يمرّ جسد المرأة بتغيراتٍ عِدة منذ لحظة حدوث الحمل وحتى الولادة، وقد تؤثر بعضٌ من هذه التغيرات في نظام الحياة الذي اعتادت عليه قبل الحمل، لتكون مصدرًا للانزعاج بالنسبة لها، لذلك ومع تقدم الحمل وقرب انتهائه تزداد رغبة معظم النساء في بدء ساعات المخاض والولادة حتى مع وجود بعض المخاوف البسيطة لديهنّ، إذ تنتهي رحلة الحمل بحدوث الولادة، ولكن تبدأ أيضًا فترة ما بعد الولادة التي تنطوي على حدوث تغيراتٍ عدّة تستدعي اهتمامًا خاصًّا.[1]
ما هي فترة النفاس؟
النفاس أو فترة ما بعد الولادة (Postpartum period)، هي الفترة التي تبدأ بمجرّد حدوث الولادة ونزول المشيمة، وتنتهي باستعادة جسم المرأة لحالته الطبيعية كما كان قبل الحمل تقريبًا، وعمومًا، تتراوح فترة ما بعد الولادة في معظم الحالات بين 6-8 أسابيع، ويمكن تقسيم هذه الفترة أيضًا لثلاثة مراحل تنطوي كل مرحلةٍ منها على ظهور مجموعة من التحديات التي تستدعي اعتبارات خاصّةٍ بها.[2][3]
أعراض تظهر في فترة النفاس
تظهر في فترة النفاس أعراضٌ مختلفةٌ على النساء:[3][4]
- استمرار نزول إفرازاتٍ من المهبل لأسابيع عِدة بعد الولادة الطبيعية أو القيصرية، وقد تظهر هذه الإفرازات دمويّة في الأيام الأُولى بعد الولادة، ويميل بعد ذلك لونها إلى البنيّ الفاتح ومن ثمّ الأبيض المُصفّر.
- زيادة النزيف المهبلي لبضعة أيامٍ تقريبًا بعد مضيّ أسبوع أو أسبوعين من الولادة.
- المعاناة من إعياء جسدي بعد الولادة مباشرة.
- ارتفاع ضغط الدم بسبب الشعور بالألم والإجهاد أثناء الولادة، ولكنّه يبقى ضمن المعدل الطبيعيّ، كذلك قد تتسارع نبضات القلب خلال بضع ساعات بعد الولادة بسبب التعرّض للنشوة أثناء الولادة.
- ارتفاع درجة الحرارة قليلًا لتصل 37.2 مئوية خلال الساعات الأُولى بعد الولادة، وقد يُصاحبها قشعريرة أو تعرّق شديد.
- تحفّل الثَّدي (Breast engorgement) -امتلاء الثدي بالحليب فترة الرضاعة-.
- نزول وزن الجسم بعد الولادة بسبب طرح الأنسجة ومخلفات الحمل الأُخرى (Products of conception)، وفقدان الدم، وإدرار البول.
- الشعور بألم أو تقلصات في البطن بعد الولادة.
- نزول اللّبأ (Colostrum) من الثدي – حليب الأم المرضعة الغنيّ بالبروتينات، والفيتامينات، والأجسام المضادة، والعوامل الخلطيّة (Humoral factors) الأُخرى التي تدعم المناعة في جسم الطفل حديث الولادة-.
- الإصابة بالإمساك واحتباس غازات البطن.
أعراض خطرة فترة النفاس
ثمّة مجموعة من الأعراض الخطِرة التي قد تظهر في فترة النفاس وتستدعي طلب الرعاية الطبيّة الطارئة فورًا وعدم تجاهلها،[5] أبرزها:[4][5]
- حدوث نزيف شديد من المهبل.
- صعوبة التنفس أو زيادة سرعة التنفس.
- الحمى، والمعاناة من الضعف الجسديّ الشديد الذي يُعيق القدرة على ممارسة أبسط الأنشطة.
- نوبات التشنّج.
- ألم، أو احمرار، أو انتفاخ في الربلة – باطن الساق (Calf) -، يصاحبه ضيق في التنفس أو ألم في الصدر.
- الصداع الشديد الذي يُصاحبه تشويش في الرؤية.
- نزول خثرات دم كبيرة الحجم من المهبل يفوق حجمها حجم كرة الجولف.
- مشكلات في التبوّل.
- الشعور بألم أو انتفاخ في الأثداء أو في حلمات الثدي، أو ملاحظة احمرارهما.
- ظهور أعراض العدوى في منطقة الجرح، كالألم، والانتفاخ، والاحمرار، وتكوّن القيح.
- تفاقم الشعور بألم في منطقة العجان (Perineum) أو الإصابة بعدوى في هذه المنطقة.
- نزول إفرازات مهبليّة ذات رائحة كريهة.
- المعاناة من الاكتئاب الشديد، أو الميل للسلوكيّات والأفكار الانتحاريّة.
- مواجهة ألم أثناء التبول، أو صعوبة تفريغ المثانة، أو تكرار الحاجة للتبوّل.
