يُعد جهاز المناعة خط الدفاع الأول المسؤول عن حماية الجسم من المواد الضارة والغريبة عنه، كالبكتيريا، والفيروسات، والمُمرضات الأُخرى التي قد تغزو الجسم، ولكن يتعامل جهاز المناعة أحيانًا مع بعض المواد غير الضارة التي يتعرض لها المريض على أنّها تهديدٌ لأمن وسلامة الجسم، فتظهر حساسية الدم، وهي ردة فعل غير اعتيادية لجهاز المناعة عند تعرُض المريض لبعض المواد، كحبوب اللُقاح، أو بعض أنواع الأطعمة، إذ يُنتج أجسامًا مضادة لمقاومتها، فتظهر أعراض الحساسية.[1]
ما هي حساسية الدم؟
تُعرّف حساسية الدم على أنّها حالة صحية شائعة الحدوث تنجم عن ملامسة العينين، أو الأنف، أو الجلد، أو الجهاز التنفسي، أو الجهاز الهضمي لمواد تُدعى مسببات الحساسية (Allergens)، أو نتيجةً لنقل الدم من شخص لآخر، الأمر الذي يُحفز ردود فعل غير طبيعية لجهاز المناعة.[2][3] ومن أهم مُسببات حساسية الدم:
- حساسية الطعام
بحسب الدراسات الحديثة يعاني شخصٌ بالغ واحد من أصل 10 بالغين من حساسية الطعام في الولايات المتحدة الأمريكية، بينما يعاني طفلٌ واحد بين 12 طفلًا منها، إذ يبلغ معدل الإصابة الكلي 10 بالمئة من مجموع السكان، كما يُصاب به الكبار والصغار من مختلف الأعراق والطبقات الاجتماعية، ونظرًا لأهميته فقد أولى العالم اهتمامًا بحساسية الطعام.[4]
حساسية الطعام هي رد فعل مناعي تجاه البروتينات الموجودة في بعض أصناف الطعام، وقد يسبب أي نوع من الطعام الحساسية لدى البعض،[5] إلا أنّ عددًا قليلًا من الأطعمة تقف وراء غالبية حالات الحساسية:[5][6]
- الحليب.
- البيض.
- الفول السوداني.
- المحار.
- القمح.
- المكسرات.
لا تُصنّف كل الأعراض الجانبية الناجمة عن تناول بعض الأطعمة على أنّها حساسية طعام، إذ إنّ جهاز المناعة غير مسؤول عن نشوئها، ومن أشهر الأمثلة على ذلك، عدم تحمُل اللاكتوز (Lactose Intolerance)، إذ يُسببه نقص إنزيم اللاكتيز، كذلك الأمر في حال التسمم الغذائي الذي ينجم عن تناول أطعمة ملوثة بالبكتيريا.[6]
- تفاعلات نقل الدم التحسسية
تُعد تفاعلات نقل الدم التحسسية (Allergic transfusion reactions) من أكثر الآثار السلبية شيوعًا لعملية نقل الدم أو بعض مكوناته من المتبرع للمُتلقي، وقد تحدُث مُباشرة أثناء نقل الدم أو خلال 24 ساعة من نقله، وتشير الدراسات إلى أنّ هذه الحالة تحدث بمعدل 1-4 بالمئة من حالات نقل الصفائح الدموية، أما الأسباب، فيُحتمل تعرض الشخص الذي نُقل إليه الدم لمواد غريبة على جهازه المناعي سببت ردة الفعل المناعية،[7][8] ومن الأمثلة على المحفزات التحسسية أثناء نقل الدم:[7]
- وجود بعض أنواع البروتينات الهجينة في بلازما دم المتبرع.
- تناوُل المتبرع لبعض الأطعمة، كالمكسرات، أو الطماطم، مما يسبب الحساسية للمتلقي.
- تناوُل المتبرع لأدوية معينة مباشرة قبل التبرع بالدم، مثل البنسلين.
