يُعدّ مرض السكري أحد أكثر الأمراض المزمنة انتشارًا، يُصاحبه الإصابة بالعديد من المضاعفات الخطيرة، لعلّ أشهرها القدم السكري (Diabetic foot)،[1] وهي مشكلة صحية تحدث على المدى البعيد لمرضى السكري بسبب الارتفاع المستمر لمستويات السكر في الدم مُسببًا تلف الأعصاب والأوعية الدموية في القدم، إذ يفتقر جسم المصاب بالسكري من النوع الأول أو الثاني إلى وجود كميات كافية من هرمون الإنسولين، وهو المسؤول عن إدخال السكر (الجلوكوز) الذي يحصل عليه الجسم من الطعام إلى الخلايا.[2]
تنتشر الإصابة بالقدم السكرية بين الذكور والأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم الستين عامًا، إذ تصل نسب الإصابة بها عالميًا 1% -4% سنويًا، وتجدر الإشارة إلى أن بتر القدم السكري أحد مضاعفات القدم السكري الخطيرة الذي قد يزيد من احتمالية الوفاة حتى 70% خلال خمس سنوات فقط بعد الخضوع للبتر، أيضًا يُذكَر بأن قدم السكري تقف وراء ما نسبته 85% من مجمل حالات البتر التي يسببها مرض السكري عامةً.[1][3]
ما تأثير مرض السكري في القدم؟
يتسبب ارتفاع سكر الدم المستمر بضررٍ في الأعصاب والأوعية الدموية الموجودة في الأقدام، إذ تكمن خطورة تضرر الأعصاب أو ما يُعرف بالاعتلال العصبي السكري (Diabetic neuropathy) في فقدان الإحساس بالألم في القدمين، لذا لا يشعر المريض بالألم حينما يصاب بجرح أو تقرحات في قدمه، أيضًا يسبب ارتفاع مستوى السكر المستمر تلفًا في بطانة الأوعية الدموية، بالإضافة إلى تراكم الدهون فيها واتفاع مستوى لزوجة الصفائح الدموية، ما يعيق تدفق الدم إلى القدم المتضررة، وهذا يؤخر شفاء الجروح والتقرحات المُصابة بالعدوى في حال تعرّض المريض لها، مما يؤدي إلى إصابة القدم بالغرغرينا المُتمثّلة بموت العضلات، والأنسجة، والخلايا في القدم.[2][4]
تجدر الإشارة إلى أنّ عوامل مناعية مرافقة لمرض السكري تؤثر أيضًا في سرعة شفاء الجروح والإصابات، وذلك من خلال تسبب ارتفاع مستوى السكر المستمر في زيادة إنتاج الشوارد الحرة للأكسجين (المركبات التفاعلية للأكسجين) (Reactive Oxygen Species) وحدوث الإجهاد التأكسدي اللذان يدمران الخلايا الحية، مما يزيد من تركيز الدهون في الأوعية الدموية، وحدوث تصلب الشرايين، وبالتالي تسهيل تراكم الصفائح الدموية وتكوّن الخثرات.[4]
أعراض القدم السكري الأولية
يمكن تقليل احتمالية الإصابة بالقدم السكري التي تُعدّ أحد أبرز مضاعفات مرض السكري من خلال ضبط مستوى السكر (الجلوكوز) في الدم ضمن نطاقه الطبيعي، بالإضافة إلى الالتزام بمراجعة الطبيب المختص باستمرار، والمواظبة على إجراء الفحص الدوري للقدم،[5] كما توجد مجموعة من أعراض القدم السكري المبكرة التي يجب على المريض استشارة الطبيب فور ظهورها:[6][7]
- الإصابة بحمى.
- القشعريرة.
- الإصابة بجروح، أو كدمات، أو تقرحات لا تلتئم إلا بعد مرور عدّة أيام.
- انتفاخ المنطقة حول الجرح في القدم واحمرارها، بالإضافة إلى رائحته الكريهة، وخروج إفرازات صفراء مخضّرة أو دموية، إذ تدل هذه العلامات على وجود عدوى.
- وجود طبقة متصلبة من الجلد أو ما يُعرَف بمسمار لحم في القدم (Callus) بداخله دم جاف، إذ تُعد أولى علامات وجود جروح أسفل مسمار اللحم.