- وجود كتلة صلبة في الثدي.
- الحزن أو التعب الشديد، أو مواجهة صعوبة أثناء عناية الأم بنفسها أو بطفلها.
مشكلات شائعة فترة ما بعد الولادة
تواجه النساء أحيانًا مشكلات مختلفة خلال فترة ما بعد الولادة:[2][6]
- اكتئاب ما بعد الولادة، يُطلَق عليه أيضًا الكآبة النفاسية (Baby blues)، وهو اكتئاب تعانيه بعض النساء بعد الولادة، وغالبًا ما يظهر خلال الشهور الثلاثة الأولى بعد الولادة، وقد يصاحبه أعراض مختلفة تتراوح بين المتوسطة إلى الشديدة، كالقلق، والحزن، وتقلبات المزاج، والهياج، والبكاء، والشعور بالذنب، وفقدان التركيز، والتفكير بالموت أو الانتحار، ويُعرف بأنّ عدم تلقي العلاج الملائم في حالات الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة قد يعني أحيانًا استمرار الاكتئاب لشهورٍ أو سنواتٍ عِدة، كما أنّ إهمال العلاج قد يزيد أيضًا من خطورة الميل لإيذاء النفس أو الطفل المولود.
- السلس البولي (Incontinence)، تزداد احتماليّة حدوث السلس البولي خلال فترة ما بعد الولادة بتأثير عوامل عِدة، كالتدخين، والسمنة، وكثرة الإنجاب، والرضاعة الطبيعيّة لفتراتٍ مطولة، واستخدام الملاقط أثناء الولادة الطبيعيّة، إذ يحدث سلس الإجهاد (Stress incontinence) بعد الولادة بسبب تعرّض عضلات أرضيّة الحوض للإصابة أثناء الولادة، أو بسبب تمدّد هذه العضلات بشِدة، ويُنصح في حالات الإصابة بالسلس البوليّ ممارسة تمارين كيجل، وتخفيف الوزن، والتمرّن على تنظيم إفراغ المثانة.
- البواسير (Hemorrhoids)، قد تظهر البواسير بسبب الدفع والشدّ القويّ أثناء الولادة، أو أنّها قد تظهر بسبب الإصابة بالإمساك، ومن الممكن أن يساعد استخدام المُليّنات، وتناول الألياف الغذائيّة، وشرب كميات أكبر من الماء على حل مشكلة البواسير خلال فترة النفاس، ومع ذلك قد تستدعي بعض الحالات الشديدة اللجوء للإجراءات الطبيّة.
ما هي حمى النفاس؟
حمى النفاس أو حمى ما بعد الولادة (Postpartum fever)، هي واحدة من المشكلات الشائعة -نوعًا ما- في فترة النفاس، والمُتمثّلة بوصول درجة حرارة الجسم لـ 38.7 مئوية أو أكثر خلال 24 ساعة الأُولى بعد الولادة، وقد تظهر حمى النفاس أيضًا عند ارتفاع درجة حرارة الجسم وتجاوزها 38 مئوية خلال أي يومين من الأيام العشرة الأُولى بعد الولادة، ويُشار إلى وجود مجموعة من الأسباب التي قد تؤدي إلى زيادة احتماليّة الإصابة بحمّى النفاس، أهمّها إنتان النفاس (Puerperal sepsis)، والتهاب بطانة الرحم (Endometritis)، وعدوى المسالك البوليّة، والعدوى التي تؤثر في جرح العمليّة القيصرية، والملاريا، والتهاب الوريد الخثاري الانتاني (Septic thrombophlebitis)، والتهاب الثدي (Mastitis)، والانخماص الرئوي (Atelectasis).[7][8]
قد تظهر أعراض حمّى النفاس شبيهة بأعراض مشكلاتٍ أُخرى من غير المعتاد ظهورها فترة النفاس، كالتهاب الزائدة الدوديّة، والتهاب الرتوج (Diverticulitis)، لذلك يجب الأخذ بعين الاعتبار مراجعة الطبيب فورًا عند الإصابة بالحمى إلى جانب الشعور بألم في البطن غير مُعتاد، وذلك لاستبعاد الإصابة بمشكلاتٍ أُخرى لا علاقة لها بالنفاس، وتستدعي تلقّي العلاج اللّازم فورًا.[7][9]
أعراض حمى النفاس
تُصاحب حمى النفاس أعراض مختلفة إلى جانب ارتفاع درجة حرارة الجسم،[7] لعلّ أبرزها:
- إنتان النفاس، وقد يُصاحبه ألم في الحوض، ونزول إفرازات مهبليّة غير طبيعيّة، مع انبعاث رائحة كريهة لهذه الإفرازات.[10]
- التهاب بطانة الرحم، والذي يتسبب أحيانًا في ظهور أعراض مختلفة، كالصداع، والقشعريرة، وألم في الجزء السفلي من البطن، بالإضافة إلى تقيح السائل النفاسي (Lochia)، ورائحته الكريهة ونزوله بغزارة.[11]
