تشير الإحصائيات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية لسنة 2017 ميلادي إلى وجود حوالي 71 مليون شخص على مستوى العالم مصاب بعدوى فيروس التهاب الكبد C، وهو ما يعادل نسبة 1% من مجموع سكان العالم، ووفق الأرقام المذكورة في ندوة نشرتها مجلة ذا لانسيت (The Lancet)، شخّص الأطباء في عام 2015 ميلادي حوالي 1.75 مليون إصابة جديدة بفيروس التهاب الكبد C، إضافة إلى ذلك، يواجه ما يقارب 75% من المرضى المصابين بعدوى التهاب الكبد C الحاد خطورة الإصابة بعدوى فيروس التهاب الكبد C المزمنة، وتتطور لدى نسبة كبيرة من المصابين بالعدوى المزمنة مضاعفات شديدة في الكبد على المدى البعيد، لذلك، يتوجب على الحكومات والمؤسسات المعنية خفض تكاليف تشخيص وعلاج التهاب الكبد C، وجعله متاحًا للجميع؛[1][2] سعيًا نحو تحقيق هدف منظمة الصحة العالمية (WHO) الذي أعلنته في عام 2016 ميلادي، والذي ينص على ضرورة القضاء على التهاب الكبد C بحلول عام 2030 ميلادي، إذ يُشكّل خطرًا يهدد الصحة العامة.[3]
ما هو التهاب الكبد C؟
يُعرف التهاب الكبد C أو التهاب الكبد سي (Hepatitis C) بأنّه نوع من التهابات الكبد الناجمة عن مهاجمة فيروس التهاب الكبد الوبائي c (HCV) خلايا الكبد، وشُخِّص للمرة الأولى عام 1989 ميلادي، ويظهر هذا الالتهاب في بعض الحالات طفيفًا ويتلاشى خلال فترة بسيطة قد لا تتجاوز بضعة أسابيع فقط، ولكنه يستمر في حالاتٍ أُخرى طوال فترة حياة المصاب، ويُعرضه لمخاطر صحية مختلفة.[4][5]
ينتمي فيروس التهاب الكبد سي لجنس "فيروس هيبا سي" (Hepacivirus) ضمن عائلة الفيروسات المصفرة (Flaviviridae)، وهو فيروس إيجابي أحادي السلسلة (Positive-strand RNA virus)،[4] ويشكّل أحد الأسباب الرئيسية للإصابة بمرض الكبد المُتقدم الذي يؤدي إلى الإصابة بالسرطانة الخلوية الكبدية (Hepatocellular carcinoma)، أحد أنواع سرطان الكبد.[6]
أعراض التهاب الكبد C
يتسبّب فيروس التهاب الكبد سي بحدوث التهاب الكبد C الحاد، أو التهاب الكبد C المزمن، وظهور أعراض تختلف باختلاف طبيعة العدوى، ومقدار الضرر الذي تعرّض له الكبد.[7]
أعراض التهاب الكبد C المزمن
ينجم عن الإصابة بالتهاب الكبد سي المزمن حدوث التهاب في الكبد يستمر لفترات لفترةٍ طويلة من حياة المريض، وغالبًا لا تكون العدوى المزمنة مصحوبة بظهور أيّ أعراض على المريض، ومع ذلك، قد تظهر في بعض حالات العدوى المزمنة أعراض بسيطة، كوجود ألم في الجانب العلوي الأيمن من البطن بين الحين والآخر، والإصابة بالإعياء، والشعور بألم في المفاصل، والإحساس بالتوعك، وتراجع الصحة العامة مع انخفاض جودة الحياة، ومع ذلك يصعب عادةً ربط هذه الأعراض بعدوى فيروس التهاب الكبد الوبائي c، وذلك لكونها قد ترتبط بتغيّر الحالة النفسية للمريض الذي يدرك إصابته بمرضٍ مزمن.[4][7]
يُسهم التهاب الكبد سي المزمن في تعريض 10-20% من المصابين لتشمع في الكبد خلال فترة تتراوح بين 20-30 سنة من الإصابة به، وفي هذه المرحلة، قد تظهر مجموعة من الأعراض على المريض لتُدلل على إصابته بمرضٍ مزمن في الكبد:[4]
- الورم الوعائي العنكبي (Spider angioma).
