متلازمة ما بعد استئصال المرارة

تؤثر متلازمة ما بعد استئصال المرارة في الكثيرين ممّن يخضعون لعملية استئصال المرارة، إذ إنّها قد تظهر بعد الجراحة مباشرة، أو يتأخر ظهورها بعد مضي شهور أو سنوات عِدة بعد استئصال المرارة، ويُصاحبها أعراض مختلفة، كعسر الهضم، ونوبات ألم البطن، وغيرها، وترتبط هذه المتلازمة غالبًا بوجود مشكلات تؤثر في الجهاز الصفراوي، ولكن ثمّة مشكلات تؤثر في أجزاءٍ أُخرى من الجسم لتتسبّب في حدوث متلازمة ما بعد استئصال المرارة، ويحدّد الطبيب الإجراء الطبّي الملائم تبعًا لطبيعة وشدّة الأعراض التي يعانيها المريض.

تؤثر أمراض المرارة في حوالي 20% من الأشخاص الأصحّاء، وهي بذلك تُعدّ واحدةً من مجموعة الأمراض الشائعة التي تصيب الجهاز الهضمي، والتي تنتشر أكثر بين الإناث مقارنةً بانتشارها بين الذكور، غير أنّ خطورة الإصابة بأمراض المرارة تزداد لدى كِلا الجنسين مع تقدّم العمر، كذلك في حالة اختلال مستوى دهنيات الدم، والسُمنة المُفرطة، والميل لحياة الكسل وقِلة النشاط، واتباع نظام غذائي غير صحّي.[1][2]

يُجري الأطبّاء في الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من 1.2 مليون عملية استئصال مرارة سنويًّا، وقد اعتمد الجراحون على تقنية الجراحة المفتوحة لاستئصال المرارة حتى عام 1991 ميلادي، وبعد ذلك، أصبح استخدام المنظار في عملية استئصال المرارة إجراءً أساسيًّا، إذ يُستخدم المنظار في حوالي 92% من حالات استئصال المرارة في الوقت الحالي.[3]

ما المقصود بمتلازمة ما بعد استئصال المرارة؟

يمكن تعريف متلازمة ما بعد استئصال المرارة أو المتلازمة التالية لاستئصال المرارة (Postcholecystectomy syndrome or PCS) على أنّها مجموعة الأعراض التي تستمرّ أو تظهر بعد الخضوع لعمليّة استئصال المرارة، أو الأعراض الناجمة عن استئصال المرارة، وتتمثّل بوجود ألم متواصل في الجزء العلوي الأيمن من البطن، ويصاحبه ظهور العديد من الأعراض الهضميّة المتنوّعة، منها عسر الهضم واليرقان.[4][5]

يُشار إلى ارتفاع نسبة الإصابة بمتلازمة ما بعد استئصال المرارة بعد الخضوع لجراحة إزالة المرارة، إذ ذكرت دراسة نشرتها مجلة (Translational gastroenterology and hepatology) في عام 2021 ميلادي، أنّ حوالي 40% تقريبًا من المرضى يعانون من هذه المتلازمة بعد استئصال المرارة.[6]

أعراض متلازمة ما بعد استئصال المرارة

تظهر أعراض متلازمة ما بعد استئصال المرارة في بعض الحالات خلال الفترة الأُولى التي تلي استئصال المرارة، ويُطلق عليها في هذه الحالة اسم "متلازمة ما بعد استئصال المرارة المبكّرة" (Early PCS)، وقد تظهر في حالاتٍ أُخرى بعد مضيّ شهور أو سنواتٍ عِدّة على إجراء الجراحة، ويُشار إليها باسم "متلازمة ما بعد استئصال المرارة المتأخرة" (Late PCS).[6]

تختلف طبيعة وشِدّة الأعراض المُصاحبة لمتلازمة ما بعد استئصال المرارة من حالةٍ لأُخرى، فقد تكون أعراضها شديدة وينعكس أثرها سلبًا على حياة المريض، وفي حالاتٍ أُخرى، تظهر أعراضها طفيفة ولا تستدعي اتّخاذ أيّ إجراءٍ بشأنها، سواءً من قِبل المريض أو الطبيب نفسه،[7] عمومًا، ترتبط أعراض متلازمة ما بعد استئصال المرارة بتطوّر أعراض جديدة بعد الجراحة، أو استمرار ظهور بعض الأعراض المرافقة لمشكلات المرارة:[4][5]

  • عسر الهضم، وهي من أكثر أعراض متلازمة ما بعد استئصال المرارة شيوعًا.
  • حدوث نوبات مُتقطّعة من ألم البطن، كما يُعرف باسم المغص المراري (Biliary colic).
  • تجمُّع الغازات في البطن.
  • عدم تحمُّل الأطعمة الدهنيّة.
  • الغثيان والتقيؤ.
  • حرقة المعدة.
  • إسهال ما بعد إجراء الاستئصال، بسبب تدفقّ كمية كبيرة من الحمض الصفراوي إلى القولون.
  • اليرقان (الصفار).

