عملية تبادل الغازات هي آلية يستخدمها الجسم لتجديد الأكسجين باستمرار والتخلص من ثاني أكسيد الكربون للبقاء على قيد الحياة، وذلك من خلال دخول الهواء إلى الجسم عن طريق الأنف أو الفم، ثم إلى البلعوم أو الحلق مرورًا بالحنجرة، ووصولًا إلى القصبة الهوائية في الرئتين التي تتفرع إلى قصيبات أصغر منها تنتهي بالحويصلات الهوائية (أكياس هوائية صغيرة)، توجد في جدران هذه الحويصلات شعيرات دموية حيث تحدث عملية تبادل الغازات، إذ ينتقل الأكسجين من الرئتين إلى مجرى الدم وينتقل ثاني أكسيد الكربون من الدم إلى الرئتين، ويمكن قياس تبادل الغازات من خلال إجراء عدة فحوصات من أهمها تحليل غازات الدم الشرياني،[1][2] فما هو؟
ما هو تحليل غازات الدم الشرياني؟
يُعدّ تحليل غازات الدم الشرياني ((ABG) Arterial blood gases) أحد فحوصات الدم الضرورية في الحالات الحرجة والذي يُسهم في تشخيص اضطرابات الجهاز التنفسي، والدورة الدموية، وعمليات التمثيل الغذائي، وذلك من خلال معرفة درجة الحموضة (pH)، والضغط الجزئي للأكسجين، والضغط الجزئي لثاني أكسيد الكربون في الدم، والبيكربونات (Bicarbonate)،[3][4] وغالبًا ما يُطلب هذا الفحص في وحدة العناية المركزة داخل المستشفيات، وفي قسم الطوارئ، والتخدير، ومن الضروري أن يكون مُتاحًا إجراؤه على مدار 24 ساعة في المختبرات التابعة للمستشفيات.[4][5]
ماذا يقيس تحليل غازات الدم؟
يقيس تحليل غازات الدم مجموعة من المؤشرات التي يدل كل منها على حالة صحيّة:[4][6]
- الرقم الهيدروجيني (PH)، الذي يعطي مؤشرًا عن الحالة القاعدية أو الحمضية في الدم، فيُشير إلى زيادة حموضة الدم (Acidosis) حال انخفاضه، وأما ارتفاعه فيشير إلى قلوية الدم (Alkalosis).
- الضغط الجزئي للأكسجين (PaO2)، يُعبّر عن كمية الأكسجين المُذابة في الدم، ويؤدي انخفاض نسبته إلى ارتفاع نسبة الضغط الجزئي لثاني أكسيد الكربون (PaCo2)، وانخفاض الرقم الهيدروجيني.
- الضغط الجزئي لثاني أكسيد الكربون (PaCo2)، يُمثّل كمية غاز ثاني أكسيد الكربون المذابة في الدم، ويؤدي ارتفاع (PCO2) إلى انخفاض الرقم الهيدروجيني والعكس، ويعطي معلومات عن الحالة التنفسية للمريض، كما يتأثر بفرط معدل التنفس أو ما يُعرف بتسارع التنفس (Hyperventilation) أو نقص معدل التنفس ليصبح بطيئًا جدًا (Hypoventilation).
- تشبّع الأكسجين (O2SaT)، ويدل على مقدار تشبّع كريات الدم الحمراء بالأكسجين المتاح للانتقال عبر الشرايين.
- البيكربونات (HCO3)، المعروف أيضًا بتحليل مستوى ثاني أكسيد الكربون في الدم، وهي مادةٌ تُفرز وتمتص من الكلى استجابةً لارتفاع أو انخفاض الرقم الهيدروجيني.
لماذا يطلب الطبيب تحليل غازات الدم؟
يُجري الطبيب تحليل غازات الدم الشرياني (ABGs) لعدة أسباب:
- التحقق من التوازن الحمضي القاعدي.[7]
- التأكد من أنّ الجسم يحصل على حاجته من الأكسجين.[7]
- مراقبة الحالة الصحية للمرضى الذين يستخدمون أجهزة التنفس الاصطناعي أثناء فترة العلاج في المستشفى.[7]
- تقييم الحالات الحرجة لبعض المرضى.[7]
- قبل الخضوع لبعض العمليات الجراحية التي تتطلب تخدير المريض لفترة مُطوَّلة، وبعدها وخلالها.[6][7]
- تشخيص بعض المشكلات المرَضية:[4]
- الاضطرابات التنفسية، مثل متلازمة الضائقة التنفسية الحادة (Acute respiratory distress syndrome)، والربو، والفشل التنفسي الحاد.
