انحراف النظر: ما أعراضه؟ ما أحدث التقنيات المُستخدمَة في علاجه؟

يظهر انحراف النظر في حالة عدم انتظام انحناء العدسة أو القرنيّة وانكسار الضوء المنتقل خلال العين في اتجاهاتٍ مختلفة، وقد تحدث هذه المشكلة بسبب وجود مشكلة في العين، أو الخضوع لجراحة معيّنة فيها، ولكنّها قد تظهر أيضًا منذ الولادة دون وجود سببٍ محدّد، وغالبًا ما يعاني المصاب بانحراف النظر من الصداع وضبابيّة الرؤية، ويحدّد الطبيب المختصّ نوع العلاج المناسب بالاعتماد على شِدة انحراف النظر لدى المُصاب والأعراض التي يعانيها.

تتراوح نسبة انتشار حالات انحراف النظر بين 8-62% من عامّة السكان، ويُعرف بأنّ لهذه المشكلة تَبعاتٍ سلبيّة تؤثر في المجتمعات، إذ توصّلت الدراسة التي نُشرت في مجلة البصريات وعلوم الرؤية (Optometry and Vision Science) في عام 2023 ميلادي إلى أنّ عدم تصحيح انحراف النظر قد يُسهم في تراجع جودة الحياة لدى المرضى، وتقليل الإنتاجيّة لدى البالغين في سنّ العمل، وقد يُشكل ذلك في المُجمل عبئًا اقتصاديًّا على المرضى وأُسرهم.[1]

الأخطاء الانكساريّة وانحراف النظر

تتولى قرنيّة وعدسة العين مهمّة تركيز أشعة الضوء المُنتقلة خلال العين على الشبكيّة، وتكوين صورة واضحة المعالم تنتقل إلى الدماغ، بينما تساعد العضلات الهدبية (Ciliary muscles) في العين على ضبط شكل العدسة والرؤية بوضوح، وقد تتعرّض العين لبعض المشكلات التي تؤثر في قدرتها على تركيز الصورة بوضوح على الشبكيّة، وتُعرف هذه المشكلات باسم الأخطاء الانكساريّة (Refractive errors)، مثل قصر النظر (Myopia)، وطول النظر (Hyperopia)، وقُصوّ البصر الشّيخوخيّ (طول النظر الشيخوخي) (Presbyopia)‏، وتفاوت الانكسار بين العينين (Anisometropia)‏، كذلك يُعدّ انحراف النظر (Astigmatism) واحدًا من الأخطاء الانكساريّة التي تحدث في حالة عدم انتظام انحناء العدسة أو القرنيّة وانتقال الضوء خلال العين في مستويات مختلفة، ممّا يؤدّي أيضًا إلى اختلاف تركيزه في العين، وغالبًا ما يُصاحب حالة انحراف النظر مشكلاتٍ أُخرى تنتمي للأخطاء الانكساريّة في الوقت ذاته، كقصر النظر، وطول النظر.[2][3]

صدر أول تقرير يوثّق حالة انحراف نظر في أوائل عام 1800 ميلادي بإشراف الطبيب توماس يانغ (Thomas Young)، وقد استمرّت الأبحاث التي تركّز على انحراف النظر وجوانبه المختلفة منذ ذلك الوقت وحتى الآونة الأخيرة.[4]

أعراض انحراف النظر

قد يصاحب حالات انحراف النظر ظهور أعراضٍ مختلفة على المصاب:[2][4]

  • الصداع.
  • إجهاد العين، بمعنى الشعور بالتعب وعدم الراحة في العينين.
  • الشعور بثقل في العينين.
  • جفاف سطح العين بسبب التحديق الزائد، وقد يصاحبه حدوث تهيّج وحكّة واحمرار في العين، وتعب أثناء النظر، والشعور بوجود جسمٍ غريب داخل العين.
  • صعوبة التركيز.
  • النعاس.
  • الغثيان.
  • تراجع مستوى الرؤية.
  • تشويش في الرؤية.
  • ضبابية الرؤية عند النظر للأجسام البعيدة أو للأجسام القريبة، أو المعاناة من هذه المشكلة في كِلا الحالتين.
  • استطالة الأجسام لدى رؤيتها، وذلك بحسب درجة انحراف النظر.
  • فرك العينين أو كثرة الرمش (طرف العين المفرط)، إذ قد تكون هذه من أعراض انحراف النظر لدى الأطفال، كذلك من المحتمل أن يظهر على الطفل ميله إلى التحديق المُطوّل أثناء القراءة.