لا يقتصر ظهور متلازمة ما بعد استئصال المرارة على البالغين فحسب، إذ توصّلت دراسة نُشرت في مجلة جراحة الأطفال (Journal of Pediatric Surgery) عام 2022 ميلادي، إلى إمكانيّة تطوّر أعراض هذه المتلازمة لدى الأطفال أيضًا بعد خضوعهم لجراحة استئصال المرارة، فقد أُبلغت الدراسة عن ظهور مجموعة متنوّعة من الأعراض المتعلّقة بالجهاز الهضمي لدى مجموعة من الأطفال في الفترة التي تلت عملية استئصال المرارة، كالإسهال، وانتفاخ البطن، وحرقة المعدة أو ارتداد أحماض المعدة، ولُوحظ أنّ الوزن الزائد كان من عوامل الخطورة التي تُسهم في تطور هذه المتلازمة لدى الأطفال.[8]

أسباب متلازمة ما بعد استئصال المرارة

ازداد فهم واستيعاب اضطرابات القنوات الصفراويّة مع تطوُّر التكنولوجيا وتقنيات التصوير التشخيصي في المجال الطبّي، وأسهم إلى التوصّل لنتيجة مفادها أنّ الاضطرابات الوظيفيّة في القناة الصفراوية هي إحدى أكثر الأسباب شيوعًا لحدوث متلازمة ما بعد استئصال المرارة.[9]

من جانبٍ آخر، يتجاهل الأطباء في معظم الأحيان الاضطرابات خارج القناة الصفراويّة، والتي قد تكون سببًا في ظهور أعراض متلازمة ما بعد استئصال المرارة، أي أنّ أسباب متلازمة ما بعد استئصال المرارة قد تتعلّق بمشكلات في الجهاز الصفراوي، أو في الجهاز الهضمي خارج الجهاز الصفراوي، أو اضطراباتٍ خارج الأمعاء،[5] ومن هذه الأسباب:[5][9]

  • أسباب مرتبطة بالجهاز الصفراوي (Biliary tract)، مثل التهاب القناة الصفراويّة (Cholangitis)، وتحصّي القناة الصفراوية (Choledocholithiasis)، وخلل الحركة (Dyskinesia) في العضلة العاصرة الكبدية، وتسرّب العصارة الصفراويّة.
  • أسباب مرتبطة ببقايا المرارة وقناة المرارة (Cystic duct)، كالورم العصبي (Neuroma)، والتهاب بقايا جذع المرارة بعد إزالته (Cholelithiasis Stump).
  • أسباب مرتبطة بالمنطقة الأمبولية (Periampullary)، كنموّ الورم السرطاني، أو الورم الحُلَيمي (Papilloma)، أو تضيُّق عاصرة أُودي (Sphincter of Oddi)‏.
  • أسباب تتعلق بالكبد، مثل التهاب الكبد، وتشمع الكبد، ومتلازمة دوبين-جونسون (Dubin-Johnson syndrome)، ومتلازمة غيلبرت (Gilbert disease).
  • أسباب تتعلق بالبنكرياس، مثل التهاب البنكرياس، وأورام البنكرياس الحميدة، وحصى البنكرياس، وسرطان البنكرياس.
  • أسباب مرتبطة بالمريء، كالفتق الحجابي (Hiatal hernia)، وتعذُّر الارتخاء المريئي (Achalasia)‏، والتهاب المريء الجزريّ (Reflux esophagitis).
  • أسباب مرتبطة بالمعدة، مثل سرطان المعدة، والقرحة الهضمية (Peptic ulcer disease).
  • أسباب تتعلق بالإثني عشر (Duodenum)‏ والأمعاء الدقيقة، مثل مرض القولون العصبي، و"الرتج الإثني عشر" (Duodenal diverticulum)، والفتق الجراحيّ (Incisional hernia)، والالتصاقات (Adhesions)‏.
  • أسباب مرتبطة بالقولون، كالإمساك، والإسهال، والفتق الجراحي، ومرض القولون العصبي.
  • أسباب تتعلق بالأمراض الوعائيّة، مثل الذبحة الصدرية التاجيّة (Coronary angina)، والذبحة المِعويّة (Intestinal angina)، أو الجلطة المعوية (Mesenteric ischemia).
  • أسباب تتعلّق بالعظام، مثل التهاب المفاصل (Arthritis).
  • أسباب عصبيّة، كالورم العصبي (Neuroma)، والألم العصبي الوربي (Intercostal neuralgia)، والاضطرابات العصابية (Neurosis)، والتوتر النفسي، والقلق.
  • أسباب أُخرى، مثل التسمّم الدرقي (Thyrotoxicosis)، وسرطان الغدة الكظريّة، ووجود أجسام غريبة، كحصى المرارة، أو الأدوات الجراحيّة، ومتلازمات الألم مجهول السّبب (Unexplained pain syndromes).

