تُعدّ العدوى الفيروسيّة أحد أكثر المُسببات شيوعًا للإصابة بالتهابات الكبد، وعليه، يُصنّف التهاب الكبد تِبعًا لنوع الفيروس المُسبب للعدوى إلى التهاب الكبد ب، والتهاب الكبد سي، والتهاب الكبد د، والتهاب الكبد هـ، كذلك التهاب الكبد أ،[1] ولدى الحديث عن التهاب الكبد أ، تشير دراسة نشرتها مجلة (World Journal of Clinical Cases) في عام 2018 ميلادي إلى تسجيل حوالي 1.5 مليون حالة سريريّة للإصابة بفيروس التهاب الكبد أ سنويًّا على الصعيد العالميّ، وتشهد الدول الفقيرة نسبة انتشار تفوق 90% مقارنةً بغيرها من الدول ذات الدخل المرتفع أو المتوسط، ويعود ذلك إلى ارتباط ارتفاع معدلّات العدوى بانعدام الوصول إلى مصادر المياه الآمنة، وانخفاض مؤشرات الرفاه الاقتصاديّ والاجتماعي لدى تلك الدول.[2]
ما هو التهاب الكبد أ؟
يُعرَّف التهاب الكبد أ أو التهاب الكبد (A) (Hepatitis A) على أنّه التهابٌ حادٌ يُصيب الكبد جرّاء التعرض لفيروس التهاب الكبد الوبائي أ (The hepatitis A virus or HAV) وتضاعفه في خلايا الكبد، اُكتِشف هذا الفيروس عام 1973 ميلادي، ويُعدّ واحدًا من المسببات الشائعة حول العالم لالتهابات الكبد الحادّة التي تتعافى من تلقاء ذاتها، وهو لا يسبب التهاب الكبد المزمن بعكس بقية أنواع الفيروسات، ويُطلق على فيروس التهاب الكبد الوبائي أ اسم فيروس الحمض النووي الريبوزي (RNA) منفرد السلسلة موجب الاتجاه (Positive-sense single-stranded RNA virus)، الذي ينتمي لجنس "فيروس الكبد" (Hepatovirus)، ولعائلة الفيروسات البيكورناوية (Picornaviridae)،[3][4] وقد انخفضت معدلات الإصابة به في الدول المتقدمة تدريجيًّا بعد استحداث لقاح ضدّ فيروس التهاب الكبد الوبائي أ واتباع إجراءات التعقيم، ومع ذلك، فقد عاد خلال السنوات الأخيرة الماضية للتفشي فيها لعِدة أسباب محتملة.[3][5]
يبلغ متوسّط فترة حضانة فيروس التهاب الكبد الوبائي أ حوالي 28 يومًا، وغالبًا ما يصبح المصاب ناقلًا للعدوى قبل ظهور أعراض التهاب الكبد الحادّ بأسبوعين، وتستمرّ قابليّة نقله للعدوى مدّة تتراوح بين 1-2 أسبوع بعد ظهور أعراض التهاب الكبد الحادّ.[5]
كيف تنتقل عدوى التهاب الكبد أ؟
يتفرّد جسم الإنسان بكونه المضيف الوحيد لفيروس الكبد أ من الثدييات، وتتنوع طرق انتقال العدوى الفيروسيّة إليه، ويُعدّ الطريق الشرجيّ الفموي (Fecal-oral route) أكثرها شيوعًا، ويتمثّل بدخول البراز المحمل بالفيروس إلى الفمّ، وذلك عن طريق تناول الأغذية أو شرب المياه الملوّثة بهذا البراز، ولا بُدّ من الإشارة إلى أن تسخين الطعام على درجة حرارة مناسبة تفوق (85) مئوية كفيلة بالقضاء على الفيروس ومنع انتقاله.[5][6]
يساعد الاحتكاك المباشر بالمصابين على التقاط عدوى التهاب الكبد أ بسهولة، سواءً أكان ذلك بالاتصال الجنسيّ أو نتيجة الاحتكاك المباشر مع أفراد العائلة، خصوصًا لدى ملامسة المقتنيات الشخصية المُلوثة بالبراز، بالإضافة إلى مشاركتهم الحُقن المستعملة، كما يستطيع فيروس الكبد أ البقاء حيًا على الأسطح لعدة أشهر، ويتميّز بأنّه مقاومٌ للعديد من المواد الكيميائية باستثناء محلول الكلور أو المُبيّض (Hypochlorite)، لذا يُنصح باستخدامه لتعقيم الأسطح باستمرار للسيطرة على العدوى حال حدوثها.[5][6]
أعراض التهاب الكبد أ
تختلف طبيعة الأعراض المُصاحبة لالتهاب الكبد أ تِبعًا لعمر المصاب، إذ إنّ حوالي 80% من حالات الإصابة بالتهاب الكبد أ لدى الأطفال الذين تقلّ أعمارهم عن 6 سنوات غير مصحوبة بظهور أيّة أعراض، أو تتسبّب في تطوّر أعراض طفيفه،[7] على عكس البالغين، فقد يكون التهاب الكبد A لدى هذه الفئات مصحوبًا بظهور بعض الأعراض المختلفة:[4][8]
- الشعور بالتوّعك أو الإرهاق.
