يمكن تعريف العلاج باستخدام الوخز بالإبر الدقيقة (Microneedling) على أنّه أحد الإجراءات التجميلية غير الجراحية التي يُوظّف فيها استخدام إبر رفيعة ودقيقة لوخز البشرة والتسبب بجروح دقيقة تتميز بالتئامها السريع، والتي من شأنها تحفيز البشرة لإنتاج مادة الكولاجين (Collagen) وتحفيز إطلاق عوامل النمو،[1][2] إذ ذاع صيت هذه التقنية بسبب مأمونيتها، وفعاليتها الكبيرة، بالإضافة إلى سرعة التعافي بعد الخضوع لها.[3]
نبذة تاريخية عن الوخز بالإبر الدقيقة
استُخدم الوخز بالإبر الدقيقة المعروف باسم العلاج بتحفيز الكولاجين (Collagen induction therapy) للمرة الأُولى في التسعينيات لعلاج الندب، وعلامات تمدد الجلد، وترهل البشرة،[1] إذ أشار العالم أورينتريك (Orentreich) عام 1994 ميلادي إلى أنّ حقن إبرة دقيقة أسفل الندب أو التجاعيد يتسبب في خلخلة النسيج الضام الذي يدفعها لتكوين انبعاجات على سطح الجلد وبالتالي تقليل ظهورها،[3] ومن هنا اكتسبت شكلًا نهائيًا في عام 2006 ميلادي، عندما صمم الجراح فرنانديز (Fernandes) أداة اسطوانية الشكل تنتهي بإبر رفيعة تُستخدم لتحفيز الكولاجين عن طريق الجلد.[4]
أنواع أجهزة الوخز بالإبر الدقيقة
توجد أنواع عديدة من أجهزة الوخز بالإبر الدقيقة المُستخدمة في الطب التجميلي، لعلّ أبرزها بكَرة الإبر اليدوية/ديرمارولر (Needle rollers)، والأقلام/ديرمابن التي تعمل بالطاقة الكهربائية برؤوس ذات استخدام واحد (Electronically-powered pens with disposable tips)، كما تختلف أنواع الإبر المستخدمة في كلا الجهازين تبعًا للهدف من العلاج بالإضافة إلى الموضع المُستهدف من الجلد،[2] فمثلًا تحتاج المناطق الأكثر سُمكًا المليئة بالغدد الدهنية إلى اختراقها عميقًا مقارنةً بالمناطق الأرق حول محجر العينين،[3] إذ يتراوح طول الإبر المُستخدمَة بين 0.5 و3.5 ميليمتر عادةً، ولكن لغايات استخدام المرضى للإبر منزليًا، فيتراوح طولها عندئذ بين 0.1 و 0.2.[2][5]
يتفوق القلم الكهربائي/ديرمابن (Dermapen) على البكرة اليدوية/الديرمارولر (Dermaroller) من عدّة نواحي، أبرزها سهولة علاج المناطق التي يصعب الوصول إليها من الجلد بدقّة متناهية مقارنةً بالديرمارولر، بالإضافة إلى أفضلية التحكم بعمق اختراق الإبرة للبشرة، بعكس الديرمارولر ذات العمق الثابت، كما أنّ الديرمابن تخترق البشرة بزاوية عمودية لتقليل الضرر على البشرة، بينما ترتفع احتمالية تسبب الديرمارولر بتمزق طبقات الجلد الداخلية جرّاء دخولها بزوايا مختلفة إلى البشرة.[5]
آلية عمل تقنية الوخز بالإبر الدقيقة
ترتكز آلية عمل الإبر الدقيقة على الوخز المجهري للجلد لإحداث إصابات جلدية مضبوطة ودون الإضرار بطبقة الأدمة من الجلد (Epidermis) نفسه، ويكمن الهدف منها تحفيز نزيف سطحي لتبدأ بعدها سلسلة التئام الجروح، إذ يرافقها إطلاق عوامل النمو، وتحفيز تكاثر الخلايا، وتكوين أوعية دموية جديدة، وإنتاج الكولاجين، ويسهم ذلك في الحصول على بشرة مشدودة لفترة قد تدوم مدة تتراوح بين 5 إلى 7 سنوات، إذ وُجد بأنّ الحصول على أربعة جلسات باستخدام هذه التقنية وبفارق شهر واحد بين كل جلسة أدّى إلى رفع نسبة الكولاجين والإيلاستين (Elastin) في الجلد بنسبة 400% بعد مرور ستة أشهر.[1][4]