انحراف النظر والصداع

تتنوع الأسباب التي تقف وراء الإصابة بالصداع، ولكن تبقى مشكلات الأخطاء الانكسارية في العين -كانحراف النظر- ودورها في إثارة الصداع موضوعًا مثيرًا للجدل في الأوساط الطبيّة، وعمومًا، عرّفت جمعية الصداع الدولية (International Headache Society) معايير الصداع المصاحب للأخطاء الانكسارية في العين ووصفته بأنّه صداعٌ طفيف يظهر في الجزء الأمامي من الرأس وفي منطقة العينين، ومن المحتمل أن يتفاقم في حالة الاستمرار بإطالة النظر لسببٍ أو لآخر، وغالبًا ما يرتبط الصداع المصاحب للأخطاء الانكسارية في العين بحالات انحراف النظر وطول النظر، ويُعدّ طبيب العيون من أكثر المختصّين الذين يقدّمون الاستشارات في مثل هذه الحالات من الصداع، وقد يُعزى ذلك إلى الارتباط الوثيق بين العينين والصداع.[5]

وثّق بعض الباحثين وجود علاقة مُحتملة بين الأخطاء الانكساريّة والصداع، وفُسّرت هذه العلاقة على أنها ناجمة عن الانتشار الواسع لكِلا المشكلتين في المجتمعات، أو أنّها مرتبطة بالتحديق لفتراتٍ طويلة في الأشياء، أو بكثرة انقباض العضلات الهدبيّة أثناء تكيف العين، أو أنّ لها علاقة بفرط إجهاد عضلات الرقبة أو فروة الرأس أو الجبهة.[2][5]

في الحقيقة أظهرت دراسة سريرية نُشرت في مجلة (International Journal of Medical Science and Current Research) عام 2020 ميلادي، أنّ معدل الإصابة بانحراف النظر يكون مرتفعًا بين الأفراد الذين يعانون من الصداع، ويُسهم علاج انحراف النظر لديهم في تحسّن أعراضه،[6] وفي دراسةٍ أُخرى، لُوحظ أنّ إهمال أو عدم علاج الأخطاء الانكساريّة قد يكون من الأسباب المُحتملة للإصابة بالصداع لدى المرضى وفق الدراسة التي نُشرت في مجلّة (Revue Neurologique) في عام 2021 ميلادي، ولكن لا بُدّ من إجراء المزيد من الدراسات المستقبلية لتحديد هذه العلاقة، وقد ذكرت هذه الدراسة ضرورة إجراء فحوصاتٍ شاملة للعين لتقييم العلاقة بين الصداع والأخطاء الانكسارية في العين بدقّة، بالإضافة إلى أهميّة تلقّي العلاج الملائم لتصحيح الخطأ الانكساري واتباع أسلوب حياةٍ صحّي.[5]

أسباب انحراف النظر

لم يُحدَّد السّبب الأساسي لحدوث الانحناء غير الطبيعيّ في القرنية والإصابة بانحراف النظر، لذلك قد يظهر انحراف النظر في بعض الحالات منذ الولادة دون سببٍ، ويكون مصحوبًا بوجود أخطاء انكساريّة أُخرى في العين،[7] ومع ذلك، ثمّة أسبابٌ مختلفة قد تُسهم في ظهور حالات انحراف النظر:[4][7]

  • القرنية المخروطية (Keratoconus)، إذ إنّها قد تسبّب تفاقم مشكلة انحراف النظر مع الوقت.
  • ندبة القرنية (Corneal scar).
  • كروية القرنية (Keratoglobus)‏.
  • بَعَجات في القرنيّة (Dellen).
  • التنكس الهامشي الشفاف (Pellucid marginal degeneration).
  • الظفرة أو حافة العين (Pterygium).
  • قرحة الروماتيزم (Rheumatic ulcer)، أو قرحة مورين (Mooren's ulcer).
  • وذمة القرنية (Corneal edema).
  • فساد تغذية الغشاء القاعديّ (Basement membrane dystrophy).
  • الحَثَل الشّباكيّ في القرنية (Lattice dystrophy).
  • التهاب القرنية الميكروبيّ (Keratitis Microbial) أو الهربسي (Herpetic keratitis).
  • اعتلال القرنية الشريطيّ (Band keratopathy)‏.
  • تدلّي الجفون (Ptosis).
  • إعتام عدسة العين المرتبط بالجرح (Cataract wound-related).
  • البردة أو الكالازيون (شعيرة العين) (Chalazion).
  • الورم، والوَرَم الوعائيّ الدمويّ الشعيريّ (Capillary haemangioma).
  • تآكل العدسات اللاصقة، أو اعوجاجها.
  • الخضوع لأنواعٍ معيّنة من الجراحات، مثل عملية الساد (Cataract surgery)، واقتطاع القرنية بالانكسار الضوئي (Photorefractive keratectomy)، وبضع القرنية الشعاعي (Radial keratotomy)، وقطع التربيق (Trabeculectomy)، وجراحة التحويلة للجلوكوما (Glaucoma shunt procedure)، وعمليّة الليزك (LASIK).
  • انحراف النظر الذي تحفّزه الخيوط الجراحيّة (Suture induced astigmatism).
  • وجود جرحٍ نافذ (Penetrating wound).