- الرعاش الخافق أو الارتعاش الخافق الكبدي (Asterixis).
- الشرية في راحة اليدين (Palmar erythema).
- الاستسقاء العام أو الوذمة (Anasarca).
يمكن أن تظهر على المريض أعراض مقاومة الانسولين، أو الحزاز المسطح (Lichen planus)، أو الإصابة بالتهاب كبيبات كلى غشائي تكاثري (Membranoproliferative glomerulonephritis)، أو ظهور "البُرفيرية الجلدية الآجلة" (Porphyria cutanea tarda)، أو الإصابة بالاضطرابات التكاثرية اللمفية (Lymphoproliferative disorders) لخلايا B، وغيرها.[4]
أعراض التهاب الكبد C الحاد
يظهر التهاب الكبد C الحاد بعد مضي فترة تتراوح بين 2-12 أسبوع تقريبًا من التعرض للعدوى الفيروسية، وغالبًا ما تزول من تلقاء ذاتها لدى بعض المصابين في غضون 6 شهور بعد الإصابة، وعمومًا، لا يصاحب معظم حالات الإصابة بعدوى فيروس التهاب الكبد سي الحادة ظهور أية أعراض على المصاب، ومع ذلك، قد تظهر أحيانًا أعراض شبيهة بالإنفلونزا لدى بعض المصابين، ومجموعة أُخرى من الأعراض المحتملة:[4][7]
- ألم في العضلات.
- الإعياء أو التعب.
- حمى خفيفة.
- تغيُّر لون البراز ليصبح شبيهًا بلون الطين.
- ألم في الجانب العلوي الأيمن من البطن.
- ارتفاع مستوى إنزيمات وظائف الكبد.
- لون داكن للبول، والإصابة باليرقان (الصفار)، وتظهر هذه الأعراض غالبًا بعد ملاحظة ظهور الأعراض السابقة.
قد يعاني بعض المصابين من قصور الكبد الحاد (Acute liver failure)، ويصاحب هذه المشكلة ظهور أعراض مختلفة، كالإصابة بالاعتلال الدماغي الكبدي (Hepatic encephalopathy)، وغيره، وقد يستدعي الأمر اللجوء لزراعة الكبد.[7]
انتقال فيروس التهاب الكبد C
يُعد فيروس التهاب الكبد سي أحد أكثر المُمرضات المنتقلة عبر الدم شيوعًا، وقد ينتقل الفيروس من شخصٍ لآخر بطرقٍ مختلفة:[4][8]
- تعاطي المخدرات بواسطة الحقن، ومشاركة الحقن مع الآخرين.
- اتباع الممارسات الطبية السيئة في المناطق محدودة الموارد، كاستخدام المعدات الطبية غير المعقمة، كالأدوات الجراحية والمنظار الداخلي.
- تعرّض العاملين في مجال الرعاية الصحية لوخز الإبر أو الأدوات الحادة المستعملة أثناء العمل.
- الخضوع لعملية نقل الدم، مع غياب الرقابة الصحية السليمة.
- انتقال الفيروس من الأم الحامل إلى جنينها.
- الاتصال الجنسي، لكنه نادر الحدوث.
- ثقب الجسم (Piercing) والوشم.
