يحدث تدلي أعضاء الحوض (Pelvic organ prolapse) عند نزول تراكيب الحوض عبر المهبل بسبب ضعف العضلات، أو الأربطة، أو الأجزاء المسؤولة عن تثبيت هذه التراكيب في مكانها، وقد يزيد من خطورة الإصابة بهذه المشكلة توفّر عوامل معيّنة، كالحمل، والولادة الطبيعيّة، والخضوع لجراحات معيّنة في منطقة الحوض، وفي الحقيقة ثمّة أنواعٌ مختلفة من الاضطرابات النسائيّة التي تندرج تحت مشكلة تدلي أعضاء الحوض، والتي صُنّفت بالاعتماد على نوع العضو المتأثّر في منطقة الحوض، أهمّها هبوط الرحم، والسقوط المهبلي؛ كهبوط المهبل الأمامي، وهبوط المهبل الخلفي، وتدلي قبو المهبل.[1][2]
ما هو تدلي قبو المهبل؟
عرّفت جمعيّة سلس البول الدوليّة (International Continence Society) حالة تدلي قبو المهبل (Vaginal vault prolapse) على أنّها نوعٌ من المشكلات التي يُصاحبها هبوط الكفة المهبليّة (Vaginal cuff)- أحد مكونات عمليّة استئصال الرحم طفيف التداخل - لأسفل نقطة تكون أقل بمقدار 2 سم من طول المهبل الكلّي فوق مستوى غشاء البكارة، كما يمكن تعريف تدلي قبو المهبل على أنّه إحدى المشكلات النسائيّة التي تحدث عندما يندفع الجزء العلويّ من المهبل ويبرز خلال المهبل أو إلى خارجه.[3][4]
أعراض تدلي قبو المهبل
قد لا تشعر المرأة بأيّ أعراض في حالات السقوط المهبلي أو تدلي قبو المهبل الطفيفة، ومع ذلك يُصاحب تدلي قبو المهبل في كثيرٍ من الأحيان ظهور أعراضٍ مختلفة،[5] أبرزها:[5][6]
- الإحساس بوجود ثقل أو ضغط أو امتلاء في منطقة المهبل.
- الشعور بنزول شيء واندفاعه للأسفل.
- الشعور بالألم أثناء الجماع.
- وجود مشكلات في التبرّز.
- المعاناة من ألم الظهر.
- حدوث نزيف في المهبل.
- وجود ألم في منطقة البطن.
- شعور مزعج شبيه بالجلوس على كرة، ويعود ذلك إلى بروز المثانة أو الرحم أو المستقيم إلى خارج المهبل.
- ضعف المثانة بسبب تضرّر أرضية الحوض، والذي يترتب عليه الحاجة للتبول باستمرار، أو المعاناة من صعوبة التبوّل.
تميل أعراض السقوط المهبلي للظهور أثناء الوقوف أو الجلوس أو الشدّ أو السعال، وغالبًا ما تختفي هذه الأعراض عند الاستلقاء والاسترخاء،[6] وعلى كلّ حال تشعر بعض النساء بالحَرَج الذي يمنعها من إخبار الطبيب حول طبيعة الأعراض التي تظهر عليها بسبب تدلّي قبو المهبل، وقد يُسفر عن ذلك صعوبة تقييم الأعراض، وعدم تشخيص المشكلة بدقّة وكفاءة، لهذا السبب تتوفّر حاليًّا استبيانات موثوقة وسهلة الفهم تساعد في تقييم شِدة أعراض تدلي قبو المهبل، ومعرفة تأثيرها في جودة حياة المريضة.[3]
مضاعفات تدلي قبو المهبل
قد تكون المرأة التي تعاني تدلي قبو المهبل عُرضةً للإصابة باختلالات أرضيّة الحوض، مثل فتق المستقيم (Rectocele)، والفتق المثاني (Cystocele)، والقيلة المعويّة (Enterocoele)، ممّا ينعكس سلبًا على جودة حياتها، وتبدأ في مواجهة مشكلات جنسيّة ومشكلات تتعلّق بوظائف الجهاز البولي والأمعاء، لذلك لا بُدّ من إجراء تقييمٍ دقيق لحالة المريضة قبل التخطيط للعلاج، إلى جانب تقديم الاستشارة الطبيّة المتخصّصة.[7]
عوامل خطورة الإصابة بتدلي قبو المهبل
يُعدّ استئصال الرحم (Hysterectomy) واحدًا من أكثر الإجراءات الجراحية النسائية تكرارًا لعلاج المشكلات الخبيثة أو الحميدة التي تؤثر في الإناث، إذ تُقدّر نسبة إجراء جراحة استئصال الرحم بحوالي 351 لكل 100 ألف شخص سنويًّا، وتجدر الإشارة إلى ارتفاع خطورة حدوث تدلي أعضاء الحوض بعد الخضوع لجراحة استئصال الرحم،[8] لذلك يُعدّ تدلي قبو المهبل واحدًا من المضاعفات الشائعة بعد الخضوع لعمليّة استئصال الرحم عن طريق المهبل.[3]
كما تؤثر في احتماليّة الإصابة بتدلي قبو المهبل عوامل أُخرى:[3][6]
- الولادة الطبيعية عبر المهبل، إذ لوحظ ارتفاع خطورة حدوث هبوط للأعضاء التناسليّة بمقدار 12 ضعف في حالة تكرار الولادة الطبيعيّة 4 مرات أو أكثر في سنّ الإنجاب.
