ينمو في الكبد نوعين من الأورام، نوع يطلق عليه الورم السرطانيّ، وهو ورم خبيث يبدأ نموّه في الكبد، أو يظهر في الكبد بعد انتقاله من مكانٍ آخر في الجسم، أمّا النوع الآخر فهو الورم غير السرطانيّ أو الورم الحميد، وهو أحد أنواع أورام الكبد الشائعة،[1] إذ لاحظ الباحثون عمومًا ارتفاع معدّلات الإصابة بورم الكبد الحميد غالبًا بسبب تكرار استخدام تقنيات التصوير الطّبي لأغراضٍ مختلفة.[2]
ما هو ورم الكبد الحميد؟
يصِف ورم الكبد الحميد (Benign liver tumor) ظهور كتلة غير طبيعيّة في الكبد جرّاء حدوث خطأ أثناء تضاعف الخلايا المكوّنة له، ولا يميل هذا الورم إلى الانتشار أو اجتياح أجزاءٍ أُخرى في الجسم كما هو الحال مع الورم الخبيث، وقد أشار فريقٌ دولي من الخبراء برعاية المؤتمر العالمي لأمراض الجهاز الهضمي عام 1994 ميلادي أنّ ورم الكبد الحميد يُعبّر عن مجموعة من الآفات غير المتجانسة التي تنتمي لأصولٍ خلويّة مختلفة،[3][4] إذ يحدث نموّ وتكاثر سريع وغير طبيعي في أيّ مكوّن خلوي في الكبد مُكوّنًا الأورام الحميدة، سواءً كان خلايا كبدية (Hepatocytes)، أو خلايا متوسطة (Mesenchymal Cells)، أو خلايا بطانيّة (Endothelial cells).[5]
أنواع ورم الكبد الحميد
صنّف العلماء ورم الكبد الحميد لأنواعٍ عِدّة اعتمادًا على طبيعة الخلايا المكوّنة للورم،[2] ولكلّ نوع من هذه الأورام سمات وخصائص مميّزة:[2][6]
- ورم وعائي دموي أو ورم وعائي كبدي (Hepatic hemangioma):
يُعدّ الورم الوعائي واحدًا من أكثر أورام الكبد الحميدة شيوعًا، إذ تتراوح معدلات الإصابة به بين 3-20%، وينشأ هذا الورم عن حدوث تشوّه في الأوعية الدمويّة، لذلك يتميّز بمظهره الوعائيّ عند الكشف عن وجوده مصادفةً أثناء التصوير الإشعاعي، وفي الحقيقة، لُوحظ ظهور الورم الوعائي الدموي في الكبد بنسبة أكبر لدى الإناث مقارنةً بظهوره لدى الذكور، كما يُصنّف الورم الوعائي الكهفيّ (Cavernous hemangioma) كواحد ٍمن أكثر أنواع الورم الوعائي الدموي الكبدي شيوعًا، والتي عادةً ما تكون صغيرة الحجم، بينما تتسبّب في ظهور الأعراض عندما يتجاوز حجمها 4 سم.
- فرط التنسج العقدي البؤري (FNH) (Focal nodular hyperplasia):
غالبًا ما يظهر فرط التنسُّج العقدي البؤري في الكبد لدى الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 30-40 سنة، ومعظمهم من النساء، خصوصًا اللواتي يتناولن موانع الحمل الهرمونية، وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا الورم الحميد يُصنّف كثاني أكثر أورام الكبد الحميدة شيوعًا بعد الورم الوعائي الدموي، وقد يتميّز بمظهره الشبيه بـــِ"تشمّع كبير العُقيدات" (Macronodular cirrhosis) أثناء إجراء التشريح المجهري للخلايا والأنسجة.
- الورم الغُدّي الكبدي (HCA) (Hepatocellular Adenoma):
يغلُب ظهور الورم الغدي الكبدي لدى النساء في سنّ الإنجاب، بالأخصّ اللواتي يستخدمن موانع الحمل الفمويّة، أو اللواتي يستخدمن أيّة أدوية أُخرى تنتمي لمجموعة الستيرويد (Steroid)، إذ يتراوح المعدّل السنويّ للإصابة بالورم الغدي الكبدي بين 3-4 لكل 100 ألف من النساء اللواتي يتناولن موانع الحمل لفترةٍ طويلة، كما أثبتت الدراسات العلاقة بين تكوّن الورم الغدي والاستخدام التعسّفي للهرمونات الذكرية (Androgen)، وإلى جانب الأسباب الهرمونية، ثمّة عوامل أُخرى قد تزيد من خطورة ظهور الورم الغدّي الكبدي، كالإصابة بالسمنة، وتناول كميات كبيرة من الكحول.
