يتكوّن العمود الفقري من مجموعة فقرات يفصل بينها تراكيب شبيهة بالوسائد المطّاطيّة تسمّى الأقراص (Discs)، تتمثّل وظيفتها الأساسيّة في امتصاص الصدمات المُوجّهة للعمود الفقري، وتثبيت الفقرات مع بعضها البعض، وإعطاء العمود الفقري القابليّة للحركة قليلًا، إذ يوجد حوالي 23 قرص في العمود الفقري، يحتوي مركز القرص الواحد منها -أو كما يُعرف بـالنواة- على مادّة شبيهة بالهلام، بينما يحيط به طبقة خارجيّة أكثر صلابة، يُطلق عليها الحلَقة الليفية، ويُشار إلى أنّ حدوث مشكلةٍ في أيٍّ من هذه الأقراص قد يُسفر عن ظهور أعراضٍ تختلف باختلاف مكان وطبيعة الإصابة، منها الإصابة بالانزلاق الغضروفي، والتي تستدعي في بعض الحالات الخضوع للجراحة لتصحيحها.[1][2]
ما هو الانزلاق الغضروفي؟
الانزلاق الغضروفي (Herniated disk) أو كما يُعرَف بـالديسك، يُعبّر عن اندفاع مادّة نواة القرص الفقري الشبيهة بالهلام نتيجة تمزّقٍ في الحلَقة الخارجيّة المُحيطة به، وتحدث هذه المشكلة في واحد أو أكثر من أقراص العمود الفقري، والتي غالبًا ما تقع في الجزء السّفلي من العمود الفقري،[1][3] ويُشَار إلى أنّ عدد حالات الإصابة بالانزلاق الغضروفيّ تُقدَّر بحوالي 5-20 حالة سنويًّا بين كلّ ألف شخص بالغ، وذلك وفق ما نُشِر عبر (StatPearls) عام 2022 ميلادي.[4]
أعراض الانزلاق الغضروفي
تختلف أعراض الانزلاق الغضروفي من شخصٍ لآخر بالاعتماد على موقع حدوث المشكلة في العمود الفقري، إذ يُصاحب الانزلاق الغضروفيّ أسفل الظهر عادةً حدوث ألمٍ شديد يمتدّ نزولًا من أسفل الظهر إلى أحد الأرداف والساقين، وقد يصل إلى القدم، وفي بعض الحالات يُصاحبه ظهور أعراضٍ أُخرى، كألم الظهر، وضعف العضلات، ووجود تنميل أو وخز في الساقين أو القدمين، أمّا أعراض الانزلاق الغضروفي في العنق، فقد تظهر كألمٍ بالقرب من لوحيّ الكتف أو بينهما، أو في الجزء الخلفي من العنق وعلى جانبيه، وغالبًا ما تزداد حِدّته عند تحريك الرقبة أو ثنيها، مع احتمالية أن يمتدّ في هذه الحالة إلى الكتف، والذراع، وأحيانًا يصل إلى أصابع اليد، ومن المُحتمل أن يُسبّب تنميل أو وخز في الذراعين.[3]
علاج الانزلاق الغضروفي بدون جراحة
يتمكّن معظم المُصابين بالانزلاق الغضروفي من السيطرة على الأعراض المزعجة، والشعور بالتحسّن وزيادة النشاط، دون اللجوء للجراحة،[5] وقد يشمل علاج الانزلاق الغضروفي بدون جراحة:[6]
- تعديل طبيعة ممارسة الأنشطة، واتّباع سلوكيّات معينة تساهم في تخفيف الأعراض، كالموازنة بين أوقات الراحة والنشاط، والابتعاد عن ممارسة الأنشطة التي تساهم في تفاقم الأعراض، واستخدام الكمادات الساخنة أو الباردة لتخفيف الألم والالتهاب، وغيرها.
- تناول مسكنات الألم التي يمكن صرفها بدون وصفة طبيّة، مثل الأسيتامينوفين (Acetaminophen)، والنابروكسين (Naproxen).
- استخدام أشباه الأفيونيات (Opioid) لتسكين الألم، والتي تُصرَف بوصفة طبيّة، مثل الكودين (Codeine)، ولكن عادةً ما تُوصَف هذه الأدوية لفتراتٍ قصيرة بعد تجربة مسكنات الألم الأُخرى التي لم تتمكّن من تخفيف الألم لدى المريض.