- التقدم في السنّ.
- الخضوع مسبقًا لعملية جراحيّة بهدف إصلاح اختلال دعم أعضاء الحوض.
- حدوث العيوب التكوينية.
- العرق.
- اتباع نمط حياة معيّن.
- الإصابة بأمراضٍ مزمنة تزيد من الضغط في منطقة البطن، كالسمنة، والإمساك المزمن، وأمراض الرئة.
- وجود اختلال في أرضيّة الحوض قبل الخضوع لعملية استئصال الرحم.
- تكرار العادات التي تنطوي على زيادة الضغط المؤثر في منطقة البطن، كحمل الأشياء الثقيلة، والإجهاد أثناء التبرّز.
علاج هبوط المهبل
يُعرف تدلي أعضاء الحوض أيضًا باسم هبوط المهبل أو السقوط المهبليّ، وفي الحقيقة يضمّ هبوط المهبل مشكلاتٍ مختلفة تؤثر في منطقة الحوض، كـتدلي قبو المهبل، وعمومًا، يعتمد اختيار علاج هبوط المهبل على شِدة الأعراض المُصاحبه للمشكلة وعلى عوامل أخرى، كالعمر، والرغبة في الإنجاب، والاحتفاظ بالرحم، وطبيعة العضو الذي تعرّض للمشكلة، ومقدار كفاءة العلاجات غير الجراحيّة، ووجود سلس بولي أو مشكلات صحيّة أُخرى، وفي هذا السياق يُذكر بأنّ الخيارات العلاجيّة المتاحة لحالات السقوط المهبلي أو تدلي قبو المهبل قد تنطوي على اتباع طرق العلاج الجراحيّة أو طرق العلاج غير الجراحيّة.[2][5]
العلاج غير الجراحي لهبوط المهبل
قد يُفيد العلاج غير الجراحي في الحالات التي تكون فيها الجراحة غير مناسبة لعلاج هبوط المهبل، ومع ذلك يجب الإشارة إلى كونه قد لا يعالج هبوط المهبل كليًا،[6][7] وإنّما يُسهم في تحسين نوعيّة حياة المرأة المصابة:[6][7]
- تمارين أرضية الحوض، وتُعرف أيضًا باسم تمارين كيجل (Kegel exercises)، إذ تساعد هذه التمارين في تقوية عضلات أرضيّة الحوض، بالأخص تِلك العضلات المحيطة بالمهبل، والإحليل، والمستقيم، ممّا يسهم في تخفيف الأعراض المزعجة المصاحبة لمشكلة السقوط المهبلي وتخفيف حِدتها، ويُشار إلى إمكانيّة تطبيق تمارين كيجل أثناء الوقوف، أو الجلوس، أو الاستلقاء، وتنطوي هذه التمارين على شدّ العضلات في منطقة الحوض لمدّة 1-2 ثانية، يلي ذلك إرخاء العضلات لمدّة 10 ثوان قبل البدء بشدّ العضلات مرّةً أُخرى، ويُفضّل زيادة طول مدّة شدّ العضلات تدريجيًّا إلى أن تصل في المرّة الواحدة لـ 10 ثوانٍ، وبعدها يُكرّر التمرين 10 مرات متتالية مع تطبيقه عِدة مرات خلال اليوم، ومع ذلك، لا تتوفّر أدلّة كافية تدعم دور تمارين أرضيّة الحوض في تحسين مشكلة هبوط المهبل التي تعانيها المرأة.
- الكعكة المهبلية أو الفرزجة المهبلية (Pessaries)، وهي عبارة عن تحميلة مصنوعة من مادّة السيليكون، ومتوفّرة على شكل غشاء، أو مكعب، أو مُدوّرة كقطعة الدونات، تُوضع داخل المهبل بهدف توفير الدعم لأعضاء منطقة الحوض، وقد تُفيد هذه الطريقة في علاج السقوط المهبلي في حالة عدم الرغبة بالخضوع للجراحة، أو أنّها تُستخدم بهدف توفير الدعامة الملائمة لأعضاء الحوض أثناء انتظار موعد الخضوع للجراحة.