- الشعور بخدر أو تنميل في القدم أو الساق.
- جفاف شديد في جلد القدم المصابة وتقشره.
- تغيرات في مظهر مفاصل القدم أو قوس القدم.
أنواع القدم السكري
توجد عدّة تصنيفات للقدم السكري تبعًا للمسبب الأساسي لها ومراحل القدم السكري، إذ تبدأ باعتلال عصبي يسبب ظهور مسامير القدم وفقدان الإحساس فيها، لذا لا يشعر المريض بألم لدى إصابته المتكررة في القدم، ما قد يؤدي لنزيف تحت مسامير القدم الناشئة، ثم تنخر الجلد وتقرحه،[8] وتبعًا لذلك، يمكن تصنيف القدم السكري إلى 3 أنواع رئيسية:[9][10]
- القدم السكري بسبب الاعتلالات العصبية (Neuropathic Foot):
تبدأ بتعطّل الوظائف الحسية والحركية بدرجات متفاوتة، ويُعدّ غياب رد فعل الكاحل عند نقره -يُعرَف باسم فحص منعكس الوتر الأخيل- (Achilles reflex) أولى علاماته، كما قد يؤدي إلى ظهور بثور القدم السكري، وتنخر أصابع القدم.
- القدم السكري بسبب اعتلالات الأوعية الدموية (Neuroischemic Foot):
يرتبط هذا النوع بارتفاع الدهون المسبب لتصلب الشرايين لدى مرضى السكري، مما يؤدي إلى انخفاض كمية الدم المتدفق نحو القدم، وهي اللازمة للحفاظ على صحة الجلد، بالتالي ظهور تقرحات القدم السكري الناجمة عن نقص التروية التي قد تتحول إلى تنخر الأصابع والغرغرينا، كما تجدر الإشارة إلى أنّ مشكلة القدم السكري الناجمة عن اعتلالات الأوعية الدموية يرافقها عادةً اعتلالات عصبية، وتتميز بشعور المصاب بألم حتى دون تحريكه للقدم.
- القدم السكري بسبب العدوى:
تنجم عادةً عن اعتلالات مناعية بسبب اضطراب مستوى سكر الدم، مما يؤدي إلى تسهيل نمو البكتيريا داخل جلد القدم المصاب بالتلف ونقص التروية، وسرعان ما يتحول التهاب القدم السكري من التهاب غير معقد في النسيج الخلوي (Cellulitis) إلى التهاب ناخر مهدد للحياة أو حتى تسمم الدم.
أسباب القدم السكري
يُعدّ كلًا من تصلب الشرايين المُسبب لانخفاض تدفق الدم في الأوعية الدموية الصغيرة والمتوسطة، والاعتلال العصبي المحيطي المرافق للسكري (Diabetic peripheral neuropathy) المسبب لاضطرابات وظائف الجهاز العصبي الحسية والحركية أبرز الأسباب التي تقف وراء الإصابة بالقدم السكري، وغيرها من المضاعفات الناجمة عن مرض السكري.[11]
تجدر الإشارة إلى أنّ مرض تصلب الشرايين يصيب مرضى السكري بمراحل مبكرة وبوتيرة أسرع مقارنةً بالمرضى غير المصابين بالسكري، كما يصاحبه الإصابة بالعديد من المضاعفات القلبية، أبرزها مرض الشرايين المحيطية (Peripheral vascular disease) المتسبب بانخفاض معدل التروية الدموية.[9]
عوامل خطر الإصابة بالقدم السكري
يمكن أن تتسبب عديد عوامل الخطر بزيادة احتمالية الإصابة بالقدم السكري ومضاعفاتها،[1] من أبرزها:[1][12]
- الجنس، إذ تنتشر نسبة الإصابة بالقدم السكري أكثر بين الذكور.
- التقدم في السن.
- الإصابة بمرض السكري لفترة تزيد عن 10 سنوات.
- التشوهات التشريحية في تراكيب القدم.
- التدخين.
- إهمال ارتداء أحذية تلائم مرضى السكري.
- عدم القدرة على ضبط مستويات سكر الدم.
- وجود تاريخ مرضي للإصابة بتقرحات في القدم، واعتلال في الكلى، والاعتلالات العصبية أو الوعائية الطرفية.
- الحالة الاجتماعية والاقتصادية المتردية.
