تُعدّ القصيّبات الهوائية (Bronchioles) أحد أجزاء الجهاز التنفسي السفلي فهي تتفرع من القصبات الهوائية لتعبُر إلى داخل الرئتين لإيصال الهواء الذي تمّ استنشاقه عبر الفم أو الأنف،[1] قد تتعرّض القصيبات الهوائية إلى بعض المُهيّجات والمواد الكيميائية، أو لأحد التهابات الجهاز التنفسي ممّا يؤدي لإصابتها بالتهاب القصيبات المسد،[2] فما هو؟ وما هي أعراضه؟ وكيف يمكن علاجه؟
ما هو التهاب القصيبات المسد (رئة الفشار)؟
يُعرّف التهاب القصيبات المسد (Bronchiolitis obliterans) على أنه أحد الأمراض التنفسية النادرة، ويتمثّل في التهاب وتلف الممّرات الهوائية الصغيرة الموجودة في الرئتين (Bronchioles) ومن ثم تندّبها، ممّا يُسبب مشاكل تنفسيّة تهدّد حياة المرضى، وذلك لتعذُّر العثور على علاج لتلف أنسجة الرئتين حتى الآن، بينما تتضمّن العلاجات المُتاحة تخفيف الأعراض فقط، يُعرف هذا المرض أيضًا باسم رئة الفشار (Popcorn lung)، واكتسب هذا الإسم نسبةً للمرة الأولى التي اُكتِشف فيها هذا المرض بين العاملين في أحد المصانع التي تُعِد الفشار في جهاز "الميكرويف"، وذلك لاستنشاقِهم أحد المواد الكيميائية المُستخدمة لإضافة النكهة للفشار وإكسابه طعم الزبدة، وهي ثنائي الأسيتيل (Diacetyl)، كما قد تتواجد هذه المادة الكيميائية في مصانع تحميص البُن، وفي السائل الموجود داخل السجائر الإلكترونية والذي يُسمى بـِ (Vape Juice).[3][4]
أسباب التهاب القصيبات المسد
يحدث التهاب القصيبات المسد لعدّة أسباب منها ما يتعلّق ببعض المشاكل والحالات الصحيّة التنفسيّة، والآخر باستنشاق أحد المواد السامة،[5] وتتضمّن الأسباب الشائعة لالتهاب القصيبات المسد:
- التهابات الجهاز التنفسي، مثل عدوى الفيروس التنفسي المخلوي (RSV) وهو أكثر شيوعًا لدى الأطفال، أو التهاب الشعب الهوائية (Bronchitis).[6][7]
- التهاب حاد في الرئتين (Pneumonia).[5]
- أمراض المناعة الذاتية، مثل اضطرابات النسيج الضام كالتهاب المفاصل الروماتويدي، والذئبة الحمامية الجهازية، وداء الأمعاء الالتهابي (IBD).[5][6]
- الخضوع لعمليات زراعة الأعضاء،[5] مثل:[5]
- الخضوع لعمليات زراعة القلب.
- الخضوع لعمليات زراعة الرئة، فقد يصاب ما يقارب 50% من هؤلاء المرضى بالتهاب القصيبات المسد.
- الخضوع لعمليات زراعة نخاع العظم، وتصل نسبة الإصابة بالتهاب القصيبات المسد إلى 10% خلال 5 سنوات بعد الخضوع لهذه العملية.
- متلازمة ستيفنز جونسون (SJS).[5]
- ردّ فعل تحسسي لتناول بعض الأدوية، مثل البنيسيلامين (Penicillamine).[5]
- استنشاق المواد الكيميائية والأبخرة السامّة، مثل:[6][7]
- ثنائي أسيتيل (Diacetyl).
- الأسيتالدهيد (Acetaldehyde).
- الفورمالدهيد (Formaldehyde).
- أكسيد المعادن (Metal oxide)، وأبخرة اللّحام.
- ثاني أكسيد الكبريت (Sulphur dioxide).
- غاز الأمونيا (Ammonia).
- حمض الهيدروليك (Hydrochloric acid).
- الكلور (Chlorine).
- غاز الخردل (Mustard gas).
- أوكسيدات النيتروجين (Nitrogen oxides).
