تُستخدم تقنية طفل الأنابيب (In vitro fertilization) وتقنيات التلقيح بالمساعدة عمومًا في الحالات التي تعاني من مشكلات في الخصوبة والإنجاب، وقد شهد عام 1978 ميلادي إجراء أول عملية طفل أنابيب ناجحة على البشر، ومنذ ذلك الوقت تطورت عملية أطفال الأنابيب تطورًا واضحًا، ووصلت إلى جميع أنحاء العالم، وأصبحت واحدة من أكثر تقنيات التلقيح بالمساعدة شيوعًا، إذ أُنجب منذ 1978 ميلادي أكثر من 5 ملايين طفل حول العالم باستخدام تقنية أطفال الأنابيب، وقد يتخلل خطوات عملية أطفال الأنابيب الاستعانة بتقنيات أخرى، مثل الحفظ بالبرودة/التجميد (Cryopreservation)، والحقن المجهري (ICSI).[1][2]
ما هو الحقن المجهري؟
يُعدّ الحقن المجهري (Intracytoplasmic sperm injection (ICSI)) أحد تقنيات التلقيح المتمثلة بحقن حيوان منوي واحد في سيتوبلازم (Cytoplasm) البويضة الأنثوية، وقد ابتُكرت تقنية الحقن المجهري في عام 1992 ميلادي لاستخدامها في حالات العقم عند الذكور أو ضعف الإخصاب.[3][4]
ما هي دواعي إجراء الحقن المجهري؟
يُستخدم الحقن المجهري في حالات معينة:
طريقة الحقن المجهري
يوصي الطبيب في بعض الحالات باستخدام تقنية الحقن المجهري للمساعدة على الإنجاب، وهو ما يستدعي إجراء مجموعة من الفحوصات قبل البدء بالعملية، كتقييم احتياطي المبيض لدى المرأة/مخزون المبيض (Ovarian reserve)، وتحليل المني (Semen analysis)، وتصوير الجزء الداخلي من الرحم، وإجراء تحاليل للكشف عن الإصابة بأمراض مُعدية، كالتهاب الكبد الوبائي، والزهري، وعدوى فيروس عوز المناعة البشري (HIV).[2]
يعتمد تنفيذ الحقن المجهري على اتباع مجموعة خطوات مشابهة لتلك المُتبعة في عملية أطفال الأنابيب باستثناء خطوة التلقيح:
- تنشيط أو تحفيز المبيض (Ovarian stimulation): تُعطى في مرحلة تحفيز المبايض أنواع معينة من الأدوية التي تساعد على التحكم بإنتاج البويضات، مثل كلوميفين (Clomiphene)، والإبرة التفجيرية، والهرمون المطلق لموجهة الغدد التناسلية (Gonadotropin-releasing hormone)، إذ تساعد إبرة تفجير المبايض وغيرها من الأدوية على تنشيط المبايض لإنتاج عدد أكبر من البويضات، وفي الأثناء يوصى بمراقبة المبايض وتقييمها باستخدام التصوير بالموجات فوق الصوتية عبر المهبل (Transvaginal ultrasounds)، كذلك يستدعي الأمر إجراء تحاليل الدم بهدف فحص مستوى الهرمونات.[7][8]
- سحب أو استخراج البويضات (Oocyte retrieval): تنطوي خطوة استخراج البويضات على إدخال إبرة رفيعة موصولة بجهاز شفط عبر المهبل بهدف سحب البويضات إلى خارج الجريبات (Follicles) الموجودة في المبايض، وقد يُصاحب هذا الإجراء الشعور بالمغص الذي سرعان ما يزول خلال يوم بعد الانتهاء منه، وتجدر الإشارة إلى أنّ بعض الحالات النادرة تستدعي اللجوء لتقنية تنظير الحوض للحصول على البويضات.[7][8]
