمود الفقري التي تحدث نتيجة اختلال في نمو الجنين، وتجدر الإشارة إلى أنه ليس من الضروري ظهورها لحظة الولادة، بل قد تتطور وتظهر لاحقًا خلال نمو العمود الفقري.[10]
- الجنف العصبي العضلي (Neuromuscular scoliosis)، ينجم عن اعتلال في الجهاز العصبي ويؤثر في العضلات، مثل الشلل الدماغي، وشلل الأطفال، وضمور العضلات، والسنسنة المشقوقة (Spina bifida).[4]
- انحناء العمود الفقري الناجم عن التعرض لإصابة مباشرة (Traumatic scoliosis)، مثل إصابات العظام كالكسور أو الخلع، أو اعتلالات في الأنسجة، مثل تعرّضها للحروق أو التقيحات.[10]
- الجنف التنكسي (Degenerative scoliosis)، هو نوع يظهر لدى كبار السن الذين يبلغون 50 عامًا فأكثر.[12]
- انحناء العمود الفقري الناجم عن تشوهات في العظام (Developmental scoliosis)، مثل التقزم (Achondroplasia)، وتكون العظم الناقص (Osteogenesis imperfecta).[11]
- انحناء الظهر الناجم عن الإصابة بورم، مثل الأورام العظمية.[11]
- الجنف الناجم عن المعاناة من بعض المتلازمات، مثل متلازمة مارفان (Marfan syndrome)، ومتلازمة داون التي يعاني ما يُقارب 8.7% من المصابين بها من مرض الجنف.[10][13]
ما هي أعراض انحناء العمود الفقري؟
تختلف شدّة أعراض الجنف تبعًا لدرجات انحناء العمود الفقري، فمثلًا لا يعاني مريض الجنف مجهول السبب الذي لا تتجاوز درجة انحناء ظهره عن 25 درجة من أعراضٍ مزعجة، كما لا يشعر عادةً بألم شديد أو بأعراضٍ عصبية،[6][10] لذا لا يمكن ملاحظة الإصابة بالجنف إلا عند رؤية انحناء القفص الصدري أو بروز في فقرات الظهر القطنية، وذلك يُسبب عدم تناسق مستوى الكتفين، وجانبي الصدر، والحوض،[14] ومن الأعراض الشائعة الأخرى التي تظهر في الحالات الأكثر شدة:
- اختلاف حجم الثديين لدى المراهقات.[13]
- غياب تناسق وضعية الجسم عند الوقوف.[13]
- الشعور بألم في الظهر، أو ألم أسفل الظهر قد يمتد إلى الساقين.[4]
- الشعور بضعف أو تعب في الظهر بعد الجلوس أو الوقوف لفتراتٍ طويلة.[4]
- مواجهة صعوبة في التنفس أو الجلوس.[4]
- ارتفاع أحد جانبي الخصر عن مستوى الآخر.[15]
- ميل الجسد إلى جهة معينة دونًا عن غيرها من الجسم، واحتكاك الساعد بمنطقة الحوض.[15]
- صعوبة إيجاد الملابس المناسبة التي تتسق مع انحناء الجسم.[15]
ما سبب انحناء العمود الفقري؟
تختلف الدراسات في تفسيرها للعوامل التي تؤدي للإصابة بالجنف مجهول السبب، فمنها ما يشير إلى الدور الجيني، كالإصابة بالطفرات أو العوامل الوراثية،[16] في حين أشارت بعض التجارب المخبرية إلى أنّ انخفاض هرمون الميلاتونين في الجسم قد يؤدي إلى الإصابة بالجنف.[17]
كيف يمكن علاج انحناء العمود الفقري؟
يعتمد علاج انحناء العمود الفقري على عمر المريض، ودرجة الانحناء، وموقع الانحناء في الظهر، بالإضافة إلى رغبة المريض في تغيير شكل ظهره، إذ يكمن الهدف الأساسي من العلاج في تحديد الانحناءات الأكثر عُرضة لأن تصبح أسوأ ومراقبتها ثم علاجها، والحرص على أن لا تزيد درجات الانحناء عن أكثر من 50 درجة عند البلوغ.[8][13]
