تُعرّف الكيسة (Cyst) على أنّها جيبٌ مغلق أو كيسٌ من النسيج المملوء بسائل، أو هواء، أو صديد، أو أي مادّة أُخرى، والتي قد تظهر في أجزاءٍ مختلفة من الجسم،[1] بينما يُطلق مصطلح الخُراج (Abscess) على حصر الصديد (Pus) وتجمّعه في الأنسجة، وغالبًا ما ينجم عن الإصابة بعدوى بكتيريّة، ويُسهم في إثارة الألم موضع ظهوره.[2]
في الحقيقة، تُمثل مشكلة أكياس وخراجات غدّة بارثولين المصحوبة بظهور أعراض حوالي 2% من مُجمل الحالات التي ترتاد عيادات اختصاصيّي الأمراض النسائيّة سنويًّا، وغالبًا ما تظهر هذه المشكلة لدى النساء في سنّ الإنجاب.[3]
ماهي غدة بارثولين؟
تُعدّ غدة بارثولين (Bartholin’s gland)، التي تُعرف أيضًا باسم الغدة الدهليزية الكبرى (Greater vestibular glands)، أحد الأعضاء الأساسيّة المهمة في الجهاز التناسلي الأنثويّ، والتي تلعب دورًا مهمًّا في إنتاج الإفرازات المخاطيّة التي تساعد في ترطيب المهبل والفرج (Vulva).[4]
يُشار إلى وجود اثنتين من غدد بارثولين لدى كلّ امرأة تقعان بطريقة متماثلة في الجزء الخلفي من فتحة المهبل، ويبلغ متوسّط قطر الواحدة من هذه الغُدد حوالي 0.5 سم – حجم حبة البازلّاء تقريبًا -، وحقيقةً وُصِفت غُدد بارثولين للمرة الأُولى في القرن الـ 17 للميلاد من خبير التشريح الدنماركي كاسبر بارتولين (Caspar Bartholin).[5]
ما هي كيسة بارثولين؟
كيسة بارثولين أو كيس بارثولين (Bartholin cysts)، هي الكيسة التي تظهر عادةً كانتفاخ أو تكتّل في أحد جانبيّ فتحة المهبل نتيجة حدوث انسداد في فتحة غدّة بارثولين، وتكون هذه الكيسة مملوءة بالسائل أو المخاط، وفي بعض الحالات تنتشر العدوى في السائل المتجمّع داخل الكيسة مُسبّبةً تكوّن خراج غدّة بارثولين (Bartholin Gland Abscess)، وتُعدّ عدوى المكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميثيسيلين -مارسا- Methicillin-resistant Staphylococcus aureus MRSA) واحدةً من أكثر أنواع العدوى التي تُسبّب تكوين هذا النوع من الخراجات.[6][7]
أعراض كيس بارثولين
قد لا يُصاحب ظهور كيس بارثولين تطوّر أيّة أعراض في حال كان الكيس المتكوّن صغير الحجم وغير التهابيّ، إذ يعبّر كيس بارثولين عن حدوث انسداد لا يُثير الأعراض وغالبًا ما يُكشَف عن وجوده مصادفةً أثناء فحص الحوض أو التصوير التشخيصي،[5][8] ولكن قد تؤثر الأكياس الأكبر حجمًا في الجماع بسبب إثارتها ألمًا أو شعورًا بالضغط، كما أنّها قد تُعيق القدرة على المشي بأريحيّة، وقد تتسبب كيسة بارثولين أيضًا في انتفاخ الشفران الكبيران (Labia majora) الذي ينجم عنه عدم تناسق في مظهر الفرج الخارجي.[6]
غالبًا ما تُثير الخراجات المتكوّنة في غدّة بارثولين أعراضًا مختلفة:[4][6]
- ظهور انتفاخ مثير للألم الشديد في أحد جانبيّ الفرج، وتتسبّب هذه الأعراض في إعاقة الجلوس، والمشي، والجماع.
- ارتفاع درجة حرارة الجسم (الحمّى).
- خروج إفرازات مهبليّة.
- احمرار في الجلد وتجمع للسوائل حول الكيس في منطقة الفرج.
- خروج مجموعة من الإفرازات تلقائيًا يليها تحسّن الأعراض فجأة.
- الإصابة بإحدى الأمراض المنقولة جنسيًّا بالتزامن مع ظهور خرّاج بارثولين.