- سحب الحيوان المنوي (Sperm Retrieval): تتوفر مجموعة من التقنيات المستخدمة لاستخراج الحيوان المنوي قبل البدء بخطوة الحقن المجهري، كشفط الحيوانات المنوية من البربخ عن طريق الجلد (Percutaneous epididymal sperm aspiration (PESA))، وشفط الحيوانات المنوية من البربخ عن طريق الجراحة المجهرية (Microsurgical epididymal sperm aspiration)، وسحب الحيوانات المنوية من الخصية (Testicular sperm aspiration)، وفتح الخصية جراحيًا لاستخراج الحيوانات المنوية (Open testicular sperm extraction).[6]
- التلقيح (Insemination) والإخصاب (Fertilization): تمثل هذه الخطوة الفرق بين الحقن المجهري وأطفال الأنابيب، إذ يُحقن الحيوان المنوي مباشرة في البويضة ضمن عملية الحقن المجهري، وتجدر الإشارة إلى أهمية حقن حيوان منوي واحد في كل بويضة بهدف تجنب إخصاب البويضة بحيوان منوي غير طبيعي.[7][8]
- زراعة الأجنة مخبريًا (Embryo culture): تُحضن البويضات المخصبة في مرحلة زراعة الأجنة لمدة تتراوح بين 2-5 أيام بعد حقنها بالحيوان المنوي، وفي الأثناء تنقسم البويضة المخصبة انقساماتٍ عِدة لتكوين الجنين (المضغة).[7][8]
- نقل الأجنة للرحم (Embryo transfer): يُنقل واحد أو أكثر من الأجنة إلى تجويف الرحم بعد مضي 3-5 أيام على سحب البويضات والإخصاب، إذ يُحدد عدد الأجنة المنقولة إلى الرحم بالاعتماد على عمر المرأة، وفرصة استجابتها للتلقيح الاصطناعي.[7][8]
ما هي علامات نجاح الحقن المجهري؟ ومتى تظهر؟
تُشير نتائج دراسة نُشرت في مجلة (Fertility and sterility) في عام 2018 ميلادي إلى إمكانية التنبؤ بنجاح الحمل عن طريق قياس مستوى هرمون موجهة الغدد التناسلية المشيمائية (β-hCG) في الدم بعد مضيّ 5-6 أيام على نقل الأجنة،[9] كذلك يمكن تأكيد نجاح الحقن المجهري بملاحظة أعراض الحمل المبكرة:[10][11]
- نزيف خفيف من المهبل.
- تورم الثديين أو الشعور بحساسية وألم عند لمسهما.
- الإعياء.
- كثرة التبول.
- التقيؤ والغثيان.
- انتفاخ البطن أو الجسم.
- ألم الظهر.
- آلام الحوض.
- الحكة في الجسم.
- تشنجات الساقين.
- انقباضات الرحم.
- حكة في المنطقة التناسلية.
شروط نجاح الحقن المجهري
يعتمد نجاح الحقن المجهري على توفر شروط عِدة:[12][13]
- نقل أجنة ذات جودة عالية إلى الرحم، إذ لوحظ أنه كلما كانت جودة الجنين المنقول إلى الرحم أفضل، زادت احتمالية حدوث الحمل، وقلت احتمالية فشل الحقن المجهري.
- تخفيف الوزن الزائد، إذ يسهم تنزيل الوزن في تحسين نوعية المني وتعزيز الخصوبة لدى الزوج، بينما تؤثر سمنة وزيادة وزن الرجل سلبًا في سلامة الحيوانات المنوية داخل الخصية.
- تجنب التدخين قدر الإمكان من الزوج أو الزوجة، إذ قد يؤثر التدخين سلبًا على جودة الحيوانات المنوية لدى الرجل، كذلك فهو قد يقلل الخصوبة لدى الأنثى، ويقلل سماكة بطانة الرحم لديها في موعد نقل الأجنة، وقد يسهم التدخين أيضًا في زيادة خطورة حدوث الإجهاض.
- عدم إغفال عمر الزوجة، إذ يوصى بإجراء الحقن المجهري قبل بلوغ الزوجة عمر 37 عامًا لرفع معدل نجاح الحمل.
