يُعد ضعف الحيوانات المنوية أو كما يُعرف بوهن النطاف (Low Sperm Motility/Asthenozoospermia) أحد أبرز الاضطرابات الصحية التي قد تصيب الحيوانات المنوية، وتؤثر على قدرتها على تخصيب البويضة، ومن ثم تأخُّر الحمل.[1]
حركة الحيوانات المنوية
تتميز الحيوانات المنوية طبيعيًا بقدرتها على الحركة، بما يتيح لها الوصول للبويضة ومن ثم تخصيبها، إذ تُقذَف الحيوانات المنوية أثناء الجماع في نهاية القناة المهبلية وتسبح خلال عنق الرحم ثم الرحم وصولًا إلى قناة فالوب، حيث تُخصّب البويضة،[2] وتُقدَّر الفترة الزمنية لرحلة الحيوانات المنوية خلال الجهاز التناسلي الأنثوي وصولًا إلى البويضة بنحو عشرة دقائق، تمر خلالها الحيوانات المنوية بظروف فسيولوجية مختلفة، قاطعةً مسافة تُقدَّر بنحو 19 سنتيمترًا.[1][2]
تتبِّع الحيوانات المنوية نوعين من الحركة:[2]
- الحركة التقدُّمية (Progressive): هي حركة الحيوانات المنوية في خطٍ مستقيم، أو في دوائر كبيرة، فتتقدّم للأمام لتتمكّن من قطع مسافة معينة أثناء حركتها.
- الحركة غير التقدُّمية (Non-Progressive): هي حركة الحيوانات المنوية في موضعها أو في دوائر ضيقة، دون أن تُحرز أي تقدم للأمام.
ومن الجدير بالذكر أن قدرة الحيوانات المنوية على الحركة تُعزى إلى آليات عدة يؤديها التركيب الهيكلي المعقد للحيوانات المنوية، إذ يتكون الحيوان المنوي من ثلاثة أجزاء: الرأس، والرقبة، والذيل أو كما يُعرف بالسوط (Flagellum).[1]
ما هو ضعف الحيوانات المنوية؟
ضعف الحيوانات المنوية هو اضطراب يتضمّن تراجع قدرة الحيوانات المنوية على الحركة، إذ يُشخَص المريض بضعف الحيوانات المنوية في حال كانت نسبة الحيوانات المنوية المتحركة حركةً تقدُّمية أو غير تقدُّمية في عينة السائل المنوي أقل من 40%، أو في حال كانت نسبة الحيوانات المنوية المتحركة حركةً تقدُّمية فقط أقل من 32%، وذلك وفقًا لما أقرّته منظمة الصحة العالمية (WHO).[1]
أسباب ضعف الحيوانات المنوية
تتنوع أسباب ضعف حركة الحيوانات المنوية بين اختلالاتٍ جينية، أو مشاكل صحية، أو عوامل بيئية،[3] ومن أبرز العوامل المُسبِبة لضعف الحيوانات المنوية:[1][4]
- دوالي الخصيتين (Varicocele): مشكلة صحية شائعة بين الذكور، وتتضمن تضخم غير طبيعي للأوردة في الخصيتين، مما يؤثر سلبًا على خصائص الحيوانات المنوية، مثل قدرتها على الحركة.
- الاختلالات الجينية: تشير عدّة أبحاث إلى العلاقة بين ضعف حركة الحيوانات المنوية وبعض التشوهات الجينية التي تؤثّر في تركيب ذيل الحيوان المنوي وقدرته الوظيفية، ولعل أبرزها الاعتلال الهدبي الأولي (Primary Ciliary Dyskinesia) (أحد الأمراض الوراثية النادرة التي تستهدف الأهداب المبَطّنة للشعب الهوائية في الجهاز التنفسي، مما يعيق قدرة الأهداب على الحركة، مسببًا تراكم المخاط، الذي ينجم عنه صعوبة التنفس وغالبًا ما يعاني الرجال المُصابين به من العقم [5])، إضافة إلى متلازمة كارتاجنر (Kartagener Syndrome) (أحد أنواع مرض الاعتلال الهدبي الأولي، وفيه تعجز الأهداب عن الحركة، فضلًا عن انعكاس موضع بعض أعضاء الجسم الداخلية[6]).
