مرض فابري

مرض فابري اضطراب وراثي نادر يَحدث نتيجة نقص أو غياب نشاط إنزيم ألفا-غالكتوسيداز أ، مما يؤدي إلى تراكم الدهون في الأعضاء المختلفة، مثل القلب، والكلى، والجهاز العصبي، ويمكن التقليل من أعراضه عبر العلاج التعويضي بالإنزيم والعلاج المعزز للإنزيم، وعلى الرغم من عدم وجود علاج نهائي للمرض، فإنّ للعلاج المبكر دور في تحسين جودة الحياة والحد من المضاعفات.

مرض فابري (Fabry Disease) اضطراب وراثي نادر يُصنَّف ضمن أمراض اختزان الأجسام الحالة (Lysosomal Storage Diseases)، إذ يسبب مشكلات صحية كبيرة تؤثر في القلب، والكلى، والأوعية الدموية، والجهاز العصبي.[1][2]

تعود تسمية مرض فابري إلى عام 1898 ميلادي عندما وَصف اختصاصيّا الأمراض الجلدية يوهانس فابري (Johannes Fabry) وويليام أندرسون (William Anderson) بوصف حالات لمرضى لديهم اضطرابات جلدية فريدة تُعرف بـِ الورم الوعائي التقرني المنتشر (Angiokeratoma corporis diffusum)، وسُمي المرض نسبةً للطبيب يوهانس فابري.[3]

ما هو مرض فابري النادر؟

داء فابري (FD) مشكلة صحية تنتقل عبر الكروموسوم الجنسي (X)، ويَحدث نتيجة طفرة في جين (GLA) الموجود على هذا الكروموسوم، مما يؤدي إلى نقص أو غياب نشاط إنزيم ألفا-غالكتوسيداز أ (α-GalA) (Alpha-galactosidase A)، المسؤول عن تكسير المركبات الدهنية المعقدة داخل الأجسام الحالة (Lysosomes)، مما يَنتج عنه تراكم المركبات الدهنية مثل غلوبيوتريوزيلسيراميد (Gb3) (Globotriaosylceramide) في العديد من الأعضاء، مثل الأوعية الدموية، والقلب، والكلى، والجهاز العصبي.[1][2]

كما يُعد مرض فابري من الأمراض النادرة، إذ يُقدر معدل انتشاره بحالة واحدة تقريبًا لكل 40,000 إلى 170,000 شخص.[1]

يتسم داء فابري بترسب أو تراكم نوع خاص من الدهنيات يُسمى الأجسام المخططة (Zebra bodies)، وتُلاحظ هذه الترسبات بوضوح داخل الخلايا البطانية وأحيانًا في خلايا أخرى.[3]

ما هي أنواع مرض فابري؟

يَختلف مرض فابري في شدته وأعراضه من شخص لآخر، ويُصنَّف إلى نوعين رئيسيين تبعًا للعمر الذي تبدأ فيه الأعراض ومستوى الإنزيم المسؤول عن المرض،[1][4] ويمكن تلخيص هذين النوعين لمرض فابري:[1][4]

  • الشكل الكلاسيكي المبكر (Early-onset classic form): هو النوع الأكثر شدة ويبدأ عادةً في مرحلة الطفولة أو المراهقة، ويَحدث عند وجود نشاط إنزيمي منخفض جدًا (أقل من 1%)، مما يؤدي إلى مضاعفات في عدة أعضاء مختلفة في وقت مبكر من العمر، مثل اعتلال عضلة القلب، والفشل الكلوي، وقد يُسبب في بعض الحالات إعاقات أو الوفاة.
  • الشكل المتأخر أو غير النمطي (Atypical or late form): يَظهر في مراحل لاحقة من العمر، غالبًا بين سن 40 و49 عامًا، وتَختلف الأعراض بناءً على مستوى النشاط المتبقي للإنزيم، ويؤثِّر هذا الشكل عادةً في القلب فقط، مسببًا تضخم في البطين الأيسر، واضطرابات في كهربية القلب، وعدم انتظام ضربات القلب، بالإضافة إلى مرض الشريان التاجي (Coronary Artery Disease (CAD)).