- عدوى شق العملية القيصريّة، وغالبًا ما يُصاحبها ألم عند لمس الجرح، وملاحظة احمراره، ونزول القيح منه، وانتفاخ موضع الجرح.[12]
- عدوى المسالك البولية، إذ قد تسبّب هذه العدوى مشكلاتٍ عِدة، كالشعور بألم عند التبول، وصعوبة بدء التبول، والحاجة الملحّة والمفاجئة للتبول، وتكرار التبول، ونزول الدم مع البول، والقشعريرة، والغثيان، والتقيؤ، وألم الظهر.[13]
- التهاب الوريد الخثاري الإنتاني، والذي يمكن ملاحظته كانتفاخ وألم واحمرار في الوريد المصاب، إلى جانب نزول الصديد موضع إدخال القسطرة، وقد يصل الالتهاب إلى مرحلة التسبب بصدمة إنتانية (Septic shock).[14]
- التهاب الثدي، وقد يظهر التهاب الثدي كألم وانتفاخ واحمرار وارتفاع درجة حرارة الثدي.[15]
- الانخماص الرئوي، الذي يتسبّب في إثارة أعراض مختلفة، كالسعال، وزيادة إنتاج البلغم، وتسارع التنفس، وتغيّر صوت النفس أو غيابه.[16]
- الملاريا، إذ قد يُصاحبها أعراض تختلف من حالةٍ لأُخرى، كالقشعريرة، والصداع، وألم العضلات، والغثيان، والتقيؤ، والإسهال، وألم البطن، والسعال.[17]
نصائح بعد الولادة
تبذل المرأة مجهودًا جسديًّا كبيرًا أثناء الولادة وتقديم الرعاية لمولودها، لذلك من المهم جدًّا أن تتمكّن من استعادة قوّتها، وتوازنها، والمحافظة على صحّتها خلال فترة ما بعد الولادة، وأثناء تكيفها مع وجود رضيعها،[5] ويتطلّب ذلك منها اتباع مجموعة من التوصيات بعد الولادة:
- الحصول على القدر الكافي من الراحة، ومن الطبيعي أن تكتفي المرأة في فترة النفاس بمجرّد تناول طعامها، والنوم، والعناية بطفلها.[18]
- اتباع تعليمات الطبيب حول طبيعة مستوى النشاط والحركة المسموح بها خلال فترة النفاس.[18]
- الامتناع عن ممارسة الجماع لمدّة 4-6 أسابيع بعد الولادة، وقد تمتدّ هذه المدّة لفترة أطول في حال الخضوع للولادة القيصريّة، أو التعرض لتمزق منطقة المهبل أثناء الولادة، كذلك في حال الخضوع لإجراء شق العجان (Episiotomy) – شق صغير في منطقة المهبل يُجريه الطبيب أثناء الولادة لتوسيع فتحة المهبل -، وعمومًا، غالبًا ما تتمكّن المرأة من ممارسة الجماع بعد الولادة عند شعورها بالاستعداد التام وضمان التئام الجروح الناجمة عن الولادة.[4][18]
- تلقّي الدعم والمساعدة من الزوج، والعائلة، والأصدقاء.[5]
- تناول وجبات الطعام الصحيّة والمتوازنة.[5]
- الحرص على شرب الماء وتناول كميّة أكبر من الطعام في حالة الاعتماد على الرضاعة الطبيعيّة للطفل.[5]
- الاستمرار بتناول مكمّلات الحديد وحمض الفوليك لمدة 3 أشهر بعد الولادة.[5]
- استشارة اختصاصي التغذية لضمان الحصول على معلومات صحيحة حول طبيعة الوجبات الغذائيّة المتوازنة التي يجب تناولها في حالات النحافة الشديدة.[5]
- اتباع مجموعة من الإجراءات في فترة النفاس بعد الولادة الطبيعيّة، مثل وضع كمادات باردة على منطقة المهبل خلال 24 ساعة الأولى بعد الولادة، وتكرار غسل منطقة المهبل بالماء الدافئ بضع مراتٍ خلال اليوم، والجلوس في مغطس يحتوي الماء الدافئ - حمَّام المِقعدة (Sitz bath) -، واستخدام بخاخ أو كريم لتخدير الألم في منطقة المهبل، والجلوس على وسادة شبيهة بالحلقة.[4]
- اتباع مجموعة من النصائح في فترة النفاس بعد الولادة القيصريّة، كالتواصل مع الطبيب عند ملاحظة احمرار جرح العمليّة أو نزول السوائل منه، والتعامل بحذر مع الخيوط المُستخدمَة في خياطة الجرح، وتجنّب فركها أثناء الاستحمام، كما يجب عدم حمل الأشياء الثقيلة أو ممارسة الأنشطة العنيفة لمدّة لا تقلّ عن 6 أسابيع بعد الولادة، والابتعاد عن وضع أي شيء داخل المهبل لمدّة لا تقل عن أسبوعين بعد الولادة، بما في ذلك السدّادات القطنيّة، وتجنب الجماع لستة أسابيع على الأقل.[4]