أنواع انحراف النظر

تُصنّف حالات انحراف النظر لأنواعٍ عِدّة بالاعتماد على منشأها:[4]

  • لابؤرية قرنويّة المنشأ (Corneal astigmatism)، ويظهر هذا النوع بسبب الانحناء غير الطبيعي للقرنيّة، ويُعدّ واحدًا من أكثر أنواع انحراف النظر شيوعًا.
  • انحراف النظر العدسي (Lenticular Astigmatism)، وقد يكون سببه انحناء عدسة العين غير الطبيعي، أو ميل العدسة، أو إزاحتها من مكانها، أو تغير معامل الانكسار لخطوط الطول المختلفة في العين.
  • انحراف النظر شبكي المنشأ (Retinal Astigmatism)، والذي يحدث بسبب ميلان بقعة الشبكية (Macula).

كما يمكن تصنيف انحراف النظر لنوعين أساسيّين:

  • انحراف النظر المنتظم (Regular astigmatism)، ويقسم إلى أنواعٍ عِدة، كانحراف النظر المُساير للقاعدة (With the Rule Astigmatism)، وانحراف النظر المعاكس للقاعدة (Against the Rule Astigmatism)، وانحراف النظر المائل (Oblique Astigmatism)، وانحراف النظر ثنائي الميل (Bi-oblique astigmatism).[4]
  • انحراف النظر غير المنتظم (Irregular astigmatism)، وهو انحراف النظر الذي لا يمكن تصحيحه بواسطة عدسات نظارة محدّبة اسطوانيّة (Spherocylindrical spectacle lenses)، وقد يحدث بسبب الإصابة بأنواعٍ مختلفة من أمراض القرنيّة وإجراء جراحاتٍ للعين.[8]

درجات انحراف النظر

تُسمّى الوحدة القياسيّة لقوّة العدسة الديوبتر (Diopter)،[9] والتي تعادل مقلوب المسافة البؤرية (Focal length) المُقاسة بالمترات،[10] وتُستخدم وحدة الديوبتر في قياس انحراف النظر.[8]

تتراوح درجات انحراف النظر بين الطفيفة والشديدة:[1]

  • انحراف النظر الطفيف، إذ تكون درجة انحراف النظر في هذه الحالة أقل من 1.50 D (ديوبتر).
  • انحراف النظر المتوسّط؛ تتراوح درجة انحراف النظر في هذه الحالة بين 1.50-2.00 D (ديوبتر).
  • انحراف النظر الشديد، الذي تزيد فيه درجة انحراف النظر عن 2.0 D (ديوبتر).

قد تتضمّن وصفة العدسات أو النظارات الطبية لحالات الأخطاء الانكساريّة على ثلاثة أرقام؛ الرقم الأول هو قوّة أو حجم التصحيح الكروي المطلوبة (Spherical correction required)، ويعبّر الرقم الثاني في وصفة العدسات أو النظارات الطبية عن قوّة التصحيح الاسطوانية المطلوبة (Cylindrical correction required)، بينما يعبّر الرقم الثالث عن المحور (Axis)، والذي يندرج ضمن أرقام تبدأ من الصفر وتنتهي بـ 180.[2][11]

علاج انحراف النظر

قد لا تستدعي حالات انحراف النظر البسيطة تصحيحها، ويُشار في ذلك إلى انحراف النظر الذي يقلّ عن 0.5 ديوبتر إذا ترافق مع ضعف البصر، بينما تتطلب بعض الحالات اللجوء للعلاج سواءً كان جراحيًّا أو غير جراحي، كما في حالات انحراف النظر الذي يصاحبه ظهور أعراض، وانحراف النظر الشديد.[4][7]