- بعض الطفرات الجينية التي تؤثّر على تكوين المُتقدرة (الميتوكندريون) (Mitochondria)، وهي أحد التراكيب المسؤولة عن إنتاج الطاقة اللازمة لحركة الحيوانات المنوية.
- إنتاج الجسم للأجسام المضادة للحيوانات المنوية (Anti-sperm Antibodies): أحد أمراض المناعة الذاتية التي يُنتج فيها الجهاز المناعي أجسامًا مضادة للحيوانات المنوية، إذ تلتصق الأجسام المضادة بسطح الحيوانات المنوية، ما يتسبب بتشابك الحيوانات المنوية ببعضها البعض مُعيقًا حركتها.
- طول مدة الامتناع الجنسي: فقد تتسبب طول مدة الامتناع عن الجماع بين الزوجين بتراكم الحيوانات المنوية في البربخ حيث لا تتوافر جميع الظروف المناسبة لها، ما قد يؤدي إلى تراجع قدرة الحيوانات المنوية على الحركة، لذا تُوصي منظمة الصحة العالمية ألا تقل مدة الامتناع الجنسي عن يومين، وألا تزيد عن أسبوع.
- التدخين.
- الكحوليات والمواد المخدرة، مثل مادة الماريغوانا.
- السمنة المفرطة.
- الإفراط في تناول اللحوم الحمراء.
- طول فترة استخدام الهاتف الجوال والحاسوب المحمول.
- قلة النوم.
- استخدام بعض العلاجات، مثل العلاج الكيميائي، وبعض علاجات الأمراض النفسية، مثل مادة الإيميبرامين (Imipramine) ومادة الكلوربرومازين (Chlorpromazine)، والعلاجات المُستَخدَمة للتحكُّم في نوبات الصرع، مثل مادة الفينيتوين (Phenytoin)، ومادة اللانسوبرازول (Lansoprazole) المُستَخدَمة لعلاج بعض الأمراض المعوية، فضلًا عن استخدام جرعات عالية من مادة الباراسيتامول (Paracetamol)، كما تجدر الإشارة إلى أن استخدام جرعات متوسطة من الأسبرين قد ينجم عنه ضعف حركة الحيوانات المنوية وبالأخص لدى الشباب، ولم يثبت الباحثون حتى الآن زوال آثار تلك الأدوية على الحيوانات المنوية بوقف استخدامها.
- التعرُّض للإشعاع: تُعد الخصيتين من الأعضاء شديدة الحساسية تجاه الإشعاع، فقد يتسبب التعرُّض للإشعاع بغرض تشخيص أو علاج بعض المشاكل الصحية، أو بفعل طبيعة العمل، أو لدى الطيران لارتفاعاتٍ عالية تتجاوز 10,000 مترًا بالتأثير سلبًا على شكل الحيوانات المنوية وقدرتها على الحركة.
- التعرُّض لدرجات حرارة مرتفعة.
- المُلوثات البيئية، مثل المبيدات الحشرية.
- الضغط العصبي والاكتئاب.
- الإصابة ببعض أنواع العدوى البكتيرية، مثل: المتدثرة (الكلاميديا) (Chlamydia)، والميورة الحالّة لليوريا (Ureaplasma)، أو العدوى الفطرية، مثل فطر المُبيضة البيضاء (Candida Albicans)، أو العدوى الفيروسية، مثل فيروس التهاب الكبد ب (Hepatitis B Virus)، وفيروسات الهربس البسيط (Herpes Simplex Viruses)، وفيروس كورونا المستجد.
- الندبات الناجمة عن التعرُّض لعدوى أو عملية جراحية.
- اختلال التوازن الهرموني.
- بعض المشكلات الصحية، مثل الداء البطني (الزُّلاقي) (Celiac Disease) (مرض مناعي يهاجم فيه الجهاز المناعي الخلايا المُبطِنة للأمعاء لدى تناول الجلوتين، وهو أحد البروتينات المتواجدة في بعض الأطعمة، مثل القمح [7]).
- الخصية المُعلّقة (عدم نزول الخصيتين من البطن إلى كيس الصفن [8]).