مضاعفات القدم السكري
تؤدي الإصابة بالقدم السكري إلى بعض المضاعفات الخطيرة مُسببةً إعاقات وظيفية لدى مرضى السكري،[11] من أبرزها:[8][11]
- التهاب النسيج الخلوي.
- ظهور الخرّاج.
- تسمم الدم.
- غرغرينا القدم السكري.
- الإصابة بالتهاب الأوعية الليمفاوية الصاعد (Ascending lymphangitis).
- التهاب العظم والنقي (Osteomyelitis).
- نقص التروية الدموية للأطراف.
- بتر القدم السكري.
- تشوّه العظام الدائم.
تشخيص القدم السكري
يبدأ الطبيب بتشخيص الحالة بعد الحصول على المعلومات المتعلقة بالتاريخ المرضي، وذلك بسؤال المريض عن الأعراض التي يعانيها، والمشكلات الصحية الأخرى المرافقة، بالإضافة إلى الأدوية التي يستعملها المريض.[6]
يُعد الفحص الجسدي ركيزة أساسية لدى معاينة حالة مريض السكري المُشتبه بإصابته بالقدم السكري، إذ يجب البحث خلالها عن أيّ تغييرات عصبية، مثل الجلد الجاف، والتشققات، واختلال شكل القدم، والتقرحات، والأوردة البارزة، وآفات الأظافر، وفطريات القدم السكري، بالإضافة إلى البحث عن اختلالات الأوعية الدموية المتمثلة بنقص التروية وما تُسببه من فقدانٍ لشعر القدم، كما يمكن تغير لون القدم السكري إلى اللون الأحمر (Dependent rubor).[6][9]
أيضًا، لا بُدّ من إجراء مجموعة من الفحوصات المخبرية للتحقق من حالة تقرحات القدم السكري:[3][11]
- فحص الدم الشامل (CBC).
- فحص علامات الالتهاب في المصل (Serum Inflammatory Markers)، مثل معدل تراكم كريات الدم الحمراء (Erythrocyte sedimentation rate) والبروتين المتفاعل سي (C-reactive protein) خصوصًا عند الاشتباه بوجود عدوى أو التهاب في العظم والنقي.
- فحص سكر الدم التراكمي (HbA1c).
- فحص الخزعة مثل خزعة العظم وخزعة الجلد أو زراعة عينة من الأنسجة المصابة بهدف تسهيل اختيار مضاد حيوي لالتهاب القدم السكري.
بالإضافة إلى إجراء بعض الفحوصات التشخيصية الإشعاعية:[3][11]
- التصوير بالأشعة السينية (X-rays)، التي تهدف للكشف عن مدى انتشار التقرحات في الأنسجة.
- التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) عند الاشتباه بوجود التهابات في العظم، أو المفاصل، أو الأوتار، كما يمكن استبدالهما بالتصوير النووي للعظام (Bone Scans) لدى عدم القدرة على إجرائهما.
تجدر الإشارة إلى إمكانية إجراء فحوصات خاصة بالكشف عن حالة الشرايين، مثل فحص مؤشر الضغط الكاحلي العضدي (Ankle-Brachial Index) الذي يمكنه الكشف عن الإصابة بتصلب الشرايين، ومخطط التحجم (Pulse-volume recording) الذي يمكنه رصد تغير حجم الدم في كل نبضة مُشيرًا إلى معدل التروية الدموية للأنسجة.[3]
الفحص الذاتي لمرضى السكري
يُوصى مرضى السكري بالالتزام بفحص القدم ومنطقة ما بين الأصابع يوميًا بعد خلع الجوارب والحذاء، وذلك باستخدام إضاءة جيدة خلال الاستحمام وبعده، كما يمكن الاستعانة بمرآة لتوكيد تفحص القدم من جميع الزوايا، إذ يهدف الفحص إلى الكشف عن أي تقرحات، أو أظافر ناشبة (Ingrown nail)، أو جروح وتشققات جلدية، أو نزيف، أو احمرار في القدم.[7][13]
علاج القدم السكري
