حازت الأمراض النفسيّة على الاهتمام في العقود الأخيرة نظرًا لتصاعد أعداد الحالات التي تعاني من المشاكل النفسيّة المختلفة، وفي حين تسلّطت الأضواء على أكثرها شيوعًا كاضطرابات القلق، والاكتئاب، والفصام العقلي واضطراب ثنائي القطب، كان اضطراب التكيُّف (Adjustment disorder) أو اضطراب الإحكام كما يسمّى قد انضمّ لهذه القائمة كواحد من أكثر الاضطرابات النفسيّة التي تُشخَّص أسبوعيًا مرة واحدة على الأقل.
ما هو اضطراب التكيُّف؟
يُوصَف اضطراب التكيُّف على أنّه ضعف أو انعدام القدرة على التكيُّف مع بعض الوقائع والأحداث أو التغيُّرات الكبيرة والجذريّة التي قد يمرّ بها الشخص في مرحلة ما من حياته، وعلى الرغم من أنّه من الطبيعيّ أن يعايش غالبيّة الأشخاص وقائعًا مُقلقة وتغييرات انتقاليّة على كافّة الصُعُد، إلّا أنّ الاستجابة للضغوطات النفسيّة الناجمة عن مثل هذه الأحداث تختلف من شخصٍ لآخر، ففي حين يستطيع البعض التكيّف والسيطرة على مشاعره وحالته النفسيّة، فإنّ البعض الآخر لا يتمكّن من اجتياز المرحلة ويعلَق في حالة نفسيّة سلبيّة تؤثّر فيه وتحُدُّ من قدرته على الإنجاز والعمل، وربمّا النوم أيضًا.
أعراض اضطراب التكيف
يترافق اضطراب التكيُّف مع مجموعة من الأعراض التي نادرًا ما تستمر لأكثر من 6 أشهر، أبرزها:
- الشعور بالحزن والاكتئاب.
- القلق.
- أعراض جسديّة، مثل: ألم في المعدة، وصداع، والتعب الجسدي العام، وعسر الهضم، والتشنجات العضليّة، وتعرُّق اليدين، وتسارع أو عدم انتظام ضربات القلب.
- العُزلة الاجتماعيّة والمَيل للإنعزال وعدم الانخراط بالنشاطات والمناسبات العائليّة أو غيرها.
- فقدان الأمل وانعدام الرغبة في أداء معظم الأعمال المُعتادَة، فيبدأ المريض بالتغيُّب عن مدرسته أو عمله مثلًا، إلى جانب انخفاض مستوى أدائه.
- صعوبة النوم.
- انعدام الثقة بالنفس.
- كثرة البكاء أو سهولته.
- سلوكيات اندفاعيّة أو مُتهوّرة.
- تقلبّات في الشهيّة للطعام، فقد تتذبذب بين فقدانها تارة وزيادتها تارةً أُخرى.
- صعوبة التركيز.
أسباب اضطراب التكيُّف
تتشارك العديد من العوامل في التسبُّب باضطراب التكيُّف، وتتمكّن بعض الأحداث أو التغييرات من إحكام سيطرتها على البعض إذا ما وجدت سبيلها ممهَّدًا لديهم، فتساهم الخبرات الحياتيّة والصفات الشخصيّة والحالة المزاجيّة برفع القابليّة لأن يعاني البعض من اضطراب التكيُّف بمعدل أعلى من غيرهم.
أمّا المشكلات والتغييرات التي تعبُر في حياة البعض وتُحكِم قبضتها عليهم لفترةٍ من الزمن وتسلبهم قدرتهم على التكيُّف والتعايش فهي متنوّعة وعديدة، منها: ضغوطات العمل والدراسة، وفقدان عزيزٍ من الأقارب أو الأصدقاء، والإصابة بمرضٍ ما أو الخضوع لعلاج ذي آثار جانبيّة ظاهرة كالعلاج الكيميائي وغيره، والتقاعد من العمل، والمُعيقات والصعوبات الماليّة، وانتشار جائحة أو كارثة طبيعيّة، والخلافات الزوجيّة وما يتبعها من مشاكل، كالطلاق.