- أنواع أُخرى من ورم الكبد الحميد:
قد تنمو في الكبد أنواع أُخرى نادرة من الأورام الحميدة، مثل الورم الشحمي (Lipomas)، والورم الليفي (Fibroma)، والورم الغدي (Adenomas) الحميد في القناة الصفراويّة.
أعراض ورم الكبد الحميد
لا تصاحب معظم أورام الكبد الحميدة ظهور أعراض أو علامات على المُصاب، ولكن قد تضغط الأورام كبيرة الحجم على الأعضاء المُحيطة بها،[2] لِيكون ذلك سببًا في ظهور مجموعة من أعراض ورم الكبد الحميد التي تختلف من شخصٍ لآخر:[2][6]
- الشعور بعدم الراحة أو ألم في البطن.
- الشعور بالامتلاء في الجانب العلوي الأيمن من البطن.
- الإحساس السريع بالشبع.
- فقدان الشهية للطعام.
- ألم ثانوي ناجم عن النزيف أو التجلطات الدمويّة.
- الغثيان.
قد تظهر بعض الأعراض النادرة في حالات نموّ الورم الوعائي في الكبد (Hemangioma)، كاليرقان، والحمّى، ونزيف القناة الصفراوية (Hemobilia)، وضيق النفس (Dyspnea)، و"قصور القلب الناتج فرط تدفق الدّم" (High-output cardiac failure)، بالإضافة إلى احتماليّة الإصابة بمضاعفات نتيجة تخثّر الورم الوعائي الطفيفة، وألم البطن، وفقر الدم، ونزول الوزن، وكثرة الصفيحات الدموية (Thrombocytosis)، وارتفاع مستوى بروتين تخثر الدم الفيبرينوجين (Fibrinogen).[2]
كما أنّ ظهور الورم الغدّي الكبدي (HCA) قد يكون مصحوبًا بظهور مضاعفات أكثر خطورة، كتطوّر ورم خبيث في الكبد، أو حدوث تمزّق تلقائي في الورم الغدّي الكبدي (HCA) الذي يتجاوز قطره 7 سم والتعرّض للنزيف، وهذا قد يسفر عن الإصابة بالتهاب الغشاء الداخلي الذي يغطي منطقة البطن المعروف بالصفاق (Peritonitis)، أو دخول المصاب في حالة صدمة إنتانيّة.[6][7]
علاج ورم الكبد الحميد
يرتكز اهتمام الطبيب خلال مرحلة تشخيص الورم الحميد في الكبد على تكوين صورة شاملة ووافية عن الحالة، معتمدًا على صور الورم، ونتائج الخزعة، وخبرته الواسعة حول خصائص الأورام المختلفة، وهذا ما يُمكّنه من وضع خطّة ملائمة للتعامل مع الورم، سواءً كانت تعتمد على مراقبة الورم من كثب، أو تجاهل وجوده وعدم استخدام أيّ طريقة لعلاجه، أو الحاجة لاستئصاله جراحيًّا.[5][6]
ويُشار إلى أنّ معظم حالات الأورام الحميدة في الكبد لا تستدعي العلاج، بينما يكون ضروريًّا في حالاتٍ محدّدة فقط،[5][2] يختلف علاج ورم الكبد من شخصٍ لآخر:[2][6]
- الورم الوعائي الدموي في الكبد (HH) وفرط التنسج العقدي البؤري (FNH): يُنصَح بعلاج هذه الأورام عند ظهور أعراض على المصاب، بخلاف ذلك نادرًا ما يُوصَى بعلاج هذه الأورام، إذ تتسبّب الأعراض بانخفاض قدرة المريض على متابعة حياته طبيعيًا نتيجة تضخُّم الورم وما يتبعه من مشكلات صحيّة، حينها يمكن اللجوء للخيار الجراحي لاستئصال الورم، أو استخدام طرق حديثة غير جراحية لمحاولة تجنّب خطر النزيف الداخلي المُرافق للعملية الجراحية وتقليل مدة المكوث في المستشفى.
