خلع الولادة
خلع الولادة ... أو بالمعنى العلمي الدقيق، خلع الورك التطوري، هو من أشهر الأمراض التي تصيب الأطفال في منطقة مفصل الورك (الحوض) خلال الفترات الأولى من حياتهم. وهناك العديد من المفاهيم المغلوطة شعبياً حول هذا المرض، سنحاول إيضاحها وتصحيح المعلومات بخصوصها ما أمكن بلغة بسيطة في هذا المقال.
يكفي القول أن نسبة انتشار هذه المشكلة في منطقتنا (الشرق الأوسط) تعتبر من النسب الأعلى عالمياً، وبعض من الدراسات التي تمت في المملكة الأردنية الهاشمية تؤكد أن الأرقام عالية حيث تصل النسبة إلى 1.3% من المواليد، وبمعنى أبسط أن كل 1000 مولود هناك 13 منهم مصابين بالخلع، وهذا أمر يجب أن ندق معه ناقوس الخطر لما لهذا المرض من مضاعفات على المريض وأهله ومجتمعه، مما يستدعي تضافر الجهود لتشخيصه وعلاجه مبكراً.
تعريفه خلع الولادة:
هو أن يكون مفصل الورك (الحوض) في غير مكانه الطبيعي (بيت الزر أو الحق)، فإما أن يكون خارج بيته تماماً أو يكون قريباً منه لكنه ليس في الموضع الطبيعي، وينتج عن هذا الأمر تشوه في زر المفصل (رأس عظم الفخذ) أثناء نمو الطفل، بحيث تحصل مشاكل كثيرة قد لا تظهر مباشرة على الطفل المصاب، ففي بعض الأحيان لا يتم التشخيص بصورة دقيقة مما يعرض المصاب إلى تشوهات في المفصل تؤدي به في المستقبل إلى الحاجة لمفصل صناعي للورك.
عوامل الخطورة:
على مر العصور تعرف الأطباء على عدة عوامل يمكن أن تجعل بعض الأطفال أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بخلع الولادة، من أهمها: أن يكون الطفل ترتيبه الأول بين الإخوة، أن يكون جنس الطفل أنثى، أن تكون وضعية الطفل وهو جنين في بطن أمه وضعية الجلوس كما في الصورة، أن تكون هناك سيرة عائلية لأحد أفراد الأسرة سواءاً من أقارب الأب أو أقارب الأم مصاباً بالخلع.
وهناك عامل مهم جداً في منطقتنا العربية وهي عادة قديمة منتشرة لغاية اليوم لدينا بما يُعرف شعبياً بِ "التلفيع" أو "اللفاع"، بحيث يتم لف الطفل من كل أجزاء جسمه وتقييد حركته باستثناء الرأس، ومعروف طبياً أن هذه العادة تعرض الطفل إلى خطر زائد للإصابة بخلع الولادة، لذلك يجب التحذير من شد هذه الأغطية حول الطفل لعدم جدواها بل وخطورتها عليه.
مغالطات عامة:
من المفاهيم الخاطئة التي لا تزال منتشرة بين الناس أن خلع الولادة عبارة عن خطأ طبي يتحمل مسؤوليته طبيب النسائية المشرف على ولادة الطفل، أو أنه مرض وراثي يولد الطفل وهو مصاب به، وحقيقة الأمر أن هذا الفهم الخاطئ للأمور قد انتهى في المجتمع الطبي منذ عقود، وتوقف النقاش حوله منذ زمن بعيد، لا بل أنََ تسمية المرض في اللغة الطبية قد تغيرت تماماً، في السابق كان الاسم المعتمد له "خلع الورك التشوهي أو الخلقي" بمعنى أن الطفل يولد وهو يعاني من هذه المشكلة، واليوم صار اسم المرض "خلع الورك التطوري" بمعنى أن المرض قد لا يكون موجوداً منذ الولادة وإنما يكتسبه الطفل أثناء نموه وتطوره، وهذه حقيقة لا جدال فيها مطلقاً وأتت بعد دراسات وأبحاث طبية طويلة الأمد.
وبما أنه مرض تطوري فلا يجوز أن يتم تلويم أي شخص بالتسبب فيه، فليس للطبيب أو للأم أو للأب علاقة بالموضوع، وبالتالي يجب بالتالي التركيز على تشخيصه وعلاجه بدلاً من التركيز على صغائر الأمور.
الأعراض التي يمكن أن يلاحظها الأهل على الطفل المصاب:
في الحقيقة صعب جداً على الأبويين ملاحظة هذه الأعراض في الشهور الأولى من عمر الطفل، لذلك يجب اللجوء إلى الطبيب للكشف عنها وإجراء اللازم من الفحص السريري والصور المناسبة للكشف عن المرض وتلافي مضاعفاته.
هناك أعراض قد يلاحظها الأهل في الأشهر الأولى إذا كانوا شديدي الإنتباه، مثلاً قصر الطرف المخلوع مقارنة الجهة الأخرى، أو عدم وجود تماثل في الثنيات الجلدية قرب منطقة العانة بين الجهتين (كما في الصور)، أما من الأعراض التي يمكن ملاحظتها إذا تم تأخر الكشف عن المرض لغاية سن المشي هو وجود مشية غير طبيعية للطفل المصاب (عرجة أو مشية البطة مثلاً)،أو التقوس الزئد في أسفل الظهر أو المشي على أطراف الأصابع، أو قصر واضح بالرجل المصابة مقارنة بالأخرى وفي هذه الحالات يكون العلاج أصعب بكثير من الفترة الأولى بسبب التأخر في الكشف.