- نمط الحياة الذي يتضمّن الجلوس لفترات طويلة.
علاج ضعف الحيوانات المنوية
يعتمد علاج ضعف الحيوانات المنوية بدايةً على علاج المشكلة الصحية المُسبِبَة له،[3] وقد يصف الطبيب بعض العلاجات تبعًا لحالة المريض: [1]
- مثبطات إنزيم الفوسفوديستراز (Phosphodiesterase)، مثل: مادة بنتوكسيفيلين (Pentoxifylline)، ومادة أفانافيل (Avanafil).
- بعض المواد المضادة لهرمون الإستروجين، مثل مادة الكلوميفين (Clomiphene).
كما قد يسهم تناول بعض المكمّلات الغذائية في تحسين قدرة الحيوانات المنوية على الحركة، علمًا بأنه يجب استشارة طبيب المسالك البولية قبل البدء في استخدام أيًا من الفيتامينات أو المكملات الغذائية[3]، من العناصر المهمة لتعزيز حركة الحيوانات المنوية:[1][4]
- السيلينيوم (Selenium).
- فيتامين هـ (vitamin E).
- مساعد الإنزيم Q10 (Coenzyme Q10).
- الكارنيتين (l-carnitine).
- فيتامين ج (vitamin C).
- الليكوبين (Lycopene).
- الزنك.
- حمض الأسبارتيك (D-Aspartic Acid).
- حمض الفوليك.
بالإضافة إلى المكملات الغذائية التي تحتوي على خلاصة الحلبة أو عشب العبعب المُنوم (الأشواجاندا) (Ashwagandha) أو جذور الماكا (الجينسينغ البيروفي) (Maca root) أو نبات الحسك الأرضي (تريبولوس تيريستريس) (Tribulus Terrestris) أو عشب الموكونا (Mucuna Pruriens).[1][4]
ومن الجدير بالذكر أنه قد تسهم بعض التغييرات في نمط الحياة اليومي في علاج ضعف حركة الحيوانات المنوية:
- تجنُّب بعض الأطعمة، مثل: اللحوم المُصنَّعة، والدهون المتحولة، ومنتجات الحليب عالي الدسم، فضلًا عن منتجات فول الصويا والمنتجات المُعبّأة باستخدام مادة البيسفينول أ (Bisphenol-A) والأغذية التي سبق تعرُّضها لمبيدات الحشرات، لاحتوائهم على مركبات شبيهة بهرمون الإستروجين (هرمون الأنوثة)، إلى جانب ضرورة الاهتمام بتناول بعض الأغذية الصحية، مثل الأسماك، والخضراوات والفواكه، وبعض المكسّرات كالجوز.[4]
- الإقلاع عن التدخين، لأثره السلبي على عدد الحيوانات المنوية وقدرتها على الحركة، إذ ينصح الأطباء بالإقلاع عن التدخين لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر قبل محاولة الحمل.[4]
- ممارسة الرياضة، والحفاظ على الوزن ضمن المعدلات الطبيعية.[3]
- الحد من استخدام الهاتف الجوال.[3]
- الإقلاع عن الكحول والمواد المخدرة.[9]
- ارتداء ملابس داخلية فضفاضة وحماية الخصيتين من التعرُّض للحرارة لفترات طويلة.[9]
- تجنُّب الجلوس لفترات طويلة.[9]
كما تجدر الإشارة إلى إمكانية حدوث الحمل حتى مع ضعف الحيوانات المنوية،[3] وذلك باستخدام إحدى طرق التلقيح الحديثة:[9]
- التلقيح داخل الرحم (Intrauterine Insemination): تتضمن سحب عينة من السائل المنوي، وغسلها، ثم انتقاء أكثر الحيوانات المنوية سرعةً لحقنها داخل الرحم.
- الإخصاب في المختبر (أطفال الأنابيب) (In vitro Fertilization): وفيه تؤخذ البويضة من مبيض الزوجة بعد خضوعها لبعض العلاجات التي تحفز إنتاج البويضات، ثم تُلقَح البويضة داخل المختبر بالحيوانات المنوية من الزوج، لتُنقَل بعدها إلى رحم الزوجة.