ما سبب مرض فابري؟

يَحدث مرض فابري نتيجة طفرات في جين (GLA) الموجود على الكروموسوم (X)، مما يؤدي إلى انخفاض أو غياب نشاط إنزيم ألفا-غالكتوسيداز أ (α-GalA)، ويؤثِّر هذا النقص في عملية تكسير الدهون المعقدة، مثل الغليكوسفينغوليبيدات (Glycosphingolipids) مما يُسبب تراكمًا لبعض المواد الدهنية مثل غلوبوتريوزيلسيراميد ومشتقاته القابلة للذوبان في الماء مثل ليزو-غلوبوتريوزيلسيراميد (Lyso-Gb3) (Lyso-globotriaosylceramide) في خلايا وأعضاء الجسم، خصوصًا في الأوعية الدموية، والقلب، والكلى، والأعصاب، وهذا التراكم يؤدي إلى تلف الأنسجة واضطراب وظائف الأعضاء.[1][3]

تَظهر أعراض مرض فابري عادةً عند انخفاض نشاط الإنزيم إلى أقل من (30- 35%) من المستوى الطبيعي، ويعتمد مدى شدة المرض على مستوى هذا النقص.[1]

إلى جانب التراكمات الدهنية، تُسهم عوامل أخرى في تفاقم مرض فابري، مثل الالتهاب وتنشيط جهاز المناعة الذاتية، مما يُعيق العمليات الحيوية داخل الخلايا، ويؤدي إلى تلف الميتوكوندريا، وموت الخلايا، كما أنّ الإجهاد التأكسدي وضعف جدران الأوعية الدموية يزيدان من الضرر، وقد يؤدي هذا إلى تصلب الأوعية أو انسدادها، مما يرفع من خطر فشل الأعضاء.[1][4]

من الجدير ذكره أنّ مادة غلوبوتريوزيلسيراميد (Gb3) تتراكم تحديدًا في بطانة الأوعية الدموية، والعضلات الملساء، والخلايا الداعمة لها، مما يؤدي إلى تلف الخلايا، وانسداد الأوعية، ونقص التروية، والجلطات، وقد تصل في بعض الحالات إلى الوفاة المبكرة.[1][2]

ما هي أعراض مرض فابري؟

تتنوع أعراض داء فابري نتيجة تأثيره الواسع في العديد من أعضاء الجسم، مثل الكلى، والقلب، والجهاز العصبي، والجلد، والعينين، وغالبًا ما تكون الأعراض غير محددة، مما يُصعِّب عملية التشخيص ويؤخرها.[1][2]

في حالة الإناث الحاملات للطفرات الجينية، قد تَظهر عليهن أعراض مشابهة لتلك التي تَظهر لدى الذكور، أو تكون شدتها أقل بكثير، أو قد لا تَظهر على الإطلاق، ويعتمد هذا على نوع الطفرة الجينية.[1][2]

عادةً ما تَبدأ أعراض مرض فابري في مرحلة الطفولة أو المراهقة، لكن غالبًا لا يُشخَّص المرض إلَّا بعد سنوات طويلة من بدء الأعراض، قد تصل أحيانًا إلى 11 عامًا، نتيجة تنوع الأعراض وتشابهها مع أمراض أخرى،[1][2] ومن أبرز أعراض مرض فابري:[1][2]

  • نقص التعرق أو غيابه.
  • مشكلات في التكيف مع الحرارة، أو البرودة.
  • عدم القدرة على ممارسة التمارين الرياضية الشديدة.
  • اضطرابات هضمية، مثل تقلصات البطن، والإسهال.
  • التبول المفرط، والشعور الزائد بالعطش.
  • الضعف الجنسي.
  • الدوار واضطراب التوازن عند الوقوف.
  • ضمور قرنية العين.
  • أورام وعائية جلدية (Angiokeratomas)، تَظهر عادةً في منطقة الحوض، والسرة، وكيس الصفن لدى الذكور.

يجدر الذكر أنّ بعض النساء المصابات بمرض فابري قد يواجهن مشكلات في الخصوبة، وقد يلجأن إلى تقنيات مثل التلقيح الصناعي، كما قد يتعرضن خلال الحمل لمضاعفات، مثل زيادة خطر التجلطات، ومشكلات في الأوعية الدموية الدقيقة.[5]

كيفية تشخيص مرض فابري

يُعد الكشف المبكر عن مرض فابري أمرًا بالغ الأهمية نظرًا للتراكم التدريجي للمركب الدهني (Gb3) في الأعضاء المستهدفة، إذ يُسهم هذا الكشف في تحديد مرحلة المرض مبكرًا، مما يُتيح البدء بعلاج مُخصص يُقلِّل من خطر تلف الأعضاء.[1]

من أبرز الاختبارات والفحوصات التشخيصية الأساسية لمرض فابري:[1][2]