- تجرثم الدم الشديد (تسمم الدم).
- الصدمة الإنتانية.
- الصدمة الناتجة عن النزيف.
- الحماض الكيتوني السكري.
- الحماض الأنبوبي الكلوي.
- قصور القلب والسكتة القلبية.
- اضطرابات التمثيل الغذائي التكوينية (منذ الولادة).
- مراقبة مدى استجابة المريض أثناء تلقّيه لبعض العلاجات الدوائية.[8]
- ظهور أعراض عدم توازن نسبة الأكسجين لثاني أكسيد الكربون، أو درجة الحموضة، مثل حالات صعوبة التنفس وضيق النفس.[6]
- التعرّض لإصابات مباشرة على الرأس أو الرقبة.[6]
- حالات التسمم بأول أكسيد الكربون، أو استنشاق أحد الغازات الكيميائية الضارة.[9]
والجدير بالذكر أنّ تحليل غازات الدم يُجرى لحديثي الولادة عند معاناتهم من صعوبة في التنفس، وقد تؤخذ العينة من الحبل السري.[6]
التحضيرات قبل تحليل غازات الدم الشرياني
يجب إطلاع الطبيب على الأدوية التي يتناولها المريض، مثل مميعات الدم أو المكملات الغذائية، كما يجب التوقف عن تزويد المرضى الذين يخضعون للعلاج بالأكسجين بغاز الأكسجين لمدة 20 دقيقة قبل إجراء الفحص،[9] ومن الضروري أيضًا إعلام المختبر قبل سحب عينة الدم والتأكد من جاهزية الأداة المُستخدمة لقراءتها.[7]
طريقة إجراء تحليل غازات الدم الشرياني
يُجرى تحليل غازات الدم الشرياني من خلال سحب عينة دم من أحد الشرايين الموجودة في الجسم:[10][11]
- الشريان الكعبري في الرسغ (Radial artery)، وهو الأكثر شيوعًا لسهولة الوصول إليه.
- الشريان العضدي في الذراع (Brachial artery).
- الشريان الظهري للقدم (Dorsalis pedis).
- الشريان الفخذي (Femoral artery)، ويُستخدم كخيار أخير نظرًا لخطورة موقعه ويُجرى بإشراف الطبيب فقط.
- الشريان الظنبوبي الخلفي (Posterior tibial artery).
تُسحَب عينة الدم بواسطة إبرة صغيرة رفيعة مخصصة للحصول على الدم من الشريان،[7] من قِبل الطبيب أو ممرض خاضع للتدريب داخل المستشفى، إذ يبدأ بتعقيم موضع إدخال الإبرة عبر الجلد ثم سحب عينة الدم، ثم إخراج الإبرة والضغط على موضع الوخز لمدة خمس دقائق في حال سُحبت من الرسغ، وعشر دقائق في حال سُحبت من الفخذ وذلك للحد من خروج الدم، كما يمكن الحصول على العينة من القسطرة الشريانية في حال وجودها لدى المريض، ثم إغلاق الإبرة بالغطاء المخصص لها ووضعها في صندوق الثلج أو حافظة مزودة بالثلج لمنع فقدان غازات الدم ونقلها على الفور إلى المختبر في غضون دقيقتين، كما يجب إزالة فقاعات الهواء الموجودة داخل العينة.[11]
أمّا عينة تحليل غازات الدم للأطفال الرُضع، فيمكن أن تؤخذ من كعب الطفل.[11]
مخاطر إجراء تحليل غازات الدم الشرياني
يُعد سحب الدم الشرياني مؤلمًا إلى حدٍ ما وقد تظهر بعض الكدمات موضع سحب العينة،[9] بالإضافة إلى احتمالية الإصابة ببعض المضاعفات النادرة، مثل إصابة الشريان، والانصمام الغازي الشرياني، والورم الدموي، وتمدد الأوعية الدموية.[12]
قد يوصَى المريض بعدم رفع الأشياء الثقيلة لمدة لا تقل عن 24 ساعة من إجراء تحليل غازات الدم الشرياني.[9]
نتائج تحليل غازات الدم الشرياني
