يتكون العمود الفقري في جسم الإنسان من حوالي 26 عظمة تُدعى الفقرات (Vertebrae)، يتخللها أقراص فقرية (Intervertebral discs) تمتد من قاع الجمجمة وحتى العصعص، إذ يكمن الهدف من وجودها في حماية الحبل الشوكي (Spinal cord) بالإضافة إلى تسهيل الحركة وزيادة مرونته من خلال دعم وضعية الجسم أثناء الوقوف أو الانحناء، إلّا أنّ إصابة العمود الفقري ببعض المشكلات التي تؤثر في هيكله الخارجي وأنسجته الداخلية تؤدي إلى زيادة الضغط الواقع على أعصاب الحبل الشوكي مما يسبب الشعور بألم مستمر قد يعيق الحركة ويحُدّ منها،[1][2] ولعلّ ديسك الظهر أحد أشهر هذه المشكلات الصحية التي تزداد احتمالية الإصابة بها مع التقدم في العمر.[1][3]
ما هو الديسك (الانزلاق الغضروفي)؟
يلعب القرص الفقري أو ما يُعرف بالديسك دورًا هامًا بين فقرات العمود الفقري، فهو بمثابة اسفنجة ماصّة للصدمات التي قد يتعرض لها العمود الفقري خلال حركة الجسم،[2] وهو يتكون من جزأين رئيسيين:[2][3]
- النواة الليبية (Nucleus pulposus)، وهي الجزء الداخلي الذي يحتوي على الكولاجين من النوع الثاني، وجزيئات البروتوجليكان (Proteoglycans) التي تحتفظ بالمياه لموازنة الضغط على القرص الفقري مما يجعله مرنًا وقادرًا على التحمل.
- الحلقة الليفية (Annulus fibrosus)، وهي الجزء الخارجي المُكوّن من الكولاجين النوع الأول ويحيط بالنواة الليبية، وتجدر الإشارة إلى أنّ بروز جزء من محتويات النواة الليبية أو جميع محتوياتها عبر الحلقة الليفية، أو تدلّي الحلقة الليفية ذاتها وانزلاقها من موضعها، يؤدي إلى الإصابة بالانزلاق الغضروفي أو الديسك المنفتق/الديسك (Herniated Disk)، ويعود ذلك إلى تسبب مكونات القرص الفقري برد فعل التهابي شديد، وتهيّج لجذور الحبل الشوكي العصبية، وتضيّق النفق الفقري، وبالتالي الشعور بألم الظهر.
يختلف الألم الذي يصاحب مرض الديسك عن ألم الظهر الاعتيادي بأنه شعور بالوخز أو ما يشبه الحرقة قد يمتد إلى الأطراف السفلية من الجسم، كما يؤدي في الحالات الشديدة إلى ضعف واعتلال في الإحساس، وعادةً ما يدل ألم الانزلاق الغضروفي الذي يشعر به المريض على إصابة سابقة تعرّض لها، بسبب التواء الظهر مثلًا أو حمل أشياء ثقيلة، ما أشعل فتيل الألم للمرة الأولى.[4]
أنواع الديسك
يمكن تصنيف الديسك/الانزلاق الغضروفي وفقًا لنتيجة التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI)، والمرحلة التي وصل إليها بروز القرص الغضروفي (الديسك)،[5][6] إذ تُقسم إلى أنواع الديسك إلى 4 مراحل أو درجات:
- المرحلة الأولى من الديسك
القرص المنتفخ (Disc bulging)، إذ يُعدّ أصعب أنواع الديسك لأنه لايترافق مع أي أعراض ويُكتشف صدفة أثناء الفحوصات، يتضمن حدوث تسطيح متساوي لجميع محتويات القرص الفقري في جميع الاتجاهات، بالإضافة إلى تكون شقوق داخلية ضمن حدود الحلقة الليفية دون أن ينفتق منها.[5][6]
- المرحلة الثانية من الديسك
تبرُز النواة الليبية (Protruded nucleus pulposus)، وتتضمن انتفاخ محتويات القرص حتى تصل حدود الحلقة الليفية، لكن دون أن ينفتق الغشاء الخارجي منها.[6][7]
- المرحلة الثالثة من الديسك
تنفتق النواة الليبية وتبرُز (Herniated nucleus pulposus (extrusion)) عبر الحلقة الليفية، إذ تنتفخ النواة الليبية وتُمزّق الحلقة الليفية وتبرز من خلالها، كما قد تمتد وتصل إلى الأقراص الفقرية المجاورة.[6][7]
- المرحلة الرابعة من الديسك
تنزلق النواة الليبية (Prolapse of the nucleus pulposus)، وهي المرحلة التي تنفصل خلالها مكونات القرص الفقري عنه.[6]
كما يمكن تصنيف الديسك/الانزلاق الغضروفي اعتمادًا على موقع حدوثه ضمن العمود الفقري:[8][9]
- فتق القرص القطني (Herniated lumbar disc)، هو انزلاق يحدث في المنطقة القطنية من العمود الفقري المكونة من 5 أقراص فقرية في نهاية العمود الفقري بموازاة البطن -قبل منطقة العصعص -، كما يُعد ديسك الفقرة الرابعة والخامسة (L4-L5) في المنطقة القطنية الأكثر شيوعًا بين مشاكل الانزلاق الغضروفي، إذ يتسبب بحالة تسمى هبوط القدم (Foot drop) بسبب الديسك الضاغط على العصب الوركي، يرافقه شعور بالخدر والألم في الجزء العلوي من القدم.