يتلخص علاج الجنف في ثلاث خيارات أساسية:
مراقبة حالة المريض
يُنصح بالاكتفاء بمراقبة حالة المرضى غير البالغين الذين لا تزيد درجة الانحناء لديهم عن 25، لكن مع الحرص على إجراء صور إشعاعية للتحقق من عدم تفاقم حالة الانحناء، وذلك كل 6 شهور لدى المريض في مرحلة النمو السريعة (الطفولة المبكرة (0-5 سنوات) أو المراهقة (10-16 سنة))، أو كل سنة للمرضى الذين تتراوح أعمارهم بين 5 -10 سنوات، أي في مرحلة النمو الأقل سرعة.[13][17]
استخدام جهاز تقويم العمود الفقري
يلجأ الأطباء لتقويم انحناء العمود الفقري الذي يتراوح بين 25 و50 درجة لدى المرضى في مرحلة الطفولة، وتجدر الإشارة إلى أنّ أجهزة تقويم الظهر لا تعالج الانحناء أو تصححه، بل يقتصر تأثيرها في منع الانحناء أن يزداد سوءًا حتى يكتمل تكوُّن أو نمو الهيكل العظمي.[8][13]
يرتبط الحصول على نتيجة جيدة بعد استخدام جهاز تقويم العمود الفقري على مدى التزام المريض باستعماله يوميًا، إذ يجب ارتداؤه 23 ساعة حتى يكتمل نمو الهيكل العظمي،[8] من أشهر أنواع أجهزة تقويم الظهر التي يمكن استخدامها:[18]
- تقويم ميلوكي (Milwaukee brace): يتكون من قطعة بلاستيكية تحيط بالحوض، وقطعتين يدعمان الجذع الأمامي والخلفي، وينتهيان بحلقة تستند عليها الرقبة.
- تقويم بوسطن (Boston brace): يحيط بمنطقة الصدر، والظهر، والعجز، ويحتوي على فتحة خلفية.
- تقويم شارلستون (Charleston brace): مُصمم لدفع منطقة الانحناء نحو الجهة المعاكسة بما يضمن تعديل العمود الفقري، وذلك تبعًا لحالة العمود الفقري.
الجراحة لعلاج انحناء العمود الفقري
تُجرى عملية انحناء العمود الفقري لتصحيح الانحناء الذي يفوق 45 درجة لدى المرضى غير البالغين، أو الذي يزيد عن 50 درجة لدى المرضى البالغين،[13] إذ تشمل جراحة الجنف للمرضى غير البالغين عملية تثبيت أقراص العمود الفقري بالمسامير أو البراغي (Pedicle screw instrumentation)، وتجدر الإشارة إلى إمكانية اللجوء لعملية دمج الفقرات (Anterior spinal fusion) لكبح نمو فقرات الظهر ومنع انحنائها لدى الأطفال الصغار.[19]
هل انحناء العمود الفقري خطير؟
قد ينجم عن إهمال علاج الجنف لدى المراهقين مجموعة من المضاعفات التي قد تظهر لاحقًا، أهمها ازدياد حالة انحناء العمود الفقري سوءًا بمعدل 0.5 – 1 درجة سنويًا، مما يزيد شدة الألم، ويسبب تلفًا للأعصاب، واعتلالات في القلب والرئة، بالإضافة إلى ضيق في التنفس خصوصًا عندما يتجاوز الانحناء 80 درجة، وتجدر الإشارة إلى أنّ الانحناء لا يزيد من احتمالية الوفاة، إلّا أنّ تجاوز درجة الانحناء حاجز المئة قد يؤدي إلى الموت مبكرًا.[20][21]
أمّا الجنف والزواج، فقد أشارت إحدى الدراسات السريرية التي استهدفت مجموعة من النساء اللواتي خضعن لجراحة تصحيح الجنف بهدف قياس تأثيره في قدرتهن على الحمل والولادة، إلى نتيجة مفادها عدم وجود مضاعفات خلال الحمل، بالإضافة إلى قدرة هؤلاء النسوة على الولادة طبيعيًا أو عن طريق الجراحة القيصيرية دون مضاعفاتٍ تُذكر.[22]