أعراض حساسية الدم
عند حدوث حساسية الدم تظهر على المريض أعراضٌ مختلفة، كالطفح الجلدي أو تورم الشفتين واللسان، ومن المهم أخذ السيرة المرضية للمريض ومراجعة نشاطه خلال اليوم لتحديد وقت حدوثها والمسبب الرئيسي للحساسية، إذ غالبًا ما يواجه المريض صعوبة في تحديد مسبب الحساسية بدقة،[9] ومن الأعراض الشائعة لحساسية الطعام:[5][6]
- أعراض تظهر على الجهاز الهضمي، كحكة في الفم والحلق، وتورُم في الحنجرة، والغثيان، والتقيؤ، وآلام في البطن، والإسهال، وقد يُلاحَظ عدم قدرة الأطفال الرُضع على اكتساب الوزن كنتيجة لحساسية الطعام.
- أعراض تظهر على الجلد، كالتهاب الجلد التأببي (الإكزيما)، أو الشرى (Urticaria)، أو الوذمة الوعائية (Angioedema)، أو التهاب الجلد الـمحيط بالفم (Perioral Dermatitis).
- أعراض تظهر على الجهاز التنفسي، صوت صفير أثناء التنفس، والسعال، وضيق في التنفس، واحتقان في الأنف، والشعور بحكة وسيلان في الأنف، والعطاس.
وقد تظهر الأعراض على المريض مباشرة، أي فور تناوله الطعام المُسبب للحساسية، وهو ما يُعرف بحساسية الطعام المرتبطة بالغلوبيولين مناعي (IgE-mediated food-allergic disease)، إذ إنّ تفعيل جهاز المناعة بواسطة الغلوبيولين المناعي E يؤدي في نهاية المطاف إلى إفراز الهيستامين (Histamine)، وهو المسؤول عن ظهور الأعراض بسرعة، أما إذا ظهرت الأعراض بعد مرور وقت من تناوله، فتُعرف الحالة باسم حساسية الطعام غير المرتبطة بالغلوبيولين المناعي (Non-IgE-mediated food allergy).[10]
أما الأعراض المرافقة لتفاعلات نقل الدم التحسسية فغالبًا ما تكون طفيفة:[7][11]
- الحمى.
- الشعور بالدوار.
- الشرى.
- الصداع.
- القشعريرة.
- انخفاض ضغط الدم.
- التقيؤ.
- ضيق التنفس.
- الشعور بالقلق.
- تشنج القصبات الهوائية.
- الحكة (Pruritus).
- الوذمة الوعائي.
- الطفح الجلدي.
كيفية تشخيص حساسية الدم
توجد العديد من الفحوصات التي تُشخص حساسية الدم، وخاصةً تلك التي تشمل حساسية الطعام، إذ يُجري الطبيب المختص مجموعة من الاختبارات لتحديد نوع الطعام المُسبب للحساسية، ومن أمثلة ذلك، اختبار تحدي الطعام (Oral food challenge) المستخدم لتوكيد حساسية الشخص من طعام معين، إذ يتعرض المريض خلال هذا الفحص لمجموعة من الأطعمة المُتوقع حدوث رد فعلٍ تحسسي تجاهها، ومن ثم يفسر الطبيب نتائج تحاليل الدم والجلد،[12] بالإضافة لذلك تُستخدم فحوصات أخرى لتحديد أصناف الطعام التي تُسبب الحساسية، كاختبار وخز الجلد (Skin prick testing)، وفحوصات الدم التي تكشف عن تركيز الغلوبولينات المناعية من النوع (Serum-specific IgE).[13]
أما فحوصات الكشف عن تفاعلات نقل الدم التحسسية، فلا يوجد فحص محدد لمعرفة ذلك، ويقتصر الأمر على مراقبة المريض خلال عملية نقل الدم إليه، وملاحظة علاماته الحيوية، كالحرارة، والنبض، وضغط الدم، ومعدل التنفس، وفي حال حصول تغيرات غير طبيعية في هذه القراءات، يُتّبع البروتوكول الطبي الخاص بهذه الحالات بغرض السيطرة على الحالة الصحية للمريض.[3]