- فتق القرص العنقي (Cervical disc herniation)، هو انزلاق أحد أقراص العمود الفقري في منطقة الرقبة التي يبلغ عددها 7، إلا أنّ انزلاق الفقرة الخامسة (C5) والسادسة (C6)، أو السادسة (C6) والسابعة (C7) من أكثر مواقع ديسك الرقبة شيوعًا.
- فتق القرص الصدري (Thoracic disc herniation)، يُعدّ أقل شيوعًا من فتق القرص العنقي أو القطني، ويحدث في الفقرات الصدرية البالغ عددها 12 فقرة، وعادةً ما يحدث الانزلاق في الفقرة (T11) و(T12) على التوالي، يرافقه اعتلال نخاعي شديد في معظم الحالات، الأمر الذي يستوجب خضوع المريض للجراحة لإصلاح هذا الخلل.
أسباب الديسك
يُعدّ التقدم في السن أحد أهم الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالانزلاق الغضروفي (الديسك)، خصوصًا لدى الذكور في العقد الثالث أو الرابع من العمر، وذلك نتيجة تآكل الأقراص الفقرية في عملية يتخللها انخفاض إنتاج جزيئات البروتوجلايكان التي تحتفظ بالماء، مما يؤدي إلى تعرّض محتويات القرص الفقري للجفاف ومن ثم تلفها، وبالتالي زيادة الضغط على الحلقة الليفية المحيطة وتمزقها، يتبعه بروز النواة الليبية للخارج.[10]
من الأسباب الأخرى وعوامل الخطر التي قد تؤدي إلى الإصابة بالديسك (الانزلاق الغضروفي):
- تعرّض الأقراص الفقرية السليمة لإصابة قوية تتسبب بضغط محوري عليها، ما يؤدي إلى بروز النواة الليبية عبر الحلقة الليفية التالفة.[10]
- العمل لساعات طويلة أو الانخراط بالمهن الشاقة بدنيًا، إلى جانب التعرض المستمر للتوتر الذي قد يسود بعض بيئات العمل.[2]
- الإصابة بأمراض في النسيج الضام.[10]
- تحريك الجسم بحركات ملتوية باستمرار.[5]
- حمل الأشياء الثقيلة.[5]
- المعاناة من مشكلات تكوينية، مثل عنيقات العمود الفقري القصيرة (Short pedicles).[10]
- الوقوف أو الجلوس لساعات طويلة.[8]
- قيادة المركبات لساعات طويلة.[11]
- التدخين.[8]
- الخمول المستمر وقلة الحركة.[5]
- العامل الوراثي، كوجود تاريخ عائلي للإصابة بالانزلاق الغضروفي.[11]
- الوزن الزائد.[8]
- الإصابة ببعض الأمراض، مثل السكري وارتفاع مستوى الدهون في الدم.[11]
أعراض الديسك
قد يشعر المصاب بديسك الظهر بألم حاد في أحد جانبي الجسم أو ألم أسفل الظهر يمكن أن يمتد إلى جزءٍ واحد من الساق أو الورك، ولا يختفي هذا الألم إلّا عند الاستلقاء، ولكن أعراض الديسك تختلف عادةً حسب موضع الإصابة من الظهر،[5][8] ومن أبرز الأعراض التي تظهر على مريض الديسك:[12]
- ضعف في العضلات.