أعراض التهاب القصيبات المسد
تبدأ الأعراض بالظهور عادةً بعد أسبوعين إلى ثمانية أسابيع من الإصابة بالالتهاب أو التعرّض لِمادّة كيميائية سامّة، أمّا في حالات زراعة الأعضاء كزراعة الرئة، فقد تستغرق عدة شهور أو سنوات،[7] إذ قد لا تكون واضحةً في بادئ الأمر، وإنما شبيهة بأعراض أمراضٍ رئوية أُخرى، وهذا يُصعّب تمييز الأعراض الطارئة بسهولة لدى مرضى الجهاز التنفسي، خصوصًا الربو المزمن (Asthma)،[4] ومن هذه الأعراض:[3][4]
- السعال الجاف، خصوصًا أثناء وبعد بذل مجهودٍ ما، وقد يكون مصحوبًا بالمخاط في بعض الأحيان.
- أزيز في الصدر.
- ضيق وصعوبة في التنفس، أثناء وبعد ممارسة الرياضة.
- التعب العام، دون سببٍ واضح.
- سرعة في التنفس.
- تهيّج مستمر في الجلد أو العينين أو الفم أو الأنف في حال كانت الإصابة ناتجة عن استنشاق مادة كيميائية سامّة.
- التعرّق الليلي.
مضاعفات التهاب القصيبات المسد
يسبب التهاب القصيبات المسد زيادة خطر الإصابة بحالاتٍ مرضيّة تنفسيّة، أكثرها شيوعًا:[5]
- عدوى الرئة مثل الالتهاب الرئوي (Pneumonia)، والتهاب الشعب الهوائية (Bronchitis).
- فشل وقصور الجهاز التنفسي، ممّا يُضعف قدرة المريض على التنفس والحصول على كمية كافية من الأكسجين وبالتالي قد يُهدّد حياته.
تشخيص التهاب القصيبات المسد
غالبًا ما يحدث التباس في تشخيص التهاب القصيبات المسد، فيُوصَف على أنه ربو أو التهاب في الشعب الهوائية وغيره من الأمراض الصدريّة، لذا يجب إطلاع الطبيب في حال التعرّض لأحد المواد الكيميائية السامّة ذات الصِلة بالتهاب القصيبات المسد، أو لدى استخدام أحد أنواع السجائر الإلكترونية،[7] وبعد التعرّف على التاريخ الطبي للمريض يخضع للفحص السريري،[8] وبعدها يُجري الطبيب بعض الفحوصات لتأكيد التشخيص:
- فحص وظائف الرئة، من خلال قياس حجم الزفير القسري (FEV1) والسعة الحيوية القسرية (FVC) التي تقيس كمية الهواء التي يمكن استنشاقها وإخراجها.[5]
- تنظير القصبات (Bronchoscopy)، يُجرى من خلال استخدام أداة خاصة مرنة متصلة بمصدر ضوئي صغير تسمح للطبيب برؤية ما بداخل الشعب الهوائية وأخذ خزعة نسيجية أيضًا.[4]
- التصوير بالأشعة السينية للصدر (Chest X-rays).[9]
- التصوير المقطعي المحوسب للصدر (CT scans).[9]
- إزالة خزعة من أنسجة الرئة وفحصها، وهو إجراء جراحي وضروري لتأكيد تشخيص الإصابة بالتهاب القصيبات المسد من عدمه.[9]
مراحل التهاب القصيبات المسد
أشار مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) إلى أن حالات التحسّن والاستجابة لعلاج مرض رئة الفشار تكاد تكون معدومة أو قليلة جدًا، وذلك لتشخيص الإصابة بهِ غالبًا في مراحلهِ المُتقدمة،[9] لذلك يحتاج المريض لتكرار إجراء فحص الرئة للاطمئنان على وضعه، وتتمثل مراحل التهاب القصيبات المسد كما هو بالجدول المُدرج أدناه،[10]
المرحلة | قياس مؤشرات فحص الرئة |
(No BO) |
|
(Potential BO) |
|
التهاب القصيبات المسد الطفيف (Mild BO) |
|
التهاب القصيبات المسد المتوسط (Moderate BO) |
|
التهاب القصيبات المسد الشديد (Severe BO) |
|
علاج التهاب القصيبات المسد
يُعدّ التهاب القصيبات المسد من الأمراض الرئوية والصدريّة التي يصعُب علاجها وذلك لتليُّف أنسجة الرئة وتضيّق الشعب الهوائية، إلا أنّ الطبيب قد يلجأ إلى بعض الخيارات العلاجية لتخفيف الأعراض والحدّ من أيّ تلفٍ رئوي إضافي، وتعتمد خيارات العلاج على تحديد السبب الأساسي للمرض وعلى شدته أيضًا، فكلمّا تأخّر تشخيصه أصبح الضرر أكثر حدّة والعلاج أصعب،[4] ويمكن أن تتضمّن خيارات العلاج:
- أدوية تُقلل من الإصابة بالالتهابات، ممّا يُساهم في منع تطوّر المرض، تشمل:[6][5]
- الستيرويدات القشرية (مشتقات الكورتيزون)، مثل بريدنيزولون (Prednisolone).