مميزات الحقن المجهري
يتميز الحقن المجهري عن غيره من تقنيات التلقيح بالمساعدة بمجموعة من المزايا:
- إمكانية إجراء الحقن المجهري عند توفر عينة الحيوان المنوي الحي (Spermatozoon) بغض النظر عن حركة الحيوان المنوي، أو شكله، أو كميته.[5]
- يُعد الحقن المجهري خيارًا مناسبًا في حالات العقم الشديدة عند الذكور، والتي تنجم عن تغير سمات الحيوان المنوي.[5]
- استخدام الحقن المجهري في حالات فشل حدوث الإخصاب بتقنيات التلقيح بالمساعدة الأخرى.[3]
- يُقبَل إجراء الحقن المجهري في حالات انخفاض عدد البويضات، أو تشوه شكل البويضات، أو تعدد التلقيح المفرط (Excess polyspermia)، كذلك قد يكون الحقن المجهري خيارًا مطروحًا في حالة التشخيص الوراثي قبل زرع الأجنة (Preimplantation genetic diagnosis)، أو تجميد البويضات (Oocyte cryopreservation)، أو الإنضاج في المختبر (In vitro maturation).[14]
- استخدام الحقن المجهري في حالات العقم مجهولة السبب قد يرافقه ارتفاع نسبة حدوث الإخصاب وفق دراسة نُشرت في مجلة (Fertility and sterility) عام 2020 ميلادي.[15]
عيوب الحقن المجهري
في ظل شعبيته المتزايدة والتوجه العالمي نحو طرق التلقيح الصناعي، لا بُدّ من الإشارة إلى عيوب ومخاطر الحقن المجهري:
- الحمل بالتوائم.[16]
- التكلفة العالية للحقن المجهري، خصوصًا في حال الحاجة لإجراؤه مرة أُخرى.[8][17]
- القلق والحالة النفسية المضطربة التي تعاني منها الزوجة، سواءً قبل إجراء الحقن المجهري (ICSI) أو خلاله أو بعده؛ ترقبًا للنتائج.[18]
- فرط تحفيز المبايض (ما يُعرَف بمتلازمة فرط تحفيز المبايض) بسبب العلاجات والأدوية التي تتناولها الزوجة في المراحل التحضيرية قبل الحقن المجهري.[8]
- الحاجة لإعادة الإجراء مرة أُخرى بسبب فشله في المرة الأُولى، وذلك على الرغم من نِسب النجاح العالية التي يحققها الحقن المجهري بثبوت الحمل، لكن ذلك قد يحدث أحيانًا.[17]
- الولادة المبكرة أو الإجهاض وفق دراسة نُشرت في مجلة (Frontiers in Public Health) عام 2014 ميلادي.[19]
أمّا سحب الحيوانات المنوية فقد يترتّب عليها حدوث مضاعفات ومخاطر مختلفة:
- آثار جانبية قد تهدأ خلال أسبوع بعد العملية، مثل تورم كيس الصفن، وظهور كدمة مكان الجرح، والشعور بانزعاج خفيف.[20]
- التورم الدموي (Hematoma).[21]
- العدوى.[21]
- تليف برانشيمي في الخصية (Testicular parenchymal fibrosis).[21]
- ضمور الخصية (Testicular atrophy).[21]
- انخفاض مستوى التستوستيرون (Testosterone) بنسبة 20% أو أكثر، وقد يتطلب عودته لمستوياته الطبيعية فترة لا تقل عن 12 شهرًا بعد العملية.[21]
نسبة نجاح الحقن المجهري
تعادل نسبة المواليد الأحياء بعد إجراء الحقن المجهري 33.3% وفق إحصائيات نشرتها مجلة (Frontiers in Medicine) في عام 2021 ميلادي،[22] كما ذكرت مراجعة نُشرت في (Cochrane database of systematic reviews) عام 2023 ميلادي بأنّ احتمالية ولادة طفل حي بعد الخضوع للحقن المجهري تتراوح نسبته بين 30%-41%.[23]
نصائح وتوصيات مهمة بعد الحقن المجهري
توصى الزوجة باتباع مجموعة من النصائح بعد انتهاء عملية الحقن المجهري:
- الحصول على قسط كافٍ من الراحة بعد نقل الأجنة للرحم، خصوصًا في حالات ارتفاع خطورة حدوث متلازمة فرط تحفيز المبيض (Ovarian Hyperstimulation Syndrome or OHSS)، ولكن غالبًا ما تتمكن معظم النساء من العودة إلى ممارسة الأنشطة الاعتيادية في اليوم التالي لنقل الأجنة،[8] بل وقد توصلت مراجعة منهجية نشرتها مجلة (Human Fertility) في عام 2016 ميلادي إلى أنّ الراحة في الفراش بعد نقل الأجنة لم يسهم في تحسين نسب الحمل ومعدلات المواليد الأحياء، بمعنى لا تحقّق راحة الفراش المفرطة بعد نقل الأجنة أي فائدة.[24]
- تناول الأدوية أو الهرمونات بعد انتهاء الحقن المجهري ونقل الأجنة بناءً على توصيات الطبيب، إذ يوصَى عادةً باستخدام أقراص أو جرعات يومية من هرمون البروجستيرون (Progesterone) لمدة 8-10 أسابيع بعد نقل الأجنة للرحم.[8]
- التواصل مع الطبيب مباشرة في حالة الإصابة بالحمى، أو ألم في منطقة الحوض، أو نزيف غزير من المهبل، أو نزول الدم مع البول.[8]
- اتباع نظام غذائي متوازن يضمن تزويد الجسم بكافة العناصر الغذائية الضرورية، بما في ذلك الحمض الدهني أوميجا- 3.[25]
- تجنب تناول الأطعمة والمشروبات غير المبسترة.[25]
- الحد من تناول المشروبات التي تحتوي على الكافيين، والحرص على عدم تجاوز كمية الاستهلاك اليومي من الكافيين البالغة 200 ملغرام.[25]
- تجنب تناول الأطعمة والمشروبات التي تحتوي على المُحليات الصناعية.[25]
- الامتناع عن تناول المشروبات الكحولية أو التدخين.[25]
بينما يُوصى الزوج بمجموعة إرشادات بعد خضوعه لعملية استرجاع الحيوانات المنوية التي غالبًا ما تُجرى في العيادات الطبية، ويتمكن الزوج عادةً من العودة إلى منزله خلال 2-3 ساعات بعد الجراحة،[20] من أبرز النصائح والتوصيات التي قد تُفيد الزوج بعد إجراء عملية استرجاع الحيوانات المنوية:[20]
- التأكد من الخضوع لفحص طبي سريري قبل الخروج من العيادة أو المستشفى للتأكد من عدم الإصابة بالتورم الدموي في كيس الصفن (Scrotal hematoma).
- اصطحاب مرافق في موعد العملية، وتجنب قيادة المركبة لأي سببٍ كان تحت تأثير التخدير.
- إمكانية العودة لممارسة الأنشطة اليومية الاعتيادية في اليوم التالي بعد عملية الاسترجاع عبر الجلد (Percutaneous retrievals).
- الحصول على قسط كافٍ من الراحة خلال 48 ساعة بعد الجراحة المفتوحة/التقليدية لاسترجاع الحيوانات المنوية، وقد يوصي الطبيب أيضًا باستخدام كمادات باردة بوضعها على كيس الصفن.
- استخدام مسكنات الألم والأدوية اللاستيرويدية المضادة للالتهاب (Non-steroidal anti-inflammatory medications) لمدة 3-5 أيام بعد العملية إذا لزم الأمر.
- العودة تدريجيًّا لاتباع النظام الغذائي المعتاد وممارسة الأنشطة اليومية خلال 3-4 أيام بعد العملية.
- الامتناع عن كل من ممارسة الأنشطة الرياضية العنيفة، وحمل الأوزان الثقيلة، وممارسة الجماع لمدة 10 أيام تقريبًا بعد العملية.
يُنصح كل من الزوج والزوجة بمحاولة السيطرة على الإجهاد والضغط النفسي الذي يعانيانه خلال فترة تلقي العلاج، وقد تساعد معرفة معلومات أكثر حول التقنية المستخدمة وفرص نجاحها والتوقعات بعد العلاج على تخفيف هذا الضغط والإجهاد النفسي.[26]
هل الحقن المجهري آمن؟
أكدت دراسة نُشرت في مجلة (Seminars in Reproductive Medicine) عام 2015 ميلادي بأنّ الحقن المجهري يُصنّف من الإجراءات الآمنة، وذلك بعد متابعة الباحثين لحالات الحقن المجهري الناجحة ومراقبة الأطفال بعد ولادتهم، أما معدل حدوث تشوهات لدى الأجنة فيرتبط بجينات الزوجين.[14]