يتضمن علاج القدم السكري الاهتمام بعدّة محاور لضمان شفاء الجروح وتقرحات السكري، إذ تبدأ بضبط مستوى سكر الدم في حال اختلاله من خلال اتباع خطة علاجية تتناسب مع شدة اضطراب مستوى السكر ومدى التزام المريض باستعمال أدويته، كالإنسولين،[9][11] كما تشمل الخيارات العلاجية المتاحة للقدم السكري:
- تخفيف الضغط الواقع على الجروح والتقرحات في القدم، إذ تمنع هذه الطريقة من حدوث المزيد من الضرر للمنطقة المصابة، ويمكن تحقيق ذلك من خلال الجبيرة الكاملة للقدم، وارتداء أحذية خاصة، واستخدام العكازات.[9][11]
- استعمال ضمادات من محلول ملحي أو مواد أُخرى للحفاظ على رطوبة الجرح.[3]
- الإنضار (Debridement)؛ يجرى في حال وجود أنسجة متنخرة أو متضررة للغاية، ويشمل إزالة الجلد المتقرّن حول الجرح، بالإضافة إلى الأغشية غير السليمة، مما يسهم في التخلص من البكتيريا التي قد تلوث الجرح.[9]
- استخدام مضادات حيوية فموية وضمادات للتقرحات السطحية، أما في حال التقرحات العميقة التي تشمل العظام والعضلات، فيجب إدخال المريض إلى المستشفى والاستعانة بالمضادات الحيوية واسعة الطيف (متعددة الاستخدامات).[9]
الوقاية من القدم السكري
تنخفض احتمالية الإصابة بتقرحات القدم السكري التي قد تؤدي إلى بترها من خلال رفع الوعي لدى مرضى السكري، والتأكيد على أهمية اتباع نمط وقائي للعناية بالقدم، والالتزام بالفحص الذاتي للأقدام، واختيار الأحذية المناسبة مع تجنب المشي بدونها، والإقلاع عن التدخين، ومراقبة مستوى السكر والدهون في الدم باستمرار.[3]
كما أن الكشف المبكر وتحديد عوامل الخطر المؤدية إلى القدم السكري يقلل من احتمال حدوث جروح القدم السكري وتقرحاته، وتشمل الوقاية من القدم السكري عدة درجات، إذ تنطوي الدرجة الأولية على الكشف عن عوامل الخطر والالتزام بارتداء الأحذية الخاصة التي تمنع حدوث التقرحات، بينما تشمل الدرجة الثانوية علاج التقرحات البسيطة، والتخلص من مسامير القدم، وعلاج أمراض الأظافر التي قد تنشأ، وتشمل الدرجة الثالثة إحالة حالات القدم السكري المتقدمة فورًا إلى طبيب الاختصاص.[9]
تجدر الإشارة إلى ضرورة حماية القدم عن طريق تجنب ممارسة النشاطات التي تؤدي إلى إصابتها، كالمشي دون حذاء، وتجنب استخدام الوسائد الحرارية أو قِرَب الماء الساخنة للغاية على الأقدام، كما يتوجب الحذر أثناء قص الأظافر وتجنب تقصيرها للغاية أو تقليمها من الجوانب.[5]
العناية بالقدم لمرضى السكري
يوصي الاختصاصيون بضرورة الالتزام بغسل القدمين بالماء الفاتر والصابون يوميًا، ثم تجفيفها، وتفحصها بدقة بحثًا عن أي جروح، أو تقرحات، أو انتفاخ، أو احمرار، خصوصًا بين الأصابع وأسفلها، كما يوصى بارتداء جوارب خاصة مصنوعة من القطن والحرص على تغييرها يوميًا، أما الحذاء فيجب أن يكون مريحًا وغير ضيق خصوصًا منطقة أصبع القدم الكبير، ويُنصح بامتلاك أزواج مختلفة من الأحذية المريحة والتبديل بينها باستمرار لمنع استمرارية تركيز الضغط على منطقة معينة من القدم لفترات طويلة، كما يجب الانتباه إلى اختيار نعال الحذاء الداخلي بعناية فهو يحمي القدم خلال المشي ويقلل الضغط عليها.[5]
يُنصَح مرضى السكري أيضًا بالحفاظ على ترطيب القدمين يوميًا، وتجنب ارتداء أحذية تكشف أجزاءً من القدم، ويمكن للبعض ارتداء جوارب ضاغطة للتخلص من القدم السكرية المتورمة وتسهيل تدفق الدم في الساق.[7]