- المثبطات المناعيّة.
- مضادات الالتهاب، مثل أزيثرومايسن (Azithromycin).
- بخاخات ستيرويدية (أجهزة استنشاق الستيرويد) لتخفيف أعراض ضيق التنفس والأزيز.
- مُثبطات السعّال، في حال كان يمنع المريض من النوم ليلًا.
- أجهزة التنفس أو اسطوانات الأكسجين، التي تُعطى للمريض من خلال قناع الوجه أو عبر القنية الأنفية (Nasal Cannula)، وتستخدم عادةً في الحالات المتقدمة.
تجدر الإشارة إلى لجوء الأطباء في بعض الحالات الشديدة من التهاب القصيبات المسد إلى إجراء زراعة الرئة.[4]
الوقاية من التهاب القصيبات المسد
يُنصَح باتباع مجموعة من الإرشادات لتجنب الإصابة بالتهاب القصيبات المسد:
- تجنب التعرّض إلى المواد الكيميائية السامّة أو استنشاقها.[7]
- اتخاذ تدابير السلامة العامّة وارتداء معدّات الحماية اللازمة في حال الاضطرار إلى التعرض لأحد المواد الكيميائية.[7]
- الامتناع عن استخدام السجائر الإلكترونية والتدخين بجميع أشكاله.[7]
- تجنب التدخين السلبي بالتعرُّض للدخان المُنبعث من سجائر الآخرين.[3]
- الحرص على أخذ اللُقاحات المُقترحة من الطبيب للحد من الإصابة بالعدوى، خصوصًا الأطفال.[3]
- مراقبة الأعراض بعد الخضوع لأحد عمليات زراعة الأعضاء، خصوصًا القلب، والرئة، أو الخلايا الجذعية.[4]
- تجنب الذهاب إلى الأماكن التي قد يكثر التعرّض فيها لاستنشاق المواد الكيميائية والمواد السامّة، مثل المصانع ومواقع البناء.[4]
متى تجب مراجعة الطبيب؟
يجدر زيارة اختصاصي الأمراض الصدرية والتنفسية في حال كان المريض يواجه صعوبة في التنفس حتى مع استخدام بخاخات، أو في حال استخدام السجائر الإلكترونية أو الشعور بأحد الأعراض:[3][11]
- ضيق وصعوبة في التنفس حتى عند إجراء أدنى مجهود بدني.
- السعال الجاف المُستمر.
- صفير أو أزيز في الصدر.
هل تناول فشار الميكرويف آمن؟
أكدت الدراسات العلمية أن استنشاق أبخرة مادة ثنائي الأسيتيل (Diacetyl) المُستخدمة لتنكيه أكياس الفشار الميكرويف المُحضّرة مُسبقًا غير آمن ويؤدي للإصابة بمرض التهاب القصيبات المسد، لذلك في عام 2002 و2015 أزال المُصنّعون هذه المادة الكيميائية من أكياس فشار الميكرويف، ولم يعُد يُشكّل تناول فشار الميكرويف أيّ خطورة، ولكن لا يُستبعد استخدام مواد كيميائية أُخرى ضارّة في إنتاج أكياس الفشار.[12]
التهاب القصيبات المسد وعلاقته بالسيجارة الإلكترونية
بات استخدام السجائر الإلكترونية شائعًا في الوقت الحاضر وقد ارتبط ذلك بارتفاع معدّل الإصابة بالأمراض التنفسية، مثل التهاب القصيبات المسد، وذلك لِما تحتويهِ السيجارة الإلكترونية من سائل يتكوّن من مواد كيميائية سامة، مثل النيكوتين، إذ تُسخِّن السيجارة الإلكترونية بدورها هذه المواد حتى تتحوّل لبخار يستنشِقه الشخص مُسبّبةً الضرر في الرئة وما حولها، وأشار مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) أنّ عام 2020 سَجَّل ما يُقارب 2807 إصابة مؤكدة بأمراض الرئة المُرتبطة بتدخين السيجارة الإلكترونية و68 حالة وفاة.[11]