- استخدام مُرخيات العضلات، إذ يمكن أن تُوصَف لحالات التشنّج العضلي.
- استخدام حقنة الكروتيزون إذ تُستخدَم في حالة عدم تَحسّن الألم مع الأدوية التي تُعطى بواسطة الفم.
- اللجوء للعلاج الطبيعي الذي يساهم في تخفيف الألم.
متى يلجأ الطبيب لعلاج الانزلاق الغضروفي بالجراحة؟
يلجأ طبيب الدماغ والأعصاب للجراحة بهدف علاج الانزلاق الغضروفي في حالات عدم استجابة المريض لأيّ طريقةٍ علاجية أُخرى، وتأثير الأعراض السلبي في حياته، كأن يستمرّ شعوره بالألم الذي يُعيق إنجاز الأنشطة اليوميّة، أو عدم السيطرة على التبرّز أو التبوّل، أو صعوبة الوقوف أو المشي جيدًا، وغيرها من الأعراض الأُخرى.[7][8]
كما تكون الجراحة خيارًا مطروحًا أحيانًا عند وجود ضرورة مُلحّة تقتضي حاجة المريض لأن يتحسَّن خلال فترةٍ قصيرة، سواءً بسبب الوظيفة، أو الحاجة لأداء أعمال معيّنة في أقرب فرصة مُمكنة.[5]
فحوصات قبل جراحة الانزلاق الغضروفي
يُحدّد الطبيب نوع الجراحة التي تلائم المصاب بالاعتماد على عمره، وصحتّه العامّة، وعلى موقع الانزلاق الغضروفي في العمود الفقري، إلى جانب عوامل أُخرى مختلفة، لذلك يُوصَي بإجراء فحوصات معيّنة قبل الجراحة:[6][7]
- التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI)، إذ يساعد على إعطاء صور ثلاثيّة الأبعاد للقرص الفقري والتراكيب المحيطة به، كالجذور العصبيّة والحبل الشوكي، ويُستخدم هذا الفحص للتحقُّق من موقع القرص (الديسك) في فقرات الظهر، والكشف عن الأعصاب المتضرّرة بسببه.
- التصوير باستخدام الأشعّة السينيّة (X-rays)، للحصول على صور واضحة للمفاصل والفقرات، واستبعاد الأسباب الأُخرى التي قد تؤدي إلى إثارة ألم الظهر.
- التصوير المقطعي المحوسب (CT scan)، وهو الفحص الذي يوفّر صور تفصيليّة للقناة الشوكيّة، والتراكيب المُحيطة بها.
- تخطيط كهربائية العضل (Electromyography) أو دراسة توصيل العصب (Nerve conduction studies)، بهدف قياس النبضات الكهربائيّة على طول العضلات والأعصاب، وهو ما قد يساعد على تحديد موقع الأعصاب المتضرّرة.
أنواع جراحة الانزلاق الغضروفي
تهدف جراحة الانزلاق الغضروفي إلى تخفيف الضغط المؤثر على العصب، والسيطرة على الأعراض المزعجة الناجمة عن هذا الضغط، إذ تتوفّر أنواع مختلفة من جراحات الانزلاق الغضروفي التي قد يوصي الطبيب بإجراء واحدة أو أكثر منها.[7][8]
- استئصال القرص (Discectomy):
تنطوي جراحة استئصال القرص على إزالة القرص الفقري بإجراء جراحة مفتوحة، أو باللجوء لجراحة استئصال القرص مجهريًّا (Microdiscectomy)، إذ تتضمّن تمرير أنبوب رفيع مُزوّد بكاميرا خلال شقّ صغير يساعد على رؤية التراكيب الداخليّة وإزالة القرص التالف، تهدف هذه الجراحة إلى تخفيف الضغط الناجم عن القرص المُتضرّر نحو الأعصاب القريبة منه.[8]
- استئصال الصَّفيحة الفِقريّة (Laminotomy):
تتضمّن عملية استئصال الصفيحة الفِقريّة إزالة جزء عظمي صغير ورقيق من الفقرات، يسمّى الصفيحة (Lamina)، وقد تنطوي هذه الجراحة على إزالة كامل الصفيحة الفِقريّة التي تحمي النخاع الشوكي أو القليل منها، ومن الممكن أن تُجرَى عملية استئصال الصفيحة الفِقريّة إلى جانب عملية استئصال القرص في الوقت ذاته.[5]