- الحمّى.
- الغثيان أو التقيؤ.
- فقدان للشهية.
- اليرقان أو الصفار.
- ألم في الربع العلويّ الأيمن من البطن.
- الشعور بآلام عضليّة (Myalgia).
- براز باهت اللون وبول داكن.
تزول أعراض التهاب الكبد أ في معظم الأحيان بعد مضيّ شهرين تقريبًا على بدء ظهورها، ولكنّها قد تستمر لدى البعض لفترةٍ أطول، أو يتكرّر ظهورها مرّةً أُخرى لكن لمدة لا تزيد عن ستة أشهر، ومن الجدير بالذكر تعافي غالبية المصابين بالتهاب الكبد أ كليًا، وتندُر الإصابة بمضاعفاتٍ خطيرة عقب ذلك.[8]
مضاعفات الإصابة بالتهاب الكبد الوبائي أ
يعاني بعض مرضى التهاب الكبد أ من حالة تُعرف باسم الرُّكود الصفراوي (Cholestasis)، والتي تستمرّ أعراضها في معظم الأحيان لفترةٍ طويلة، وقد يصاحبها ظهور مجموعة من الأعراض، كالإسهال، واليرقان، والحكّة، ونزول الوزن، واستمرار الحمّى، والشعور بالتوّعك.[8]
وفي حالاتٍ نادرة، تتطوّر لدى المصاب بالتهاب الكبد أ واحدة من المضاعفات الشديدة التي تُعرف بـ "التهاب الكبد الخاطف" (Fulminant hepatitis)، وهو قصور الكبد الذي يظهر على المصاب خلال فترة قصيرة، ويصاحبه ظهور أعراض الإصابة بالاعتلال الدماغي الكبدي (Hepatic encephalopathy)، ويكون فيه مؤشر سيولة الدم أو النسبة المعيارية الدولية (INR) أعلى من 1.5، ولكن لا يكون مصحوبًا بوجود مرضٍ مزمن.[8][9]
عوامل خطورة الإصابة بالتهاب الكبد أ
تزيد بعض العوامل من خطر الإصابة بالتهاب الكبد أ:[4][5]
- ملامسة المصاب بالعدوى مباشرةً.
- إشغال وظيفة معينة، كالعمل بالقرب من مناطق الصرف الصحّي، أو العمل مع موظّفي الإغاثة، أو دور الرعاية.
- الشذوذ الجنسيّ.
- تعاطي المخدرات بواسطة الحقن.
- السفر إلى بلدٍ آخر، خصوصًا عند الانتقال من الدول المتقدّمة ذات الدخل المرتفع إلى المناطق الموبوءة، سواءً كانت في آسيا، أو أفريقيا، أو أجزاء من أمريكا الوسطى والجنوبيّة.
- دخول السجن.
- العيش بلا مأوى أو سكن ثابت.
علاج التهاب الكبد أ
لا تتوفّر أدوية أو طرق طبيّة تساهم في علاج التهاب الكبد أ، إذ لا حاجة للعلاج في معظم حالات الإصابة بالتهاب الكبد أ الحادّ وغير المصحوب بمضاعفات،[4][8] ولكن ثمّة مجموعة من الخيارات المطروحة التي قد تسهم في تخفيف أعراض التهاب الكبد أ والسيطرة عليها، كذلك إيجاد الحلول للمضاعفات التي قد تترتّب على حدوث الالتهاب.[10]
الرعاية الصحية الداعمة للمريض
تُشكّل الرعاية الداعمة خطوة أساسيّة في خطّة علاج المصاب بالتهاب الكبد أ، إذ يتعيّن على المصاب اتباع توصيات الطبيب بشأن تغيير أسلوب حياته بما يعود بالنفع على صحّته:[8][10]
- الامتناع عن تناول المشروبات الكحوليّة بهدف تقليل مقدار التلف الذي يتعرّض له الكبد.
- الاستلقاء والتزام الراحة قدر المستطاع، وتأخير العودة للعمل أو الوظيفة مدّة 10 أيام على الأقل بعد بدء ظهور أعراض اليرقان (الصفار)، رغم غياب الأدلّة التي تدعم ضرورة اتّباع المصاب لهذا الإجراء.
- تقييد التنقل، بالأخص خلال المراحل المبكّرة من المرض.
- تناول وجبات الطعام الصحيّة والمتوازنة.
العلاجات الدوائية للسيطرة على أعراض التهاب الكبد أ
يوصي الطبيب في بعض الحالات باستخدام أنواعٍ معيّنة من الأدوية لتخفيف الأعراض التي يعانيها المصاب والسيطرة عليها:[8][10]
- دواء كوليسترامين (Cholestyramine)، الذي يصِفه الطبيب في حالات الإصابة بالركود الصفراوي، لتخفيف الحكّة التي يعانيها المصاب.
- مضاد التقيؤ (Antiemetic)، قد يُفيد المريض في حالات التقيؤ والغثيان.