  • اختبارات الأيض الأساسية: لفحص الشوارد أو الكهارل (Electrolytes)، ووظائف الكلى.
  • تحليل البول: للكشف عن الأجسام الدهنية البيضاوية.
  • قياس نشاط إنزيم ألفا-غالكتوسيداز أ: يُجرى في خلايا الدم البيضاء، أو البلازما لتأكيد التشخيص، خاصةً لدى الذكور.
  • قياس مستوى ليزو-غلوبوتريوزيلسيراميد (Lyso-Gb3): يُستخدم لتأكيد التشخيص خاصةً في حال وجود طفرات غير واضحة، كما يُسهم في تقييم شدة المرض ومتابعة الاستجابة للعلاج.
  • تخطيط كهربية القلب (Electrocardiogram): للكشف عن اضطرابات التوصيل الكهربائي في القلب.
  • تخطيط صدى القلب (Echocardiogram): لتقييم بنية القلب، واكتشاف أي خلل ناتج عن تراكم (Gb3).
  • الفحوصات التصويرية، والتي تتضمن:
    • الأشعة السينية للصدر.
    • التصوير المقطعي (Computed Tomography).
    • التصوير المقطعي المحوسب للأوعية الدموية.
    • التصوير بالرنين المغناطيسي.
    • تصوير الأوعية الدموية بالرنين المغناطيسي.
    • التحليل الطيفي بالرنين المغناطيسي (Magnetic Resonance Spectroscopy).
  • خزعة الجلد أو الكلى: تُستخدم في حال عدم توفر الفحوصات الإنزيمية أو الجينية، وتُجرى من خلال تحليل العينات بالمجهر الإلكتروني، لتحديد التراكمات الدهنية داخل خلايا الكلى، المعروفة باسم الأجسام المخططة، وهي علامة بارزة لترسب غلوبوتريوزيلسيراميد (Gb3).

ما علاج مرض فابري؟

لا يمكن الشفاء تمامًا من مرض فابري، ولكن هنالك مجموعة من العلاجات التي تُسهم في التقليل من شدة المرض ومضاعفاته المحتملة عن طريق استهداف السبب الرئيسي للمرض،[1][2] ومن أبرز الطرق العلاجية لداء فابري:

  • العلاج التعويضي بالإنزيم (ERT) (Enzyme Replacement Therapy): يُعطى العلاج التعويضي للإنزيم عن طريق الحقن الوريدي لإنزيم (α-Gal A) بهدف تعويض نقصه في الجسم، مما يُسهم في تقليل تراكم المواد الضارة في الأعضاء، مثل الكلى، والقلب، والأعصاب، ويُستخدم في هذا العلاج نوعان رئيسيان من الأدوية، ريبلاجال (Replagal)، وفابرازايم (Fabrazyme).[1][3]
  • العلاج المعزز للإنزيم (PCT) (Pharmacological Chaperone Therapy): مثل دواء ميغالاستات (Migalastat)، الذي يُعطى عن طريق الفم، ويُحسِّن وظيفة الإنزيم في الخلايا، ولكنه يُستخدم فقط للمرضى الذين لديهم طفرات قابلة للعلاج.[1][3]
  • علاجات أخرى، في بعض الحالات قد تُستخدم علاجات أخرى لمعالجة المشكلات الصحية المرتبطة بمرض فابري:[2]
    • زراعة الكلى: للمصابين بالفشل الكلوي المتقدم، مع الاستمرار في العلاج التعويضي بالإنزيم بعد الزراعة.
    • أدوية لخفض ضغط الدم، مثل مثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين (Angiotensin-Converting Enzyme Inhibitors) أو حاصرات مستقبلات الأنجيوتنسين (Angiotensin II Receptor Blockers).

على الرغم من فعالية هذه العلاجات في إبطاء تقدم المرض وتحسين جودة حياة المصابين، وتقليل المضاعفات، فإنّ لها بعض القيود، فالعلاج التعويضي بالإنزيم قد لا يصل إلى بعض الأنسجة أو عبور الحاجز الدموي الدماغي، كما قد يؤدي إلى تفاعلات تحسسية أثناء الحقن، كذلك قد تنخفض فعاليته إذا تكوّنت أجسام مضادة للعلاج، أمّا العلاج المعزز للإنزيم، لا يُنصح به أثناء الحمل أو لدى المرضى الذين يعانون من تراجع شديد في وظائف الكلى.[1]

ولهذا، ظهرت الحاجة إلى تطوير علاجات مستقبلية أكثر دقة وفعالية، ومن أبرز علاجات مرض فابري التي لا تزال قيد البحث، ويسعى الباحثون إلى تطويرها لتُناسب كل مريض وفق حالته:[1][4]