تختلف القيم المرجعية من مختبر لآخر باختلاف بسيط وتتراوح النتائج الطبيعية لتحليل الدم الشرياني للبالغين كما هو موضّح أدناه،[4]
الفحص | القيم الطبيعية لغازات الدم الشرياني للبالغين |
الرقم الهيدروجيني (PH) | (7.35 - 7.45) |
الضغط الجزئي للأكسجين (PaO2) | (75 - 100) ملليمتر زئبق |
الضغط الجزئي لثاني أكسيد الكربون (PaCo2) | (35 - 45) ملليمتر زئبق
|
البيكربونات (HCO3) | (22 - 26) مللي مكافئ/ لتر |
تشبع الأكسجين (SaO2) | (95 - 100)% |
أمّا المستويات الطبيعية لتحليل غازات الدم الشرياني لحديثي الولادة:[7]
الفحص | القيم الطبيعية لغازات الدم الشرياني لحديثي الولادة |
الرقم الهيدروجيني (PH) | (7.32 - 7.49) |
الضغط الجزئي للأكسجين (PaO2) | (60 - 70) ملليمتر زئبق |
الضغط الجزئي لثاني أكسيد الكربون (PaCo2) | (26 - 41) ملليمتر زئبق
|
البيكربونات (HCO3) | (16 - 24) مللي مكافئ/ لتر |
تشبع الأكسجين (SaO2) | (40 - 90)% |
تفسير نتائج تحليل غازات الدم
يمكن أن تشير النتائج غير الطبيعية لتحليل غازات الدم الشرياني:[4][6]
- الحماض التنفسي (Respiratory Acidosis)، يشير الرقم الهيدروجيني (PH) الذي ينخفض عن الحد الطبيعي إلى الحماض (Acidosis)، ويشير ارتفاع الضغط الجزئي لثاني أكسيد الكربون (Paco2)عن حدّه الطبيعي إلى أنّ هذا الحماض تنفسي، فقد يرتبط بأمراض الجهاز التنفسي، وأهمها الالتهاب الرئوي (Pneumonia)، والانسداد الرئوي المزمن (COPD).
- القلاء التنفسي (Respiratory alkalosis)، يشير الرقم الهيدروجيني (PH) الذي يزيد عن الحد الطبيعي إلى القلوية (Alkalosis)، ويشير انخفاض الضغط الجزئي لثاني أكسيد الكربون (PaCO2) دون حدّه الطبيعي إلى الإصابة بقلاء تنفسي، إذ يرتبط بالتنفس السريع والمفرط الناتج عن التوتر أو العدوى الشديدة.
- الحماض الأيضي (Metabolic acidosis)، يتميّز بانخفاض الرقم الهيدروجيني (PH) وانخفاض البيكربونات (HCO3)، وقد ينتج عن الصدمة، أو الفشل الكلوي، أو الحماض الكيتوني السكري.
- القلاء الاستقلابي (Metabolic acidosis)، يتميّز بارتفاع الرقم الهيدروجيني (PH) وارتفاع البيكربونات (HCO3)، وقد ينتج عن التقيؤ المزمن، أو نقص البوتاسيوم، أو تناول كمية كبيرة من بيكربونات الصوديوم.
أمّا انخفاض الضغط الجزئي للأكسجين (PaO2) فيشير إلى عدم حصول المريض على كمية أكسجين كافية.[4]
موانع إجراء تحليل غازات الدم الشرياني
تُستثنى بعض الفئات من إمكانية إجرائها لتحليل غازات الدم:[7][13]
- المرضى الذين يُعانون من صعوبة في عملية جمع العينة، سواءً بسبب عدم وضوح الشرايين، أو وجود عدوى في الشريان ذاته، أو جراحة سابقة، أو تشوّه خلقي.
- وجود ناسور شرياني وريدي (Arteriovenous fistulas)، أو طُعم وعائي (Vascular grafts).
- إصابة المريض بأحد أمراض الأوعية الدموية المحيطية الحادة.
- حالات تجلّط الدم الشديد.
- تناول أحد العلاجات المميعة للدم مثل الوارفرين (Warfarin) والهيبارين (Heparin).
- تناول علاجات العوامل الحالّة للخثرات مثل الستربتوكيناز (Streptokinase ) أو منشط البلازمينوجين النسيجي (Tissue plasminogen activator).