يُذكَر بأنّ الأحداث أو التغييرات التي تحدث في حياة البعض وتتسبّب باضطراب التكيُّف قد تكون إيجابيّة أيضًا، مثل الإنجاب، أو الزواج، أو الانتقال لمنزلٍ جديد وما يرافقهم من مُستجدّات تفرض نفسها ولا يتمكّن البعض بأن يتكيّف معها.
ما الفرق بين اضطراب الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة؟
على الرغم من الشَبَه الظاهر للوهلةِ الأُولى بين اضطراب التكيُّف واضطراب ما بعد الصدمة إلّا أنّهما يختلفان عن بعضهما، فيُوصَف اضطراب ما بعد الصدمة على أنّ أعراضه أشد وتستمر لفترةٍ أطول من تلك المصاحبة لاضطراب التكيُّف، إضافة إلى أنّ الأحداث المرافقة لاضطراب ما بعد الصدمة عادةً ما تكون شديدة وذات تأثير قويّ على المُجرَيات اليوميّة، لأنّها غالبًا ما تنجُم عن حدَثٍ خطير قد يكون مهدّدًا لحياة الشخص، وذلك بعكس الأحداث التي يعقبها اضطراب التكيُّف والتي يغلُب أن تكون أقل وطأة ويعايشها جلّ الأشخاص في مرحلةٍ ما أثناء حياتهم.
علاج اضطراب التكيُّف
يسبق مرحلة علاج اضطراب التكيُّف تشخيص الإصابة به، ويعتمد اختصاصيي الطب النفسي في تشخيصهم لحالات اضطراب التكيُّف على مجموعة من المعايير التي تشير إلى هذا الاضطراب دون غيره، وتتلخّص باستمراريّة الأعراض لِما يفوق الثلاثة أشهر على أن تتحسّن في غضون 6 أشهر بعد زوال المؤثّر أو الحدَث، إلى جانب شدّة الأعراض المصاحبة واستثناء أيّ مرضٍ نفسيّ آخر.
أمّا علاج اضطراب التكيُّف فيتمثّل بمجموعة من الخيارات:
- العلاج النفسي:
تبدأ مرحلة علاج اضطراب التكيُّف بعقد جلساتٍ مع الطبيب النفسي الذي يحاول تقديم الدعم المعنويّ النفسي للمريض، وتمكينه من تعلُّم مهارات تساعده على التكيُّف مع الظروف أو الأحداث التي ظلّلت حياته مؤخرًا.
ينطوي العلاج النفسي على أنواعٍ عدّة تُمكّن الطبيب من اختيار العلاج الأنسب وفقًا لحالة المريض، لعلّ العلاج السلوكي المعرفي أبرزها، أو الانخراط في مجموعات عائليّة أو مجموعات الدعم التي تحاكي واقع المريض وتُمكّنه من مشاركة ألمه النفسي مع مَن عايشوا واقعًا مثله، وغير ذلك من العلاجات النفسية المُتاحة.
تتراوح مدّة العلاجات النفسيّة بين قصيرة المدى وطويلة المدى، وغالبًا ما تُؤتي الأنواع المختلفة من العلاجات أُكلَها لدى المرضى، ليتمكّنوا من استعادة توازنهم النفسي واستئناف أعمالهم ونشاطاتهم المختلفة.
- العلاج بالأدوية:
يمكن استخدام الأدوية لوحدها أو بالتزامن مع العلاجات النفسيّة المختلفة بهدف التخفيف من الأعراض المصاحبة لاضطراب التكيُّف، مثل مضادّات الاكتئاب والقلق أو الأدوية التي تساعد على التخلُّص من صعوبات النوم.
المراجع
- Zelviene, P., & Kazlauskas, E. (2018). Adjustment disorder: current perspectives. Neuropsychiatric disease and treatment, 14, 375–381. https://doi.org/10.2147/NDT.S121072
- Bhargava H. (2020). Adjustment disorder (stress response syndrome), retrieved from WebMD: https://www.webmd.com/mental-health/mental-health-adjustment-disorder#091e9c5e80008fdc-3-8
- Adjustment disorder. (2020). Retrieved from Cleveland Clinic: https://my.clevelandclinic.org/health/diseases/21760-adjustment-disorder
- Berger F. (2020). Adjustment disorder, retrieved from Medline Plus: https://medlineplus.gov/ency/article/000932.htm
- Cirino E. (2019). Adjustment disorder, retrieved from Healthline: https://www.healthline.com/health/adjustment-disorder