انتشرت في العقود الأخيرة عملية تطويل العظام لأغراض علاجية وتجميلية بغرض تحسين المظهر العام لدى مَن يعانون من مشاكل في طول القامة، إذ استطاعت عملية تطويل العظام تحقيق النجاح واكتساب رضا المرضى وإقبالهم وفقًا للدراسات والأبحاث المنشورة، وذلك بتقديمها الحل لأولئك الذين يعانون من تشوهات العظام سواءً المكتسبة أو التكوينية (منذ الولادة) كالتقزم وغيرها، والتي تؤثر مباشرة في قدرتهم على أداء المهام والنشاطات اليومية بطريقة طبيعية مثل أقرانهم.[1][2]
عملية تطويل العظام عن طريق المسمار المغناطيسي (بريسايس)
تتميز طريقة تطويل العظم بالمسمار المغناطيسي/بريسايس (The PRECICE magnetic internal lengthening nail) بعدم الحاجة لوجود مثبت خارجي، إذ تتطلب فقط إدخال مسمار مغناطيسي عبر فتحة صغيرة في الجلد، بعد ذلك تتعرّض يوميًا لمجال مغناطيسي مُسببًا تمدد المسمار بمقدار 1ملم يوميًا (~1mm/يوم)، من إيجابيات طريقة بريسايس PRECICE بأنّها أكثر راحة للمريض،[3][4] كما أنّها لا تترك ندبا واضحة، ممّا يجلعا الخيار الأمثل للمرضى، خصوصًا الإناث.
تاريخ عمليات تطويل العظام وبداية ظهورها
يعود تاريخ عمليات تطويل العظام لبدايات القرن العشرين عندما أجراها الجراح الإيطالي كوديفيلا (Codivilla) في العام 1905، وقد خضعت منذ ذلك الوقت للعديد من التغييرات والتطورات على يد مختصين في هذا المجال ممّا جعلها تصل إلى ما وصلت عليه الآن، وللطبيب الروسي جرافيل إليزاروف (Gavril Ilizarov) اليد الطُولى في تحسين وتطوير عمليات تطويل العظام التي أجرى أولاها بنجاح في العام 1954 باستخدام مثبت خارجي على شكل حلقات دائرية متصلة بأسلاك وقضبان ملتوية من المعدن تُثبَّت حول الساق لتضمن تطويل العظم التدريجي وفق معايير مدروسة.[1][5][6]
يعتمد مبدأ تطويل العظام وفقًا لطريقة إليزاروف أو ما تُعرَف بالتطويل بالمثبتات الخارجية (Limb lengthening with external fixation) على فصل العظام عن بعضها البعض بإجراء عملية جراحية وتركيب مثبت خارجي يعمل على إبعاد العظم المفصول تدريجيًا بمقدار واحد ملم يوميًا (ا ملم/يوم)، إّذ تُحرّض عملية مباعدة العظام عن بعضها نمو أنسجة عظم جديدة في الفراغات التي نشأت عن تباعد العظام عن بعضها، وذلك بالتزامن مع تحفيز نمو الأوعية الدموية وأنسجة العضلات والجلد أيضًا في موضع التطويل، ممّا يزيد في طول قامة المريض بمقدار يصل الى 15 سنتيمترًا في حده الأقصى.[7][8][6]
الأجهزة المتوفرة لتطويل العظام
يُعد جهاز اليزاروف الحلقي الجهاز الكلاسيكي لتطويل القامة، لكن حجمه الكبير هو أحد أشهر عيوبه، ثم طوّر الطبيب الإيطالي (De Bastiani) جهاز التطويل ليكون أصغر حجمًا (Monoplanar external fixator)، بعد ذلك صمم الطبيب الأمريكي (Dror Paley) طريقة جديدة بدمج المثبت الخارجي مع مسمار نخاعي (ما يسمى بطريقة LON) لتقليل فترة التعافي، توالت بعد ذلك عدة تصميمات لمسمامير نخاعية لزيادة الطول، منها ISKD, Fitbone، Presice nail، ومن أكثر المسامير النخاعية استخدامًا في السوق الآن هو جهاز (Precise nail) أمريكي الصنع، إلى جانب جهاز (Taylor Spatial Frame) الذي يُستخدم عند وجود اعوجاج العظم.[1][5][9][10][11]
المؤهلون لإجراء عملية تطويل العظام
تقريبًا كل الاشخاص مؤهلون لعمليات تطويل القامة، على أن يراعي الطبيب عددًا من العوامل قبل توكيد قابلية المريض للخضوع لعمليات تطويل العظام، مثل العمر وحالته الصحية وطبيعة المشكلة التي يعاني منها، ومدى قدرته على التعاون والالتزام بالتعليمات بعد إجراء العملية، وذلك لضمان تحقيق أفضل النتائج وتجنب المضاعفات المحتملة،[8][12] من أبرز المعايير المعتمدة لإقرار إجراء عملية تطويل العظام من عدمها:
- مواجهة المريض لصعوبات وعقبات متعدّدة أثناء أداء النشاطات والمهام اليومية الاعتيادية، مثل قيادة السيارة أو الدراجة وغيرها، بسبب قصر القامة (التقزم) الناجم عن تشوهات واختلالات في طول عظام الأطراف، مثل الودانة (تشوهات هيكلية موروثة) Achondroplasia أو نقص التنسج الغضروفي (Hypochondroplasia) أو غيرهما.[13][14]
- المعاناة من تشوهات في العظام بسبب إصابات مباشرة أو أورام.[15]
- اختلال في طول الساقين، بأن تكون إحداها أقصر من الأخرى لأسباب تكوينية (منذ الولادة).[15]
- زيادة الطول لأغراض تجميلية للراغبين بزيادة طولهم، إذ انتشرت في الفترة الأخيرة عمليات التجميل من هذا النوع، خصوصًا مع تطور الطرق والتقنيات المستخدمة في تطويل العظام،[13] ولا يوجد حد عمري معين لإجراء هذه العملية لكن يُنصَح بإجرائها دون سن 45 عامًا.