علاج التهاب الكبد C
يهدف العلاج في حالات التهاب الكبد C إلى التخلص من العدوى الفيروسية، ومنع تعرض الكبد للضرر وظهور مضاعفاته الخطيرة، كالإصابة بسرطان الكبد أو قصور الكبد، لذلك، على الطبيب عرض الخيارات العلاجية المتاحة للمريض بعدوى التهاب الكبد سي، وتحديد الوقت الملائم لبدء العلاج.[9]
علاج التهاب الكبد C الحاد
تشير التوصيات في الوقت الحاضر إلى ضرورة بدء العلاج بمجرد تشخيص الإصابة بالتهاب الكبد الوبائي c الحاد، وعدم انتظار تلاشي العدوى من تلقاء ذاتها مع الوقت، إذ تتوفر أنواع مختلفة من الأدوية المضادة للفيروسات ذات المفعول المباشر (Direct-acting antiviral drugs or DAAs) التي قد تُعطى في حالات التهاب الكبد C الحاد بهدف تقليل احتمالية تطور العدوى المزمنة، ومنع انتقال العدوى للآخرين، وفي الأثناء يُوصى بتجنب تناول المشروبات الكحولية والأدوية التي قد تؤثر في الكبد، وتُلحق به الضرر.[10]
علاج التهاب الكبد C المزمن
يُوصى بالعلاج في بعض حالات الإصابة بالتهاب الكبد سي المزمن بهدف التخلص من العدوى، أو الحد من تفاقم الضرر في الكبد، إذ تُستخدم الأدوية المضادة للفيروسات ذات المفعول المباشر (DAAs) للسيطرة على عدوى فيروس التهاب الكبد الوبائي C، وغالبًا ما يُعطى خليط من عدة أدوية تنتمي لمضادات الفيروسات ذات المفعول المباشر في الوقت ذاته لزيادة فعالية تأثير هذه الأدوية في جسم المصاب بالعدوى، كاستخدام سوفوسبوفير (Sofosbuvir) وفلباتاسفير (Velpatasvir)، أو إلباسفير (Elbasvir)، وغرازوبريفير (Grazoprevir).[11]
وقد تستدعي بعض حالات تشمع الكبد وسرطان الكبد اللجوء لزراعة الكبد، إلى جانب استخدام أنواع أُخرى من العلاجات المناسبة بعد زراعة الكبد لمنع تدهور حالة المريض، وتحسين وظائف الكبد، ومنع تكرار عدوى التهاب الكبد مرةً أُخرى.[8][9]
العلاج اعتمادًا على النمط الجيني لفيروس التهاب الكبد C
توجد 6 أنماط جينية لفيروس التهاب الكبد C، ويختلف كل نمط جيني في طبيعة استجابته للعلاج، لذلك يُحدَّد نوع النمط الجيني للفيروس قبل البدء بإعطاء الأدوية المضادة للفيروسات في حالات الإصابة بعدوى التهاب الكبد سي، ليتسنّى للطبيب وصف الأدوية الأكثر فعالية، وتحديد جرعاتها، ومدة استخدامها.[11]
نصائح للمصاب بالتهاب الكبد C
يُوصى في حالات الإصابة بالتهاب الكبد سي بتغيير نظام الحياة واتباع مجموعة من النصائح:[9]
- الامتناع عن تناول المشروبات الكحولية أو تعاطي المخدرات.
- تجنب تناول أدوية لم يسبق للمريض تناولها أو استخدام مكملات غذائية دون استشارة للطبيب أولًا.
- استشارة الطبيب حول أهمية تلقي لقاح ضد التهاب الكبد أ والتهاب الكبد ب في حالة عدم تلقّي اللقاح مسبقًا، أو في حالة عدم الإصابة بهذه الأنواع من عدوى التهاب الكبد من قبل.
- الانضمام لمجموعات الدعم التي تضم أشخاصًا يعانون من التهاب الكبد سي، وعائلاتهم.
الوقاية من التهاب الكبد C
لا يتوفر حتى هذه اللحظة لقاح محدد يقي من عدوى فيروس التهاب الكبد سي،[8] ومع ذلك، ثمة مجموعة من النصائح التي قد تُسهم في تقليل انتشار عدوى فيروس التهاب الكبد C وانتقالها من شخصٍ لآخر:[1][9]
- تجنب مشاركة الحقن مع أيّ شخص آخر.