- الشعور بوخز وخدر.
- فقدان السيطرة على الأمعاء والمثانة، لا يحدث إلا في الحالات الشديدة.
الأعراض المصاحبة للديسك القطني:[13][14]
- صعوبة ثني الظهر (الجذع من الجسد) مع محدودية حركته.
- زيادة حدة الألم في الساق عند السعال أو العطاس.
- ضعف الأعصاب القطنية العجزية.
- الشعور بألم مضاعف بنسبة 40% أثناء الجلوس.
الأعراض المصاحبة لديسك الرقبة:[15]
- ألم في الرقبة.
- تشنج العضلات.
- اختلال نطاق حركة الرقبة.
- ألم يتضاعف عند الحركة، أو حمل الأشياء، أو عند محاولة الزفير لدى إغلاق الفم والضغط على الأنف، أو ما يُعرف بمناورة فالسافا (Valsalva maneuvers).
أمّا الأعراض المصاحبة للانزلاق الغضروفي في الفقرات الصدرية، فأبرزها الشعور بألم متقطع في الفقرات الصدرية من العمود الفقري، تزداد حدّته عند الجلوس ويختفي بالوقوف، بالإضافة إلى ألم الأعصاب، والشعور بالخدر، وظهور علامات تشير إلى الضغط الواقع على الحبل الشوكي.[16]
تشخيص الديسك
تُعدّ الفحوصات التصويرية بالتقنيات المختلفة من أهم خطوات تشخيص الديسك، إذ إنّ الأشعة السينية (X-rays) لا تكفي وحدها للتشخيص، إنمّا يلجأ الأطباء إلى توجيه المرضى لإجراء التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI)، وهو الخيار الأمثل والأول لتشخيص الانزلاق الغضروفي، كما يمكن استخدام التصوير المقطعي (CT) عند عدم القدرة على إجراء صورة الرنين المغناطسي، يتميز التصوير المقطعي بقدرته على إعطاء صورة متكاملة عن تركيب عظام العمود الفقري.[4][5]
علاج الديسك
عادةً ما تختفي الأعراض المصاحبة للديسك الحاد بعد مرور 8 إلى 12 أسبوعًا لِما يُقارب 85% من المرضى، دون الحاجة للتدخل العلاجي.[4]
يُقسم علاج الديسك إلى 3 خيارات مختلفة وفقًا لحالة المريض:
- العلاج التحفظي (علاج الديسك بدون جدراحة)
يلجأ الأطباء للعلاج التحفظي غالبًا للمصابين بالانزلاق الغضروفي القطني والعنقي (ديسك الرقبة)، ويشمل تناول مسكنات الألم اللاستيرويدية (NSAIDs ) والباراسيتامول (Paracetamol)، أو المسكنات الأفيوينة في الحالات المتقدمة، والالتزام بالعلاج الطبيعي التأهيلي، لكن تجدر الإشارة إلى أنه لا يُنصح بالعلاج للتخلص من أعراض الديسك المبكرة، لأنها عادةً ما تختفي من تلقاء ذاتها بعد مرور عدّة أسابيع، لذا يجب الانتظار لمدة لا تقل عن 3 أسابيع قبل اللجوء إليها.[3][4]
كما يمكن اللجوء لحقن الكورتيكوستيرويدات (Corticosteroid) التي بمقدورها التخلص من الألم فورًا، ولكن تأثيرها لا يستمر لفترة طويلة، أمّا المرخيات العضلية، كالسيكلوبنزابرين (Cyclobenzaprine)، أو الكورتيكوستيرويدات الفموية، أو مكملات زيت السمك، فالأدلة العلمية المتاحة حول إيجابية تأثيرها محدودة حتى الآن.[3][4]
- الجراحة لعلاج الديسك
تتوافر العديد من العلاجات الجراحية التي يمكن اللجوء إليها لعلاج الديسك، إذ يهدف بعضها إلى تحرير العصب من الضغط الواقع عليه وبالتالي تخفيف الألم الذي يصيب الساق تحديدًا، وهذه الإجراءات تلائم الأشخاص الذين يعانون من ديسك ثابت وألم محتمل في الظهر.[12]
من الخيارات الجراحية الأخرى لعلاج الديسك:
- عملية استئصال القرص الفقري الدقيق (Microdiskectomy):