التشخيص والفحوصات قبل عملية تطويل العظام
يقيّم الطبيب المختص حالة المريض عبر مجموعة من الفحوصات التشخيصية قبل البدء بإجراءات عملية تطويل العظام:[8][16]
- الفحص الجسدي (السريري) للتحقق من صحة العضلات في الأطراف العلوية والسفلية، ومدى حركتها.
- التصوير الإشعاعي لتقييم حالة عظام ومفاصل الأطراف السفلية، قد تشمل التصوير المقطعي المحوسب (CT).
- تحاليل الدم، في بعض الحالات.
عملية تطويل العظام بطريقة المثبت الخارجي
تشمل عملية تطويل العظام سلسلة من المراحل تتضمّن كل منها مجموعة من الخطوات:
- مرحلة تركيب المثبت الخارجي:
تتضمن تخدير المريض (تخدير عام/كلي)، ثم إجراء شق في العظام المراد تطويلها وتثبيت الطرف العلوي والسفلي للعظام حول الشق بجهاز المثبت الخارجي لاستمرارية مباعدة العظام خلال الفترة اللاحقة.[7]
- مرحلة مباعدة العظام (Distraction):
تبدأ هذه المرحلة بعد 5 إلى 7 أيام تقريبًا من العملية، من خلال استخدام الجهاز المثبت خارجيًا لمباعدة العظم بالتدريج وببطء، إذ أشارت الدراسات إلى أنّ المعدل الأفضل تحقيقه لمباعدة طرفي العظم يكون بمقدار 1 مليمتر في اليوم الواحد، بواقع 0.25 مليمتر 4 مرات في اليوم، لضمان نمو أنسجة العظام وما يحيطها بنجاح وبأقل المضاعفات، تستمر هذه المرحلة حتى الوصول للطول المرغوب والمتفق عليه بين الطبيب والمريض.[5]
- مرحلة اندماج العظم الجديد وتصلبه (Consolidation):
يبقى الجهاز مثبتًا حول العظام بعد الوصول للطول المطلوب مع التوقف عن مباعدتها، حتى يُعطى العظم المتكوّن الفرصة للاندماج والتصلب بما يضمن أداؤه لمهامه لاحقًا ولتقليل المخاطر والمضاعفات المحتملة، قد تمتد هذه الفترة لتكون أطول من مرحلة مباعدة العظم بمقدار الضعف تقريبًا.[5][15]
- إزالة الجهاز (المثبت الخارجي):
اعتمادًا على حالة العظام المتكونة ومدى صلابتها يتقرّر إزالة الجهاز عبر إجراء جراحي آخر، إذ يعتمد الجراح على الفحص السريري والصور الإشعاعية لتقييم الحالة التي وصلت لها العظام.[15]
بعد تركيب الجهاز (المثبتات الخارجية): نصائح وتعليمات
بعد تركيب المثبتات الخارجية بإجراء جراحي يبقى المريض تحت المراقبة المباشرة من الفريق الطبي للتحقق من أنّ عملية تطويل العظم تسير كما ينبغي لها دون أي مضاعفات،[16] يشعر المريض بألم وتورم الساق بعد عملية تركيب المثبت الخارجي حول العظم، لكنها من الأمور الشائعة بعد العملية ولا تستدعي القلق، ويمكن السيطرة على الألم بتناول المسكنات التي يوصي بها الطبيب، وتخفيف التورم برفع الساق، والعلاج الطبيعي، وأداء تمارين معينة،[15] يُذكَر بأنّ المريض قد يبقى في المستشفى لمدة تتراوح 4 أيام أو أكثر بعد العملية.