مضاعفات خلع الولادة:
من أكثر مضاعفات المرض أهمية هو تشوه زر مفصل الحوض نتيجة لعدم وجوده في مكانه الطبيعي، ويصاحب هذه المشكلة مشاكل أخرى مثل ضعف العضلات المحيطة بمفصل الحوض، وقصر الطرف المخلوع، وكل ذلك ينتج عنه في النهاية حاجة المصاب إلى تركيب مفصل صناعي في المستقبل ويكون الإجراء الجراحي في هذه الحالات أصعب من الناحية التقنية على الجراح والمريض.
طرق تشخيص المرض:
وخصوصاً كشفه في مراحله المبكرة، فمن المعلوم أن كشفه مبكراً يسهم كثيراً في علاجه بشكل نهائي وبأقل التكاليف الممكنة بل ويجنب الطفل التعرض للعمليات الجراحية التي قد تتضمن قص العظم.
يتم الكشف عن المرض في الشهر الأول من العمر بالفحص السريري الذي يقوم به طبيب الأطفال أو طبيب العظام، فهناك علامات وطرق للفحص يعرفها الأطباء جيداً ويستطيعون من خلالها إذا ما كانوا خبراء في الفحص من كشف وجود الخلع أو الاشتباه في وجوده. ومن ثم يتم تحويل الطفل إلى مختص العظام من أجل كشف أدق بالتصوير بالموجات الفوق صوتية أو بالصور الشعاعية.
التصوير بالموجات الفوق صوتية (الألتراساوند) يكون التشخيص دقيقاً باستعمال هذه الطريقة في الشهور الستة الأولى (من 4-6 شهور) من عمر الطفل، حيث يتم استعمال جهاز خاص على يد الطبيب المختص للكشف المبكر عن وجود الخلع، وتعتبر هذه الطريقة أدق من الأشعة العادية في هذه المرحلة العمرية، خصوصاً وأن نواة مفصل الحوض (زر الحوض) يكون غير مكتمل النمو عادة ولا يظهر بالصور الشعاعية العادية لكنه يظهر بالموجات الفوق صوتية.
استعمال هذه الطريقة يتطلب تدريباً خاصاً من الأطباء حيث أن هناك قلة فقط يستطيعون استعمال جهاز الألتراساوند في تشخيص خلع الولادة، مع أنها طريقة سهلة وفعالة وآمنة في التشخيص ويستطيع الطبيب الذي يحسن استخدامها اكتشاف العديد من الحالات التي يتم اكتشافها بوقت متأخر في العادة، كما أن لهذا الجهاز دور كبير في متابعة الطفل المصاب بالخلع بشكل دوري أثناء تركيبه لأجهزة علاج الخلع وذلك دون تعريضه لخطر الأشعة السينية (الأشعة التقليدية).
التصوير بالأشعة العادية ... تعتبر هذه الطريقة هي الأدق في حالة اكتمال نمو نواة مفصل الحوض، وهذا يحدث عادة في الفترة العمرية بعد 4-6 شهور وقد يتأخر اكتمال النمو لغاية 7-9 شهور من العمر، لكن عند ظهور النواة واضحة بالأشعة يصبح التشخيص أدق باستعمال هذه الطريقة.
تابعونا في قادم الأيام من أجل استكمال الحديث عن خلع الولادة وطرق علاجها.
علاج خلع الولادة:
في البداية يجب أن يتم التنويه لإحدى الخرافات التي تنتشر بين أفراد المجتمع وهي أن إرتداء الطفل لحفاظين (فوطتين) معاً يحميه من خلع الولادة أو يساهم في علاج المشكلة. نحب التأكيد على أن هذه الطريقة لا تفيد في وغير موجودة في المراجع الطبية وغير مثبت أنها تساهم في الوقاية أو العلاج من خلع الولادة.
أولى الطرق في العلاج تتمثل بجعل الطفل يرتدي أجهزة من نوع خاص، ولهذه الأجهزة معايير وقياسات محددة يتم ضبطها من قبل طبيب العظام من أجل العلاج الفعال وتجنب المخاطر التي يمكن أن ترافق الإستخدام الخاطئ لها.
الطريقة الثانية التي من الممكن اللجوء إليها في حالات معينة، طريقة الجبص تحت التخدير العام، يقوم الطبيب أثنائها برد الخلع وتصوير الطفل ومن ثم صنع بنطال معين من الجبس يرتديه الطفل لفترة معينة.
من الطرق الأخرى هي الطرق الجراحية التي نلجأ لها في الحالات المتقدمة أو في الحالات التي يفشل بها العلاج بالطرق السابقة، وتتراوح الجراحات التي نقوم بها من جراحات بسيطة تتضمن تحرير بعض الأنسجة الطرية إلى جراحات متقدمة نقوم خلالها بقص العظم وتثبيته بطرق معينة لاحتواء زر عظم الفخذ في بيته.