يمكن تلخيص سلسلة التغييرات التي تحدث للبشرة جرّاء استعمال تقنية الوخز بالإبر الدقيقة بثلاث مراحل أساسية، أولها مرحلة الالتهاب (Inflammation) وهي مرحلة قصيرة تمتد حتى ثلاثة أيام بعد الإجراء والتي تتضمّن تنشيط الصفائح الدموية موضع الجروح لتحفز بدورها تجمع عوامل النمو والالتهاب لإنتاج الكولاجين، بالإضافة إلى تنشيط الخلايا المناعية التي تلعب دورًا في التخلص من البكتيريا والملوثات مكان الإصابة، ثم تبدأ مرحلة التكاثر (Proliferation) وتستمر من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، وفيها يُحفز نمو أنسجة جديدة يغلب على تكوينها حمض الهيالورونيك (Hyaluronic acid) والخلايا الليفية (Fibroblasts) والكيراتينية (Keratinocytes) اللتان تنتجان الكولاجين، بالإضافة إلى تكوّن أوعية دموية جديدة لتغذية هذا النسيج الجديد وإمداده بالأكسجين، أما المرحلة النهائية فتدعى بمرحلة إعادة البناء (Remodeling) وحينها تصبح البشرة أكثر سمكًا، وتزداد قوتها، ومرونتها، إذ يُلاحظ اختفاء علامات تقدم البشرة الناجمة عن أشعة الشمس، وتقليل خطوط التجاعيد الرفيعة، وتحسين ملمس البشرة.[6][7]
ومن الجدير بالذكر قدرة هذه التقنية على تعزيز وصول العديد من الأدوية التي تُستخدم أثناء العملية إلى طبقة الأدمة من خلال تجاوز طبقة الجلد المتقرنة (Stratum corneum) الخارجية، والإسهام في تغلغل الدواء عبر حاجز البشرة.[2]
طريقة إجراء الوخز بالإبر الدقيقة
يمكن إجراء هذه التقنية باستعمال الديرمارولر أو الديرمابن، مع ضرورة مراعاة اختيار إبر ذات عمق يتناسب مع المنطقة المراد علاجها، إذ يبلغ متوسط طول الإبرة في جهاز الديرمارولر 1.5 مليمتر، بينما قد يصل إلى 3 مليمترات عند استخدام جهاز الديرمابن،[7] يجب البدء بتجهيز المنطقة المراد علاجها بوضع مخدر موضعي يحتوي مادتي الليدوكائين والبريلوكاين (lidocaine and Prilocaine) وتُغطى بشريط رقيق من السوليفان (Cellophane) مدة 15 إلى 45 دقيقة، ثم يزال باستخدام محلول ملحي، يتبعه تعقيم المنطقة باستخدام سائل معقم مناسب.[2]
يبدأ الإجراء بشد منطقة الجلد المراد علاجها باستخدام أحد اليدين بينما تستخدَم الأُخرى في تحريك الأداة فوق البشرة بطريقة عمودية عند استخدام الديرمابن، أما لدى استخدام الديرمارولر، فيجب تحريك الأداة باتجاهات أفقية، وعمودية، ومائلة.[2]
يُوصَى بالعناية بالبشرة بعد الإجراء باستخدام هلام حمض الهيالويرونيك خلال الأربع ساعات الأولى، ثم استخدام كريم يحتوي الكورتيزون بتركيز 1% أو مستحضر ترطيب لا يسبب الحساسية مرتين إلى ثلاث مرات لمدة 3 أيام، كما يجب الحرص على استخدام مستحضر واق من الشمس -الفيزيائي- عند الخروج، خصوصًا خلال الأسبوع الأول بعد الإجراء.[3]
استخدامات تقنية الوخز بالإبر الدقيقة
تتنوع استخدامات تقنية الوخز بالإبر التي جرى دراستها في العقد الأخير،[3] ويمكن تلخيص أبرزها:
- التخلص من ندب حب الشباب:
تركزت جُل الدراسات المتعلقة بهذه التقنية نحو علاج آثار حب الشباب، إذ إنّ اتباع خطة علاجية تنطوي على الحصول على 3 إلى 5 جلسات علاجية بفارق أسبوعين إلى شهر كفيل بتحقيق تحسن في بتحسين مظهر الندب بنسبة قد تصل إلى 70% ودون أعراضٍ جانبية.[3][8]
- تقليل التجاعيد وتجديد خلايا البشرة:
يسهم تحفيز إنتاج الكولاجين الناجم عن هذا الإجراء في تجديد خلايا البشرة وتقليل ظهور التجاعيد، والخطوط الرفيعة، وانكماش المسام الظاهرة، بالإضافة إلى تحسين مرونة البشرة عامةً،[3][4] إذ ذكرت إحدى الدراسات خضوع عدّة نساء لجلستي ديرمابن لتخفيف التجاعيد أعلى الشفاه، وأظهرت النتائج تخفيف مظهرها بدرجة ملحوظة.[8]