تُجرى عن طريق شق صغير بالاستعانة بالمجهر الجراحي لإزالة الأجزاء الداخلية من القرص التي تضغط على الأعصاب، إذ تتميز هذه العملية بأنها لا تتسبب بالكثير من الألم للمريض، وبقدرتها على تخليصه من ألم الساق نهائيًا.[12]
- عملية استئصال الصفيحة الفقرية (Laminectomies):
هي أحد أشهر العمليات التي تُجرى لتخفيف الضغط على القناة الفقرية، وذلك إمّا بالجراحة التقليدية أو بالمنظار لاستئصال النتوء الشائك أو جزء من القرص الفقري، وهي تُجرى بالتزامن مع عملية استئصال القرص الفقري اعتمادًا على المنطقة المصابة من العمود الفقري.[4][12][17]
- استئصال الديسك/القرص بالمنظار (Endoscopic discectomy):
يلجأ إليها الجراحون بدلًا من الجراحة التقليدية لاستئصال الديسك، وهي تتضمّن تداخلًا جراحيًا محدودًا بإجراء عدة شقوق حول المنطقة المصابة لإدخال المنظار والأدوات اللازمة، ما يُسهم في تخفيف نسبة إصابات الأنسجة المجاورة، غالبًا تُستخدم عملية الديسك بالمنظار في حالات انزلاق القرص في الفقرات القطنية، وتتميّز بسرعة التئام الجروح وتعافي المريض بعد العملية.[11][18]
- استئصال القرص الفقري جراحيًا (Open discectomy):
هي جراحة تقليدية تشمل إجراء شق بطول 3 – 5 سم في ظهر المريض وهو في وضعية الانبطاح على البطن، إذ تستخدَم طاولة جراحية خاصة لهذا الغرض تُدعى طاولة جاكسون (Jackson spinal table).[11]
مضاعفات الديسك (الانزلاق الغضروفي) وإهماله دون علاج
قد يتسبب الانزلاق الغضروفي لفقرات الظهر بمضاعفات أهمها ألم الظهر المزمن، أو فقدان القدرة على الشعور بالساق والقدم أو تحريكهما، بالإضافة إلى تلف دائم للأعصاب في حال إهمال علاج الديسك المنفتق الذي يضغط على الأعصاب.[4][8]
نصائح للتعايش مع ديسك الظهر
لعلّ الحفاظ على النشاط البدني هو من أهم الوسائل التي تُمكّن المريض من التعايش مع مشكلة الديسك، إذ يُنصح باستمرارية النشاط الجسدي حتى عند الشعور بألم أو بعدم الراحة، وتجنب البقاء في السرير أو الميل للخمول والراحة لفترة طويلة، إذ إنّ ذلك يُضعف العمود الفقري ويجعله متيبسًا مع مرور الوقت.[19]
كما أشارت العديد من الدراسات إلى أنّ ممارسة تمارين الاسترخاء الذهنية قد تسهم في تخفيف ألم الظهر المستمر، أبرزها أداء الوضعية التي ترتكز على ارتخاء العضلة القطنية الكبيرة (Psoas)، والتي تتضمن الاستلقاء على الظهر ورفع الساقين على طاولة تضمن ثني الركبتين بدرجة 90، إذ تساعد الجسم في تخفيف الألم الشديد في الظهر.[20]
هل يمكن الوقاية من الديسك؟
يمكن الوقاية من الديسك من خلال الحفاظ على الوزن ضمن الحد الطبيعي للجسم، والحرص على ممارسة التمارين الرياضية باستهداف عضلات الوسط والظهر لتقويتها، كما يُنصح بإجراء تحسينات في المكان المخصص للعمل ليتناسب مع مريض الديسك، من خلال استبدال المكتب الاعتيادي بمكتب وقوف قابل للتعديل (Standing desk)، أو تغيير موقع شاشة الحاسوب بما يتناسب مع حالة المريض.[8]
كما يوصى بالانتباه لحركات الجسم خلال ممارسة التمارين الرياضية، إذ إنّها قد تسبب الانزلاق الغضروفي بدلًا من الوقاية منه، فمثلًا ينبغي تجنب سحب الأوزان بالاعتماد على عضلات الظهر بدلًا من عضلات الذراعين، أيضًا يجب توخي الحذر أثناء أداء تمرين رفع الأثقال فوق الرأس بالتدرُّج في رفع الأوزان والتحكم بعضلات الظهر قدر الإمكان، أمّا عند رفع الأثقال عن الأرض فيجب الحفاظ على استقامة الظهر وثني الركبتين.[21]