- ظهور مضاعفات نادرة جدًّا يصعُب تفسير حدوثها، مثل الناسور المستقيمي المهبلي (Rectovaginal fistula)، أو ناسور قناة بارثولين المستقيمي (Recto-Bartholin’s duct fistula).
أسباب كيس بارثولين
قد يظهر كيس بارثولين دون وجود أيّة أسباب واضحة تفسّر ظهوره، ومع ذلك ثمّة عوامل مختلفة قد تُسهم في حدوث انسدادٍ حميد في غدّة بارثولين، كالتعرّض لإصابة في منطقة وجودها، أو الخضوع لإجراء بضع الفرج (Episiotomy)، كذلك في حالة الولادة،[8] وتجدر الإشارة إلى أنّ ظهور مُعظم حالات تكوّن كيسة بارثولين يبدأ بعد مرحلة البلوغ لدى الأنثى بينما تقلّ احتماليّة ظهور هذه المشكلة بعد تجاوز مرحلة انقطاع الطمث.[3]
غدة بارثولين والجماع
تُنتج غدد بارثولين المخاط لترطيب المهبل عند التعرّض للإثارة الجنسيّة،[9] لذلك قد تساعد إفرازات هذه الغدد على توفير خاصيّة التزليق الملائم لتسهيل الجماع.[10]
ومن جانبٍ آخر قد تؤثر مشكلات غدة بارثولين كثيرًا في جودة حياة المرأة وعلاقتها الزوجيّة، إذ لوحظ في حالاتٍ نادرة بأنّ كيسة بارثولين كبيرة الحجم قد تكون سببًا في إثارة الشعور بالانزعاج أثناء الجماع، أو أنّها قد تكون سببًا في تشوّه مظهر الفرج لدى المرأة، كذلك يُصاحب ظهور خراجات غدّة بارثولين أعراضًا شديدة قد تُعيق ممارسة الجماع بالفعل، كوجود انتفاخ وألم شديد في منطقة وجود الخرّاج.[4]
علاج كيسة بارثولين
قد تبقى كيسة بارثولين دون علاج في حال لم يُصاحبها ظهور أيّة أعراض واضحة على المرأة المُصابة،[5] ومن جانبٍ آخر تُعالَج حالات الإصابة بكيسة بارثولين المصحوبة بظهور أعراض مزعجة باتباع طرق مختلفة يعتمد اختيارها على عمر المرأة، وطبيعة الأعراض التي تعانيها،[6] ومن هذه الطرق:
- العلاج التحفظّي: قد تُستخدم بعض طرق العلاج التحفّظي للسيطرة على أعراض كيس أو خراج غدّة بارثولين في حال كانت هذه الأعراض طفيفة ومصحوبة بحدوث تصريفٍ تلقائي لمحتويات الكيس أو الخرّاج،[3][6] ومن الطرق التحفظيّة:[3]
- الجلوس في الماء الدافئ - حمام المِقعدة (Sitz bath) -.
- استخدام مسكّنات الألم.
- تصريف الخرّاج: يلجأ الطبيب في بعض الحالات إلى تسهيل تصريف مكونات الخرّاج بإجراء شقٍ صغير في الكيسة أو الخرّاج،[6] وقد يختار بعد ذلك إحدى الطرق المناسبة لعلاج مشكلة الكيس أو الخرّاج:[3][6]
- تركيب القسطرة - قسطرة وورد (Word catheter) - التي قد تحتوي في نهايتها على بالون يُنفخ ويُترك في كيس بارثولين لمدّة تتراوح بين 4-6 أسابيع لضمان تصريف مكونات الكيس أو الخراج جيدًا، ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار التأكد من عدم وجود تاريخ سابق للإصابة بردّ فعل تحسّسي تجاه مادّة المطاط أو اللاتكس (Latex) قبل البدء بتركيب القسطرة، كونها تحتوي على المطاط، ويُشار إلى أنّ الطبيب قد يعمد مرّةً أُخرى إلى إجراء شقٍّ جراحيّ في الخراج أو الكيس مع تركيب القسطرة في حال تكرّر ظهور خراج بارثولين، ولكن في هذه الحالة يُضيف المضادّات الحيويّة لخطّة العلاج، مثل تريميتوبريم – سلفاميتوكسازول (Trimethoprim / Sulfamethoxazole)، وعمومًا قد يؤخذ بعين الاعتبار استخدام المضادات الحيوية في حال فشل علاج كيس بارثولين بتركيب القسطرة، كذلك في الحالات التي يعاني فيها المريض من الحمّى أو تسمّم الدم، أو عند ارتفاع خطورة تكرار ظهور كيسة بارثولين مرّةً أُخرى.