ومن الجدير بالذكر إمكانية تعزيز النتائج التي يمكن الحصول عليها باستخدام ديرمابن من خلال استعمال مواد موضعية تخفف ظهور علامات تقدم السن على البشرة، مثل سيروم فيتامين سي (Vitamin C) والتريتينوين (Tretinoin).[4]
- علاج الكلف وتصبغات البشرة:
تختلف أنواع التصبغات التي تصيب البشرة، فمنها ما يمكن التخلص منه باستخدام مستحضرات تفتيح البشرة، ومنها ما يوصف بأنّه عنيد، لذا يلجأ الأطباء إلى استخدام تقنية الوخز بالإبر الدقيقة في محاولة للتخلص منه، فقد أثبتت العديد من الدراسات فعاليته في علاج التصبغات خصوصًا الكلف، إذ يمكن لهذه التقنية تسهيل إيصال المواد الفعالة الموضعية لدى استخدامها موضعيًا على طبقات الجلد العميقة دون التسبب بالمزيد من التصبغات أو التهاب الجلد.[6][9]
- التقليل من التعرق المفرط:
أثبتت إحدى الدراسات فعالية استخدام الوخز بالإبر الدقيقة بالتزامن مع الترددات الراديوية الجزئية (Microneedling with fractional radiofrequency
(MFR)) في التقليل من التعرق الزائد عن طريق وخز الغدد العرقية بالحرارة.[8]
يُسهم الوخز بالإبر الدقيقة في تحفيز تكاثر ونشاط خلايا الشعر، بالإضافة إلى تعزيز التعبير الجيني للجينات المسؤولة عن نمو الشعر، وينجم عن ذلك نمو سريع وكثيف للشعر.[6]
- علاج علامات تمدد الجلد:
يرتبط ظهور علامات تمدد الجلد عاةً باكتساب الوزن، أو الحمل، أو البلوغ، أو بعد ممارسة التمارين الرياضية والنمو السريع العضلات، والتي قد تترك علامات جرّاء تغير بنية شبكة ألياف الكولاجين في طبقة الأدمة، ويمكن التخلص من ملمسها المزعج عن طريق اللجوء للعلاج بالوخز بالإبر الدقيقة.[10]
الأعراض الجانبية وأضرار الوخز بالإبر الدقيقة
يرتبط العلاج بتقنية ديرمابن بنسبة ضئيلة من الأعراض الجانبية، إذ إنها نادرة الحدوث وتبقى لفترة مؤقتة فقط،[8] ومن أبرز الأعراض الجانبية التي قد تواجه من يستخدم تقنية الوخز بالإبر الدقيقة:
- احمرار المنطقة بعد الإجراء (Postprocedural erythema)، وهي من أشهر الأعراض الجانبية لديرمابن وتعتمد في حدّتها على موقع العلاج، وطول الإبرة المستخدمة، ونوع الجهاز المستخدَم.[1]
- التهاب الجلد التماسي (Contact dermatitis)، ويحدث نتيجة استخدام مواد غير موافق على تداولها من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) بالتزامن مع الإجراء، ولكنها تختفي بعد 72 ساعة من استخدام الكورتيزون الموضعي.[1]
- الوذمة موضع العلاج، بالإضافة إلى تقشر الجلد.[3]
- الشعور بالألم، ولكن عادةً تكون حدّته ضئيلة عند استعمال مخدر موضعي.[2]
- الإصابة بفرط التصبغ المصاحب للالتهاب.[4]
- جفاف الجلد بسبب زيادة فقدان الماء عبره.[7]
موانع استخدام تقنية الوخز بالإبر الدقيقة
يُعدّ العلاج بتقنية الوخز بالإبر الدقيقة آمنًا ويمكن تحملها لدى المعظم، لذا فإن موانع الاستخدام محدودة للغاية،[2] وتشمل:[2][3]
- حبوب الشباب الالتهابية.
- فيروس الهربس النشط على الشفتين.
- الميل للإصابة بالندوب الجُدروية (keloid scar).
- الإصابة بأمراض جلدية متوسطة إلى شديدة، كالإكزيما والصدفية.
- المرضى ذوي المناعة الضعيفة، مثل المرضى الذين يتلقون العلاج الكيميائي.
- الإصابة بالتهاب جلدي في موضع الإجراء.