ثم يُوصى المريض بمجموعة من التعليمات خلال فترة تركيب الجهاز (المثبت الخارجي) لضمان الحصول على أفضل النتائج:[17][16]
- الحرص على الحركة وأداء بعض النشاطات بعد اليوم الأول أو الثاني من العملية، يمكنه البدء مع الاستعانة بالعكازات أو ما شابه.
- تعقيم موضع انغراز الجهاز في العظم عبر الجلد، ومراقبة ظهور أي علامات تُدلل على العدوى وإعلام الطبيب فور حدوث ذلك.
- استخدام العكازات أثناء المشي، لتخفيف ضغط وزن الجسم على الساقين.
(LON عملية تطويل العظام بطريقة المثبت الخارجي المدمج مع مسمار نخاعي (طريقة
تتميز طريقه ((LON) Lengthening over a nail) باستخدام مسمار نخاعي داخلي مع المثبت الخارجي، هذا المسمار النخاعي يُسهم في ثتبيت العظم بعد التطويل مما يسمح بإزالة المثبت الخارجي مبكرًا، تقريبًا خلال فترة شهر أو شهرين بعد العملية، وفي حال عدم استخدام المسمار النخاعي يجب أن يبقى المثبت الخارجي (أعلاه شرح وافِ لها) لمدة تزيد عن 4 أشهر، إذ تتحدّد مدة بقاء المثبت أو نزعه وفقًا لتقييم مباشر من جراح العظام المسؤول عن الحالة.[8][18]
مضاعفات عملية تطويل العظام
قد ينجُم عن عملية تطويل العظام مجموعة من المضاعفات النادرة، أشارت الدراسات الاستقصائية إلى أنّ معدل حدوثها ينخفض كثيرًا مع زيادة خبرة ومهارة الجراح،[12] من أكثر المضاعفات الشائعة المرافقة لعملية تطويل العظام:
- إصابة الأوعية الدموية والأعصاب القريبة من موضع تطويل العظم أثناء العملية.[17][15]
- تقلص وانكماش الأوتار القريبة من موضع تطويل العظم.[15]
- احتماليّة كسر العظم الجديد المتكوّن بعد إزالة المثبتات الخارجية، أو إصابته بالهشاشة.[17][15]
- تيبُس المفصل القريب من العظم، أو تحركه من مكانه.[17][15]
- الإصابة بالعدوى بموضع انغراز قضبان المثبت الخارجي في الجلد، يُدلل عليها احمرار المنطقة وتورمها، أو خروج إفرازات عبرها.[15]
- التهاب العظم والنقي (Osteomyelitis).[12]
- تقوس الساقين.[12]
فترة التعافي بعد عملية تطويل العظام
يبقى المريض تحت المراقبة المباشرة من طبيبه خلال فترة تطويل العظام، ويمكن أن يخضع خلالها للتصوير الإشعاعي للتحقق من حالة العظام وضمان بقائها بحالة جيدة ومراقبة أي مضاعفات قد تنشأ، وتحديد الموعد الأنسب لإزالة جهاز تطويل العظام، على أن يحافظ المريض على الزيارات الدورية للطبيب وفقًا للمواعيد المحددة.[18]
يُذكَر بأنّ فترة بقاء الجهاز مثبتًا حول الساق تعتمد على الطول المطلوب والطريقة المتبعة في عملية التطويل، فمثلًا طريقة المثبت الخارجي لوحده (طريقة اليزاروف التقليدية) يحتاج خلالها كل سنتيمتر واحد (1 سم) إلى 20 يومًا من بقاء المثبت الخارجي، فإذا كان مقدار زبادة الطول التي يرغب بها الشخص 5 سنتيمتر، ينبغي عندها أن يبقى الجهاز لمدة 100 يوم على الأقل، وقد تصل إلى 5 أشهر، أما التطويل بطريقة (LON) فلا يتطلب وجود المثبت الخارجي لفترة تتجاوز الشهرين.
نسبة نجاح عملية تطويل العظام
يمكن تحقيق أفضل النتائج بعد عملية تطويل العظام بالالتزام بالتعليمات واتباع النصائح التي يوجهها الطبيب للمريض، كما تلعب خبرة الطبيب دورًا كبيرًا في الحصول النتائج المرجوّة، لِذا لا بُد أن يحرص المريض على انتقاء طبيب يتمتّع بخبرة ومهارة عالية، وقد سبقت الإشارة إلى أنّ نسبة نجاح عملية تطويل العظام التي تُجرى لأغراض تجميلية بلغت 96.7% لتعكس نسبة رضا المرضى وقدرة الإجراء في تحسين مستوى انخراطهم في النشاطات الاجتماعية المختلفة.[1]