- التوخيف (فتح الخراج أو التجيُّب) (Marsupialization)، وتنطوي عمليّة التوخيف على إجراء شقّ في الكيس بجانب غشاء البكارة ثم قَلب الحواف بواسطة الملاقط وخياطتها على السطح الطلائي للخلايا.
- إجراءات طبيّة أُخرى: تتوفّر أنواعٌ مختلفة من الإجراءات الطبيّة الأقل شيوعًا لعلاج كيس بارثولين، مثل الاجتثاث باستخدام نترات الفِضّة (Silver nitrate ablation)، والتبخير باستخدام ليزر ثنائي أكسيد الكربون (Carbon dioxide laser vaporization)، ووضع حلقة جاكوبي (Jacobi ring placement)، كما تُعدّ جراحة استئصال غدّة بارثولين خيارًا أخيرًا يُستخدم في علاج كيس بارثولين في حال فشلت الطرق الأُخرى في العلاج.[3]
وفق دراسة نُشرت في مجلة (Journal of Education, Health and Sport) عام 2022 ميلادي فإنّ طريقة التوخيف (التجيّب) أو قسطرة (Word) بعد تصريف الكيس تُستخدمان في مُعظم حالات الإصابة بكيسة بارثولين، أي أنّها من أكثر طرق علاج هذه المشكلة شيوعًا للاستخدام في حالات ظهور كيس بارثولين،[11] وبحسب دراسة حالة مرَضية (Case report) نُشرت في مجلة (Open Access Macedonian Journal of Medical Sciences) عام 2021 ميلادي فإنّ الجمع بين طريقة العلاج بواسطة قسطرة وورد المُعدّلة (Modified word catheter) والمضادات الحيويةّ قد يُسهم في علاج خرّاج بارثولين ببساطة وفعاليّة في حال كان ناجمًا عن الإصابة بالتهاب المهبل البكتيري (Bacterial Vaginosis).[12]
علاج كيس بارثولين لدى الحوامل والنساء فوق سن الأربعين
تُعالج مشكلة كيس أو خراج بارثولين لدى الحوامل بذات الطريقة المتّبعة في علاج المشكلة لدى النساء غير الحوامل، ولكن يُستثنى في هذه الحالة خيار استئصال غدّة بارثولين، كونها قد تزيد من خطورة حدوث النزيف.[3]
غالبًا ما تُستخدم الجراحة عند علاج كيس بارثولين أو الخراج الذي يظهر حديثًا لدى النساء اللواتي تجاوزن الأربعين بهدف أخذ خزعة من النسيج وفحصه لاستبعاد الإصابة بسرطان الفرج، أو بغرض الاستئصال والعلاج، ومع ذلك لا تستدعي كيسات بارثولين القديمة والتي لا يُصاحبها ظهور أيّة أعراض أو تغيّر في المظهر اللجوء لجراحة الخزعة أو الاستئصال لدى النساء فوق سنّ الأربعين.[6]
متى تختفي غدة بارثولين؟
تختفي غدّة بارثولين بإزالتها عند الخضوع لجراحة الاستئصال بسبب فشل الطرق العلاجيّة الأُخرى في السيطرة على أعراض كيس بارثولين أو الخراج المتكوّن فيه، وقد يترتّب على جراحة استئصال غدّة بارثولين في بعض الحالات ظهور مضاعفات مختلفة، كحدوث النزيف، والإصابة بالعدوى، والمعاناة من الألم، وظهور مضاعفات التخدير العام.[13]
وبالحديث عن اختفاء كيسة غدّة بارثولين، يمكن القول بأنّ اختفاء كيسات بارثولين قد يحدث بعد الخضوع للعلاج الطبي أو العلاج التحفظي، فعلى سبيل المثال، قد تختفي كيسات غدّة بارثولين المصحوبة بظهور أعراضٍ طفيفة أحيانًا بعد مضيّ بضعة أيام على الخضوع للعلاج التحفّظي، غير أنّ هذه الكيسات قد تعاود الظهور مرّةً أُخرى، وفي هذه الحالة يتوجّب على الطبيب وضع خطّة علاجيّة مدروسة لضمان عدم تكرار ظهور الكيس أو الخراج في الغدّة.[3][10]