ارتفعت مُعدلات الإصابة بسرطانات الغُدة الدُرقية خلال العقود الماضية، وبحسب الإحصائيات بلغ مُعدل الإصابة بها 15 شخصًا لكل 100,000 نسمة،[1] ويُعد سرطان الغدة الدرقية الكشمي (Anaplastic thyroid cancer) أحد الأنواع النادرة من سرطانات الغدة الدرقية، إذ يتراوح مُعدل الإصابة به عالميًا ما يقارب 3.6 بالمئة من إجمالي أورام الغُدة الدرقية.[2]
ما هو سرطان الغُدة الدُرقية الكشمي؟
تقع الغُدة الدُرقية في المنطقة الأمامية من الرقبة، وتتكون من فَصين يرتبطان في الوسط بمنطقة تُسمى البرزخ (Isthmus)، وتُعد الغدة الدرقية أحد أهم الغدد الصماء في جسم الإنسان، إذ تُفرز هرمون الغدة الدرقية (Thyroid Hormone)، وهرمون الكالسيتونين (Calcitonin)، وتَشغل هذه الهرمونات وظائف عديدة أبرزها تنظيم التمثيل الغذائي، والنمو، والمُحافظة على تراكيز الكهارل في الدم، مثل الكالسيوم.[3]
تتعرض الغدة الدرقية للعديد من الأمراض والاضطرابات، كالأمراض المناعية، والالتهابات، والسرطانات،[3] ويُعد سرطان الغدة الدرقية الكشمي من السرطانات النادرة والأكثر فتكًا بالمرضى، وعادةً ما يُعاني منه كبار السن الذين تزيد أعمارهم عن 60 عامًا، كما ترتفع الإصابة به لدى النساء، ويتميّز بسرعة نموه وبالألم الذي يُسببه،[4][5] وأيضًا بسرعة انتشاره إلى الأعضاء القريبة من الغدة أو حتى لمناطق أبعد من ذلك، لذا يُصنّف دائمًا على أنّه ضمن المرحلة الرابعة، ويتطلب علاجًا مُكثفًا من الإجراءات الطبية المُتكاملة كالجراحة، والعلاج الإشعاعي، والعلاج الكيميائي.[6]
أعراض سرطان الغدة الدرقية الكشمي
يتضمّن العرَض السريري الأكثر شيوعًا لسرطان الغدة الدرقية الكشمي نموًا سريعًا لكتلةٍ في منطقة العُنق،[7] ويُسبّب هذا النمو السريع للورم مجموعةً من الأعراض:[7][8]
- خشونة أو بحة في الصوت (Hoarseness).
- عُسر البلع (Dysphagia).
- ضيق التنفس.
- السُعال.
- ألم في الرقبة.
- شلل الأحبال الصوتية.
أما الأعراض المُرتبطة بهجرة الخلايا السرطانية (Metastasis) وانتشارها، فتكون بحسب مكان هجرتها، مثل ألم في العظام، والشعور بالتعب أو الإرهاق، أو السُعال، أو الاضطرابات العصبية في حال هجرة الأورام إلى الدماغ،[7] ويُنصح المرضى بطلب المُساعدة الطبية العاجلة عند مُلاحظة وجود كُتلة في الرقبة، وبحة أو تغيُر في الصوت، والسعال أو ظهور قطرات من الدم مع السعال.[5]
عوامل خطر الإصابة بسرطان الغُدة الدُرقية الكشمي
لا يزال السبب الرئيس للإصابة بسرطان الغدة الدرقية الكشمي غير معروف حتى الآن،[5] ولكن قد ترتبط زيادة خطر الإصابة بهذا النوع من الأورام بعددٍ من العوامل، أبرزها:
- انخفاض المُستوى التعليمي للمريض، إذ يلعب المستوى العلمي والاجتماعي للفرد والمجتمع دورًا هامًا للإصابة بسرطان الغدة الدرقية الكشمي أو الأنواع الأُخرى من سرطانات الغدة الدُرقية، وذلك بسبب عدم طلب المُساعدة الطبية العاجلة، أو طلب العون في مرحلة متقدمة من المرض نتيجةً لانخفاض الوعي الصحي في بعض المجتمعات، وبالتالي فإنّ رفع المستوى التعليمي يلعب دورًا في تقليل خطر الإصابة بسرطان الغدة الدُرقية.[9]
- تضخم الغُدَّة الدرقية (Goiter).[9]
- وجود تاريخ مرضي بالإصابة بالأورام السرطانية غير المُرتبطة بالغدة الدرقية، خصوصًا التي تصيب الأعضاء القريبة من الغدة الدرقية، كالقصبة الهوائية أو المريء.[7][9]
- الإصابة بمرض السُكري.[9]
- نقص عُنصر اليود في الجسم.[7]
- الإصابة بسرطان الغدة الدرقية الجريبي (Follicular thyroid cancer) أو السرطان الدرقي الحليمي (Papillary thyroid cancer)، وبالأخص لدى المرضى الذين انقضى وقتٌ طويل على إصابتهم بها دون اكتشافه.[7]
- وجود طفرات جينية في الصبغة الوراثية للمرضى.[7]
