تُعدّ الأزمات العالميّة التي تحّل بالناس في كل أصقاع الأرض أحد معاول الكشف عن معادن الشعوب أفرادًا وجماعات، إذ إنّ مثل هذه الظروف قد تكشف عن أنفَس ما يُخبّؤه الشخص أو عن أردأ ما يحمله من صفات تِجاه مجتمعه، ولعلّ وباء كوفيد-19 الذي اجتاح العالم شرقًا وغربًا كشَف عن صفات أنانيّة لا تُحتَمل لدى البعض، ففي حين يحتاج العالم للتكاتف وتحمُّل جزءٍ من المسؤولية من الجميع، فإنّ البعض ارتأى أن ينأى بنفسه بعيدًا عمّا يُحتّمه عليه واجبه الوطنيّ، ظانًا بأنّ الواجب الحالي ينحسر فقط في تأمين مُتطلبّاته بغض النظر عن الضرر الذي قد يُلحِقه بمن حوله.
وحتى يأخذ الأمر منحاه العادل والطبيعيّ فإنّ هذه الأزمة شحذت هِمَم البعض الآخر وأظهرت أنفس ما لديهم من مواصفاتٍ تكافليّة، يسّرت ولو بشيءٍ بسيط على الناس وكانوا بمثابة عدوى إيجابيّة انتقلت بين أصحاب الهِمم العالية ليكونوا قدوة نبيلة يُحتذى بها.
مع انتشار جائحة كوفيد-19 وتخطّيها أعدادًا لا يُستهان بها من المرضى والوفيات، فقد شدّدت العديد من المنظمات العالميّة وتلك المحليّة التابعة للدول بضرورة الالتزام بمجموعة من التعليمات التي من شأنها أن تعود بالنّفع على البشريّة وتُخلّص العالم من هذا الوباء في أقرب وقت، وقد جاء النُصح بضرورة الحِفاظ على المسافات بين الأشخاص أو ما بات يُعرَف بالتباعد الاجتماعي أحَد أهم التعليمات التي يجب التقيُّد بها لكسر حلقة انتقال فيروس كورونا والقضاء عليه في القريب العاجل، إلّا أنّ البعض واصل استهتاره وإغفاله المُتعَمَد لهذه التعليمات واستمرّت في بعض الأماكن التجمعات والازدحامات ضاربين بضرورة الحرص على التباعد الاجتماعي عرض الحائط، ناهيك عن التصرفات الأنانيّة للبعض بالاستحواذ على عددٍ كبير من الحاجيّات الاستهلاكيّة دون أدنى وعي بضرورة إفساح المجال للآخرين في الحصول على مُتطلبّاتهم، فبدأت عربات التسوُّق تتكدّس بعشرات المكوّنات من ذات الصّنف مثل القهوة، ورق "التواليت" إضافة لأكياس الخبز التي تكفي أحيانًا لأربعة عائلات ولعدّة أيام.
أثارت هذه التصرفات في جُل دول العالم سَخط الكثير من الناس، ما جعل مُرتادي موقع "Urban Dictionary" يُضيفون مُصطلحًا جديدًا للقاموس الانجليزي يصِف الأشخاص المُستهترين بتعليمات الصحة العامّة أو أولئك الأنانيين الجَشعين ممّن يستحوذون على الأطعمة أو المواد الأُخرى دون أن يأبهوا للآخرين، وقد جاء المُصطلح ليشير في أحد شِقيه لمرض كوفيد والآخر لصفة الحُمق أو الغباء للشخص وهو Covidiots.
لربما كانت الأيام السابقة وما حملته من مظاهر جشعة وأنانيّة ومُستهترة لدى البعض بمثابة صفعة توقظهم لدى رؤيتهم مكبّات النفايات تمتلىء بأكياس الخبز التي جرى تكديسها وأصبحت حِملًا على برّادات بعض المنازل، إضافة إلى أنّ ظاهرة التجمُّعات والاقتراب وعدم ترك مسافة بين الأشخاص يجب أن تُؤخذ على منحى الجِد لتجنُّب ارتفاع أعداد الإصابات قدر الإمكان، فكلّما زاد الوعي ارتفع معدل الالتزام بالتدابير والتعليمات الوقائيّة بالتالي سرعة عودة الحياة لمجاريها الاعتياديّة.