العلاج غير الجراحي

تُعدّ العدسات اللاصقة والنظارات الطبيّة واحدةً من أكثر الطرق المُستخدمة شيوعًا لتصحيح انحراف النظر:[12]

  • العدسات اللاصقة، مثل العدسة اللاصقة اللّينة الحيديّة (Soft toric contact lenses)، والعدسات اللّاصقة الصلبة النفاذة للغاز (RGP lens)، مع الأخذ بعين الاعتبار اتباع تعليمات استخدام العدسات اللاصقة بعناية، نظرًا لارتفاع خطورة الإصابة بالعدوى في حالة استخدامها الخاطئ، إذ يُوصَى بالمحافظة على النظافة الجيّدة واللجوء لاستخدام العدسات اليوميّة إن أمكن، وفي الحقيقة تُقدّم العدسات اللّاصقة الصلبة النفاذة للغاز رؤية أفضل لحالات انحراف النظر غير المنتظم وانحراف النظر الشديد، حتى بالمقارنة مع تقنيات الجراحيّة الحديثة.
  • النظارات، والتي تُعدّ من استراتيجيّات تصحيح انحراف النظر البسيطة، إذ تساعد على تجنّب خطورة الإصابة بالعدوى المُصاحبة لاستخدام العدسات اللاصقة، ويُستخدم في النظارات الطبيّة المُصمّمة لحالات انحراف النظر عدساتٍ خاصّة لتصحيح النظر، مثل العدسة المحدّبة الاسطوانية (Spherocylindrical lens).

أشارت إحدى الدراسات المقطعية التي نُشرت في مجلة (Medico legal update) عام 2021 ميلادي إلى توصياتٍ بشأن وجوب خضوع كافة المصابين بانحراف النظر المنتظم لفحص حدة البصر (Visual acuity)، واستخدام النظارات الطبيّة لعلاج كافّة حالات انحراف النظر كخيارٍ أوّل، مع ضرورة الخضوع للفحوصات المنتظمة كل 6 شهور لملاحظة أي تغيير في درجة انحراف النظر أو أيّة مضاعفات للمشكلة، كما أوصت هذه الدراسة باستخدام التمارين المخصّصة لحالات انحراف النظر المنتظم (Regular Astigmatism) التي تعتمد استراتيجيّاتها على أُسسٍ علميّة، والاهتمام باتباع تعليمات المعالج المختصّ لتطبيق هذا النوع من التمارين.[13]

العلاج الجراحي

قد يتضمن العلاج الجراحي لحالات انحراف النظر:[4]

  • زراعة عدسة حيديّة داخل العين (Toric IOL Implantation).
  • إجراء عمليات جراحة التصحيح الانكسارية (Refractive Incisional Procedures)، مثل استئصال القرنية اللابؤرية (Astigmatic Keratotomy).
  • جراحة التصحيح الانكسارية باستخدام البتر الليزري للقرنية (Laser Ablation Corneal Refractive Surgeries)، كاستخدام تقنية إيبي ليزك (Epi-LASIK) لتصحيح انحراف النظر.
كتابة: الصيدلانية بيان ربيع - الأحد ، 01 تشرين الأول 2023
تدقيق طبي: الصيدلانية أسيل الخطيب

المراجع

1.
Zhang J, Wu Y, Sharma B, Gupta R, Jawla S, Bullimore MA. Epidemiology and Burden of Astigmatism: A Systematic Literature Review. Optom Vis Sci. 2023 Mar 1;100(3):218-231. Retrieved from https://doi.org/10.1097%2FOPX.0000000000001998
2.
Deepinder K. Dhaliwal, MD. Overview of Refractive Error, Sep 2022. Retrieved 2022, from https://www.merckmanuals.com/en-ca/professional/eye-disorders/refractive-error/overview-of-refractive-error#v953858
3.
MSD Manual. (2023). What Is Astigmatism?. Retrieved from https://www.msdmanuals.com/home/multimedia/figure/what-is-astigmatism

الأكثر قراءة

مواضيع متعلقة

آخر المواضيع المتعلقة

أسئلة و أجوبة

آخر الأخبار

فحوصات

أمراض

علاجات

أدوية

تكلم مع استشاري عيون أونلاين عبر طبكان
احجز