- أسيتامينوفين (Acetaminophen)، قد يُعطى للمريض بحذر، مع الالتزام الشديد بعدم تجاوز الجرعة القصوى التي تعادل 3-4 غرام/يوميًّا لدى البالغين.
- السوائل الوريديّة التي تُعطى للمريض عند إصابته بالجفاف.
زراعة الكبد
يلجأ الأطباء لخيار زراعة الكبد في بعض حالات "الفشل الكبدي الخاطف" (Fulminant hepatic failure) التي تتطوّر لدى المصاب بالتهاب الكبد أ، وهي من المضاعفات الخطِرة التي قد تُسفر عن آثارٍ صحيّة عديدة في حال عدم السيطرة عليها، إذ تكون زراعة الكبد في كثيرٍ من هذه الحالات مُنقذة لحياة المصاب.[10]
طرق قيد البحث لعلاج التهاب الكبد أ
يواجه علاج التهاب الكبد أ مستقبلًا واعدًا في مجال توسّع الخيارت العلاجيّة المتاحة ضد الفيروس المُسبّب للمرض، إذ استخدم العلماء في تجاربهم أنواعًا مختلفة من الأدوية والتراكيب الجديدة التي تحمل خصائص مضادّة للفيروسات، مثل "عوامل استهداف المضيف" (Host-targeting agents or HTAs) أو "الأدوية المضادة للفيروسات ذات المفعول المباشر" (Direct-acting antivirals or DAAs)، ولكن لا تزال الأبحاث قائمة في هذا المجال.[10]
لقاح التهاب الكبد أ
طوّر العلماء لقاحاتٍ تُسهم في الوقاية ضدّ فيروس التهاب الكبد الوبائي أ، والتي يُوصَى بإعطائها للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12- 23 شهرًا، كما يُوصى بإعطاء اللقاح للبالغين على جرعتين يفصل بينهما مدّة تتراوح بين 6-12 شهرًا،[4][11] وذلك في حالات معيّنة:[11]
- العيش في المناطق التي تزداد فيها خطورة الإصابة بالعدوى.
- الانتقال إلى مناطق يتفشّى فيها التهاب الكبد الوبائي أ.
- استخدام الأدوية والمواد غير المشروعة التي تُعطى بالحقن أو بطرقٍ أُخرى، مثل المخدرات.
- التعامل مع أنواع من الثدييات المصابة بالتهاب الكبد الوبائي أ، أو عند إجراء أبحاث حول فيروس التهاب الكبد الوبائي أ.
- تزويد الجسم بعوامل التخثّر.
- التعامل المباشر والقريب مع طفل من دولة أُخرى.
- المعاناة من أمراض الكبد المزمنة، إذ تزداد خطورة الإصابة بمضاعفات التهاب الكبد أ في هذه الحالة.
- التشرّد والعيش بلا مأوى وسكن ثابت.
العلاج الوقائي بعد التعرض لفيروس الكبد
أوصت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) بضرورة إعطاء لقاح التهاب الكبد الوبائي أ للأشخاص الأصحاء الذين تتراوح أعمارهم بين 1-40 سنة بعد تعرّضهم للفيروس،[4] ومن جانبٍ آخر، يُفضَّل إعطاء الغلوبيولين المناعي (Immunoglobulin) كعلاجٍ وقائي بعد التعرّض للفيروس لـمجموعة من الفئات:[4]
- الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم إحدى وأربعين عامًا.
- الأطفال دون السنة من أعمارهم.
- المصابون بمرض الكبد المزمن.
- الأشخاص الذين يعانون من أمراضٍ مناعية.
وسائل لمنع تفشّي التهاب الكبد أ والوقاية منه
يُوصَى بمعرفة النصائح والتوصيات التي قد تُسهم بدرجة كبيرة في منع انتشار عدوى التهاب الكبد الوبائي أ، وتقليل خطورة الإصابة بها:[5][10]
- السيطرة على مصدر العدوى، والتعامل معها باتّباع أسس صحيّة سليمة.
- تلقّي لقاح التهاب الكبد أ لتقليل تفشي العدوى في المجتمعات التي ترتفع فيها خطورة الإصابة بالتهاب الكبد الوبائي أ، الذي من شأنه زيادة المناعة الجَمعيّة.
- التأكد من علاج المخالطين وتعافيهم لمنع ارتفاع حالات الإصابة قدر الإمكان.
- نشر الوعي حول طرق انتقال العدوى والوقاية منها، مثل غسل اليدين، والاعتماد على المصادر الغذائيّة الآمنة.
- استخدام محلول الكلور المبيّض المتوفّر في المنازل لتطهير الأسطح التي تتعرّض للمس المستمرّ، خاصّةً وأنّ فيروس التهاب الكبد أ قد يبقى على الأسطح لشهورٍ عِدة.
- اهتمام العاملين في مجال الرعاية الصحية بمراعاة الاحتياطات اللّازمة عند التعامل مع حالات يُشتبه إصابتها بالتهاب الكبد الوبائي أ، كالحرص على ارتداء القفازات، وغسل اليدين بالماء الدافيء والصابون.