- الأشخاص الذين يحملون فصيلة الدم من النوع (B).[2]
- السُمنة.[2]
هل سرطان الغدة الدرقية الكشمي خطير؟
عرّفت مُنظمة الصحة العالمية سرطان الغدة الدُرقية الكشمي على أنّه أحد الأورام الخبيثة، والذي يتّسم بالعدوانية والقدرة على غزو الأنسجة المحيطة، والانتشار إلى أماكن أُخرى في الجسم عن طريق الأوعية الدموية أو اللمفية، لذا يبلغ متوسط البقاء على قيد الحياة لمن شُخّصت إصابتهم بهذا الورم ما يقارب 5-6 شهور فقط، وقد تصل إلى السنة لدى 20 بالمئة من المرضى المصابين، ونادرًا ما يبقى هؤلاء المرضى أحياءً لمدة عامين، والله أعلم.[2]
وقد أشارت دراسة إلى تفوّق توقعات سير المرض الإيجابية لدى المرضى الذين تقل أعمارهم عن 60 عامًا، ولم تنتشر أورامهم السرطانية خارج حدود الغدة الدرقية، بالإضافة لذلك، ارتبط استئصال الورم جراحيًا بالتزامن مع العلاج الإشعاعي والعلاج بالإشعاع الخارجي (External beam radiation) بمُعدل وفيات أقل.[10]
علاج سرطان الغُدة الدُرقية الكشمي
أوصت الجمعية الأمريكية للغدة الدرقية (American Thyroid Association) بوضع خُطة علاجية لمرضى سرطان الغدة الدرقية الكشمي سواءً الموضعي أو المنتشر إلى الأعضاء الأُخرى، لتتضمن الجراحة، والعلاج الكيميائي، والعلاج الإشعاعي،[11] بالإضافة إلى الرعاية التلطيفية (Palliative care).[2]
الجراحة
يُعد استئصال الورم من الدرقية جراحيًا بعملية تدعى تطويق الورم (Debulking surgery) الإجراء الطبي الأكثر شيوعًا لعلاج سرطان الغدة الدرقية الكشمي، ويُلجأ إليها لإزالة الورم الذي يهدد بإغلاق مجرى التنفس، وللحفاظ على الحنجرة،[8] كما قد تتضمن الجراحة وضع أنبوبٍ في القصبة الهوائية -فغر القصبة الهوائية- لتسهيل التنفس، أو فغر المعدة لوضع أنبوبٍ لتغذية المريض من خلاله.[5]
العلاج الإشعاعي
على الرغم من أنّ سرطان الغدة الدرقية الكشمي مُقاوم للعلاج الإشعاعي، إلا أنّ بعض أنواعه، كالعلاج الإشعاعي الخارجي (External-beam radiotherapy)، قد يُستخدم للسيطرة على هذا الورم موضعيًا،[7] وكما أشارت الدارسات فإنّ العلاج الإشعاعي وحده لا يُحسّن من معدلات البقاء على قيد الحياة، كما أنّ نصف المرضى الذين يتلقون العلاج الإشعاعي يُصابون بالورم مُجددًا، لذا يُستخدم كعلاجٍ مُساعد للجراحة والعلاج الكيميائي.[11]
العلاج الكيميائي
في الوقت الحالي، لا يوجد علاج كيميائي متاح أو مجموعة من العلاجات الكيميائية التي تُظهر نشاطًا كافيًا مضادًا للأورام للحدّ من الوفاة الناجمة عنها، ولكن في حالاتٍ نادرة، قد تزيد بعض العلاجات الدوائية من معدل البقاء على قيد الحياة بضعة أسابيع أو شهور معدودة، والله أعلم،[7] ويلجأ الطبيب المُعالج لاستخدام مجموعة من الأدوية معًا، إذ تتكون عادةً من الباكليتاكسيل (Paclitaxel) والكاربوبلاتين (Carboplatin)، أو الدوكسيتاكسل (Docetaxel) والدوكسوروبيسين (Doxorubicin)، ويُعد العلاج الكيميائي مُناسبًا للحالات التي هاجرت فيها الخلايا السرطانية الغدة الدرقية وانتشرت إلى أعضاء الجسم المختلفة.[11]
الرعاية التلطيفية والرعاية النهائية
عرّفت مُنظمة الصحة العالمية (World Health Organization) الرعاية التلطيفية على أنّها نهجٌ يُتّبع لتحسين نوعية حياة المرضى الذين يُعانون من أمراضٍ تُهدد حياتهم، إذ تهدف إلى التقليل من مُعاناتهم، وتخفيف الألم والمشاكل الأُخرى، الجسدية منها، والنفسية، والاجتماعية، والروحية، ويلجأ الطاقم الطبي للرعاية التلطيفية في أيّ مرحلةٍ من العلاج، أمّا الرعاية في المراحل المتأخرة (Hospice care) فتكون لتقليل الألم والمُعاناة للمرضى الذين توقفوا عن تلقّي العلاجات السابقة نتيجةً لعدم استجابتهم للعلاج.[2]