- تجنّب ممارسة الأفعال التي قد تتسبب بزيادة الضغط على منطقة الحوض، كحمل الأشياء الثقيلة، بالإضافة إلى علاج المشكلات الصحية التي تسبب إجهادًا لمنطقة الحوض، مثل الإمساك والسعال المزمن.
العلاج الجراحي لهبوط المهبل
تهدف الجراحة في حالات تدلي قبو المهبل وهبوط المهبل عمومًا إلى استعادة توفير الدعم الطبيعيّ والملائم للمهبل، مع المحافظة على كفاءة المهبل والقدرة على الجماع،[3] وحقيقةً تُصبح الجراحة خيارًا مطروحًا في حال استمرّت أعراض هبوط المهبل رغم ممارسة تمارين أرضيّة الحوض واستخدام تحميلة المهبل، وذلك نظرًا لكفاءة العلاج الجراحي مقارنةً بالطرق غير الجراحيّة، كما يُفيد العلاج الجراحي في حالة عدم رغبة المرأة باستخدام التحميلة المهبليّة لدعم هبوط المهبل،[6][7] وعليه يتوفّر نوعين من جراحات علاج هبوط المهبل وتدلي قبو المهبل:[6][7]
- الجراحة المهبلية: تُجرَى الجراحة المهبليّة من خلال المهبل بدلًا من اللجوء لعمل جرح خارجيّ في البطن، وتضمّ الجراحات المهبليّة التي قد تُستخدم لعلاج تدلي قبو المهبل أنواعًا مختلفة، مثل تقنية رأب الردبة لـِماكال (McCall’s culdoplasty)، والتثبيت العجزي الشوكي (Sacrospinous fixation)، والتثبيت الحرقفي العصعصي (Iliococcygeal fixation)، والتعليق الرحمي العجزي (Uterosacral suspension).
- الجراحة البطنية: يُجري الطبيب شقًّا جراحيًّا واحدًا أو أكثر في البطن لعلاج مشكلة تدلي قبو المهبل والسقوط المهبلي عمومًا، وقد يتبع في الجراحة البطنيّة طريقة فتح البطن (Laparotomy) التي تتضمّن إجراء شق جراحي بطول بضعة سنتيمترات في البطن، وفي حالات أُخرى يتبع الطبيب طريقة جراحة تنظير البطن (Laparoscopy) التي تستدعي إجراء عِدة شقوق صغيرة في الجزء السفلي من البطن بهدف إدخال المنظار والأدوات الجراحيّة خلالها ، ومن الجراحات البطنيّة التي قد تُستخدم لعلاج تدلي قبو المهبل:
- تثبيت المهبل العجزي البطني (Abdominal sacrocolpopexy)، إذ توصّلت دراسة نُشرت في مجلة (Cureus) عام 2023 ميلادي إلى أنّ تثبيت المهبل العجزي البطني قد يُساعد على علاج تدلي قبو المهبل بعد استئصال الرحم بأمان وفعاليّة كبيرة، ويُفضّل فيه استخدام شبكة دائمة مصنوعة من مادة البولي بروبلين (Polypropylene).
- تثبيت المهبل العجزي عن طريق المنظار (Laparoscopic sacrocolpopexy).
- غلق المهبل (Colpocleisis)، وفيه تُغلق قناة المهبل لمنع هبوط أعضاء الحوض، ويمكن استخدام هذه الجراحة في حالات هبوط المهبل أو تدلي قبو المهبل الشديد، والحالات التي لا تخطّط فيها المرأة للجماع لاحقًا بعد العمليّة.
توصّلت دراسة نُشرت في مجلة (European Journal of Obstetrics & Gynecology and Reproductive Biology) في عام 2018 ميلادي إلى أنّ استخدام التقنية المُعدّلة لجراحة رأب الردبة (المهبليّة) لماكال، أو التقنية المُعدّلة لجراحة تعليق شل (Shull suspension) – تُعرف أيضًا باسم تعليق الأربطة الرحميّة العجزية بالمنظار (Laparoscopic high uterosacral ligament suspension) – قد أظهر درجة عالية من الأمان والفعاليّة في منع حدوث تدلي قبو المهبل لدى النساء اللواتي خضعن لاستئصال الرحم عبر المهبل، إلى جانب إسهام هذه التقنيات في تحسين جودة الحياة وطبيعة العلاقة الجنسيّة بين الزوجين بعد الجراحة،[9] لذلك يُوصَى بضرورة إضافة تقنيات جراحة تعليق قبو المهبل المختلفة إلى جانب جراحة استئصال الرحم لعلاج الهبوط كجزء أساسي من خطّة إعادة ترميم المهبل،[10] ويُشار إلى أنّ زيادة الإدراك والمعرفة حول التركيب التشريحي لأعضاء الحوض والتقنيات الجراحيّة المُستخدمة في وقت إجراء استئصال الرحم يُسهم بشِدة في تقليل حدوث تدلّي قبو المهبل لاحقًا.[3]