علاج متلازمة ما بعد استئصال المرارة

يُحدّد الأطباء العلاج الملائم لحالات متلازمة ما بعد استئصال المرارة بالاعتماد على نتائج تشخيص الحالة، وطبيعة المشكلة التي يعانيها المصاب.[7]

العلاج بالأدوية

تُوصَف أنواع مختلفة من الأدوية بهدف السيطرة على المرض ومنع حدوث المضاعفات:[5][7]

  • دواء كوليسترامين (Cholestyramine)، قد يُعطى في حالات الإصابة بالإسهال غير المصحوب بأعراضٍ أُخرى.
  • مضادات التشنّج (Antispasmodic)، أو العوامل المالئة (Bulking agents)، أو المُهدئات المضادة للكولين (Anticholinergic)‏، ويصِفها الطبيب عادةً في حالات الإصابة بمتلازمة القولون العصبي.
  • مثبطات مضخة البروتون (Proton pump inhibitors)، ومضادات الحموضة، وحاصرات مستقبل هستامين 2 (H2 antagonist)، والتي قد تفيد في حالات ظهور أعراض التهاب المعدة أو داء الارتداد المعدي المريئي (GERD).‏
  • الأدوية المضادّة للإسهال (Antidiarrheal agents).

الإجراءات العلاجية الطبية

تتوفّر مجموعة من الإجراءات العلاجيّة التي قد تُستخدم للسيطرة على متلازمة ما بعد استئصال المرارة:[4][7]

  • إجراءات لعلاج التسريب أو الإصابات الصفراوية، وتخفيف الألم بعد استئصال المرارة، كاتّباع طريقة التصريف الإشعاعي غير الجراحي (Non-invasive radiological drainage)، أو التدخل الجراحي بواسطة دعامة تصوير البنكرياس والقنوات الصفراوية بالتنظير الباطني بالطريق الراجع (Endoscopic retrograde cholangiopancreatography (ERCP.
  • إجراءات لعلاج حالات اضطراب معصرة أودي (Sphincter of Oddi Dysfunction or SOD)، مثل بَضع الحُلَيمة (Papillotomy)، وتُستخدم هذه الطريقة في حالات معيّنة من اضطراب معصرة أودي بهدف تخفيف الألم المتكرّر الناجم عن حدوث هذا الاضطراب.
  • استكمال عملية استئصال المرارة في حالات وجود بقايا جذوع المرارة (Remnant gallbladder stumps).
  • الوخز بالإبر (Acupuncture) قد يكون آمنًا للاستخدام في حالات متلازمة ما بعد استئصال المرارة.

نصائح بعد استئصال المرارة

يلجأ اختصاصي الجراحة العامة أحيانًا إلى إجراء شقّ جراحي لاستئصال المرارة، وتُعرف هذه الطريقة باسم الجراحة المفتوحة، ويختار في حالاتٍ أُخرى اتباع طريقة استئصال المرارة بواسطة المنظار (Laparoscopic cholecystectomy)، وهي الطريقة التي تستدعي إجراء عِدّة شقوق جراحيّة صغيرة في البطن للتمكن من إدخال الأدوات الجراحيّة المُتخصّصة وإزالة المرارة، وقد يستغرق وقت التعافي بعد العمليّة بين 6-8 أسابيع تقريبًا بحسب نوع العملية، وفي كِلتا الحالتين، يجب معرفة أهم نصائح بعد استئصال المرارة:[10][11]