- تثقيف العاملين في مجال الرعاية الصحية حول المحاذير المُتبعة لدى التعامل مع عينات الدم.
- تجنب مشاركة الأدوات الشخصية مع الآخرين، كالشفرات، وفراشي الأسنان.
- تجنب الخضوع للعلاج بوخز الإبر الصينية بإشراف شخص غير مؤهل، ولا يحمل ترخيصًا يخوّله تقديم خدمات العلاج بوخز الإبر.
- تجنب الحصول على وشم أو ثقوب الجسم (لوضع الحُلي والزينة) في أماكن غير مرخصة.
- تجنب الاتصال الجنسي مع المريض.
- توفير الحقن والإبر المعقمة للمرضى في حالة اعتمادهم استخدام الأدوية التي تُعطى بالحقن.
- استخدام العلاج البديل للمواد الأفيونية للسيطرة على الإدمان بين متعاطي الأفيونيات.
- تلقّي المصابين بعدوى فيروس التهاب الكبد C العلاج المُعتمد طبيًّا للحد من انتشار العدوى.
الفرق بين أنواع التهاب الكبد أ، ب، سي
يوضّح الجدول أدناه الفرق بين التهاب الكبد من النوع أ، النوع ب، النوع سي الفيروسي:[12][13]
وجه المقارنة | التهاب الكبد الوبائي أ | التهاب الكبد الوبائي ب | التهاب الكبد الوبائي سي |
الطرق الأكثر شيوعًا لانتقال العدوى من شخصٍ لآخر | دخول الماء والطعام الملوّث ببراز شخص مصاب بالعدوى إلى الفم، والمعروف باسم الاتصال الشرجي الفموي (Fecal-oral transmission). | انتقال العدوى من الأم إلى طفلها، وعبر سوائل وإفرازات الجسم خلال ممارسة العلاقة الجنسية (المني والإفرازات المهبلية)، وعند استخدام الحقن الملوثة بالعدوى. | انتقال العدوى عبر الدم أثناء تعاطي المخدرات بالحقن، أو استخدام الحقن الطبية، وخلال عمليات نقل الدم في المناطق التي تعاني نقص الموارد. |
حضانة الفيروس | تتراوح فترة حضانة الفيروس بين 15-45 يومًا (بمعدل 4 أسابيع). | تتراوح فترة حضانة الفيروس بين 40-150 يومًا (بمعدل 12 أسبوع تقريبًا) | تصل فترة الحضانة إلى 8 أسابيع تقريبًا. |
طبيعة العدوى (حادة أو مزمنة) | يسبب عدوى حادة فقط. | يتسبب بحدوث عدوى حادة أو عدوى مزمنة، ومع ذلك، غالبًا ما تتلاشى العدوى الحادة لدى البالغين كليًّا، غير أنّ معظم حالات إصابة الأطفال والرُضّع بالتهاب الكبد ب الحاد تتطور إلى التهابٍ مزمن في الكبد. | يتسبب يحدوث عدوى حادة أو مزمنة، ولكن، تتطور العدوى المزمنة لدى أكثر من نصف عدد المصابين بعدوى التهاب الكبد سي الحاد. |
العلاج | الرعاية الداعمة (السيطرة على الأعراض وتحسين جودة الحياة)، وعادةً ما تتلاشى العدوى من تلقاء نفسها. | تعالَج العدوى الحادة أساسًا بالرعاية الداعمة باستثناء حالات معينة، وقد يُستخدم العلاج الدوائي بمضادات فيروسية في حالات العدوى المزمنة بالاعتماد على عوامل مختلفة. | تُعد الأدوية المضادة للفيروسات ذات المفعول المباشر (Direct-acting antivirals) الخيار الأساسي لعلاج العدوى. |
توفّر لقاح ضد العدوى | يتوفر لقاح | يتوفر لقاح | لا يتوفر لقاح |