- الورم الغدي الكبدي (HCA): قد يُظهر الورم الغدّي الكبدي تحسُّنًا بمجرّد التوقف عن استخدام موانع الحمل، وذلك في حال ثبوت ارتباطه بالعامل الهرمونيّ لدى النساء، وقد يستدعي الأمر اللجوء للاستئصال الجراحي في حالة عدم تحسّن الورم وانكماش حجمه رغم التوقف عن استخدام موانع الحمل، أو عند تجاوز حجم الورم خمسة سنتيمترات، أمّا المُصابين من الذكور، فيُوصى دائمًا بالخيار الجراحي بصرف النظر عن حجم الورم خوفًا من تحوله للنوع الخبيث.
يتضمّن الخيار الجراحي إجراء استئصال الكبد، أو زراعة الكبد، بحسب ما تستدعيه الحالة، وعمومًا، يتوجّب على المختصّين رفع مستوى الاهتمام بكفاءة الجراحة، والحرص على إجرائها داخل مراكز مُتخصّصة ومزوّدة بكافّة الأدوات والتقنيات المطلوبة، خاصةً وأنّ معظم الأورام التي تُعالَج بالاستئصال الجراحي تكون كبيرة الحجم، ويصعُب الوصول إليها.[2]
تتوفّر طرق أُخرى بديلة للإجراء الجراحي قد يلجأ إليها الأطباء لعلاج أورام الكبد الحميدة، كالانصمام الشرياني عبر القسطرة (Transcatheter arterial embolization (TAE)) لسدّ الصمام المُغذّي للورم لتقليل حجم الورم قبل الجراحة، أو للسيطرة على النزيف الحادّ،[2] ومع ذلك، يتطلّب الانصمام الشرياني عبر القسطرة إتقان بعض المهارات الفنيّة، إلى جانب الاستعانة باختصاصي أشعّة تداخليّة ذو خبرة واسعة في المجال.[8]
ورم الكبد الحميد عند الأطفال
تظهر معظم أورام الكبد الحميدة لدى الأطفال قبل تجاوز الطفل الرضيع 6 شهور من عمره، وغالبًا ما تنتمي هذه الأورام للأورام الوعائيّة المتوسطة الكيسيّة (Cystic mesenchymal hamartomas) أو الأورام الوعائيّة الدمويّة،[9] ويُذكر بأنّ معظم الأورام الوعائيّة الدمويّة التي تظهر عند الرُضّع تنكمش من تلقاء نفسها مع بلوغ الرضيع السنتين من عمره.[6]
على الرغم من نُدرة ظهور أورام الكبد لدى الأطفال، وكون بعضها حميد، إلّا أنّ أكثر من ثلثي الأورام التي تظهر لدى هذه الفئة العمريّة هي أورامٌ خبيثة، وتزداد احتماليّة تشخيص وجود ورم خبيث في الكبد لدى الأطفال عند ملاحظة ظهور ورم جديد في الكبد بعد تجاوز الطفل 6 شهور من عمره.[10]
يُستخدم التصوير بالموجات فوق الصوتية (Ultrasound) كوسيلة أساسيّة للكشف عن الأورام والأمراض في الكبد وتقييمها، وقد ازداد الاهتمام باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) لتشخيص أورام الكبد لدى الأطفال مع تطوّر البحث وزيادة الوعي العام لدى الأفراد عن مخاطر التعرّض المستمر للإشعاع التصويري، إذ يتمكّن الطبيب بواسطة التصوير بالرنين المغناطيسي من تمييز نوع، وطبيعة، وخصائص الورم في الكبد بدقّة، ومع ذلك، قد تواجه هذه الطريقة التشخيصيّة عددًا من المُعيقات، أهمّها التكلفة الباهظة، وصعوبة توفير الأجهزة، وطول وقت التصوير مقارنةً بغيره، والحاجة لتخدير الرضيع بالأدوية أثناء التصوير، وقلّة المتخصّصين في هذا المجال.[9]