- جراحة القرص الاصطناعي (Artificial disc surgery):
يُجري الطبيب هذه الجراحة لإزالة للقرص التالف واستبداله بقرص مصنوع من المعدن أو البلاستيك، بينما يكون المريض تحت تأثير التخدير العام خلال الجراحة، وعادةً ما تُستخدَم عملية القرص الاصطناعي لاستبدال قرص واحد في الجزء السّفلي من الظهر (القطني الموازي للبطن)، كما أنّها لا تُناسب المصابين بالتهاب المفاصل أو هشاشة العظام، أو أولئك الذين يعانون من تنكُّس (Degeneration) في القرص.[7]
- دمج الفقرات (Spinal fusion):
تنطوي عملية دمج الفقرات (تثبيت الفقرات) على دمج عظمتين في العمود الفقري بواسطة مسامير طبية أو ألواح بغرض تثبيتهما، لذلك قد تكون هذه الجراحة ضروريّة لتثبيت العمود الفقري بعد الخضوع لجراحة استئصال الصَّفيحة الفِقرية.[9]
التعافي بعد جراحة الانزلاق الغضروفي
يتمكّن غالبيّة المرضى من العودة للمنزل بعد مضيّ 24 ساعة على انتهاء جراحة الانزلاق الغضروفي، وفي بعض الحالات يسمح الطبيب بخروج المريض من المستشفى وعودته إلى منزله في اليوم ذاته، وذلك بالاعتماد على تقييم الحالة الصحيّة للمريض بعد العمليّة، وعمومًا، تُعدّ جراحة الانزلاق الغضروفي من طرق العلاج الفعَّالة، إذ تظهر نتائجها الإيجابيّة عادةً خلال بضعة أسابيع بعد الجراحة، سواءً بتحسّن أعراض الضعف والتنميل، أو بتراجع حِدّة الألم،[8][9] ويُوصَى دائمًا خلال فترة التعافي من الجراحة باتباع مجموعة من التعليمات:[8][9]
- تجنب ممارسة الأنشطة التي قد تضرّ بنتائج الجراحة خلال الأسابيع الأربعة الأُولى بعد إجرائها، مثل حمل الأشياء الثقيلة، والجلوس لفتراتٍ طويلة، والانحناء أو مدّ الجسم بعنف.
- استشارة الطبيب حول إمكانيّة ممارسة التمارين الرياضيّة، إذ تتوفّر أنواع معيّنة من التمارين التي قد تفيد المصاب بعد جراحة الانزلاق الغضروفيّ وتساعده على التعافي، كالمشي مثلًا.
- اللجوء للعلاج الطبيعي أو لتمارين إعادة التأهيل بعد الجراحة في حال أوصى الطبيب بذلك، سواءً بالانضمام لمراكز تُعنى بإعادة التأهيل، أو ممارسة تمارين معيّنة في المنزل وفق توجيهات المختصّ، إذ يساعد إعادة التأهيل على تسريع التعافي وتحسين الحركة.
- اتباع تعليمات الطبيب بشأن الوقت الملائم للعودة لقيادة المركبة أو الوقت الأنسب للعودة للعمل أو لممارسة أيّة أعمال أُخرى بعد الجراحة.
مخاطر جراحة الانزلاق الغضروفي
يتخطّى معظم المصابين بالانزلاق الغضروفي الجراحة دون ظهور أيّة مضاعفات أو مخاطر، ومع ذلك، قد يصاحب جراحة الانزلاق الغضروفي حدوث مخاطر معيّنة:[5]
- الإصابة بالعدوى، ما قد يُسفر عن مزيدٍ من الضّرر.
- تَكوُّن الكثير من الأنسجة الندبيّة موضع الجراحة.
- ارتفاع خطورة تَضرّر الأعصاب أو العمود الفقري خلال الجراحة.
- ظهور آثار جانبيّة خطِرة لمادّة التخدير المُستخدمة في الجراحة، كالجلطة الدماغيّة، والنوبة القلبيّة، وصعوبة التنفّس، وفي بعض الحالات قد تهدّد الآثار الجانبيّة حياة المريض.
- استمراريّة ظهور بعض الأعراض المزعجة للانزلاق الغضروفي بعد الجراحة، وعدم تحسّنها، أو ظهور أعراضٍ جديدة لاحقًا.