  • تحسين تركيبات العلاج التعويضي للإنزيم: إذ طُوِّر إنزيم جديد يُسمى بيغونيجالسيداز ألفا (Pegunigalsidase alfa)، وقد أُثبتت فعاليته في تقليل تراكم المواد الضارة.
  • العلاج المخفّض للركائز (SRT) (Substrate Reduction Therapy): يَهدف إلى تقليل تراكم المادة الضارة (Gb3) باستخدام بعض الأدوية التي يمكن تناولها عن طريق الفم وتخترق حاجز الدم- الدماغ.
  • العلاج باستخدام الحمض النووي الرسول (mRNA): يتضمن هذا العلاج استخدام جزيئات (mRNA)، لإيصال الجين المسؤول عن إنتاج إنزيم (α-GalA) إلى خلايا الكبد، مما يسمح لخلايا الكبد بإنتاج البروتين الصحيح وإفرازه في الدم.
  • العلاج الجيني: يَهدف إلى إدخال الإنزيم (α-GalA) الوظيفي للخلايا باستخدام ناقلات فيروسية أو غير فيروسية، بالتالي تسهيل توصيله إلى الأنسجة المستهدفة.

مضاعفات مرض فابري

في الحالات المتقدمة والمزمنة لمرض فابري، قد يؤدي تأثير المرض في الأعضاء المختلفة، مثل الكلى، والقلب، والجهاز العصبي المركزي إلى مضاعفات صحية خطيرة، وزيادة معدل الإصابة بالأمراض والوفاة.[1]

من أبرز المضاعفات والمخاطر الصحية المرتبطة بمرض فابري في حال تفاقم المرض مع تقدم العمر:[1][2]

  • السكتة الدماغية.
  • تليف الكلى، مما يؤدي إلى الفشل الكلوي.
  • مشكلات في وظيفة القلب نتيجة تضخم عضلة القلب وتصلب الأوعية الدموية.
  • مشكلات في الأوعية الدموية الدماغية، مما يزيد من احتمالية الإصابة بالنوبات الإقفارية العابرة (TIAs) (Transient ischemic attacks).
  • تلف الأعصاب المحيطة.
  • فقدان السمع.

كيف يمكن الوقاية من داء فابري؟

نظرًا لأنّ مرض فابري مرض وراثي، لا توجد وسيلة وقائية مباشرة، ومع هذا أُنشئت برامج لفحص حديثي الولادة بهدف التشخيص المبكر، مما يُتيح بدء العلاج في مراحل مبكرة، كما يُسهم التوجيه حول كيفية الإصابة بالمرض في توعية أفراد العائلة المعرضين للخطر وتقديم الرعاية المناسبة لهم، والتقليل من المضاعفات المرافقة للمرض.[1]

أسئلة شائعة

1. هل يوجد علاج لمرض فابري؟

لا يمكن الشفاء تمامًا من مرض فابري، لكن توجد علاجات، مثل العلاج التعويضي بالإنزيم والعلاج المعزز للإنزيم التي تُسهم في التقليل من شدة المرض ومضاعفاته.[1][3]

2. ما هو متوسط ​​العمر المتوقع لشخص مصاب بمرض فابري؟

وفقًا لإحدى الدراسات العلمية الحديثة، تبيّن أنّ "متوسط العمر المتوقع للذكور الذين تلقّوا علاجًا بالإنزيم التعويضي لمدة خمس سنوات بلغ 77.5 سنة، مقارنةً بـِ 60 سنة لدى الذكور الذين لم يتلقّوا العلاج".[1]

3. هل مرض فابري معدي؟

لا، مرض فابري هو مرض وراثي مرتبط بالكروموسوم (X)، ناتج عن طفرة في جين (GLA)، مما يعني أنّه غير معدٍ، بل ينتقل عبر الوراثة.[6]

كتابة: . ثراء عبد الله - الإثنين ، 12 أيار 2025
تدقيق طبي: الصيدلانية صابرين النادي

المراجع

1.
Lerario, S., Monti, L., Ambrosetti, I. et al. (2024). Fabry disease: a rare disorder calling for personalized medicine. Int Urol Nephrol 56, 3161–3172. Retrieved 13 April 2024, from https://doi.org/10.1007/s11255-024-04042-4
2.
Bokhari SRA, Zulfiqar H, Hariz A. (2023). Fabry Disease. [Updated 2023 Jul 4]. In: StatPearls [Internet]. Treasure Island (FL): StatPearls Publishing; 2025 Jan-. Retrieved July 4, 2023, from https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK435996/
3.
Kok, K., Zwiers, K. C., Boot, R. G., Overkleeft, H. S., Aerts, J. M. F. G., & Artola, M. (2021). Fabry Disease: Molecular Basis, Pathophysiology, Diagnostics and Potential Therapeutic Directions. Biomolecules, 11(2), 271. Retrieved from https://doi.org/10.3390/biom11020271

الأكثر قراءة

مواضيع متعلقة

آخر المواضيع المتعلقة

أسئلة و أجوبة

آخر الأخبار

فحوصات

أمراض

علاجات

أدوية

تكلم مع استشاري طب الوراثة أونلاين عبر طبكان
احجز