علاج حساسية الدم
قد تزول أعراض حساسية الدم دون أي تدخلٍ طبي، وخاصة في الحالات الطفيفة، ولكن قد تتفاقم أعراض الحساسية وتصبح أكثر شدة، وقد يصل الأمر إلى حدوث ما يُسمى بالصدمة التحسسية (Anaphylaxis Shock) التي تخضع للعلاج في قسم الطوارئ.[9]
حتى اليوم، لا يوجد دواء مُحدد يشفي من حساسية الطعام، ويقتصر العلاج الأولي على تجنب الأطعمة التي تسبب الحساسية، كما قد يصف الأطباء إبر الحقن الذاتي التي تحتوي على الأدرينالين (Adrenaline auto‐Injectors) للأشخاص الأكثر عُرضة للإصابة بالصدمة التحسسية،[14] أما المرضى الذين يُعانون من حساسية الطعام المرتبطة بالغلوبيولين المناعي E، فتُستخدم بعض الأدوية مثل مضادات الهيستامين (Antihistamines)، أو مضادات اللوكوترين (Antileukotrienes)، أو الإبينيفرين (Epinephrine)، أو الستيرويدات (Steroids)، لتخفيف أعراض الحساسية لديهم.[15]
يمكن استخدام الأدوية المناعية أيضًا لعلاج بعض حالات الحساسية، إذ وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على استخدام دواء (Palforzia) لعلاج حساسية الفول السوداني، إذ إنّ استخدامه يُقلل من الأعراض التحسسية، وبالأخص الصدمة التحسسية لدى المرضى المصابين بحساسية الفول السوداني في حال تناولهم الفول السوداني خطأً.[6]
أمّا تفاعلات نقل الدم التحسسية فتتلخص الإجراءات العلاجية بوقف نقل الدم فورًا، وإعطاء المريض مضادات الهيستامين، بينما يتضمن علاج حالات التحسس الشديدة إعطاء المريض الهيدروكورتيزون (Hydrocortisone)، أو الإبينيفرين،[16] بالإضافة إلى خافضات الحرارة في حال ارتفاع حرارة الجسم، كما يجب إبقاء المريض تحت المراقبة، ورصد علاماته الحيوية دوريًا.[3]
كما تتوفر خيارات علاجية للأشخاص الذين أصابتهم التفاعلات التحسسية أثناء نقل الدم سابقًا في حال احتياجهم لنقل الدم مجددًا، وذلك بإعطائهم خلايا الدم الحمراء المغسولة (Washed RBCs)، إذ تُزال خلايا الدم البيضاء والصفائح الدموية من دم المتبرع، لتقليل احتمالية الإصابة بالتحسس.[16]
هل حساسية الدم خطيرة؟
قد تكون حساسية الدم خطيرةً أحيانًا، وخاصةً عند حدوث صدمة تحسسية شديدة (وتُعرف أيضًا باسم التأق)، إذ إنّها مشكلة صحية تهدد حياة المريض وقد تؤدي إلى الوفاة، ويمكن أن تظهر فور تناول المريض طعامًا يُسبب التحسس، ومن أشهرها الفول السوداني، والمكسرات، والأسماك القشرية (المحار)، وتحدث الوفاة نتيجةً لتشكل الوذمة في الحنجرة، أو تشنجات القصبات الهوائية التي لا يمكن عكسها، أو انخفاض ضغط الدم الذي يصعُب علاجه.[6]
أما التفاعلات التحسسية الناجمة عن نقل الدم فقد تسبب خطرًا على حياة المريض في حالاتٍ نادرة، وذلك بسبب انخفاض ضغط الدم أو تعرض المريض للصدمة.[16]