  • تجنب حمل الأشياء الثقيلة خلال الأسابيع الأُولى بعد الجراحة، إلى أن يُوصي الطبيب بغير ذلك.
  • تجنّب ممارسة الأنشطة الشاقّة إلى حين تحسّن الحالة الصحيّة للمريض، تحديدًا الأنشطة والمهام التي تُسبب ضغطًا على مكان جرح العملية، أو تحفّز الشعور بالألم، أو تجعل التقاط الأنفاس بعد أدائها صعبًا.
  • إمكانيّة المشي لمسافات قصيرة، والاكتفاء بإنجاز الأعمال المنزليّة البسيطة.
  • تجنبّ أداء المهام المؤذية والمرهقة للجسم، إذ يُوصَى بزيادة مستوى التمارين والمجهود المبذول تدريجيًّا.
  • الالتزام بتناول مسكنات الألم التي يصِفها الطبيب بالجرعات والمدّة المُحدّدة.
  • استشارة الطبيب حول الطريقة الصحيحة للعناية بجرح العملية، والتأكد من إمكانية الاستحمام، أو السماح بوصول الماء إلى موضع الجرح الخاص بالعملية.
  • الحرص على تناول الأطعمة الغنيّة بالألياف، ويُنصَح أيضًا بالابتعاد عن تناول الأطعمة الدّسِمة والحارّة.
  • الحرص على تناول كميات لا تقلّ عن 8 إلى 10 أكواب يوميًا لتسهيل حركة الأمعاء.
  • يُوصي أحيانًا باستخدام الملّينات لتخفيف الإمساك، وتقليل جرعة المسكنات الأفيونية لتجنبّ الإصابة بالإمساك، أو استبدالها تمامًا بمواد مثل الأسيتومينوفين (Acetaminophen) والإيبوبروفين (Ibuprofen) بعد استشارة للطبيب.
  • الالتزام بالمواعيد المُقرّرة مع الطبيب بانتظام.

كما يُوصَى بضرورة التواصل مع الطبيب لدى تفاقم مجموعة من الأعراض:[11]

  • حدوث نزيف من الشق الجراحي، أو عند ملاحظة ظهور احمرار حول الجرح، أو ظهور تقيّحات صفراء أو خضراء اللون.
  • ارتفاع درجة حرارة الجسم وتجاوزها 38.3 درجة مئوية.
  • الشعور بالألم الشديد الذي لا يمكن السيطرة عليه بالمُسكنات.
  • ملاحظة تغير لون البراز للرمادي.
  • تغيّر لون البشرة أو بياض العينين إلى الأصفر.
  • الإصابة بسعالٍ متواصل.
  • المعاناة من صعوبة التنفس.
  • عدم القدرة على تناول الطعام أو الشراب.

يجب الحرص على زيادة مقدار الوعي بشأن متلازمة ما بعد استئصال المرارة، وتثقيف المريض قبل خضوعه للجراحة حول احتمالية ظهور هذه المتلازمة، وضرورة مراقبته من كثب بعد الجراحة، خاصةً خلال السنة الأُولى بعد استئصال المرارة، فبذلك قد يتمكّن الأطبّاء من اكتشاف أي مشكلات صحية قبل تفاقمها، وإتاحة الفرصة للسيطرة على أعراض هذه المتلازمة، ومنع مضاعفاتها.[5]

كتابة: الصيدلانية بيان ربيع - الأحد ، 05 آذار 2023
آخر تعديل - الأحد ، 05 آذار 2023

المراجع

1.
Mischinger, HJ. Surgery of the gallbladder. Eur Surg 53, 91–92 (2021). Retrieved from https://doi.org/10.1007/s10353-021-00724-w
2.
Kim HS, Cho SK, Kim CS, Park JS. Big data and analysis of risk factors for gallbladder disease in the young generation of Korea. PLoS ONE 14(2): e0211480. Retrieved from https://doi.org/10.1371/journal.pone.0211480
3.
Jones MW, Guay E, Deppen JG. Open Cholecystectomy. [Updated 2022 Oct 24]. In: StatPearls [Internet]. Treasure Island (FL): StatPearls Publishing; 2022 Jan [eBook edition]. Retrieved from https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK448176/

الأكثر قراءة

مواضيع متعلقة

آخر المواضيع المتعلقة

أسئلة و أجوبة

آخر الأخبار

فحوصات

أمراض

علاجات

أدوية

تكلم مع استشاري ازالة المرارة بالمنظار أونلاين عبر طبكان
احجز